[ رويترز ]
شنّ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات هجوماً عسكرياً واسعاً في جنوب اليمن يوم الثلاثاء الماضي، وتمكّن بحلول يوم الاثنين من السيطرة على محافظة حضرموت الغنية بالنفط والموارد، إضافة إلى مناطق أخرى في الإقليم، بما فيها مدينة عدن.
ويمثّل هذا التحوّل الكبير في موازين القوة داخل اليمن –الذي انقسم إلى عدة مناطق خلال سنوات الحرب الأهلية رغم بقاء خطوط التماس ثابتة نسبياً– تطوراً قد يفضي إلى تداعيات إقليمية واسعة.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي قد انضم عام 2022 إلى الحكومة المناهضة للحوثيين والمعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية والمتمركزة في عدن. وقد تمّ تعيين رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، نائباً لرئيس مجلس القيادة الرئاسي.
ومع ذلك، استمرت التوترات، إذ يتبنى المجلس الانتقالي الجنوبي توجهاً انفصالياً أكثر وضوحاً، بينما تسعى الفصائل المدعومة من السعودية لاستعادة سيادة الدولة على كامل اليمن، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في الشمال.
وقال مسؤولون في المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن إن قادة آخرين في مجلس القيادة الرئاسي، بمن فيهم رئيس المجلس رشاد العليمي، فرّوا إلى الرياض قبل دخول قوات المجلس الانتقالي إلى العاصمة التاريخية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة (جنوب اليمن).
وجاء ذلك رغم أوامر المجلس الانتقالي لهم بالبقاء، وفق ما صرّح به المسؤول الرفيع في المجلس، عمرو البيض، لوكالة رويترز.
ومن جانبها، استضافت السعودية مسؤولين من مجلس القيادة الرئاسي. وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية يوم الثلاثاء أن المدير العام لوزارة الخارجية السعودية التقى القنصل العام لليمن في جدة يوم الاثنين.
وأضاف التقرير أنه خلال اجتماع ثلاثي جمع السعودية وإيران والصين، «جدّدت الدول الثلاث تأكيد دعمها لحلٍّ سياسي شامل».
والتقى المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، يوم الثلاثاء بممثلين عن السعودية والإمارات ومجلس الأمن الدولي في الرياض، ودعا إلى خفض التصعيد عبر الحوار، مؤكداً ضرورة أن تمارس جميع الأطراف قدراً من ضبط النفس.
ومع ذلك، فإن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي ستؤدي إلى تراجع النفوذ السعودي في اليمن. وحتى الآن، لا تظهر أي مؤشرات على توتر بين السعودية والإمارات بشأن هذه التطورات. ويسعى المجلس الانتقالي إلى تقليل المخاطر الناجمة عن ذلك عبر طمأنة الرياض.
وفي يوم الثلاثاء، عقد الزبيدي اجتماعاً مع قيادات المجلس الانتقالي، وأشاد فيه بـ«الدعم الكبير» الذي قدّمته قوات التحالف المناهض للحوثيين بقيادة السعودية والإمارات، وبالجهود التي بذلها البلدان «والتي أسهمت في إرساء الأمن والاستقرار».
وقال مسؤول إماراتي لوكالة رويترز يوم الاثنين إن موقف الإمارات من اليمن «يتماشى مع موقف السعودية في دعم المسار السياسي».
وبذلك، تبدو العلاقات بين أبرز قوتين سنيتين في المنطقة مستقرة – على الأقل في المدى القريب. لكن تراجع النفوذ السعودي في جنوب اليمن قد يشكّل مدخلاً لتوترات مستقبلية.
• من غير المرجّح أن يضعف الحوثيون نتيجة تمدد المجلس الانتقالي الجنوبي أو قيام جنوبٍ يمني مستقل
كيف يتفاعل الحوثيون؟
لا يتأثر الحوثيون في اليمن بشكل كبير بهذا التغيير من الناحية العسكرية. فبالنسبة للجماعة المسلحة المتمركزة في شمال البلاد، لا يشكّل فارقاً كبيراً في مسار الحرب الأهلية ما إذا كانوا يواجهون قوات مدعومة من السعودية أو الإمارات، أو جماعات قبلية أو جهادية أخرى في جنوب اليمن.
وحتى الآن، كان أحد العناصر الرئيسية في ردع الحوثيين وإضعاف قدراتهم العسكرية يتمثل في الغارات الجوية السعودية ضد بنيتهم التحتية، وخصوصاً في صنعاء. ومع تراجع النفوذ والدافع السعودي في الجنوب، قد يؤدي ذلك إلى خفض أولويات الرياض في استهداف الحوثيين.
كما أن الحوثيين ليسوا عرضة بسهولة لاجتياح عسكري تقليدي، إذ تتمتع مواقعهم بحماية المرتفعات الجبلية الشاهقة التي غالباً لا يمكن عبورها إلا عبر طريق واحد، ما يمنحهم نقاط دفاع قوية في مواجهة أي تقدّم محتمل للمجلس الانتقالي نحو الشمال.
وقال محمد منصور، وكيل وزارة الإعلام في حكومة الحوثيين، لقناة «المسيرة» التي تبث من بيروت وتديرها الجماعة، إن سيطرة المجلس الانتقالي «ستؤدي إلى مزيد من الفوضى والانقسام». وألقى باللوم على كل من الإمارات والسعودية بدرجات متفاوتة.
وأضاف منصور أن «الصهاينة العرب أرادوا منع رفع العلم اليمني»، مشيراً إلى أن أي «تصعيد مستقبلي» سيكون عملاً أمريكياً–إسرائيلياً–بريطانياً، حتى لو نُفِّذ بواسطة «قوات بالوكالة» تنطلق من اليمن.
• هل سيدفع المجلس الانتقالي نحو قيام دولة جنوب اليمن؟
أشارت تقارير محلية إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعتمد علم دولة جنوب اليمن السابقة، قد رفع ذلك العلم فوق المباني الحكومية والرسمية في مختلف أنحاء الإقليم. كما أظهرت الحسابات الرسمية للمجلس في وسائل التواصل الاجتماعي مسيراتٍ في عدة مناطق دعا خلالها مؤيدوه إلى قيام دولة جنوب اليمن المستقلة.
كما قال الزبيدي في اجتماع المجلس الانتقالي يوم الاثنين إن المرحلة المقبلة ستكون «مرحلة عمل مكثف لبناء مؤسسات دولة الجنوب العربي المستقبلية».
غير أن هذا لا يعني أن إعلان دولة جنوبية مستقلة بات قريباً؛ إذ يحتاج المجلس الانتقالي إلى ترسيخ سيطرته على الأرض، بما في ذلك القضاء على ما تبقى من عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، التي تنشط بشكل كبير في حضرموت، وكذلك تعزيز علاقاته مع الشركاء الإقليميين والدوليين بهدف كسب الشرعية كحكومة معترف بها دولياً.
وقد يكون هذا هو السبب وراء مطالبة المجلس الانتقالي للعليمي وغيره من قادة مجلس القيادة الرئاسي بالبقاء في عدن، إذ إن فرارهم إلى الرياض قد يضعف شرعية المجلس الانتقالي في نظر شركائه.
ومع ذلك، فإن الثروة النفطية في المنطقة، إلى جانب الدعم الإماراتي المتوقع اتساعه دولياً، قد يفتح الطريق أمام قيام دولة جنوب اليمن في المدى القريب إلى المتوسط.
• فرص لإسرائيل، تشمل النفط وتوسيع اتفاقات أبراهام
كيف يؤثر ذلك على إسرائيل؟
من غير المرجّح أن تُحدث هذه التطورات أثراً مباشراً على إسرائيل فيما يتعلق بهجمات الحوثيين، بما في ذلك إطلاق الصواريخ الباليستية أو استهداف السفن في البحر الأحمر، إذ لا تزال الجماعة المدعومة من إيران تحتفظ بقدر السيطرة نفسه كما كان سابقاً.
غير أن الزبيدي، خلال مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول، صرّح لصحيفة ذا ناشيونال الإماراتية الناطقة بالإنجليزية بأن دولة جنوب اليمن المستقلة ستنضم إلى اتفاقات أبراهام وتقيم علاقات مع إسرائيل.
وقال حينها إن المجلس الانتقالي الجنوبي كان «يتقدّم نحو الانضمام إلى اتفاقات أبراهام» قبل اندلاع حرب إسرائيل–حماس.
وأضاف: «عندما تكون لدينا دولتنا الجنوبية، سنصنع قراراتنا بأنفسنا، وأعتقد أننا سنكون جزءاً من هذه الاتفاقات»، مشيراً إلى أن ذلك قد يكون مشروطاً بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وإذا تم إعلان دولة جنوب اليمن، فقد يفضي ذلك إلى حصول إسرائيل على حليف إقليمي مهم، وتعزيز موقعها الاستراتيجي في مواجهة النفوذ الإيراني في خليج عدن وضد الحوثيين، إضافة إلى توسيع روابطها في مجال الموارد مع شركاء عرب، نظراً لثروة الجنوب اليمني من الموارد الطبيعية، ولا سيما النفط.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: