في خضم الأجواء الاحتفالية التي رافقت زيارة (دونالد ترامب) إلى الشرق الأوسط، واتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، مرّ جانب من مساعي الرئيس الأمريكي لتقديم نفسه كـ«صانع سلام» دون تدقيق يُذكر.
ففي موقع غير متوقَّع على الإطلاق —داخل الكنيست، البرلمان الإسرائيلي— مدّ ترامب غصن زيتون إلى جهةٍ أشدّ غرابة لتلقّيه: العدو اللدود للدولة العبرية، إيران.
وقال ترامب: «سيكون أمرًا رائعًا لو عقدنا اتفاق سلام معهم، ألن يكون ذلك جميلًا؟ أعتقد أنهم يريدون ذلك».
أما الثمن المطلوب لإنهاء ما يقارب نصف قرن من العداء بين واشنطن وطهران —والذي يعود إلى أزمة احتلال السفارة الأمريكية بين عامي 1979 و1981 عقب الثورة الإيرانية— فتمثل، بحسب قوله، في أن تتوقف الجمهورية الإسلامية عن تمويل وكلائها المسلحين مثل حماس وحزب الله، وأن "تعترف أخيرًا بحق إسرائيل في الوجود".
و لو أن كلمات ترامب لم تكن موسيقى عذبة في آذان الساسة في القدس، الذين تشكّل وعيهم السياسي عبر عقودٍ من العداء، وإيمانٍ راسخ بأن حكّام إيران الإسلاميين يشكّلون تهديدًا وجوديًا، فقد قوبلت تصريحاته ببرودٍ أشدّ على بُعد ألف ميل في طهران.
فبعد رفضها دعوة ترامب غير المألوفة لحضور الاجتماع الذي نُظِّم على عجل في منتجع شرم الشيخ المصري للاحتفال بانتهاء الحرب في غزة، والترويج لما وُصف بأنه «عصر جديد من السلام في الشرق الأوسط»، تبنّت قيادات النظام الإيراني موقفًا صارمًا ومألوفًا.
إذ لم تُبدِ طهران أي استعداد لتناسي القصف الأمريكي في يونيو/ حزيران الماضي لمنشآتها النووية في فوردو وأصفهان ونطنز، ولا اغتيال الجنرال (قاسم سليماني)، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، في يناير/ كانون الأول 2020 خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب.
وقال وزير الخارجية الإيراني (عباس عراقجي) في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مبرّرًا رفض الدعوة إلى شرم الشيخ:
«رغم تفضيلنا للانخراط الدبلوماسي، فإن الرئيس مسعود بزشكيان وأنا لا يمكننا التعامل مع نظراءٍ هاجموا الشعب الإيراني وما زالوا يواصلون تهديدنا وفرض العقوبات علينا».
وعليه، فإن المناورة الدبلوماسية التي أطلقها ترامب تبدو غير مرشحة لتحقيق أي تقدّم في المدى القريب.
بل إنّ احتمالات التصعيد العسكري تبدو أكبر من فرص التهدئة، خاصةً مع تصاعد الشكوك في طهران عقب الهجوم الذي شنّته إسرائيل بينما كان المفاوضون الإيرانيون يستعدّون للجولة السادسة من محادثات البرنامج النووي الإيراني، الأمر الذي زاد من حدّة التوتر وانعدام الثقة.
وقال (نادر هاشمي)، أستاذ السياسة في الشرق الأوسط بجامعة جورجتاون:
«قد يرى البعض في ذلك بادرة تفاؤل، بأن ترامب يريد أن ينتهج الدبلوماسية ويفتح قنوات حوار، لكننا سلكنا هذا الطريق من قبل، وقد انتهى بحرب يونيو».
وأضاف هاشمي موضحًا:
«تصريحات ترامب في الكنيست ليست جديدة، لكننا نعيش لحظة مختلفة الآن. فبالنسبة لطهران، النتيجة المنطقية لـ حرب الصيف والقصف الأمريكي هي أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة، ولا بترامب نفسه. إنه شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته مطلقًا. والطريق الوحيد الآمن لضمان الأمن القومي الإيراني هو تعزيز القدرات العسكرية الذاتية —أي تطوير الدفاعات الجوية والصواريخ— ثم إيجاد وسيلة تُمكّن إيران من امتلاك سلاح نووي دون التعرّض لهجومٍ جديد. و دورة الهجمات التي شهدناها آنذاك —حيث تهاجم إسرائيل، ثم تردّ إيران، ثم تتدخل الولايات المتحدة— مرجّح أن تتكرّر مجددًا خلال رئاسة ترامب، وربما في وقتٍ أقرب مما نتصوّر».
و يقف في طريق رؤية ترامب لما وصفه بـ«مثلث السلام» بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران كلٌّ من المرشد الأعلى الإيراني (آية الله علي خامنئي)، البالغ من العمر 86 عامًا، ومعه تيار متشدّد من صانعي القرار يتبنى النهج ذاته.
فمنذ أن خلف خامنئي آية الله (روح الله الخميني)، قائد الثورة الإسلامية ومؤسس الجمهورية الإيرانية، في منصب المرشد الأعلى عام 1989، جعل من إفشال السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط وإنكار شرعية إسرائيل محور مسيرته السياسية وعقيدته الثابتة.
ويرى (عباس ميلاني)، مدير دراسات إيران في جامعة ستانفورد، أن أي آمال بتغيير جذري في سياسة طهران ستظلّ بعيدة المنال ما دام خامنئي على قيد الحياة ويمسك بزمام السلطة.
وقال ميلاني:
«يمكن اعتبار ذلك واقعيًا فقط إذا عنى وجود نخبة حاكمة مختلفة في إيران، بالتأكيد ليس بوجود السيد خامنئي على رأس النظام، ولا بطاقمه الذي ما زال يتحكّم بأجزاء واسعة من مؤسسات الحكم. لذا أعتقد أن فرص التوصل إلى أي اتفاق تكاد تكون معدومة».
و شبَّه عباس ميلاني دعوة ترامب لرموز النظام الإيراني لحضور مؤتمر شرم الشيخ بأنها أشبه بـ«دعوة مُشعل الحريق للاحتفال بانتهائه»، مشيرًا إلى أن إيران لا تزال متمسكة بدعمها لحركة حماس ومعارضتها لحلّ الدولتين في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
ومع ذلك، فإن الطابع المفارق والمنطقيًّا غير المتوقَّع لتلك الدعوة قد يزيد من اضطراب نظامٍ يعيش أصلًا حالة من التوتر الداخلي بعد سنوات من الاحتجاجات الفاعلة والمُرهقة ضد قوانين الحجاب الصارمة، والتي أضعفت شرعيته في الداخل.
وقال ميلاني:
«لقد أثارت الدعوة نقاشًا واحتكاكًا داخل أروقة النظام، إذ خرج بعضهم علنًا ليقول: “كان علينا أن نذهب. لماذا لا نذهب ونتحدث إلى ترامب؟”».
وأضاف موضحًا:
«إحداث مثل هذه الانقسامات داخل طبقةٍ حاكمة كانت تبدو متجانسة تمامًا —على الأقل في ما يخص السياسة الخارجية— قد يكون من النتائج غير المقصودة، أو ربما المقصودة، لتلك الدعوة الغريبة».
وتابع ميلاني قائلًا:
«يتزايد في إيران عدد الذين يتحدّون خامنئي علنًا، أحيانًا بالاسم الصريح، وأحيانًا بالتلميح من خلال توجيه اللوم إلى المقرّبين منه داخل النظام».
و قال ميلاني:
«رغم أنني أعتقد أن ترامب يتصرّف بدافع الغريزة، إلا أنه كان يحاول صبّ الزيت على نار هذه التوترات —والتوتر داخل النخبة الحاكمة يُعدّ بوضوح الشرط الأول لأي انتقال سياسي— فربما يكون قد لمس نقطة حسّاسة فعلًا».
وأضاف: «الوضع في إيران دقيقٌ للغاية، ويحتاج إلى حكمةٍ وحذرٍ يشبهان مهارة جرّاح الأعصاب».
وفي غياب تلك المهارة الدقيقة، يرى (سينا طوسي)، المحلل في مركز السياسات الدولية، أن النتيجة الأقرب على المدى القصير هي تجدّد التصعيد وسط تصاعد المطالب الأمريكية والإسرائيلية، مقابل ردّ إيراني أكثر تشدّدًا.
وقال طوسي:
«التصوّر السائد داخل إدارة ترامب هو أن إيران أصبحت أضعف، وأن بإمكان واشنطن انتزاع مكاسب أكبر من مجرد اتفاقٍ نووي».
وأضاف موضحًا:
«هم يريدون اختبار إمكانية إجبار طهران على الخضوع، أي الاعتراف بإسرائيل، وإنهاء دورها الإقليمي. كما طُرحت مطالب لتقييد برنامجها الصاروخي. وإذا قرروا المضيّ في هذا الاتجاه، فسوف يُصعّدون الضغوط إلى أقصى حد».
وتابع طوسي:
«في المقابل، ستتمسك إيران بمواقفها، وستعمل على تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا ودول الجوار، لخلق كلفة سياسية واقتصادية للولايات المتحدة. وقد يشهد الوضع تصعيدًا أشدّ سخونة في المستقبل القريب».
لقراءة المادة من موقعها الاصلي:
https://www.theguardian.com/us-news/2025/oct/16/trump-middle-east-peace-iran-israel