 
                            في رحاب الحياة، تتجلى قصص القوة والعزيمة، ولا شيء أكثر إلهاماً من صمود المرأة في مواجهة سرطان الثدي، الذي يمثل تحدياً جسدياً ونفسياً عميقاً. هذه المعركة علّمتنا أن القوة لا تكمن في العلاجات الطبية وحدها.
تحكي أماني محمد، مصابة سابقة بسرطان الثدي، قصتها قائلة إنها اكتشفت الورم ذاتياً عام 2013، وسافرت إلى الهند حيث تأكد التشخيص. خضعت لعملية استئصال نصف الثدي وجزء من الغدد الليمفاوية، تلتها سنتان من العلاج الكيماوي. وجدت أماني دعماً كبيراً، وعندما سألت طبيبها عن احتمال عودة المرض، قال لها بابتسامة: "عيشي حياتك، لا تفكري في عودته، تابعي بنفس الإيمان الذي حاربتِ به."
أما أسيل ناصر، شابة مليئة بالحياة، فتقول إنها لم تتخيل أن "كلمة سرطان ستطرق بابي". خضعت لعملية جراحية ناجحة، تبعتها ست جرعات كيماوي وإشعاعي. وتصف أسيل كل جلسة بأنها كانت "معركة بين الألم والأمل"، مؤكدةً: "حين بدأ شعري يتساقط، قلت لنفسي: 'الأنوثة ليست في الشعر ولا في الشكل، الأنوثة في القلب والإيمان'."
علاقة التغذية بسرطان الثدي: الوقاية والتعافي
التغذية ونمط الحياة الصحي يمثلان "خط الدفاع الأول" للوقاية من سرطان الثدي وتقليل خطر عودته، حسب استشارية التغذية عبير القباطي. وتشدد القباطي على أن المفتاح يكمن في تبني عادات صحية شاملة تشمل: التركيز على الأطعمة النباتية الغنية بالألياف ومضادات الأكسدة، واختيار الدهون الصحية كالزيتون والأوميغا-3 مع الحد من اللحوم المصنعة والسكر والكحول. ولا يقتصر الأمر على الغذاء، بل يشمل أيضاً الحفاظ على وزن صحي وممارسة الرياضة بانتظام. كما تلعب التغذية السليمة دوراً حيوياً أثناء فترة العلاج لتعزيز المناعة والتعافي ودعم الجسم بالبروتينات اللازمة.
تؤكد الدراسات العلمية الارتباط الوثيق بين النظام الغذائي وسرطان الثدي، حيث تزيد زيادة الوزن وارتفاع دهون الجسم من خطر الإصابة وعودة المرض. في المقابل، يقلل ارتفاع نسبة الكاروتينات (في النباتات الملونة) خطر الإصابة بنسبة تصل إلى 28%، كما أن تناول الأوميغا-3 يقلل الخطر بنسبة 14%. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الألياف في إدارة الوزن وتنظيم الهرمونات. ويُنصح بتجنب الإفراط في تناول السكر والكربوهيدرات المكررة واستبدال الدهون الضارة بالدهون الصحية كزيت الزيتون والمكسرات.معركة الأنوثة والصمود.
وحسب بيانات GLOBOCAN 2020 ، يُعد سرطان الثدي الأكثر انتشاراً بين النساء في اليمن بنسبة $31.1%$ من إجمالي الحالات الجديدة. وتوضح أخصائية علاج الأورام والعلاج بالإشعاع، الدكتورة أماني صالح هادي سعيد، أن الأزمة الحقيقية تكمن في عدة محاور: التشخيص المتأخر، حيث أن أكثر من 70% من الحالات تُكتشف في المرحلتين الثالثة أو الرابعة، مما يقلل فرص الشفاء؛ وغياب العلاج الإشعاعي، الذي لا يتوفر في محافظات كبرى مثل عدن وتعز، ما يضطر المرضى للسفر إلى صنعاء أو خارج البلاد. وتؤكد الدكتورة أماني أن "العلاج الإشعاعي مطلب كل مريض سرطان في عدن"؛ بالإضافة إلى نقص أجهزة الكشف المبكر، فضعف أجهزة الماموجرام وقلة الوعي الصحي يمنعان الاكتشاف المبكر؛ مع تفاوت في الرعاية، حيث تتركز الخدمات الأفضل في صنعاء، بينما تعاني المحافظات الأخرى من نقص الإشعاع والعلاجات الحديثة.
معركة نفسية
يتجاوز مرض السرطان الألم الجسدي ليصبح ملحمة نفسية تنتصر فيها الإرادة على اليأس. تروي مايسة يسلم (43 عاماً، أم لثلاثة أطفال) تجربتها قائلة: "اكتشفت الورم أثناء الفحص الذاتي... كان الخبر صادماً، لكني واجهته برضا داخلي غريب". وقد خضعت مايسة للعلاج الكامل في الهند بفضل تأمين زوجها، وتؤكد: "كل ندبة على جسدي هي علامة نصر وليست خسارة".
في هذا السياق، تشير الأخصائية النفسية إيمان البريهي إلى أن "الخوف من عودة المرض (Cancer Recurrence Fear) هو التحدي الأكبر بعد الشفاء"، مؤكدةً حاجة الناجيات لمتابعة نفسية مستمرة للانتقال من "هوية المقاتلة" إلى "هوية الناجية" التي تستأنف حياتها بثقة.
ومن جهتها، ترى المستشارة الأسرية الدكتورة رانيا خالد أن "سرطان الثدي ليس مجرد مرض عضوي، بل تجربة إنسانية ونفسية عميقة تختبر صبر المرأة وإيمانها وثقتها بالحياة". وتوضح أن مشاعر الخوف من الفقد والألم وفقدان الأنوثة هي جزء من رحلة التقبل، تليها مرحلة القوة، حيث تثبت الناجيات أن المرض هو بداية لوعي أكبر بقيمتهن وذواتهن.
وأضافت: "مواجهة المرض تبدأ من الداخل، من الإيمان بأن لكل ابتلاء حكمة. شجاعة الناجيات من السرطان تلهم غيرهن، فالقوة الحقيقية هي في تقبّل الذات بعد الألم.
تشير المختصة النفسية إيمان البريهي إلى أن التشخيص يمر بمراحل تبدأ بالصدمة، وتؤكد على ضرورة الدعم النفسي لمواجهة الوصمة الاجتماعية التي تربط المرض بفقدان الأنوثة، مما يؤخر العلاج. وتدعو إلى دور مجتمعي وإعلامي لتقديم الناجيات كنماذج قوة.
من جهتها، تؤكد الدكتورة رانيا خالد أن شجاعة المريضة مصدر إلهام. وتشدد على أن إنقاذ حياتهن يتطلب جهوداً متكاملة تشمل: توفير العلاج الإشعاعي، ونشر الوعي والفحص المبكر، ودمج الدعم النفسي والتغذوي، وكسر الوصمة الاجتماعية.
وتبقى قصص الناجيات، كأماني وأسيل ومايسة، دليلاً حياً على الصمود، حيث تحول الأنوثة الصلبة الألم إلى أمل، وينتصر الإيمان على المرض.