تقرير: عمل المرأة التجاري في أبين… بين الضغوطات المجتمعية وضعف التأهيل
يمن فيوتشر - هودج- عبير علي السبت, 06 سبتمبر, 2025 - 04:59 مساءً
تقرير: عمل المرأة التجاري في أبين… بين الضغوطات المجتمعية وضعف التأهيل

لا غرو أنه ومنذ القدم كانت ولا تزال المرأة اليمنية أساسًا جوهريًا، ونصفًا فاعلًا في المجتمع اليمني. حيث تقف شامخةً إلى جانب الرجل في شتى صروف الحياة، حاملةً على عاتقها مهامًا سامية تُبدع في إدارتها وتجاوزها.

في محافظة أبين، جنوب اليمن – والتي لا تزال محاصرةً بحواجز العادات والتقاليد – لا يبدو الأمر سهلًا البتة. فنزول المرأة إلى الأسواق لافتتاح المحال التجارية إلى جانب الرجال يُعد تمردًا على الواقع المألوف، وعلى العادات والتقاليد.

 

طبيعة عمل المرأة في أبين

تعمل المرأة في شتى المرافق الحكومية بنسب متفاوتة، حيث يمثل مكتب التربية والتعليم النسبة الأكبر من حيث عمل المرأة، يليه مكتب الصحة والسكان، أما بقية المرافق الحكومية فتعمل فيها المرأة بأعداد محدودة لكل مرفق.

في الجانب الآخر، تعمل النسبة الأكبر من النساء في القطاع الخاص، وتأتي في مقدمتها الأعمال اليومية، كالعمل في مزارع دلتا أبين المتفرقة، حيث تحتل مزارع الموز النسبة الأكبر من حيث عمل النساء في المزارع، فيما يعمل جزء آخر منهن في المشاريع المنزلية الصغيرة، كمشاريع صناعة المشغولات اليدوية، وبيع المخبوزات الشعبية، وتربية المواشي، وصناعة البخور.

مؤخرًا، أصبح الناس يواجهون تحديات معيشية قاسية؛ جراء الانهيار الاقتصادي المستمر، وتأخر صرف المرتبات، بالإضافة إلى توقف التوظيف الحكومي؛ ما اضطر البعض من النساء للتغريد خارج السرب المجتمعي، والعمل في شتى المجالات، خاصة تلك التي لا تزال حكرًا على الرجال، كالتجارة مثلًا.

 

تحديات تواجهها رائدات المشاريع في أبين

افتتاح المشاريع التجارية المختلفة، في الوقت الذي لا تزال فيه المحافظة ملتزمةً بالأعراف المجتمعية من حيث طبيعة عمل المرأة، أمر غاية في الصعوبة.

"إن التشجيع والدعم المعنوي الذي تلقيته من والديّ وإخوتي وأصدقائي هو العامل الأبرز لافتتاح محلي في سوق المدينة، وتجاوزي للمعوقات كافة التي اعترضتني، واستمراري وتطور مشروعي".

فمن أبرز صعوبات عمل المرأة في المجال التجاري، الرفض المجتمعي المتشدد في الكثير من الأحيان، والذي يجعل البعض منهن عرضةً للعنف اللفظي بشكل كبير، بالإضافة إلى ضعف الدعم الأسري المعنوي والمادي الذي يحول دون افتتاح مشاريعهن المرجوة، وعدم ثقة الكثير من العملاء بقدرة المرأة على الإبداع والقيام بعملها بحرفية ومهارة عالية، إلى جانب الصعوبة البالغة في إيجاد أيدٍ عاملة نسوية.

وتتعرض بعض مالكات المشاريع التجارية لحملات تشويه تطالهنّ من وقت لآخر؛ نتيجة اعتقاد البعض بتجرد العاملات في الأسواق من الآداب المجتمعية، معللين رفضهم واعتقاداتهم بعدم قدرة المرأة على إدارة هكذا أعمال في الأسواق، وبين الرجال تحديدًا.

في السياق، تؤكد مالكة أستوديو خلود اليزيدي أن طريقها إلى تحقيق حلمها كان محفوفًا بالصعوبات، خاصة وأنها افتتحت أول أستوديو بطاقم نسائي، ما جعلها وزميلتها عرضةً للأذى اللفظي والنفسي المستمرين.

ويعاني رواد المشاريع التجارية بشكل عام من التضخم المستمر في العملة المحلية، الذي ينعكس سلبًا على التجار والقدرة الشرائية لدى المواطنين على حد سواء، إلا أن التجار من النساء – على وجه الخصوص – الأكثر تضررًا من هذا الجانب، حيث لا يستطعن تحمل الخسائر المستمرة، كما لا يستطعن تعويضها في الكثير من الأحيان؛ لافتقارهن الدعم.

في سياق الحديث، تقول مالكة محل تجاري للهدايا وتنسيقات المناسبات "أم ناصر" لمنصة هودج:

"إن التشجيع والدعم المعنوي الذي تلقيته من والديّ وإخوتي وأصدقائي هو العامل الأبرز لافتتاح محلي في سوق المدينة، وتجاوزي للمعوقات كافة التي اعترضتني، واستمراري وتطور مشروعي".

وعلى الرغم من الدعم الكبير الذي حصلت عليه "أم ناصر" من المحيط الأُسري، إلا أنها تؤكد مواجهتها لبعض الصعوبات التي تعترض طريقها منذ افتتاح مشروعها حتى الآن، كالتدهور الاقتصادي المستمر الذي يهدد استقرار المشاريع للنساء والرجال على السواء، إضافة إلى صعوبة إيجاد نساء للعمل في متجرها؛ نتيجة رفض الأهالي للعمل في هذا المجال.

وتلعب طبيعة المحافظة النامية، التي يعيش ثلثا سكانها تحت خط الفقر، والتي أيضًا لا تزال مكبلة بالعادات والتقاليد المجتمعية، دورًا كبيرًا في رفض أنواع معينة من المشاريع، حيث الإعداد لمشروع تجاري يحتاج إلى دراسة موسعة وشاملة، بشكلٍ أكبر من المعتاد.

إذ لا تزال المشاريع النوعية غير المألوفة تتعرض لرفض، وضعف كبير في الإقبال، كافتتاح المقاهي النسوية والنوادي الرياضية – على سبيل المثال – والتي تتعرض مالكاتها لخسائر مستمرة؛ الأمر الذي يجبرهن على إغلاقها.

 

ضعف دور المؤسسات في التأهيل

تتجه جهود المؤسسات والمنظمات إلى تمكين المرأة اقتصاديًّا، وتدريبها على إدارة المشاريع الصغيرة، إلا أن المشاريع الكبيرة والتي تتمثل بافتتاح المحال التجارية في الأسواق، لا تجد مساحتها من التدريب والتأهيل.

وتعلل بعض المؤسسات المحلية ذلك بضآلة هذه الفئة في المجتمع المحلي، حيث لا تزال فكرة إقامة مشروع تجاري في أسواق مدن المحافظة أمرًا غاية في الصعوبة ومحدود الوجود، بينما يكثر عدد النساء العاملات من المنازل، ما يجعلهن مجبرات على استهدافهن بشكل مستمر.

في السياق ذاته، ترى مدربة ريادة الأعمال إسراء السقاف أن طبيعة المحافظة المقيدة بالعادات والتقاليد، إضافة إلى ارتفاع تكاليف افتتاح المحال التجارية، من أبرز أسباب ضعف التدريب في هذا الجانب.

إذن، لا تزال المرأة تخوض حربًا ضارية للدفاع عن حقوقها، التي يحاول المجتمع فرض قيود عليها، كحقها في اختيار العمل الذي ترغبه. إذ إن تجاوز تلك الصعوبات لن يكون سهلًا ما لم تجد المرأة فرصتها الكاملة لإثبات مدى قدرتها على العمل والنجاح في شتى المجالات؛ الأمر الذي يتطلب تضافرًا مجتمعيًّا وجهودًا مضاعفة لتجاوز العقبات التي تعترض عمل المرأة.

 

نشرت هذه المادة في هودج

 


التعليقات