تحليل: التهديدات البحرية الحوثية والهدنة في غزة.. لماذا يُعَدّ تعطيل سلاسل الإمداد أمراً لا غنى عنه؟!
يمن فيوتشر - معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى – نوام ريدان- ترجمة خاصة الجمعة, 14 نوفمبر, 2025 - 03:00 مساءً
تحليل: التهديدات البحرية الحوثية والهدنة في غزة.. لماذا يُعَدّ تعطيل سلاسل الإمداد أمراً لا غنى عنه؟!

على الرغم من أن الحوثيين في اليمن لم يشنّوا هجمات جديدة على السفن منذ أواخر سبتمبر/ أيلول، إلا أنّ حرية الملاحة في البحر الأحمر والممرات المائية المتصلة به ما تزال مهدَّدة، ولا يمكن التعويل على الهدنة الجديدة في غزة باعتبارها ضماناً لنهاية الحملة البحرية الطويلة التي يقودها الحوثيون. ففي مطلع الشهر الجاري، أعلن مسؤول رفيع في الجماعة أن هجمات استهداف السفن وغيرها من الضربات ستُستأنف إذا قام “العدو [الإسرائيلي]” بأي عمل عسكري إضافي في غزة. والأهم من ذلك أن قطاع الملاحة البحرية والقوات البحرية التابعة للتحالف ما تزال تتعامل بحذر، على نحو يذكّر بردّة فعلها خلال الهدنة القصيرة التي شهدتها غزة في يناير/ كانون الثاني الماضي.

كما يظلّ التهديد الحوثي مخيّماً على دول الخليج ومصالحها الاقتصادية، وخصوصاً السعودية التي استُهدفت قبالة ميناء ينبع ناقلة نفط في 31 أغسطس/ آب (كما سيَرِد لاحقاً).

وفي ظل هذه التهديدات المتواصلة، قد تكتسب الجهود المحتملة الرامية إلى تعطيل سلاسل الإمداد الخاصة بالحوثيين أهمية كبيرة. ففي سبتمبر/ أيلول، تعرّضت ناقلة يُعتقد أنها كانت تنقل غاز النفط المسال الإيراني (LPG) إلى الجماعة لهجوم غامض قرب ميناء رأس عيسى الخاضع لسيطرة الحوثيين، ما دفع أحد المسؤولين إلى الادّعاء بأن إسرائيل تقف وراء العملية.

ومع تصعيد وزارة الخزانة الأميركية جهودها لـ“تفكيك” الشبكات الإيرانية المسؤولة عن نقل الطاقة غير المشروعة إلى الحوثيين، يتعيّن على واشنطن مراقبة سلاسل الإمداد الأوسع وشبكات التوريد التي يعتمد عليها الحوثيون، إذ إنّ مخاطر الملاحة التجارية لن تتلاشى ما دامت هذه الشبكات قائمة وفعّالة.

 

ثمة إمكانية محدودة للوصول إلى البحر الأحمر… ولكن لمن؟

لقد مرّ ما يقارب عامين منذ أن أطلق الحوثيون حملتهم ضد حرية الملاحة في البحر الأحمر في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. وما تزال حركة عبور السفن عبر مضيق باب المندب الضيّق أدنى من مستوياتها في مطلع عام 2023، رغم أن بعض شركات الشحن عادت إلى استخدام هذا المسار في وقت سابق من العام، في ما تُرجعه مصادر في القطاع إلى ما يُسمّى بـ“التطبيع مع المخاطر”.

ولفهم هذا الاتجاه بشكل أوضح، يمكن النظر إلى مثال صادرات النفط الخام من جنوب العراق عبر قناة السويس، وخصوصاً المتجهة نحو أوروبا. فبحسب شركة البيانات التجارية «كبلر»، ارتفع حجم نفط البصرة العراقي المنقول عبر هذا الطريق إلى نحو 320 ألف برميل يومياً في يوليو/ تموز، وهو أعلى معدل منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، حين قررت عدة شركات تجنّب البحر الأحمر (وكان المعدل آنذاك نحو 609 آلاف برميل يومياً).

ويُظهِر هذا الواقع أن بعض شركات الشحن واصلت استخدام مضيق باب المندب رغم الهجمات الحوثية على ناقلتي بضائع في يوليو/ تموز. وقد نُقلت غالبية الشحنات العراقية عبر قناة السويس ذلك الشهر بواسطة ناقلات مملوكة أو مُشغَّلة من شركات يونانية مثل «دايناكوم» و«بوليمبروس».

لكن ليست جميع الشركات اليونانية مستعدة للإبحار في جنوب البحر الأحمر؛ فبعضها اضطرّ إلى السير في الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح، خصوصاً تلك التي لها تاريخ في التردد على الموانئ الإسرائيلية. ففي عام 2024، على سبيل المثال، استهدف الحوثيون ثلاث سفن مرتبطة بشركة «دلتا تانكرز» اليونانية.

وينطبق الأمر نفسه على السفن التجارية المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة. فمع أن الحوثيين أوقفوا استهداف السفن الأميركية بعد أن أنهت إدارة ترامب حملتها الجوية في اليمن في مايو/ أيار، تُظهر البيانات أن السفن التي ترفع العلم الأميركي —وخاصة تلك المملوكة أو المُشغَّلة من شركات عملاقة مثل «ميرسك»— ما تزال تتجنب البحر الأحمر.

فعلى سبيل المثال، قامت سفينة الحاويات الأميركية «ميرسك شيكاغو» (IMO: 9332975) بالالتفاف حول إفريقيا في رحلتها من ميناء طنجة المتوسّط في المغرب إلى صلالة في عُمان، وهي رحلة استغرقت الفترة من 15 سبتمبر/ أيلول حتى 11 أكتوبر/ تشرين الأول. ولو أنها سلكت طريق قناة السويس، لكانت وصلت إلى عُمان خلال عشرة إلى اثني عشر يوماً فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن سرعتها تراوحت بين 15 و18 عقدة.

في المقابل، يُظهر التتبع الذي أجراه الكاتب أن السفن المرتبطة بروسيا والصين ما تزال من أكثر مستخدمي الجزء الجنوبي من البحر الأحمر نشاطاً. فعلى سبيل المثال، شكّل هذا الممر شرياناً أساسياً لنقل النفط الروسي إلى المصافي الهندية في ظل تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية. وحده شهر سبتمبر/ أيلول شهد استيراد الهند نحو 1.43 مليون برميل يومياً من الخام الروسي عبر قناة السويس؛ ويُرجَّح أن يبقى البحر الأحمر مساراً محورياً لتلك المصافي التي تواصل شراء الإمدادات الروسية المخفّضة السعر.

وفي الوقت نفسه، بدأ مُؤمِّنو الشحن في تقديم أسعار أقل على رسوم مخاطر الحرب (الأقساط الإضافية على السفن في المناطق عالية الخطورة) لمالكي السفن الصينيين مقارنةً بنظرائهم الأوروبيين، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى أن السفن المرتبطة بالصين أقل عرضة للاستهداف من قبل الحوثيين.

وفي الواقع، ما تزال السفن المرتبطة بروسيا والصين تبث رسائل عبر أنظمة التعريف الآلي (AIS) توضّح فيها ملكيتها ونوعية الحمولة، وهو ما يشكّل إشارة مباشرة للحوثيين بعدم استهدافها. وتشمل هذه السفن ناقلات خاضعة للعقوبات مثل الناقلة «ريجال» (IMO: 9296406) المنخرطة في تجارة النفط الروسي، والتي تحرص على إظهار أن طاقمها ومالكها من الصين.

 

هل هناك تحول في الهجمات السعودية واضطراب في سلسلة الإمدادات؟

في أحدث هجماتهم البحرية، استهدف الحوثيون السفينة التجارية الهولندية «مينيرفاغراخت» (IMO: 9571521) في خليج عدن بتاريخ 29 سبتمبر/ أيلول، رغم عدم وجود أي صلة معروفة لها بإسرائيل، إلا أن الحادث لم يكن مفاجئاً بالنظر إلى سجل الجماعة في شن هجمات بناءً على بيانات قديمة أو غير دقيقة. ومع ذلك، هناك مجموعتان من الحوادث الأخيرة تستحقان الدراسة: الأولى تتعلق بالتهديد الإقليمي طويل المدى الذي يمثله الحوثيون، والثانية تُظهر كيف يواصلون الحصول على المنتجات النفطية رغم العقوبات والضربات العسكرية.

الهجمات القريبة من السعودية:
في 31 أغسطس/ آب، استهدف الحوثيون ناقلة النفط/الكيماويات «سكارلت راي» (IMO: 9799654) المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيدان أوفر عبر شركته «إيسترن باسيفيك شيبنج»، على بعد نحو أربعين ميلاً بحرياً جنوب غرب ينبع، خارج نطاق عملياتهم المعتاد. وعلى الرغم من عدم تعرض السفينة لأي ضرر، أظهر الحادث قدرة الجماعة على مواصلة تهديد السعودية من خلال الاستهداف قرب البنية التحتية الرئيسية للطاقة والتجارة، ما قد يشير إلى تحول في استراتيجيتهم مقارنة بالهجمات السابقة المرتبطة بالسعودية.

على سبيل المثال، في يونيو/ حزيران 2024، تم الإبلاغ عن انفجار على مسافة قريبة من سفينة تجارية قبالة الساحل السعودي قرب الشقيق، جنوب ينبع بكثير. والهجمات قرب ينبع تثير القلق بشكل خاص لأنها من الموانئ الغربية الرئيسية للسعودية لتصدير النفط، حيث تُقدَّر شحنات النفط بنحو 973 ألف برميل يومياً في سبتمبر/ أيلول، وفقاً لـ«كبلر».

وبشكل أوسع، يُعتبر البحر الأحمر محورياً لتحقيق الطموحات اللوجستية الواردة في رؤية المملكة 2030. وفي أوائل 2024، أطلقت المملكة أول مشغل مستقل لشحن التغذية القصيرة والملاحة الإقليمية «فولك مارايم»، الذي بدأ منذ ذلك الحين توسيع خدماته الإقليمية رغم المخاطر العالية في البحر الأحمر.

وتدرك الرياض أن هدفها بأن تصبح مركزاً لوجستياً إقليمياً يتطلب ضمان حرية الملاحة. وبناءً عليه، استضافت المملكة في سبتمبر/ أيلول مؤتمراً مشتركاً مع المملكة المتحدة لإطلاق «الشراكة البحرية الأمنية اليمنية»، التي تهدف إلى “تعزيز الأمن في الممرات البحرية الحيوية”. وسعى قياديون في الحوثيين إلى تصوير هذه المبادرة على أنها محاولة لحماية السفن الإسرائيلية، مما يشير إلى أن جهود المملكة في الأمن البحري ستتطلب موازنة دقيقة مع الجماعة لتجنب المواجهة المباشرة.

 

ضربات سلسلة الإمداد؟
في منتصف سبتمبر/ أيلول، ظهرت تقارير تفيد بأن السفينة «كليبر» (IMO: 9102198)، وهي سفينة أميركية خاضعة للعقوبات وتحمل غاز البترول المسال الإيراني، تعرّضت لحريق أثناء رسوّها في ميناء رأس عيسى الخاضع للحوثيين. ولا يزال مصدر الحريق غير واضح، لكن طاقم السفينة (غالبيتهم من باكستان) ذكر أن السفينة تعرّضت لهجوم بواسطة طائرة مُسيّرة. كما اتهم مسؤول إسرائيلي السفينة بالهجوم، لكن لم تؤكد مصادر مستقلة هذا الادعاء.

وبعد عدة أسابيع، تعرّضت ناقلة غاز البترول المسال «فالكون» (IMO: 9014432) لانفجار في خليج عدن. وقد ذكرت تقارير أولية وجود “قذيفة غير معروفة”، لكن لا يمكن استبعاد وقوع حادث عرضي، وفقاً لعمليات التجارة البحرية في المملكة المتحدة (UKMTO). وبالمثل مع السفينة «كليبر»، كانت «فالكون» تحمل غازاً محمّلاً من إيران، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت تعرضت لهجوم سري لتعطيل شبكات الإمداد الإيرانية إلى الحوثيين بشكل مباشر.

 

لا حل دون تعطيل الشبكات

لم يعد هناك الكثير من الغموض حول موعد عودة أسعار العبور في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر إلى مستوياتها في أوائل 2023، فقد أصبح واضحاً أي الناقلين مستعدون —أو غير مستعدين— لتحمّل المخاطر في منطقة أصبح الخطر فيها أمراً مألوفاً. وطالما بقيت جبهتا غزة ولبنان غير مستقرتين، ستظل الظروف في البحر الأحمر متقلبة، إذ أوضح الحوثيون استعدادهم لاتخاذ إجراءات مسلحة دعماً لحركة حماس، وإلى حد أقل لحزب الله.

ونظراً لاستمرار الحوثيين في التمتع باليد العليا في البحر الأحمر، يجب على واشنطن وشركائها التركيز على استراتيجية طويلة المدى لتعزيز التعاون الاستخباراتي، خصوصاً فيما يتعلق بسلاسل الإمداد وشبكات التوريد التابعة للجماعة. ويعني ذلك إيجاد طرق لتعطيل هذه الشبكات تدريجياً، واختبار حدود ردّ فعل الحوثيين من دون التأثير بدرجة أكبر على التجارة الإقليمية.

والضربات العسكرية المباشرة لا تُعدّ فعالة دائماً في هذا السياق. فعلى سبيل المثال، رغم الضربات الأميركية المكثفة في أبريل/ نيسان الماضي على رأس عيسى —وهي نقطة محورية لاستيراد المنتجات النفطية— تُظهر بيانات تتبّع السفن أن الحوثيين تمكنوا من استئناف عملياتهم هناك. كما أن العقوبات المفروضة على سفن فردية ليست حلاً شاملاً أيضاً. وكما يوضح حادث السفينة «كليبر» في سبتمبر/ أيلول، فقد واصلت السفن الخاضعة للعقوبات تسليم الإمدادات إلى موانئ الحوثيين.

وخلال هذا العام، كثّفت وزارة الخزانة الأميركية العقوبات على شبكات الإيرادات والتوريد التابعة للحوثيين، التي تُعدّ مركزية في تمويل سلاسل إمداد الأسلحة وحملتهم البحرية. وعلى المدى الطويل، فإن الجهود الرامية إلى معالجة تهديد الشحن في البحر الأحمر —وتلبية الالتزام الأوسع للولايات المتحدة بالأمن في الشرق الأوسط— لن تنجح ما لم تستثمر واشنطن وشركاؤها في رسم خريطة شاملة لشبكات توريد الحوثيين وفهم كيفية عملها. ويشمل ذلك تتبع الأنشطة الممتدة إلى إيران والصين ودول أخرى، مع إظهار القدرة والاستعداد لتعطيل هذه الشبكات بشكل فعّال، بما يتجاوز العقوبات الفردية التي أثبت الحوثيون قدرتهم على الالتفاف حولها بالفعل.

 

لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي:،

https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/houthi-maritime-threats-and-gaza-truce-why-disrupting-supply-chains-indispensable


التعليقات