 
                            على الحوثيين أن يتخذوا قرارًا.
فعلى مدى العامين الماضيين تقريبًا، قدّم الحوثيون أنفسهم بوصفهم «مدافعين عن القضية الفلسطينية». وقد تجسّد ذلك عمليًا في هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، وضرباتهم الصاروخية والجوية بطائرات مُسيّرة على أهداف إسرائيلية، إضافة إلى حملات القمع التي طالت موظفين في الأمم المتحدة داخل اليمن.
غير أنّ اتفاق السلام الذي رعته الولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة حماس في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، أزال — ولو مؤقتًا — المبرر العلني الذي استخدمه الحوثيون لتبرير تلك الهجمات.
وأمام الحوثيين الآن ثلاثة مسارات محتملة للمضي قدمًا:
    1.    وقف جميع الهجمات، والالتزام فعليًا بالتعهّدات السابقة التي أعلنوا عنها.
    2.    مواصلة استهداف إسرائيل، بزعم أن الاتفاق لا يشملهم، أو أن إسرائيل ما تزال تواصل هجماتها ضد الفلسطينيين.
    3.    وهو السيناريو الأرجح، أن يستغل الحوثيون اتفاق غزة كفرصة لإعادة تنظيم صفوفهم والاستعداد لجولة صراع جديدة في المستقبل.
⸻
الخيار الأول: إنهاء الهجمات
يمكن للحوثيين بسهولة استغلال اتفاق السلام في غزة – رغم هشاشته – كذريعة لخفض التصعيد ووقف ضرباتهم على السفن التجارية والأهداف الإسرائيلية. فالحوثيون وحلفاؤهم تلقّوا خلال العام الماضي ضرباتٍ قاسية.
وفي غزة، أصبحت حركة حماس مجرد ظلّ لما كانت عليه سابقًا. أما حزب الله اللبناني، فقد بات منقسمًا ومشتتًا، ويخضع لقيادة جديدة بعد اغتيال إسرائيل لـ(حسن نصر الله) في أواخر عام 2024.
كما أن الحرس الثوري الإيراني – أحد أبرز داعمي الحوثيين – تعرّض لخسائر فادحة خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران في يونيو/ حزيران الماضي.
أما الحوثيون أنفسهم، فقد تلقّوا أكثر من 1100 ضربة أميركية خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان، ويبدو أن تأثيرها كان أعمق مما كان يُعتقد في البداية.
ومؤخرًا، شنّت إسرائيل غارات أودت بحياة عدد من كبار القادة الحوثيين، من بينهم رئيس الأركان (محمد الغماري)، الذي أخفت الجماعة خبر مقتله لمدة شهرين، في إشارة إلى وجود قلق واضطراب داخلي في صفوفها.
بعبارة أخرى، قد يكون اتفاق السلام في غزة جاء في التوقيت المثالي بالنسبة للحوثيين، إذ يوفّر لهم مخرجًا يحفظ ماء الوجه. غير أن المشكلة في هذا الخيار تكمن في أن السلام لا يحقق ما يحتاجه الحوثيون أو يطمحون إليه.
فالواقع أن الحوثيين ليسوا في وضعٍ يتيح لهم البقاء على المدى الطويل داخل اليمن. ولكي يتمكنوا من ترسيخ أنفسهم كسلطة حاكمة دائمة في شمال البلاد، فإنهم بحاجة إلى قاعدة اقتصادية متينة. ولهذا السبب تحديدًا، ركّز الحوثيون خلال السنوات الأخيرة على محافظة مأرب، ودفعوا بالأموال والمقاتلين في عدة هجمات بهدف السيطرة على المحافظة وحقول النفط والغاز فيها.
وعلى المستوى الجوهري، يسعى الحوثيون إلى امتلاك ما يسيطر عليه الآخرون، ولا سبيل لتحقيق ذلك سوى بالقوة العسكرية.
أما وقف القتال، فسيعني أن الحوثيين سيبقون ضمن حدود الأراضي التي يسيطرون عليها حاليًا، وهي مناطق تفتقر إلى الموارد الاقتصادية الضرورية لبقائهم واستمرار سلطتهم في العقد المقبل.
وما يثير القلق بصورة أكثر إلحاحًا هو تنامي حالة السخط الداخلي داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ففي 25 أكتوبر/ تشرين الأول، نشر الباحث اليمني المتخصص (محمد الباشا) مقطع فيديو يُظهر رجال أعمال يمنيين في صنعاء وهم يواجهون بغضب مسؤولين حوثيين بسبب القيود المفرطة والقواعد الصارمة المفروضة عليهم.
وعند الجمع بين سجل الحوثيين الضعيف في إدارة شؤون الحكم، والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والانعكاسات المستمرة للضربات الإسرائيلية، يتّضح أن الوضع الداخلي في مناطق سيطرتهم يزداد هشاشةً واضطرابًا.
وعلى مدى سنوات، نجح الحوثيون في إسكات الأصوات المعارضة داخليًا عبر توجيه الأنظار نحو «عدو خارجي»:
فقد كانت الحكومة اليمنية بين عامي 2004 و2010، ثم السعودية والإمارات بين 2015 و2023، وأخيرًا الولايات المتحدة وإسرائيل منذ عام 2023.
لكن الحفاظ على هذا الأسلوب بات شبه مستحيل إذا لم يعد الحوثيون منخرطين في صراعٍ عسكريٍ مباشر.
⸻
الخيار الثاني: مواصلة الهجمات
الخيار الثاني المتاح أمام الحوثيين هو الاستمرار في النهج الذي اتبعوه خلال العامين الماضيين، من خلال تنفيذ هجمات على السفن في البحر الأحمر واستهداف مواقع داخل إسرائيل، مع التأكيد على أنهم ليسوا طرفًا في اتفاق السلام.
ويمكنهم، بالمنطق نفسه، القول إن إسرائيل لم تنسحب بالكامل من غزة، وبالتالي لا يمكن للحوثيين وقف هجماتهم بشكلٍ كامل. 
الخيار الثالث: إعادة التنظيم والاستعداد لجولة صراع جديدة
السيناريو الثالث — وهو الأكثر ترجيحًا — يتمثّل في أن يستغل الحوثيون اتفاق غزة كفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم والاستعداد لجولة جديدة من الصراع في المستقبل.
فمنذ تأسيسهم، أثبت الحوثيون براعتهم في الانتظار والتكيّف مع الظروف المتغيّرة. وعلى مدى عقدين من الزمن، استخدموا فترات الهدوء المؤقتة لإعادة بناء قوتهم العسكرية وتنظيمهم السياسي. وقد فعلوا ذلك خلال الهدنة التي أعقبت حرب صعدة السادسة عام 2010، وأيضًا خلال سنوات اتفاق ستوكهولم الذي وُقّع في أواخر 2018، حين ركّزوا على تعزيز سيطرتهم الإدارية والأمنية داخل المناطق الخاضعة لهم.
وإذا اختار الحوثيون هذا المسار الآن، فمن المرجّح أن يقوموا بإعادة بناء ترسانتهم العسكرية التي تضررت بشدة بفعل الضربات الأميركية والإسرائيلية، وأن يسعوا في الوقت ذاته إلى تعزيز قبضتهم الأمنية الداخلية تحسبًا لأي اضطرابات أو احتجاجات محتملة داخل مناطق نفوذهم.
كما يُتوقع أن يعيدوا توجيه خطابهم الإعلامي من “نصرة فلسطين” إلى “مواجهة الحصار الأميركي”، في محاولة لاستعادة التعبئة الشعبية التي تراجعت خلال الأشهر الماضية.
غير أن هذا المسار يحمل في طيّاته مخاطر واضحة. فاستمرار اعتماد الحوثيين على العنف كوسيلة رئيسية للحكم والسيطرة يعني أن الجماعة ستظل في حالة استنزاف دائم. ومع محدودية الموارد وتزايد السخط الداخلي، فإن قدرتهم على الصمود في المدى البعيد تبقى موضع شك.
وفي هذا السياق، يشير جونسِن إلى أن التحولات في البيئة الإقليمية بعد حرب غزة قد تفرض على الحوثيين إعادة تقييم أولوياتهم. فإيران، التي شكّلت لسنوات داعمهم الرئيسي، أصبحت أقل قدرة على تقديم الدعم المالي والعسكري المباشر بعد الضربات التي طالت منشآتها النووية والعسكرية في منتصف عام 2025. كما أن انشغال حزب الله اللبناني بإعادة ترتيب صفوفه بعد مقتل قيادته العليا جعل الحوثيين يواجهون واقعًا إقليميًا أكثر عزلة.
ورغم ذلك، فإن الحوثيين أظهروا مرونة تكتيكية في أوقات الأزمات. فهم قادرون على التراجع التكتيكي مؤقتًا بانتظار اللحظة المناسبة للعودة إلى التصعيد. ولذلك يرى التحليل أن الجماعة قد تلجأ إلى تجميد الهجمات لفترة محدودة، دون أن تتخلى فعليًا عن مشروعها الإقليمي، في محاولة للحفاظ على التوازن بين الضغوط الدولية ومتطلبات البقاء الداخلي.
⸻
الخلاصة
يخلص جونسِن إلى أنّ اتفاق السلام في غزة وضع الحوثيين أمام لحظة مفصلية:
فإما أن يتبنّوا مسارًا واقعيًا يركّز على تثبيت سلطتهم داخل اليمن وتحسين أوضاع السكان في مناطقهم، أو أن يواصلوا الانخراط في صراعات إقليمية تفوق قدراتهم وتعرّضهم لاستنزاف طويل الأمد.
ويشير إلى أنّ “القرار الذي سيتّخذه الحوثيون في الأسابيع والأشهر المقبلة لن يحدّد فقط مستقبلهم كجماعة، بل سيؤثر أيضًا في شكل الحرب الأهلية اليمنية وتوازن القوى في المنطقة لعقدٍ مقبل على الأقل”.
لقراءة المادة من موقعها الاصلي:
https://agsi.org/analysis/three-futures-for-the-houthis-after-gaza/