تحليل: العراق بين إسرائيل وإيران .. حياد انتخابي في زمن الاستقطاب الإقليمي
يمن فيوتشر - حسين عبدالحسين – مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات- ترجمة خاصة الثلاثاء, 28 أكتوبر, 2025 - 02:22 مساءً
تحليل: العراق بين إسرائيل وإيران .. حياد انتخابي في زمن الاستقطاب الإقليمي

يتوجّه العراقيون في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى صناديق الاقتراع لاختيار 329 عضوًا في البرلمان لفترةٍ تمتد أربع سنوات، في انتخاباتٍ تُعدّ السابعة منذ سقوط نظام (صدام حسين) عام 2003.

ويتحرّك المرشحون بحذر، متعهّدين الحياد في خضمّ الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة وإيران، في الوقت الذي يستخدم فيه بعضهم اتهامات “التطبيع مع إسرائيل” سلاحًا لتشويه سمعة المنافسين.

 

ويُخيّم طيف إسرائيل بشكلٍ واضح على الخطاب الانتخابي في العراق، رغم غياب العلاقات الرسمية بين البلدين.

وقال النائب إبراهيم السُمَيدَعي، عضو كتلة الإعمار والتنمية التي يتزعمها رئيس الوزراء (محمد السوداني):

“هناك قادة شيعة وسنّة قدّموا تطميناتٍ بشأن التطبيع الحرّ مع إسرائيل، وهناك شخصيات سياسية بدأت تتودّد لواشنطن وتقدّم لها تطمينات من خلف الكواليس.”

 

ويتوقّع إبراهيم السُمَيدَعي، الساعي للفوز بولايةٍ برلمانية جديدة، أن “الحكومة المقبلة ستواجه ضغوطًا للانضمام إلى اتفاقات أبراهام” من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه تباهى بأن رئيس الوزراء محمد السوداني هو الوحيد القادر على منع ولادة سلامٍ عراقي مع إسرائيل.

وتعكس تصريحاته حساسية القضية، إذ إن أيّ انفتاحٍ محتمل تجاه الدولة العبرية قد يُعدّ انتحارًا سياسيًا في بلدٍ يتجذّر فيه الرفض الشعبي لإسرائيل.

 

وتُعدّ اتهامات “تقديم التطمينات” خطيرةً على نحوٍ خاص، نظرًا إلى القانون الصادر عام 2022 الذي يُجرّم أيّ شكلٍ من أشكال الدعم لإسرائيل. وقد أدى هذا القانون إلى الحكم بالسجن المؤبد على رجلٍ بسبب منشورٍ مؤيّدٍ لإسرائيل على “فيسبوك”، مما جعل من مصطلح “التطبيع” تعبيرًا محظورًا ومتفجّرًا سياسيًا في الخطاب العراقي.

 

أما رئيس الوزراء الأسبق (إياد علاوي)، وهو شيعي علماني متحالف مع السوداني وله صلاتٌ بالمملكة العربية السعودية، فقد واجه بدوره مثل هذه الاتهامات، لكنه رفضها رفضًا قاطعًا.

وجاء في بيانٍ صادرٍ عن مكتبه:

“علاوي لم ولن يدعُ إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني.”

 

ولطالما كانت إيران قوةً مهيمنة في الساحة السياسية العراقية، غير أنّها أصبحت اليوم عاملًا سامًّا سياسيًا بالنسبة للمرشحين.

فبعد أن كان يُفترض ضمنيًا أن الفصائل الموالية لإيران ستحظى بالنفوذ، ولا سيّما في أوساط السياسيين الشيعة، لم يعد الأمر كذلك الآن. إذ يسعى المرشحون —حتى أولئك الذين ارتبطوا تاريخيًا بطهران— إلى تبنّي موقف الحياد لحماية العراق من صراعات المنطقة، بما في ذلك احتمالات الحرب التي قد تشمل إيران أو الولايات المتحدة أو إسرائيل.

 

وقد أشاد النائب (ضياء الناصري)، عضو كتلة دولة القانون بزعامة (نوري المالكي)، بزعيمه قائلًا إنه “جنّب العراق الضربات والحرب الإقليمية.”

وتسعى كتلة المالكي، التي كانت تُعدّ في السابق حليفًا راسخًا لإيران، إلى النأي بنفسها علنًا عن الجمهورية الإسلامية.

وقال الناصري، الذي يترشّح أيضًا لإعادة انتخابه، إن “النفوذ الإيراني بات أقل بروزًا في الواقع العراقي الجديد.”

 

ويمثّل ذلك تحوّلًا واضحًا عن الانتخابات الخمس السابقة، التي كانت الفصائل الشيعية الموالية لإيران تتوحّد خلالها تحت إشراف طهران.

لكن تراجع النفوذ الإقليمي الإيراني —خصوصًا منذ هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما تبعه من حملاتٍ إسرائيلية ضد حماس ووكلاء إيران الإقليميين مثل حزب الله— أدّى إلى تفكّك هذه التحالفات.

وباتت الفصائل الشيعية، التي كانت مترابطة في السابق، متفرقة اليوم ضمن قوائم انتخابية متنافسة، في مؤشرٍ على تصاعد النزعة البراغماتية على حساب الولاء الأيديولوجي لإيران.

 

ويعكس هذا التحوّل اتجاهًا أوسع نحو سياسةٍ تقوم على المصالح الوطنية، حيث تتقدّم الاعتبارات المحلية وموازين القوى الداخلية على الانتماءات الخارجية.

ويتجلّى تراجع النفوذ الإيراني أيضًا في المشكلات التي تواجهها فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران في العراق.

فهذه الجماعات كانت تسعى في السابق إلى محاكاة نموذج حزب الله اللبناني، عبر تجميع قدرٍ كبيرٍ من القوة والموارد وبسط نفوذها على مؤسسات الدولة.

لكنها اليوم، وقد أُنهِكت بفعل الخسائر وتفتقر إلى قيادةٍ قوية، تجد صعوبة في الحفاظ على قبضتها على الامتيازات الحكومية، بما في ذلك نحو 3 مليارات دولار سنويًا تُخصَّص لـ238 ألف مقاتلٍ مزعوم.

وتشير التقارير إلى أن عدد المقاتلين الفعليين لا يتجاوز 48 ألفًا، بينما البقية “مقاتلون وهميون” يُطلق عليهم العراقيون اسم “الفضائيين”.

 

أما قادة الميليشيات فيقومون بتحويل رواتب هؤلاء المقاتلين الوهميين إلى تمويل عملياتٍ إيرانية في لبنان واليمن.

وقد تم إجهاض مشروع قانونٍ كان من شأنه تقنين وضع الميليشيات كقواتٍ حكومية وضمان تمويلها، وذلك تحت ضغطٍ أمريكي، الأمر الذي أجبر قادة الحشد على خوض المنافسة الانتخابية للحفاظ على وصولهم إلى موارد الدولة.

 

وفي مواجهة هذا الواقع الجديد، يسعى قادة الميليشيات البارزون إلى إعادة تموضعهم عبر العملية الانتخابية.

فـ(فالح الفيّاض) و(أحمد الأسدي)، وهما من كبار قادة الحشد الشعبي، يخوضان الانتخابات على قائمة رئيس الوزراء محمد السوداني،

بينما (هادي العامري) يترشّح بشكلٍ مستقلّ تحت راية تحالف الفتح.

كما يقود كلٌّ من (قيس الخزعلي) و(عمار الحكيم) قائمتيهما الخاصة، في دلالةٍ إضافية على تفكك الفصائل الموالية لإيران التي كانت يومًا موحّدة تحت رايةٍ واحدة.

 

ويبدو أن النموذج الأمريكي لتقاسم السلطة على أسسٍ طائفيةٍ وإثنية —الذي قسّم النفوذ بين الشيعة والسنّة والأكراد— آخذٌ في التآكل.

فقد تفكّك كلّ مكوّنٍ مجتمعي إلى فصائل متنافسة، وشهدت الساحة السياسية نشوء تحالفاتٍ عابرةٍ للطوائف تقوم على المنفعة السياسية أكثر من الانتماء العرقي أو المذهبي.

وقد برز هذا التحوّل بوضوح في انتخابات عام 2021، حين حصل التيار الصدري بزعامة رجل الدين (مقتدى الصدر) على 71 مقعدًا، لكنه عجز عن تشكيل أغلبية.

وعندما تحالف الصدر مع فصائل سنّية وكردية لتجاوز العتبة المطلوبة البالغة 165 مقعدًا، قام القاضي (فائق زيدان) —وهو سُنّي مقرّب من إيران— بإعادة تعريف مفهوم “الأغلبية” لتصبح أغلبية الثلثين، في خطوةٍ مثيرةٍ للجدل أحبطت تحالف الصدر وكشفت عن استمرار نفوذ طهران في مفاصل القرار العراقي.

 

غير أن قبضة طهران آخذة بالارتخاء، ومعها يتهيّأ سياسيون غير شيعة، مثل رئيس البرلمان السابق (محمد الحلبوسي) —الذي كان قد حُظر سابقًا— لاستعادة نفوذهم عبر الانتخابات المقبلة.

أما استقرار العراق، الذي يقوم على إيراداتٍ نفطيةٍ تُقدّر بـ120 مليار دولار سنويًا، فهو يأتي بثمنٍ باهظ، إذ تنهشه شبكات الفساد والبيروقراطية المتضخمة، فيما يستخدم السياسيون نظام المحسوبيات لضمان الولاءات بدلًا من توجيه الموارد نحو تطوير البنية التحتية أو تنويع الاقتصاد.

 

وعلى الرغم من أن العراق لم يعد يشكّل تهديدًا إقليميًا كما كان في عهد صدام حسين —الذي غزا الكويت عام 1990 وهاجم إسرائيل ورعى الإرهاب— إلا أنه لا يزال بعيدًا عن التحول إلى ديمقراطيةٍ ليبراليةٍ حقيقية.

وتُبرز انتخابات عام 2025 ملامح تحوّل المشهد السياسي في العراق،

فتركيز المرشحين على الحياد يعكس رغبةً في تغليب المصلحة الوطنية على التشابكات الخارجية.

ورغم أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل قد يحقق مكاسب اقتصادية ملموسة —كما أظهرت اتفاقات أبراهام التي أسفرت عن تعاونٍ تجاري وتقني متنامٍ— فإن الرأي العام العراقي، المتأثر بعقودٍ من المشاعر المناهضة لإسرائيل، لا يزال عقبةً كبرى أمام أيّ انفتاحٍ من هذا النوع.

 

وفي حين أن التدخل الإيراني في الشأن العراقي قد تراجع، فإن طهران لا شكّ تخطط لاستعادة نفوذها داخل العراق وبقية المنطقة.

أما تنويع الاقتصاد، وهو عنصرٌ أساسي للتخلّص من الاعتماد المفرط على النفط، فيتطلّب سياساتٍ واقعيةً وبراغماتية يمكن أن تُسهّلها علاقاتٌ طبيعية مع كلٍّ من إسرائيل وإيران، غير أن الخطاب العاطفي السائد كثيرًا ما يطغى على هذه الاعتبارات العملية.

 

ورغم أن الديمقراطية العراقية ما تزال في طور التشكّل، إلا أنها بدأت تترسّخ تدريجيًا.

وتُبرز هذه الانتخابات اتجاهًا نحو تحالفاتٍ أكثر واقعية وتراجعًا في النفوذ الخارجي، الأمر الذي يُنعش الآمال في مستقبلٍ أكثر استقرارًا واستقلالية.

وإن استمر هذا المسار، فقد يُنظر يومًا ما إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 —الذي يُنظر إليه على نطاقٍ واسعٍ ككارثة— على أنه نقطة تحوّلٍ إيجابية في التاريخ العراقي الحديث.

ومع ذلك، فإن غياب الدكتاتورية والحروب الأهلية، وظهور انتقالٍ سلميٍّ للسلطة، تُعدّ مؤشراتٍ على تقدّمٍ ملموسٍ في المسار السياسي العراقي.

 

لقراءة المادة من موقعها الاصلي:

https://www.fdd.org/analysis/2025/10/27/iraqi-polls-grapple-with-israeli-and-iranian-relations-as-country-prepares-to-vote/


التعليقات