في منتصف يونيو/حزيران، اعترضت قوات المقاومة الوطنية اليمنية المناهضة للحوثيين (NRF) بقيادة العميد طارق صالح والمتمركزة في المخا، ما يُعدّ أكبر عملية ضبط لشحنة أسلحة إيرانية تقليدية متطورة منذ اندلاع الحرب الأهلية اليمنية في مارس/آذار 2015، وفقًا لما ورد في تقارير رسمية أميركية.
وقد كشف العثور على محركات طائرات مُسيّرة ومكونات أخرى ضمن الحمولة التي بلغت 750 طنًا من الذخائر والمعدات العسكرية، عن مدى استمرار تدفق الأسلحة والتقنيات الإيرانية إلى الفاعلين المنتشرين على طول سواحل البحر الأحمر — بما في ذلك السودان — الأمر الذي يُبقي على جملة من التهديدات الأمنية، وليس فقط ضد السفن الإسرائيلية.
وتجارة السلاح في المنطقة ما تزال تتكيّف وتتطور، سواء عبر شبكات التهريب القديمة أو الأساليب الجديدة التي تنتهجها أطرافٌ دولية.
وخلال عقدٍ من الصراع منذ أن استولى الحوثيون على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، تغيّرت طرق التهريب التي تمدّ ترسانة الحوثيين؛ إذ انتقلت من المسارات البرّية التي تمر عبر منطقة المزيونة في محافظة المهرة شرق اليمن، إلى ما يُعرف بـ”طريق الباب الأمامي” — أي الاستخدام العلني للسفن التجارية المنطلقة من ميناء بندر عباس الإيراني وتفريغ حمولتها في ميناء الصليف بالحديدة.
وفي المراحل الأولى من الصراع، استخدم الحوثيون وإيران سفن الداو التقليدية والقوارب الصيّادية لنقل الأسلحة من السفن الرئيسية على امتداد البحر الأحمر. غير أن تطورين رئيسيين عطّلا هذه العمليات:
أولهما تشكيل القوة البحرية المشتركة رقم 153 (CTF-153) عام 2022، المعنية بأمن الملاحة في البحر الأحمر.
وثانيهما انسحاب سفن التجسس الإيرانية من منطقة باب المندب أواخر عام 2014.
وقد أدّت هذه التطورات، إلى جانب الضغوط المتزايدة التي مارستها الإدارة الأميركية على سلطنة عُمان للحد من الأنشطة الحوثية، إلى إجبار الحوثيين وإيران على نقل عملياتهم غربًا دون شك.
ورغم أن الاهتمام الدولي يتركّز على علاقات إيران والحوثيين مع أطراف القرن الإفريقي، مثل حركة الشباب الصومالية، فإن بعض المحللين اليمنيين يشيرون إلى أن الوجود الحوثي في السودان يعود إلى عام 2001.
أما العلاقة المتنامية مع المجلس السيادي الانتقالي في السودان (TSC) فتُعدّ خطوةً استراتيجيةً محوريةً لكلٍّ من إيران والحوثيين، في إطار سعيهما لتوسيع النفوذ وتأمين موطئ قدم في غرب البحر الأحمر.
⸻
• دور السودان
إن تقارب العلاقات بين إيران والسودان عام 2023 لم يكن يهدف فقط إلى توسيع العمق الاستراتيجي الإيراني، بل أصبح لاحقًا أمرًا حيويًا لرئيس المجلس السيادي الانتقالي (عبد الفتاح البرهان) والقوات المسلحة السودانية (SAF).
فقد استقبلت حكومة المجلس السيادي الانتقالي المتمركزة في بورتسودان السفير الإيراني في يوليو/تموز 2024، في خطوةٍ تعكس تحولًا استراتيجيًا كبيرًا نحو شرق إفريقيا، إذ سعت إيران من خلالها إلى إبراز نفوذها ومحاصرة خصومها الإقليميين، ومنهم السعودية وإسرائيل، بالتوازي مع إعادة بناء علاقاتها مع المسؤولين السودانيين وقطاع الصناعات الدفاعية في البلاد.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السودانية الحالية، عمل الحوثيون على توسيع وجودهم داخل السودان، اقتفاءً لأثر إيران. فبينما تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في السودان من خلال تزويد الجيش بالأسلحة والدعم الاستخباراتي لتوجيه مسار الصراع، تبنّى الحوثيون مقاربة مختلفة تقوم على علاقات تجارية بالدرجة الأولى، تشمل تهريب الأسلحة إلى اليمن والقرن الإفريقي.
ويقول (آري هايشستاين)، الباحث في معهد القدس للاستراتيجيات والأمن:
“يبدو أن أحد الدوافع الرئيسية وراء انخراط الحوثيين في إفريقيا يتمثل في البحث عن مصادر تمويل من خلال بيع السلع، ولا سيما الأسلحة.”
وبينما تقوم إيران ببناء مخازن ومستودعات و”مصانع تسليح” في مناطق تمتد خارج مدينة بورتسودان، يزعم الحوثيون أنهم يركّزون على تقديم المساعدات الإنسانية وتنفيذ حملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي ضد خصوم الجيش السوداني.
وقد أدّت الحرب الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران إلى إضعاف موقف طهران الإقليمي، وبالتالي إضعاف “محور المقاومة” الذي تقوده. ومع ذلك، يمنح الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسودان — الممتد على ساحل البحر الأحمر والمقابل للمملكة العربية السعودية — إيران منفذًا مهمًا لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، وكذلك لتعويض تراجع قدرات الحوثيين بعد القصف الأمريكي المكثف في إطار عملية “رف رايدر”، والحملة الإسرائيلية التي استهدفت وقتلت عددًا من كبار القادة الحوثيين.
⸻
• الأسلحة الإيرانية في السودان
يبدي المراقبون الدوليون قدرًا كبيرًا من الشكوك حيال متانة العلاقة بين إيران وحكومة عبد الفتاح البرهان، التي تضم في صفوفها عددًا من الميليشيات الإسلامية مثل كتيبة البراء بن مالك وقوات درع السودان، غير أن الأدلة الميدانية المتعددة عبر جبهات القتال تؤكد عمق هذا الارتباط.
وقال الدكتور (ثيودور كاراسيك) في تصريح لصحيفة العربي الجديد (The New Arab):
“كانت العلاقة الثنائية بارزة في عهد عمر البشير، واليوم تستغل طهران حالة الفوضى الراهنة لتوسيع نفوذها وضخ معداتها العسكرية داخل السودان.”
وتنامي النفوذ الإيراني في السودان لا يقتصر على تدفق الأسلحة فحسب، بل يهدف إلى إبراز القوة الإقليمية لطهران، حيث تُعد استمرارية النفوذ داخل السودان ضرورية للحفاظ على قاعدة بحرية إيرانية على البحر الأحمر.
وتنظر إيران إلى القوات المسلحة السودانية (SAF) باعتبارها شريكًا تكتيكيًا يمكن أن يسهم في تحسين علاقاتها مع الدول العربية، في الوقت الذي تمنح فيه الحوثيين — الذين يشكلون ركيزة أساسية في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية — منصاتٍ لشن عمليات ضد إسرائيل وأداةً للإبقاء على الضغط المستمر على المملكة العربية السعودية.
إن أقوى الأدلة على عمق العلاقة بين إيران والحوثيين والسودان تتجلى في الأسلحة المشتركة بين الجانبين، ولا سيما الطائرات المُسيّرة. ومن أكثر النماذج شيوعًا الطائرة الإيرانية “أبابيل-2” (Ababil-T)، التي يُطلق عليها “قاصف-2K” لدى الحوثيين في اليمن، و”سفاروغ” (Safaroog) في السودان.
ويُقال إن تدفق الأسلحة الإيرانية كان عاملًا حاسمًا في تمكين الجيش السوداني من استعادة العاصمة الخرطوم، في حين أن أنظمة الرادار الإيرانية “فجر-1” المنتشرة على السواحل شمال بورتسودان منحت إيران والحوثيين قدراتٍ موسّعة للعمليات العسكرية على امتداد البحر الأحمر.
كما نشرت القوات المسلحة السودانية طائراتٍ مُسيّرة من طراز “مهاجر-6” إيرانية الصنع — وهي ذاتها التي استخدمها الحوثيون لاستهداف إسرائيل — إضافة إلى طائرات من طراز “شاهد-136”. وتشير التقارير إلى أن كمية الأسلحة المورّدة كبيرة إلى حدٍّ دفع إيران إلى بناء حظائر جديدة في مطار بورتسودان لتخزين تلك الطائرات والمعدات.
وتفيد تقارير إعلامية أخرى بأن شحنات الأسلحة التي تم رصدها مؤخرًا نُقلت سرًا إلى بورتسودان عبر رحلات شحن جوية تابعة لشركة “قشم فارس إير” الإيرانية. كما كشفت صور أقمار صناعية التُقطت في وقت سابق من هذا العام عن وصول شحنات من الطائرات الإيرانية من طراز “مهاجر-4” و”مهاجر-6” و”أبابيل” إلى بورتسودان، في مؤشرٍ إضافي على تنامي الدور العسكري الإيراني في السودان.
ويشير الدكتور ثيودور كاراسيك، الباحث غير المقيم في مؤسسة جيمس تاون، إلى وجود “ميناءين أو ثلاثة موانئ تلعب أدوارًا متقطعة” — من بينها موانئ تقع على الحدود الشمالية للسودان — تُستخدم لتسهيل الأنشطة التجارية والعمليات اللوجستية التابعة للحوثيين، موضحًا أن “أي شحنة قد تُعتبر مشبوهة ما لم يثبت العكس، بالنظر إلى الوضع الأمني الحساس في البحر الأحمر.”
كما يزعم الحوثيون أنهم أنشأوا منظمات تعمل على إيصال المساعدات الإنسانية عبر ميناء بورتسودان، في مسعى لتقديم وجودهم هناك في إطارٍ مدني وإنساني.
وفي المقابل، أقرّ مسؤولون إيرانيون بأن طهران قامت ببناء منشآت متعددة في محيط بورتسودان، مما يعزز صلاتها العسكرية مع الجيش السوداني، وذلك إلى جانب الأدلة التي تربط تصنيع طائرات “مهاجر” و”أبابيل” المُسيّرة بشركات تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الإيرانية.
وتدفق هذه الأسلحة من إيران إلى كلٍّ من السودان واليمن يهدف إلى توجيه مسار الصراعات بما يتجاوز نطاق الحروب الأهلية الجارية، وذلك دعمًا للمصالح الاستراتيجية الإيرانية طويلة الأمد في المنطقة.
ولعرقلة المكاسب الإيرانية، سيكون على القوى الإقليمية والغربية أن تتجاوز نطاق عمليات الأمن البحري، وأن تكثّف جهودها لإنهاء الحربين في السودان واليمن عبر مساراتٍ سياسية شاملة.
وبسبب تشابك الصراعات الإقليمية الأوسع، فإن الحربين الأهليتين في السودان واليمن تهددان باندلاع موجات جديدة من النزاعات تمتد من القرن الإفريقي إلى وسط إفريقيا، وصولاً إلى إسرائيل، ولا سيما بعدما وصلت الأسلحة الخفيفة والطائرات المُسيّرة الحوثية إلى شبه جزيرة سيناء.
ومع ذلك، فإن آفاق إحلال السلام قد تتحسّن إذا استمرّ الحوار القائم بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، ونجحت الجهود الدبلوماسية المصرية في بلورة خارطة طريق نحو تسوية سياسية في السودان.
لقراءة المادة من موقعها الاصلي:
https://www.newarab.com/analysis/new-red-sea-strategy-iran-houthis-and-sudans-war