تقرير: ترامب يتابع السودان.. ثلاث عقبات أمام الحل الأميركي
يمن فيوتشر - الحرة- رشا إبراهيم: الثلاثاء, 09 ديسمبر, 2025 - 03:30 مساءً
تقرير: ترامب يتابع السودان.. ثلاث عقبات أمام الحل الأميركي

تحول جذري في تعامل واشنطن مع أزمة السودان: الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتابع الملف شخصيا. “لا يرسل نوابا عنه”، بل يتولى متابعة الملف بنفسه، وفق تصريح لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
روبيو أضاف، خلال اجتماع في البيت الأبيض، أن ترامب هو “القائد الوحيد في العالم القادر على حلّ أزمة السودان”.
في الشهر الماضي، أعلن دونالد ترامب أنه سيعمل على إنهاء الحرب في السودان بعد طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهو الإعلان الذي قوبل بترحيب أطراف الصراع في السودان. غير أن تحديات كبيرة تعترض أي تسوية أميركية محتملة، إذ يطرح الجيش السوداني تصورا للحل يختلف عن رؤية “الرباعية”، كما أنه يرفض الجلوس حول طاولة تضم الإمارات، متهما إياها بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما يحتم على واشنطن إيجاد حل يرضي الحكومة السودانية، دون خسارة حلفائها الإقليميين، خاصة الإمارات.
ينضاف إلى ذلك مدى قناعة واشنطن بتأكيدات الجيش السوداني خلوه من أي وجود لجماعة الإخوان المسلمين، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تصنيف الجماعة على قائمة الإرهاب.
وهناك أيضا ما تردد عن عرض سوداني لروسيا بإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، وهو طرح يثير مخاوف دولية لأنه يتعلق بأحد أهم الممرات البحرية في العالم، ويمس توازن القوى في البحر الأحمر.

 

اختلاف الرؤى
تتركز مساعي التسوية في السودان حول مبادرات دولية وإقليمية متعددة تسعى إلى وقف الحرب الدائرة منذ 30 شهرا.
ويقود المبعوث الأميركي مسعد بولس جهود الولايات المتحدة لتطبيق “خارطة طريق” تستند إلى بيان “الرباعية” (الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر)، وتتضمن خمسة مبادئ أساسية، أبرزها تطبيق هدنة، وإبعاد العسكريين و”فلول النظام السابق” عن المشهد السياسي.
هذه النقطة الأخيرة بالذات (إبعاد العسكريين) تشكل أحد أبرز مصادر الخلاف. يقول وجدي صالح، مقرر لجنة تفكيك النظام السابق، إن قيادة الجيش السوداني “ترفض النص الصريح الذي ينفي أي دور سياسي لطرفي الحرب (الجيش والدعم السريع) في المرحلة المقبلة”.
في مقابل خارطة الرباعية، قدمت الحكومة السودانية خارطة طريق إلى الأمين العام للأمم المتحدة تشمل وقف إطلاق نار، وانسحاب الدعم السريع من المدن، ثم إطلاق حوار سوداني – سوداني شامل.
علي يوسف الشريف، وزير الخارجية السوداني السابق، يقول لـ”الحرة” إن هذه الخارطة مبنية إلى حد بعيد على مخرجات مسار جدة بشأن انسحاب الدعم السريع من المناطق المدنية.
ويرجح سليمان بلدو، مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات، أن رفض قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان لخارطة الطريق الرباعية أتى من اعتقاده بأن ولي العهد السعودي قدم مقترحا موازيا للحل في زيارته لواشنطن.
“ليس هذا ما حدث”، يقول بلدو. ويوضح أن السعودية كانت تحاول فقط تحفيز الرئيس الأميركي للتدخل المباشر حتى يكون “هناك زخم أكثر لخارطة الطريق”.
“ليس هناك خطة بديلة.. الجيش السوداني ومجلس السيادة مطالبان في هذه الحالة بالاستجابة لخارطة الطريق”، يقول مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات.
ويرى جاستن لينش – مدير “مجموعة رؤى الصراعات”، وهي مركز بحث يركز على تحليل النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي، مقره واشنطن، أن خارطة الطريق الرباعية هي الأساس الأمثل للحل. لكنها تحتاج إلى اهتمام أكبر من ترامب.
“حتى الآن، رأينا تغريدة من الرئيس ترامب، ولكن بخلاف ذلك، لم نر الكثير من الإجراءات منه”، يقول لينش.
أما علي الشريف، وزير الخارجية السوداني السابق، فيقترح أيضا أن تعين الحكومة الأميركية مبعوثا خاص جديدا.
“في تقديري مسعد بولس لم يعد الشخص المناسب لمواصلة الوساطة”، يقول الشريف.

 

عقدة الإسلاميين
عقدة الإسلاميين ملف آخر يزيد الخارطة تعقيدا.
الفريق عبد الفتاح البرهان يقول إن الجيش السوداني خالٍ من أي انتماءات للإخوان المسلمين.  لكن هذه التصريحات لا تلقى قبولا واسعا.
سليمان بلدو، مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات، يقول إن تصريحات البرهان “غير مقنعة للرأي العام المحلي وللمجتمع الدولي” بالنظر إلى “كل الأدلة الموجودة منذ انقلاب 1989”.
ويوضح أن الحركة الإسلامية وفرت مقاتلين يقودون الحملات العسكرية للجيش السوداني على الأرض وخدمات إعلامية ودعائية مساندة للحرب.
من جهته، يشدد لينش أن أي سلام مستقبلي يتوقف على حسم مسألة الإسلاميين داخل الجيش. في رأيه، وجود الإسلاميين يعرقل أي اتفاق للسلام.
“حتى لو أراد البرهانالتوقيع على اتفاق، فليس من الواضح أنه يستطيع ذلك لأنه يواجه ضغوطاً داخلية من الإسلاميين”، يقول.
ويعتبر لينش أيضا أن الضغط الأميركي على الإسلاميين يأتي تماشيا مع مساعي الإمارات لمواجهة الإسلام السياسي.
وتواجه الإمارات اتهامات بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع. لكن أبوظبي، إلى جانب محللين إماراتيين، يرفضون هذه الاتهامات.
يقول الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي إسماعيل المنصوري، في تصريحات لزميلتنا سكينة المشيخص، إن “حكومة البرهان رغم كثافة خطابها الإعلامي والسياسي لم تقدم ملفا إثباتيا متماسكا أمام أي جهة قضائية دولية يرقى إلى مستوى إدانة قانونية للإمارات”.
أما محمد باهارون، المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة، فيقول إن الإمارات واجهت تقارير مشابهة سابقة حول تدخلات لأبوظبي في اليمن وليبيا وغيرها، لكنها كانت فقط “جزءا من حملات تضليل لا تستند الى أدلة”.
على الطرف الآخر، يقول خبراء في الأمم المتحدة ومشرعون أميركيون بأن ادعاء الجيش السوداني أن الإمارات تزود قوات الدعم السريع بالأسلحة “ذو مصداقية”، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
على مستوى الحكومة الأميركية، أحجم وزير الخارجية ماركو روبيو عن ذكر الإمارات بالاسم عندما سُئل عن دوها في الصراع. لكنه قال: “نعرف الأطراف الضالعة… ولهذا السبب هم جزء من المجموعة الرباعية، إلى جانب دول أخرى مشاركة”.
ومع اتجاه واشنطن لتصنيف الإخوان “منظمة إرهابية أجنبية”، يُتوقع أن يزداد الضغط على الجيش السوداني.
“تضمين هذا الفرع في فرع الحركة الإسلامية السوداني في هذا التصنيف للحركة الإسلامية كحركة راعية للإرهاب الدولي.. سيمثل تحديا كبيرا للتحالف الموجود على الأرض بين القوات المسلحة السودانية والحركة الإسلامية في السودان”، يقول سليمان بلدو.

 

قاعدة روسية؟
لا يكتمل المشهد المعقد في السودان من دون التوقف عند ملف القاعدة البحرية الروسية.
تحدثت تقارير صحافية، بينها وول ستريت جورنال، عن عرض سوداني لإنشاء قاعدة بحرية روسية، ستكون أول قاعدة بحرية لموسكو في أفريقيا.
تاريخيا، تعود جذور الموضوع إلى زيارة عمر البشير عام 2017 إلى موسكو، حيث جرى توقيع اتفاق مبدئي يتيح لروسيا إنشاء قاعدة في بورتسودان مقابل دعم سياسي وعسكري.
لكت هذا الاتفاق بقي معلقا بعد رفض حكومة عبد الله حمدوك تمريره بسبب بنود “تمس السيادة”. أحد هذه البنود، حسب بلدو، السماح لروسيا بنشر 300 جندي لحماية القاعدة ومحيطها، واستخدام المطارات السودانية بحرية، وتمرير شحنات دون تفتيش.
ويشكك جاستن لينش بدوره في جدية التقارير المتعلقة بالقاعدة العسكرية الروسية. “لطالما سعى الروس إلى إقامة قاعدة، ولطالما تلاعبت القوات المسلحة السودانية بفكرة إقامة قاعدة مع روسيا”، يقول،
ويوضح: “هذا ليس بالأمر الجديد… اعتاد الجيش التلويح بقاعدة لروسيا وإيران وتركيا وأميركا دون التزام”.
ويرى وجدي صالح، مقرر لجنة تفكيك النظام السابق، أن قضية القاعدة العسكرية “مناورة متكررة” طُرحت منذ عهد البشير.
يقول: “هذه الأحاديث كلها للمناورة السياسية في ظل هذا الظرف السياسي المعقد”.
“إنشاء قاعدة على البحر الاحمر هي مسألة تخص الدول المشاطئة وتخص في المقام الأول السودانيين وسيادة البلاد”، يقول.
وبين تشابك ملف الإسلاميين، وحسابات السعودية والإمارات، والهواجس الغربية من تمدد النفوذ الروسي، تبدو واشنطن أمام اختبار دبلوماسي بالغ الحساسية. اختبار يفسر، إلى حدّ بعيد، لماذا اختار ترامب أن يكون حاضرا شخصيا في هذا الملف، لا كمجرد وسيط، بل كلاعب مباشر يحاول ضبط توازنات شديدة التعقيد.


التعليقات