تحليل: تحركات الحوثيين تورط طهران.. مشروع النفوذ الإيراني في اليمن يواجه اختبار البقاء
يمن فيوتشر - إرم نيوز- مالك الحافظ الاربعاء, 29 أكتوبر, 2025 - 09:08 صباحاً
تحليل: تحركات الحوثيين تورط طهران.. مشروع النفوذ الإيراني في اليمن يواجه اختبار البقاء

بدأ الحوثيون مؤخراً تحوّلاً تدريجياً من مواقعهم المركزية في الشمال - وتحديداً من العاصمة صنعاء - نحو مناطق الجنوب، في خطوة تحمل أبعاداً ميدانية عاجلة واستراتيجية عميقة.

هذا الانتقال الذي يأتي تحت وطأة ضربات عسكرية متزايدة وتآكل تدريجي في الهيمنة المركزية، حيث يكشف هذا التحول عن إعادة ترتيب شاملة في خريطة النفوذ الإيراني داخل اليمن، بعد أن فشلت طهران في الحفاظ على استقرار ذراعها الحوثية في الشمال.

التراجع الميداني، والانهيار في منظومة القيادة والسيطرة، يعكسان وضعاً متدهوراً داخل الجماعة التي فقدت توازنها العسكري والسياسي معاً. الانتقال نحو الجنوب هو دليل على العجز عن الصمود في مناطقها الأصلية، ويُمثّل هروباً استراتيجياً يعبّر عن أزمة داخلية عميقة، وانكشاف بنية النفوذ الإيراني التي باتت عاجزة عن حماية وكلائها أو تبرير وجودهم. الحوثيون اليوم يتحركون بلا قدرة على المبادرة، يلهثون خلف الجغرافيا لتغطية فراغهم السياسي، فيما يفقد المشروع الإيراني في اليمن ركائزه واحدة تلو الأخرى.

 


انعكاسات ضعف الحوثيين 

مصدر دبلوماسي أمريكي أفاد لـ"إرم نيوز" بأن واشنطن تتابع باهتمام شديد التحركات الحوثية الأخيرة، وتعتبرها مؤشراً على ضعف داخلي أكثر منها على تمدد فعلي. وأوضح المصدر وهو مسؤول في مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، أن التقارير الاستخباراتية المتاحة تشير إلى أن الجماعة فقدت كثيراً من قدراتها على التنسيق والتمويل، وأن انتقالها جنوباً يأتي ضمن خطة طوارئ إيرانية تهدف إلى إبقاء النفوذ قائماً ولو بشكل رمزي بعد خسارة معظم مواقعها الحيوية في الشمال.

وأضاف المصدر أن الولايات المتحدة ترى في هذا التحول محاولة من طهران لإعادة تموضع نفوذها في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أن واشنطن تدرك أن هذا المشروع محكوم بالفشل؛ لأن الحوثيين يفتقرون إلى الحاضنة الاجتماعية والسياسية التي تتيح لهم بناء قواعد مستقرة هناك. وأشار إلى أن واشنطن تعمل حالياً على تعزيز التنسيق البحري والاستخباراتي مع شركائها الإقليميين لتضييق الخناق على خطوط الإمداد البحرية التي تحاول إيران عبرها دعم الحوثيين.

وقال إن الإدارة الأمريكية تعتبر أن المواجهة مع الحوثيين ليست عسكرية فقط، وإنما اقتصادية وسياسية أيضاً.

وأوضح أن العقوبات المستهدفة وتقييد مصادر التمويل باتا أكثر فعالية في الحد من قدرة الجماعة على الاستمرار، مؤكداً أن واشنطن تنظر إلى الحوثيين اليوم كجماعة استنزفت رصيدها العسكري، وتعاني من عجز مالي متفاقم، وفقدان للشرعية حتى في المناطق التي تسيطر عليها.

وأضاف أن واشنطن ترى في ضعف الحوثيين فرصة لإعادة إحياء المسار السياسي في اليمن شرط ألا يكون على حساب استقرار الإقليم. ولفت إلى أن الموقف الأمريكي في المرحلة المقبلة سيركز على منع إيران من تحويل الجنوب إلى "واجهة بحرية" لمشروعها الإقليمي، مؤكداً أن أي محاولة من هذا النوع ستُواجَه بإجراءات رادعة تشمل تحركاً عسكرياً محدوداً إذا لزم الأمر.

 

 

احتضار سياسي وعسكري 

كذلك أوضح المصدر أن تقييم واشنطن للوضع الميداني يشير إلى أن الحوثيين سيتراجعون تدريجياً تحت ضغط الانقسامات الداخلية والضغط الإقليمي المتزايد، وأن إيران ستواجه صعوبة في تعويض خسائرها هناك. وأكد أن السياسة الأمريكية المقبلة ستقوم على مبدأ "الردع الذكي"، أي الجمع بين الضغط العسكري المحدود والعمل الدبلوماسي المكثف لعزل الجماعة سياسياً، وحرمان طهران من أي مكاسب استراتيجية يمكن أن تحققها من وجودها في اليمن.

وتابع بالقول: "نحن نرى أن الضربات الممنهجة التي تلقاها الحوثيون من البحر والجو أضعفت قدراتهم اللوجستية والقيادية، وستواصل واشنطن تقديم الدعم الاستخباراتي والبحري لشركائنا في المنطقة، من أجل منع الحوثيين من تحويل اليمن إلى منصة بحرية أو جوية يهدّد الملاحة الدولية وخندق الأمن الإقليمي".

كما لفت إلى أن التوقع في واشنطن بأن الحوثيين سيحاولون خلال الفترة المقبلة إطلاق موجة عمليات استعراضية لتثبيت وجودهم الجغرافي، لكن ليس من المتوقع أن يحققوا مزيداً من التمدد الفعلي دون تكاليف باهظة. وأضاف قائلاً بأن "واشنطن تقيم الواقع الحالي هناك بأنه معادلة تجمع الضغط العسكري والاقتصادي والدبلوماسي لإضعاف المشروع الحوثي‑الإيراني، وإعادة تفعيل طرف يمني بديل له شرعية داخلية".

وختم المصدر بالقول إن الوقت لم يعد في صالح الحوثيين ولا في صالح داعميهم، وأن استمرارهم في المغامرة جنوباً سيقود إلى نتائج عكسية تماماً؛ لأن البيئة السياسية والعسكرية لم تعد تسمح بولادة مشروعٍ جديدٍ تحت المظلة الإيرانية في اليمن.

 


تآكل المشروع الإيراني

في حين قالت مصادر سياسية يمنية لـ"إرم نيوز" إن التطورات الأخيرة في اليمن أظهرت بوضوح أن جماعة الحوثي فقدت قدرتها على المبادرة الميدانية، وأن أي انتقال جغرافي بعد تركز الاستهداف على نفوذها في صنعاء هو محاولة للهروب من الانهيار في الشمال بعد تفكك بنيتها القيادية واللوجستية. وأوضحت المصادر أن الضغط المتواصل أفقد الجماعة خطوط الإمداد التي كانت تشكل عمودها الفقري، وأن ما تبقى من تحركاتها مجرد ردود فعل متخبطة، تفتقر إلى الغطاء الشعبي والشرعية السياسية.

وأضافت أن إيران كانت تراهن على استثمار الحوثيين كورقة ضغط في مواجهة القوى الإقليمية والدولية، لكنها وجدت نفسها الآن أمام جماعة متآكلة لا تملك قاعدة اجتماعية مستقرة ولا قدرة على التمدد في بيئات مختلفة. وأشارت إلى أن المشروع الإيراني في اليمن بدأ يتآكل من الداخل بسبب تضارب المصالح بين القيادات الحوثية المحلية والمستشارين الإيرانيين؛ ما تسبب في تراجع الانضباط الداخلي داخل صفوف الجماعة، وتزايد الانقسامات حول إدارة الموارد والسيطرة على المناطق الحيوية.

وذكرت المصادر السياسية إن الضربات الدقيقة التي استهدفت مراكز القيادة في صنعاء ومواقع التخزين في الساحل الغربي أظهرت هشاشة ما يسمى "البنية العسكرية الحوثية" التي طالما رُوّج لها على أنها منيعة. مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستشهد على الأرجح انكماشاً حاداً في نفوذ الحوثيين، ليس فقط بسبب الضغط العسكري، وإنما بسبب فقدانهم الثقة حتى داخل الأوساط التي كانت تتعامل معهم بحذر. واعتبرت أن ما تبقى من تحركهم جنوباً مجرد مناورة يائسة لتضليل الرأي العام، وأن الواقع الميداني يؤكد أن قدرتهم على التوسع باتت شبه معدومة، خصوصاً في ظل عزلة سياسية متزايدة داخل الإقليم.

وزادت بالقول "اليوم نجد أنّ الحوثيين يعيشون حالة ضعف ميداني وسياسي لم يشهدها من قبل. عندما كان مطار صنعاء والموانئ الشمالية تعمل كمراكز لوجستية لتموين الجماعة، كان نفوذها أكثر رسوخاً؛ أما الآن، فبعد الضربات الجوية والبحرية المتكرّرة، فإنّ تلك المحاور تنهار واحدة تلو الأخرى، والحوثيّون يُجبرون على الانتقال نحو بعض مناطق الجنوب باعتباره ملاذاً تكتيكياً بديلاً".

وتابعت "هذا الانتقال هو اعتراف ضمني بأنّهم فقدوا القدرة على السيطرة في معاقلهم الأصلية. وفي الوقت ذاته، فإنّ جنوب اليمن ليس بيئة خصبة للمشروع الحوثي‑الإيراني؛ فتركيبته القبلية والاجتماعية والسياسية تختلف، وهذا يعيد حسابات إيران التي رأت اليوم في اليمن متنفساً لنفوذها الإقليمي".

 

 

اقتراب الانهيار

الباحث السياسي اليمني سالم الحيمي، المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، قال خلال حديثه لـ"إرم نيوز" إن التحوّل الجغرافي الأخير الذي نفذته جماعة الحوثي نحو بعض المناطق الجنوبية لا يمكن فهمه إلا بوصفه انعكاساً واضحاً لحالة الإرباك العسكري والانكشاف السياسي اللذين تعيشهما الجماعة منذ أشهر، مؤكداً أن الحديث عن إعادة تموضع ليس سوى محاولة لتغطية التراجع الميداني الذي أصابها في صميم بنيتها القيادية.

وأضاف الحيمي أن الضربات الجوية المركّزة التي طالت مطار صنعاء والمراكز القيادية المحيطة به أصابت أهم الأعصاب الحيوية التي كانت تمثل عمق الجماعة ووسيلتها في السيطرة والربط والتمويل، موضحاً أن الجماعة باتت عاجزة عن الاستقرار في معاقلها الأساسية، ليس فقط بفعل الضغط العسكري، ولكن نتيجة التآكل الداخلي في بنيتها، والانقسامات المتزايدة بين أجنحتها السياسية والعسكرية.

وأشار الحيمي إلى أن لجوء الحوثيين إلى الجنوب لا يعكس طموحاً سياسياً أو رؤية توسعية أو حتى قدرة على ذلك، إنما هو هروب اضطراري من واقع آخذ في الانهيار. وقال إن التركيبة الاجتماعية والسياسية في الجنوب تُشكل تحدياً حقيقياً أمام مشروع الجماعة، الذي قام منذ البداية على استغلال الهويات الضيقة والاعتماد على شبكات أيديولوجية موالية لطهران.

وشدّد على أن إيران تقف اليوم أمام استنزاف حقيقي لورقتها اليمنية؛ إذ لم يعد بمقدورها الحفاظ على نموذج وكيل مستقر في بيئة تتغير بسرعة، وفي ظل عزلة إقليمية تتسع. وأضاف: "الواقع يفرض اليوم على طهران أن تتعامل مع جماعة لم تعد تملك الأرض ولا المجتمع، وتعاني من تصدعات تنظيمية، وتفتقر إلى الحاضنة الشعبية؛ وهو ما يقلّص من فاعلية اليمن كورقة مساومة إيرانية في المنطقة".

واعتبر الحيمي أن المرحلة المقبلة قد تشهد انكماشاً حاداً في قدرة الحوثيين على التأثير السياسي، خصوصاً مع فقدانهم لأدوات الشرعية، وعجزهم عن التكيّف مع الواقع الجديد جنوباً. وختم بالقول إن "ما تبقى من تحركات الحوثيين هي محاولات لإثبات الوجود أمام الداعم الإيراني، أكثر منها عمليات ذات قيمة ميدانية أو سياسية"، مشيراً إلى أن اليمن يقترب تدريجياً من لحظة سقوط المشروع الحوثي سياسياً، حتى وإن تأخّر ميدانياً.

 

عجز ميداني

من جهته رأى الباحث الأمريكي ديفيد هيلمان، المتخصص في السياسات الإقليمية، إن الإدارة الأمريكية تنظر إلى التحركات الحوثية الأخيرة بوصفها "تحولات اضطرارية" أكثر من كونها خطوات استراتيجية، معتبراً أن الجماعة تواجه حالياً إحدى أسوأ مراحلها من حيث الضغط العسكري والانكشاف الجغرافي.

وأوضح هيلمان خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن تقييمات وزارة الخارجية ووزارة الحرب الأمريكية تتقاطع حول فكرة أن الحوثيين باتوا يفقدون تدريجياً معظم قدراتهم على إدارة التموضع العسكري المعقّد، خاصة بعد تدمير غرف القيادة في صنعاء، وخسارتهم لعدد من نقاط التخزين والمراقبة في مناطق الساحل. وقال إن واشنطن تعتبر أن الانتقال جنوباً يأتي نتيجة لانهيار في خطوط الإمداد، وليس خياراً ضمن خطة توسع منضبطة.

وأشار هيلمان إلى أن إيران من جهتها لم تعد قادرة على الحفاظ على نموذج مركزي ثابت في اليمن، بل تحاول اليوم، كما وصف، "إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذها"، عبر تكتيكات لامركزية تشمل إعادة نشر المستشارين، وتحفيز الحوثيين على استخدام الموانئ والواجهات البحرية للضغط الإقليمي والدولي.

وتابع بالقول: "ما تراه واشنطن الآن هو أن الحوثيين يسعون للانتقال من السيطرة على الأرض إلى التأثير عبر البحر، لكن هذه المقاربة تواجه عقبات صلبة؛ لأنهم لا يمتلكون شبكات دعم محليّة جنوباً، ولا سيطرة طويلة المدى على أي منفذ استراتيجي بحري".

وأكد هيلمان أن السياسة الأمريكية الراهنة تجاه الحوثيين تقوم على "الردع الذكي"، أي مزيج من الضغط العسكري الموجّه، وتضييق التمويل، والعمل الدبلوماسي لتجفيف الحواضن السياسية التي ما زالت توفّر للجماعة نافذة للتفاوض أو الظهور. وأشار إلى أن واشنطن كثّفت من عمليات الرصد البحري وجمّدت قنوات دعم مالي يُشتبه في وصولها عبر وسطاء خارجيين مرتبطين بطهران.

كما كشف هيلمان أن التقديرات في واشنطن تشير إلى أن الحوثيين سيلجؤون خلال الأسابيع القادمة إلى تنفيذ عمليات رمزية – صاروخية أو بحرية – في محاولة لصناعة ضجيج سياسي يوازي خسائرهم الميدانية، لكنه شدد على أن الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة هذا النوع من السلوك، سواء عبر دعم مباشر لشركائها في البحر الأحمر، أو من خلال آليات العقوبات الذكية التي أثبتت فعاليتها في السنوات الأخيرة.

وختم هيلمان تصريحه بالقول: "الجنوب اليمني ليس المساحة التي تستطيع طهران من خلالها بناء وكيل طويل الأمد. التحرك الحوثي هناك ليس بداية توسع، لكنه علامة على نهاية النفوذ الإيراني المنظم في اليمن".


هشاشة المشروع الحوثي

لقد كانت الضربات الجوية والبحرية التي تلقاها الحوثيون في معاقلهم الشمالية صفعة استراتيجية كشفت حجم هشاشتهم العسكرية واعتمادهم شبه الكامل على المظلة الإيرانية. مطار صنعاء الذي لطالما استخدموه كممر للأسلحة والمستشارين الإيرانيين تحول إلى نقطة عجز، والمناطق الشمالية التي كانت منفذاً للتمويل والتهريب أصبحت تحت المراقبة الكاملة. هذا الانكشاف لم يترك أمامهم سوى خيار الانسحاب التكتيكي نحو بعض مناطق الجنوب، في محاولة يائسة لتأمين خطوط إمداد جديدة قبل انهيار بنية السيطرة التي شيّدوها بدعم طهران.

وفي مواجهة هذا التراجع، كان قد لجأ الحوثيون إلى فتح جبهة البحر الأحمر وخليج عدن عبر هجمات صاروخية وبحرية تهدف إلى الادعاء بإثبات قدرتهم على الرد، لكنها عملياً تؤكد فشلهم في حماية مراكزهم التقليدية. لقد تحوّل البحر بالنسبة لهم إلى مسرح استعراض محدود المدى. 

الجنوب بالنسبة للحوثيين هو محاولة لتدوير نفوذ فقدَ جذوره في الشمال، فهم يسعون إلى بناء محاور بديلة ومنافذ بحرية يعتقدون أنها أقل عرضة للاستهداف، متجاهلين أن الجنوب لا يشبه بيئتهم العقائدية ولا يتسامح مع مشاريع الهيمنة الدينية والمذهبية.

التحول الحوثي نحو الجنوب يضع إيران في مأزق حقيقي. فكل خطوة في الجنوب تعني انكشافاً أكبر، وتوريطاً أعمق في صراع قبلي ومناطقي لا يمكن لطهران التحكم به. إن الجنوب بتركيبته السياسية والقبلية المختلفة ليس بيئة حاضنة؛ ما يجعل المشروع الإيراني هناك أكثر هشاشة مما تتصوره مراكز القرار في طهران.

بذلك، يشكل تحرك الحوثيين جنوباً انتقالاً من مساحة السيطرة إلى مساحة المراوغة، فهو اعتراف غير معلن بفقدان السيطرة المركزية في الشمال، وتأكيد على أن النفوذ الإيراني في اليمن بدأ يتفتت.


التعليقات