يقول الانفصاليون الجنوبيون في اليمن إنهم أحكموا سيطرتهم على مساحات واسعة من الأراضي، في تحوّل واضح في موازين القوى قد يهدّد بإشعال حربٍ أهلية مستمرة منذ عشر سنوات بعد فترة هدوء طويلة، ما يثير موجة جديدة من الغموض في بلد يقع قرب طرق بحرية استراتيجية.
ويؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي (STC)، الذي كان مدعوماً سابقاً من الإمارات العربية المتحدة، أنه بسط نفوذه على محافظتَي حضرموت والمهرة شرقي البلاد، وأنه بات راسخاً في جميع محافظات ما كان يُعرف بدولة جنوب اليمن سابقاً.
وقد شكّل المجلس الانتقالي الجنوبي جزءاً مهماً من التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دولياً في مواجهة جماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء وشمال غرب البلاد المكتظ بالسكان.
• لماذا تفكّك اليمن؟
يقع اليمن بين السعودية وممرّ شحن بالغ الأهمية على البحر الأحمر، وقد ظل منقسماً إلى دولتين، شمالية وجنوبية، حتى عام 1990.
وكانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن) الدولة العربية الشيوعية الوحيدة، ووافقت على الوحدة مع الشمال بعد حرب أهلية داخلية عام 1986 أبادت جزءاً كبيراً من قيادتها السياسية، وفي وقتٍ كانت فيه راعيتها الرئيسية، الاتحاد السوفيتي، على وشك الانهيار.
وبعد تحقيق الوحدة، بسط الشمال هيمنته على مؤسسات الدولة، فيما حاول الحزب الجنوبي الرئيسي الانفصال، مما أدّى إلى اندلاع حرب قصيرة عام 1994 انتهت سريعاً بانتصار الحكومة الشمالية المتمركزة في صنعاء.
وفي الأثناء، ظهرت جماعة الحوثيين في شمال البلاد أواخر التسعينيات، وخاضت حروب عصابات ضد الحكومة احتجاجاً على ما اعتبرته تهميشاً لطائفتها الزيدية الشيعية.
وعقب اندلاع احتجاجات الربيع العربي عام 2011، تفكّك الجيش اليمني، ودعمت دول الخليج عملية انتقال سياسي تقوم على حكومة مؤقتة في صنعاء ومفاوضات لصياغة دستور اتحادي جديد، وهو مشروع عارضه كلٌّ من الحوثيين والانفصاليين الجنوبيين.
وسيطر الحوثيون على صنعاء أواخر عام 2014، وفرّت الحكومة الانتقالية إلى الجنوب عام 2015، لتتدخل قوات التحالف بقيادة السعودية دعماً لها في مواجهة الحوثيين.
• لماذا يُعدّ استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على الأراضي خطوة خطيرة؟
تجمّد مسار الحرب الأهلية في اليمن لسنوات عند خطوط تماس شبه ثابتة، غير أن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على معظم الجنوب تهدّد اليوم بزعزعة هذا الوضع الهشّ.
وقد أدّت هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر خلال حرب غزة إلى تعطيل التجارة العالمية، ما أبرز إمكانية أن يمتد أي صراع متجدّد خارج حدود اليمن — رغم عدم وجود مؤشرات على ذلك في الوقت الراهن.
والسيطرة على المناطق الشرقية تعني أن المجلس الانتقالي الجنوبي بات يتحكّم بمعظم الاحتياطيات النفطية المحدودة في اليمن ومنشآت الإنتاج، فيما تشكّل السيطرة على عدن، العاصمة الجنوبية السابقة، تحدّياً كبيراً للحكومة المدعومة دولياً.
ويطل اليمن على مضيق باب المندب، ذلك الممر البحري الضيّق الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، ويُعدّ من أهم طرق التجارة البحرية بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط.
• هل سينفصل الجنوب؟
تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017 من مجموعة واسعة من الفصائل المتنافسة التي شكّلت سابقاً مكوّنات الحراك الجنوبي.
ويُعبّر المجلس عن أن الاستقلال هو تطلّع جامع لجميع الجنوبيين، ويرفع علم دولة جنوب اليمن السابقة. لكنه يعلن أيضاً أنه يسعى في الوقت الراهن إلى الحكم الذاتي، ويؤكد أن أولويته المباشرة هي قتال الحوثيين.
ويستند المجلس في جوهره إلى شبكة من القادة العسكريين والأمنيين النافذين المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالإمارات العربية المتحدة، وقد برز دورهم خلال معركة طرد الحوثيين من عدن عام 2015.
كما انضم المجلس عام 2022 إلى مجلس القيادة الرئاسي، الهيئة التي تولّت مهام رئيس الدولة في الحكومة المعترف بها دولياً.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى تمكّن الحراك الجنوبي من تجاوز الانقسامات الإقليمية والقبلية والأيديولوجية التي أعاقت مسيرته لعقود، والالتفاف حول أهداف مشتركة.
• ماذا عن الحكومة المعترف بها دولياً؟
على الرغم من أن الحكومة المعترف بها دولياً تتخذ رسمياً من عدن مقراً لها منذ فرارها من الحوثيين مطلع عام 2015، فإنها أمضت معظم تلك الفترة تمارس مهامها من العاصمة السعودية الرياض.
وبحسب ما ذكره المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي ورئيس الوزراء سالم صالح بن بريك غادرا عدن إلى الرياض فور سيطرة المجلس الانتقالي عليها.
وقد صرّح العليمي بأن خطوات المجلس الانتقالي تقوّض شرعية الحكومة وتنتهك اتفاقات تقاسم السلطة. ومع ذلك، سبق للحكومة أن تجاوزت انقسامات داخل تحالفها، إذ اندلعت مواجهات بين قوات المجلس الانتقالي وقوات موالية للحكومة عام 2017.
• أين يقف الحوثيون من كل ذلك؟
لا يزال الحوثيون يرسّخون نفوذهم في أكثر مناطق اليمن كثافة سكانية، الممتدة عبر المرتفعات وساحل البحر الأحمر.
وعلى الرغم من عدائهم الشديد لكلٍّ من الحكومة المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي، فإن القتال ظل محدوداً لسنوات، ولا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة على أن المكاسب الجنوبية ستغيّر هذا الواقع.
• ما هي الدول الأجنبية المنخرطة في الصراع؟
يرتبط الحوثيون بعلاقة وثيقة مع إيران، التي قدّمت لهم قدراً من التدريب والمعدات.
أما السعودية فقد مارست نفوذاً واسعاً في اليمن لسنوات طويلة، وتدخلت عام 2015 دعماً لعملية الانتقال السياسي التي قامت برعايتها، وبسبب مخاوفها من علاقة الحوثيين بخصمها الإقليمي اللدود إيران. وهي تدعم الحكومة المعترف بها دولياً، إضافة إلى قوى متعددة موالية لها، من بينها مقاتلو الإصلاح المرتبطون بجماعة الإخوان المسلمين في محيط مأرب شمالاً.
وانضمت الإمارات العربية المتحدة إلى التحالف الذي تقوده السعودية عام 2015، وكانت نشطة عسكرياً في الجنوب حيث دعمت التشكيلات الجنوبية، ما كشف عن وجود توتّرات بين الدولتين الخليجيتين. كما تُعرف الإمارات بمعارضتها الشديدة لجماعة الإخوان المسلمين.