في سواحل لحج، وتحديداً في شاطئ خور عميرة -120 كيلومتراً غرب مدينة عدن- تتجسد قصة كفاح يومي لنساء يمنيات يُصارعنّ الظروف من أجل لقمة العيش وإثبات الذات.
تقود سلمى ناصر -50 عاماً - ورفيقاتها من نساء المنطقة، رحلة شاقة لصيد "الوزف"، وهو سمك صغير يتوفر بكثرة في بحر المنطقة خلال شهري يوليو وأغسطس من كل عام، لتُشكل هذه المهنة الشاقة مصدر دخل أساسياً لعشرات الأسر.
تبدأ نساء خور عميرة يومهن بعملية صيد تقليدية مُنظمة، تُحيط عدد من النساء بشباك يبلغ طولها متراً ونصف، يُمسك كل طرف منها مجموعة منهن.
يتم رمي الشباك في البحر ثم تُرخى وتُشد لأكثر من ساعة ونصف لضمان جمع سمك الوزف.
بعد سحب الشباك إلى الشاطئ، تبدأ مرحلة تجفيف السمك تحت أشعة الشمس ليوم كامل، تليه عملية التنقية والتعبئة في أكياس خاصة استعداداً لتسويقه في الأسواق الشعبية بلحج وعدن.
تُؤكد سلمى أن مهنة الاصطياد ليست وليدة اللحظة بالنسبة لها، بل هي إرث عائلي متجذر يعود لأربعين عاماً.
فقد رافقت والدتها وقريباتها منذ صغرها لتعلُّم الغوص واصطياد الأسماك المختلفة، بالإضافة إلى جرف سمك الوزف.
تقول لمنصة هودج: "من تلك الرفقة لوالدتي تعلمت منها مهنة الاصطياد التي باتت مصدر العيش الرئيس لنا، سواء في الاصطياد أو جرف السمك أو حياكة شباك الصيد".
تُشير سلمى إلى أن الواقع في المناطق الساحلية قد تغير بشكل كبير عما كان عليه قبل ثلاثة عقود، حيث تراجع الإقبال الكثيف على العمل في البحر.
وتُعزى هذه التغيرات إلى جملة من العوامل، أبرزها الأعراف الاجتماعية المستجدة التي قد تحد من عمل المرأة في البحر، إضافة إلى توجه أعداد متزايدة من النساء الساحليات نحو التعليم الجامعي بمختلف تخصصاته، بحثاً عن فرص عمل أكثر استقراراً أو ملاءمة.
ورغم هذه المتغيرات، تُشدد سلمى على أن المرأة الساحلية "لا تزال تكافح في سبيل تأكيد ذاتها وبقائها" من خلال الاستمرار في بعض المهن التي تُسهم في رفع قدراتها الاقتصادية والاجتماعية.
هذا الكفاح لم يقتصر على العمل الفردي، بل امتد ليشمل تطوير العمل الجماعي من خلال تأسيس جمعيات نسوية خاصة بالمرأة الساحلية في عدة مناطق بلحج.
تُعد الجمعيات النسائية السمكية ركيزة أساسية في دعم المرأة الساحلية وتنظيم عملها.
توجد في مناطق رأس العارة والخور الساحليتين أربع جمعيات تضم أكثر من 2000 امرأة.
تُسهم عضوات هذه الجمعيات باشتراكات شهرية ويعتمدن على أنفسهن في متابعة كل ما يتعلق بالعمل السمكي الخاص بهن، من خلال المشاركة في الدورات التدريبية والعمل الميداني.
تُوضح نورة محمد، عضو جمعية المرأة السمكية برأس العارة، أن هذه الجمعيات "تأسست بإرادة نسائية بحتة من أجل تنظيم العمل النسائي والبحث عن دعم وتمويل لعمل النساء الساحليات".
وتُضيف أن هذا العمل النسائي ليس وليد اللحظة، بل بدأ في العام 2002 بتأسيس أول جمعية للمرأة الساحلية في رأس العارة، وتلاها إنشاء جمعيات أخرى في خور عميرة والمناطق الساحلية الأخرى، حيث كانت المرأة تقف إلى جانب الصياد لدعم المصلحة المشتركة في القطاع السمكي.
كانت الجمعيات النسائية السمكية تُسهم في تحقيق جزء من مردود الصيادات وادخاره لهن عند الحاجة لتنفيذ مشاريعهن.
لكن نورة تُشير إلى أن "الأمر انعكس سلباً مع تفريخ عدد آخر من الجمعيات السمكية بدون رؤية واضحة، مما أضعف من دور هذه الجمعيات في بعض المناطق".
ورغم أن بعض الجمعيات، كجمعية الخور، أسهمت في توزيع أدوات اصطياد ومقر خاص بها، إلا أن اعتماد الصيادات يبقى بشكل كبير على أنفسهن.
وتُبرز نورة مشكلة توجه أغلب الدعم نحو الجانب الذكوري، مما لم يُساعد على رفع قدرات المرأة الساحلية، خصوصاً وأنها "تتعرض لمضايقات بسبب الاستمرار في القطاع السمكي الذي يراه البعض هنا أنه حكراً على الرجال".
يُعد القطاع السمكي في اليمن من المصادر الرئيسة لإيجاد عائدات اقتصادية ذات قيمة كبيرة. تُشير إحصائيات سابقة إلى أن عدد العاملين في هذا القطاع يقدر بنحو 80 ألف صياد، ينتجون 97% من إجمالي الإنتاج السمكي البالغ 200 ألف طن سنوياً.
كما بلغت الصادرات السمكية خلال العام 2013م حوالي 109 آلاف طن بقيمة 299 مليون دولار، وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الثروة السمكية في حينه.
هذه الأرقام تُظهر الإمكانات الهائلة للقطاع، والتي يمكن للمرأة أن تكون جزءاً فاعلاً في تنميتها إذا ما توفر الدعم اللازم.
يصف وسام جعفر سويد، أحد الوجاهات الاجتماعية في منطقة خور عميرة، دور النساء الساحليات بالريادي طيلة العقود الماضية.
ويُثني على جهدهن وقدرتهن على الاعتماد على الذات ورفع مستوى أسرهن من خلال عملهن في البحر، خاصة في اصطياد الوزف أو حتى الغوص لجلب الأسماك في مواسم معينة.
يُعد صيد الوزف الأكثر شيوعاً بين النساء في شهري يوليو وأغسطس لتواجده بكثرة قرب السواحل، حيث يتم اصطياده وتجفيفه وبيعه، ويتم تقاسم المردود الذي يتراوح بين 80 إلى 100 ألف ريال يمني للكيس الواحد، مما يُشكل دعامة أساسية لدخولهن. بحسب وسام
وأشار وسام في حديثه لهودج: إلى أن جمعية المرأة الساحلية في خور عميرة حققت إنجازات متميزة في تنظيم عمل النساء الساحليات بعد أن كان عشوائياً، حيث تجاوز عدد عضواتها 300 امرأة، يسهمن بالاشتراكات ولديهن مقر خاص.
وقد قامت الجمعية بتوزيع كشافات وأدوات خاصة بالاصطياد. لكنه يُعرب عن أسفه لعدم وجود دعم حقيقي من السلطات أو المنظمات لدعم المرأة الساحلية في المنطقة، واقتصار الدعم على مناطق أخرى أو على الجانب الذكوري، رغم المعاناة الكبيرة التي تواجهها المرأة في كفاحها لتوفير قوت يومها من البحر.
فالبعض بحسب وسام يسير مسافات طويلة، والبعض يضطر للعمل مع آخرين لتوفير لقمة العيش لأولادها.
ويُختتم حديثه بأن غياب التمويل والدعم والاهتمام بالمرأة في مناطق ساحل لحج قد أصاب المرأة بالإحباط.
نشرت هذه المادة في هودج