تقرير: كيف سترد إيران على "النهج الترامبي" في جنوب القوقاز؟
يمن فيوتشر - Dw- ترجمة خاصة: الاربعاء, 13 أغسطس, 2025 - 06:50 مساءً
تقرير: كيف سترد إيران على

خطة سلام بين أرمينيا وأذربيجان، بوساطة دونالد ترامب، تتضمن ممرًّا للنقل تدعمه الولايات المتحدة في منطقة جنوب القوقاز. وقد جاءت ردود فعل إيران على نحو مفاجئ، ما بين الترحيب والتحفظ.
فقد قوبل الإعلان عن اتفاق سلام بوساطة أمريكية بين أرمينيا وأذربيجان بردود متباينة في طهران؛ إذ رحّبت إيران بإنهاء النزاع بين الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين، لكنها في الوقت ذاته أبدت معارضة واضحة لتنامي النفوذ الأمريكي في جوارها المباشر.
حيث تقع أرمينيا وأذربيجان على الحدود الشمالية الغربية لإيران في منطقة جنوب القوقاز. وبعد عقود من النزاعات الإقليمية، وقّع البلدان إعلان سلام في البيت الأبيض في التاسع من أغسطس/ آب.
و الاتفاق ينص على إنشاء ممر نقل يربط أذربيجان بجيبها الإقليمي "نخجوان" عبر شريط من الأراضي الأرمنية طوله 32 كيلومترًا (20 ميلاً). وسيحمل الممر اسم "طريق ترامب من أجل السلام والازدهار الدوليين" نسبة إلى الرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب)، مع منح الولايات المتحدة حقوق التطوير والاستخدام.
وقد رسّخت أذربيجان مكانتها كأحد كبار منتجي النفط والغاز، وسيتيح الممر الجديد لها منفذًا تجاريًا أكثر مباشرة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
أما بالنسبة لإيران، وهي أيضًا قوة كبرى في مجال الطاقة، فإن هذا التطور يمثل ضربة قاسية، فضلًا عن أن طهران ترتبط بعلاقات وثيقة نسبيًا مع أرمينيا، وتتحسس من أي خطوات قد تحد من نفوذها المتراجع في المنطقة.


•إيران تتعهد بإفشال الممر
في التاسع من أغسطس/ آب، صرّح (علي أكبر ولايتي)، مستشار المرشد الأعلى (علي خامنئي)، بأن إيران "لن تسمح بإنشاء هذا الممر"، معتبرًا أن الوجود الأمريكي في جنوب القوقاز يشكل تهديدًا للمصالح الإيرانية.
غير أن الرئيس الإيراني (مسعود بزشكيان) سارع في اليوم التالي إلى تبنّي موقف مغاير.
فقد أكد، في اتصال هاتفي يوم الاثنين مع رئيس وزراء أرمينيا (نيكول باشينيان) –وفق ما نقلته وسائل الإعلام الأرمينية– أن خطة السلام "تأخذ بعين الاعتبار أيضًا وجهات نظر إيران"، مشددًا على أن المسار المزمع لن يقطع وصول إيران إلى أرمينيا.


•لماذا تُعد المنطقة ذات أهمية استراتيجية؟
الممر يمثل أكثر من مجرد مشروع نقل، وفق ما قاله (أفشار سليماني)، السفير الإيراني السابق في أذربيجان.
وأضاف سليماني لموقع DW: "المشكلة الأساسية تكمن في التنافس الاستراتيجي بين روسيا والغرب".
وأشار إلى أن الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، يسعى لتقليص نفوذ روسيا في جنوب القوقاز والاستفادة من فراغ السلطة الذي تسببت فيه انشغال روسيا في أوكرانيا.
و من جانبها، قالت (شيرين هانتر)، خبيرة شؤون إيران بجامعة جورجتاون في الولايات المتحدة، لموقع الأخبار الإيراني تابناك، إنها لا تعتقد أن روسيا قادرة على "استعادة هيمنتها السابقة" في المنطقة، حتى وإن كانت ستظل لاعبًا مهمًا.
وأضافت: "من الممكن أن تسعى روسيا والولايات المتحدة الآن للتوصل إلى اتفاقٍ شامل حول أوكرانيا والقوقاز".
وبحسب هانتر، فإن إنشاء خطوط أنابيب ومسارات تجارية تتجاوز إيران كان جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية منذ التسعينيات.
وقالت هانتر، التي عملت دبلوماسية إيرانية قبل الثورة الإسلامية عام 1979: "لقد سرّع ترامب هذا المسار فحسب، والآن تمكّن من توقيع الاتفاقية".
وأوضحت أن "طريق ترامب" الجديد سيكون تعزيزًا مهمًا لعزلة إيران الجيوسياسية.

•إيران تواجه أزمات متعددة في آن واحد
لقد أثّر التبادل العسكري مع إسرائيل في وقت سابق من هذا العام، وفقدان الجماعات المسلحة التابعة لها في الشرق الأوسط، إلى جانب تزايد استياء السكان من القمع السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي، بشكل كبير على موقع القيادة الإيرانية.
ورغم أن إيران لا تزال تحافظ على علاقات جيدة مع أرمينيا ذات النفوذ المسيحي، إلا أن علاقاتها مع أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة متوترة.
وقال (رضا طالبي)، خبير شؤون إيران بجامعة لايبزيغ في ألمانيا، لموقع DW: "حاولت طهران الحد من النفوذ الإسرائيلي في أذربيجان من خلال إقامة علاقات أوثق مع أرمينيا".
وأضاف طالبي: "لكن النتيجة أن أذربيجان أصبحت الآن مرتبطة أكثر بإسرائيل".
و تجدر الإشارة إلى أن أذربيجان انفصلت عن إيران في عام 1828 بعد حرب روسية-فارسية وتم ضمها إلى الإمبراطورية الروسية. وما زالت هناك مقاطعتان إيرانيتان على الحدود الشمالية الغربية تحملان اسمي أذربيجان الغربية والشرقية.
ويقدّر عدد الإيرانيين ذوي الأصول الأذرية بنحو 18 مليون نسمة، وهو أكثر من إجمالي سكان أذربيجان البالغ 10.2 مليون نسمة.
كما يوجد قلق في إيران من المجموعات الانفصالية التي تسعى للانفصال عن إيران وتكوين ما يُسمّى بـ"أذربيجان الجنوبية".
وفي باكو أيضًا، هناك حركات قومية تتحدث عن "أذربيجان الكبرى"، التي من شأنها أن تضم الأذريين الإيرانيين.
ووفقًا للخبير الألماني رضا طالبي، يسعى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى تكييف سياسة إيران الإقليمية، بما في ذلك تجاه أذربيجان، وإقليم كردستان العراقي، وباكستان، وتركيا. وتهدف الحكومة من ذلك إلى تجنب صراع جديد في ظل عزلة إيران المتزايدة.
ويُذكر أن الرئيس نفسه من أصل كردي ونصف أذربيجاني، وقد التقى برئيس أذربيجان (إلهام علييف) في باكو في أبريل/ نيسان، وتحدث اللغة الأذربيجانية أمام الكاميرات.
و مع تغير التحالفات العالمية والإقليمية، باتت إيران مضطرة لإعادة التفكير جذريًا في سياستها الخارجية وتكييف أهدافها مع الواقع الجديد.
وقالت الخبيرة شيرين هانتر إن ذلك قد يشمل قبول الوجود الإقليمي للولايات المتحدة وحل القضايا العالقة مع واشنطن.


التعليقات