تمثل النزاعات على الأراضي والممتلكات عقبة جدّية أمام تحقيق السلام، حيث قوضت سنوات من النزاع المسلح أسس الحماية القانونية وأفسحت المجال لممارسات غير قانونية كمُصادرة الأراضي والممتلكات وإعادة توزيعها. يُعزز غياب الحماية شعور السكان بانعدام الأمن – سواء داخل منازلهم أو أحيائهم – ويهيئ مناخ موات لأطراف أخرى للاستقواء في ظل غياب الرقابة، وبهذا تفاقمت انتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات نتيجة غياب النظام داخل المدن اليمنية.
لمدينة عدن تاريخ معقد من التحولات السياسية التي مست بشكل مباشر نمط حقوق الملكية الخاصة والعامة. تحظى المدينة بموقع استراتيجي بين البحر الأحمر وخليج عدن – الذي سمي نسبة إليها – وبنية تحتية حضرية ساهمت فيما مضى في زيادة أسعار العقارات فيها. وعلى مدار التاريخ المعاصر، لم يكن التوسع الحضري في عدن مرهونا بقوانين العرض والطلب ولا بمخططات التنمية الحضرية، بل كان في الغالب يرتهن الى توجهات السلطة السياسية الحاكمة والى اعتباراتها الامنية والعسكرية، وفي بعض الأحيان كان التوسع الحضري في عدن ملازما لحالة الفوضى وغياب النظام، وذلك بالتحديد في أعقاب الحروب التي شهدتها المدينة على مدار نصف قرن. وقد راكم هذا تركة معقدة من مشكلات الإسكان والأراضي وحقوق الملكية.
تحلل هذه الورقة التحولات في حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات في مدينة عدن مروراً بأربعة مراحل من تغيّر نظام الحُكم، وما صاحب ذلك من انتهاكات. المرحلة الاولى، تحوّل عدن من محمية بريطانية إلى عاصمة دولة اشتراكية وما تبع ذلك من هندسة اجتماعية واقتصادية كان أهم مَلمح لها هو تأميم المنازل والشركات ومنشآت القطاع الخاص بما في ذلك البنوك والمزارع الخاصة. المرحلة الثانية، توحيد شطري اليمن والتي شهدت هندسة عكسية لنمط الملكية قام فيها الرئيس علي عبدالله صالح بتوزيع أراضي الدولة كأداة لكسب الولاء السياسي بحيث أصبحت الخصخصة آلية العمل المتبعة لهذا الغرض. المرحلة الثالثة شهدت اندلاع انتفاضة الربيع العربي في اليمن عام 2011 وسقوط نظام حُكم صالح، وتجدّد المساعي لاعادة فتح ملف الانتهاكات السابقة. أما المرحلة الرابعة والاخيرة فهي اندلاع الحرب في العام 2015 وما أعقبها من دورة انتهاكات تجاه الملكية الخاصة والعامة.
تسلط الورقة الضوء على ممارسات الاستيلاء على الأراضي في كل مرحلة من المراحل المشار إليها أعلاه – سواء باستخدام القوة والعنف أو عبر استغلال النفوذ أو بقرار حكومي أو بسبب حالة الفوضى المستشرية. كما توضح دور الحكومات المتعاقبة والجهات الفاعلة في تهيئة بيئة مواتية لممارسة هذه الانتهاكات وإعاقة تحقيق المساءلة وجبر الضرر وتعويض المتضررين.
•مقدمة
مع طرد قوات الحوثيين من عدن في يوليو/ تموز 2015، عمّت حالة الفوضى المدينة نتيجة تعمّق الخلافات بين الجهات الفاعلة المسلحة الحكومية وغير الحكومية المتنافسة على السلطة والنفوذ السياسي. تمثلت احدى تداعيات هذا الوضع في انتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات، ومثلت امتدادا لما مورس في عدن على مدار عقود من انتهاكات ممنهجة من قبل النخب السياسية في حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات بهدف فرض واقع جديد وبسط السيطرة على الأرض.
تعد مدينة عدن فقيرة بالموارد الطبيعية أو القدرة على الإنتاج المحلي، إلا أنها استفادت من مينائها في جذب الموارد إلى المدينة منذ العصور الوسطى.[1] برزت المدينة بعد عام 1839 كمركز تجاري مُهم للإمبراطورية البريطانية بسبب موقع مينائها الاستراتيجي والذي كان يخدم المصالح التجارية والاقتصادية للإمبراطورية مع الهند تحديداً.[2] ازدادت أهمية عدن بالنسبة للإمبراطورية البريطانية مع افتتاح قناة السويس في عام 1869، حيث منحت الإمبراطورية القدرة على التحكم بحركة الملاحة عبر البحر الأحمر.[3] مع إعلان النشاط التجاري الحر في ميناء عدن في عام 1850،[4] تم إعفاء البضائع من الضرائب والرسوم الجمركية الأمر الذي استقطب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية وساعد على تأسيس إمبراطوريات تجارية فيها،[5] وهذا بدوره ساهم في تطوير البنية التحتية للمدينة ونموها الحضري المتسارع وزيادة الهجرة الداخلية إليها (من باقي مناطق اليمن) وارتفاع أسعار العقارات فيها.[6]
في مرحلة لاحقة، بعد انتهاء الحكم الاستعماري البريطاني عام 1967، أُتُّخذت سلسلة من السياسات الرسمية خلال المراحل التحوّلية والانتقالية في اليمن أدت إلى مصادرة الممتلكات العامة والخاصة على نطاق واسع.[7] لم تبذل الحكومات المتعاقبة – سواء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو الجمهورية اليمنية (الموحدة) – جهودا ملموسة للتعامل مع المظالم التاريخية المرتبطة بانتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات أو لفرض آليات صارمة تُحقق المساءلة أو تُعوض المتضررين – مما شكل سابقة لاستمرار هذه الانتهاكات حتى يومنا هذا مع تنافس الخصوم من جماعات وأفراد على السلطة في عدن.
تسلط هذه الورقة الضوء على النُهُج التي اعتمدتها السلطات الحاكمة في إدارة ملف الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، والتعامل مع انتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات خلال مراحل هامة من تاريخ عدن المعاصر. تستند الورقة الى مراجعة نقدية لدراسات أكاديمية، وأخبار محلية، وتشريعات حكومية، ومسوحات وطنية، وتقارير صادرة عن منظمات حكومية وغير حكومية، من أجل التعمّق في تاريخ الانتهاكات الممارسة في حقوق الممتلكات في عدن وتأثير ذلك على سكانها. أُجريت مقابلات شخصية[8] واستطلاع رأي إلكتروني داخل محافظة عدن في إطار مبادرة بحثية لتقييم الأضرار التي لحقت بالممتلكات والبنية التحتية في المحافظات الجنوبية عامّة[9] وفي محافظة عدن تحديداً – وهي محور تركيز الورقة بحكم تاريخها الفريد الذي جعلها بيئة مواتية لممارسة انتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات.
تبحث الورقة أيضا في الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الممارسة في حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات على مختلف المستويات: على المستوى الهيكلي كَدور الهيئات واللجان الحكومية، وعلى المستوى القانوني كَالقوانين السارية والثغرات في التشريعات، وعلى المستوى الأمني كَاستغلال النفوذ والقوة العسكرية ميدانياً، وأخيراً على المستوى الاداري كَالممارسات المتبعة في إدارة قضايا الإسكان والأراضي والممتلكات. تتناول الورقة كذلك البُعد المناطقي لانتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات وكيف ساهم إعادة توزيع الأراضي في استفحال الخلافات والتوترات بين اليمنيين من مختلف أرجاء البلاد.
•إعادة توزيع الأراضي وتأميمها في عهد الدولة الاشتراكية
تولى التيار اليساري من القيادة العامة للجبهة القومية للتحرير زمام السلطة في عدن عَقب جلاء آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، وعٌرفت تلك القوى لاحقاً باسم الحزب الاشتراكي اليمني. سرعان ما رسخت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (تحت حكم الحزب الاشتراكي) نفسها باعتبارها الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم العربي، معتمدة بشكل كبير على الدعم المالي والعسكري المقدم من الاتحاد السوفيتي. تغيّرت تماما مفاهيم الملكية العامة والخاصة في عدن مع اعتماد قوانين التأميم خلال الفترة 1968 – 1972، حيث جرى تأميم أراضي ومشاريع زراعية، ومؤسسات متعددة الجنسيات كانت تتخذ من عدن مقرا لها، وبنوك، وقطاعي النقل والاتصالات، ومنشآت تجارية خاصة، ومساكن وعقارات من بين ممتلكات أخرى.
صُودرت أراض ومعدات زراعية ومزارع لتربية المواشي بموجب قانون الإصلاح الزراعي رقم 3 لسنة 1968، وحدّد القانون رقم 27 لسنة 1970 سقفا واضحا لمساحات الأراضي المملوكة للأفراد أو الأسر بحيث صُودرت أي مساحات إضافية تحتاج للريّ وتزيد عن 20 فدانا أو أي مساحات إضافية تعتمد على مياه الأمطار وتزيد عن 40 فدانا.[10] [11] وبموجب القانون الأخير، تم تأميم وإعادة توزيع 126,000 فدان من أراضي تعود لملكية خاصة.[12]
في عام 1972، أُدخلت تعديلات راديكالية على نظام حيازة الأراضي حيث شرّع قانون الإسكان الجديد رقم 32 تأميم جميع العقارات السكنية والتجارية باستثناء المنزل الذي يقطن فيه المالك، مما أدى إلى تجريد أصول طبقة المُلاّك والتجار ورجال الأعمال بشكل عام.[13] أعيد توزيع المساكن المؤممة كمساكن حكومية واستخدام العقارات التجارية لإنشاء مزارع مملوكة للدولة أو مشاريع مشتركة بين القطاعين العام والخاص كَتعاونيات المنتجين ومقدمي الخدمات، فضلا عن إعادة توزيع الموارد المُجمعة (بقرارات حكومية) على الطبقة العاملة بضمان وظائفهم.[14] شملت قوانين التأميم الأخرى البنوك وقطاعات الصناعة والنقل، حيث شرّع القانون رقم 37 لعام 1969 مثلاّ تأميم تسعة بنوك أجنبية، وخمس شركات تجارية، و12 شركة تأمين أجنبية، وسبع شركات لخدمات الموانئ، وخمس شركات نفطية،[15] ووُضعت جميع هذه المؤسسات تحت إشراف اللجان الحكومية. ألغى تأميم الأصول الاقتصادية النشاط التجاري الحُرّ في ميناء عدن محفزاً هجرة جماعية لرؤوس الأموال، لا سيما إلى شمال اليمن ودول الخليج.[16]
من الجدير الإشارة هنا إلى أن مصادرة الأراضي والممتلكات في عدن إبان عهد الحكم الاشتراكي جاء في إطار تنفيذ إصلاحات واسعة وضعت الأساس لسياسات اجتماعية واقتصادية هامة مثل برامج الإسكان المدعومة، وحق حصول الجميع على التعليم، وتحديد حد أدنى للأجور، وفرض رقابة حكومية على الأسعار، والدعم الغذائي، وتوفير الرعاية الصحية المجانية. كما تَعزّز دور المرأة في الحيز السياسي والاجتماعي في مقابل تراجع دور القبائل،[17] وتم دعم نظام الرعاية الاجتماعية الجديد ماليا من قبل الكتلة السوفييتية والمؤسسات المالية الدولية والعربية، وخاصة الكويت.[18] أتاحت هذه السياسات ظروف معيشية مقبولة للمدنيين وساهمت في تقليص الفجوة في مستويات المعيشة بين المناطق الحضرية والريفية، وتوفير السكن وفرص العمل في القطاع العام لمعظم المواطنين.
الانتهاكات التي أعقبت توحيد شطري اليمن واندلاع حرب 1994
انتهى عهد الحكم الاشتراكي في عام 1990 بعد جهود مطوّلة أفضت إلى توحيد الشطرين الشمالي والجنوبي لليمن. وجدت الحكومة الوليدة للجمهورية اليمنية الموحدة نفسها مضطرة لحلّ قضايا ملكية الأراضي والممتلكات التي صودرت في إطار سياسة التأميم، [19] وحرص الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح على البدء في إعادة خصخصة الأراضي والممتلكات المؤممة، مما دفع ملاكها السابقين إلى المطالبة بالاعتراف بحقوقهم ورفع دعاوى إلى الحكومة.[20]
شُكّلت لجنة في عام 1991 للتعامل مع الدعاوى الُمطالبة باسترداد عقارات سكنية صُودرت في محافظة عدن في عهد الحزب الاشتراكي، وقامت اللجنة المعنية بالنظر في آلاف القضايا والوثائق ووافقت نهاية المطاف على تعويض المتضررين بقطع أراضي تُوزع عليهم. ووفقا لمحضر الاجتماع الصادر عن اللجنة الرسمية التابعة للمجلس الرئاسي، تمكن 4,400 فرد من استرداد ممتلكاتهم المؤممة – وهو ما شكل نسبة 22 بالمائة من إجمالي مطالبات التعويض التي تقدم بها المواطنين (والبالغ عددها 19,671) –[21] غير أن عمل اللجنة شابه الغموض مع وجود تناقضات واضحة في حجم التعويضات الممنوحة للمُلاك الأصليين مقارنة بالقيمة الفعلية للمُمتلكات المصادرة منهم،[22] وهنا بدأت الاتهامات تنهال على حكومة صالح بأنها تمنح الأفضلية للمواطنين القادرين على إثبات دعمهم السياسي للنظام على المستوى القبلي والمحلي. غذى هذا بدوره استياء بعض الشرائح الجنوبية ضد حكومة صالح وكذلك التنافس السياسي الحاد بين شريكي الوحدة: الحزب الاشتراكي اليمني وحزب المؤتمر الشعبي العام.
بَرزت الأراضي كملف استقطابي حاد خلال فترة الأزمة التي اعقبت اعلان الوحدة اليمنية، واسهمت بشكل جزئي الى جانب تنامي الشعور بالإحباط والمظلومية والاستلاب في تفجير الصراع السياسي الذي انتهى باشتعال حرب مايو/ أيار 1994، والتي تمكن فيها صالح من الانتصار على خصومه في يوليو/ تموز. عزّزت الحرب الاهلية حاجة جديدة لدى نظام صالح لتعزيز قبضته على الجنوب عبر توزيع الأراضي المملوكة للدولة على الجماعات والأفراد المرتبطين بشبكات مصالح محسوبة على نظامه في شتى أنحاء البلاد وهو ما فاقم الانتهاكات الممارسة في حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات. تضرر العديد من الجنوبيين من هذه السياسة، لا سيما أولئك الموالين للحزب الاشتراكي اليمني. اضطر عدنيون للنزوح جراء المعارك القتالية واستولى جنود شماليين على منازلهم بل وجلب بعضهم أسرهم ليقطنوا في المساكن الشاغرة.[23] فضلا عن ذلك، تم سحب ممتلكات أفراد من القوات المسلحة (كانت مُنحت لهم من الدولة في مرحلة توحيد شطري اليمن لكنهم اختاروا لاحقا معارضة صالح في حرب 1994) وأعيد توزيعها،[24] الأمر الذي فاقم الطبيعة المعقدة للنزاعات على حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات مع تعزز الشعور بالغُبن لدى مُلاكها الأصليين أو ذُريتهم ممن رأوا أن “أراضيهم” سُلبت منهم ووُهبت كليا أو جزئيا لآخرين.[25]
بعد الحرب، تم تيسير وتسريع إصدار سندات ملكية أراضي في الجنوب لمطوري عقارات من شمال اليمن ممن تربطهم شبكات محسوبية سياسية وعسكرية أو قبلية مع نظام صالح سعيا من الاخير لمكافأتهم.[26] كما تلقى أفراد جنوبيين استفاد منهم نظام صالح تعويضات سخية لقاء ولائهم باعتبار أنهم زودوا النظام بمعلومات عن الأراضي والممتلكات المحلية الممكن مصادرتها. أحد الأمثلة اللافتة للنظر بعد حرب 1994 هو منح عبد ربه منصور هادي (شخصية جنوبية كان يشغل وقتها منصب وزير الدفاع في نظام صالح خلال فترة الحرب وتولى الرئاسة لاحقا) صك ملكية فيلا كانت سابقاً مقراً للسفارة الصينية.[27]
في غضون هذا، وجد الجنوبيون البعيدين عن دائرة النفوذ أنفسهم عالقين في نظام تأجير الأراضي المعتمد خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية، والذي بموجبه تحتفظ الدولة بصكوك ملكية الأراضي وتُوزعها على زعماء قبليين بموجب عقود إيجار طويلة الأجل، الأمر الذي يُصعّب المطالبة بحق الملكية الخاصة على هذه الأراضي.[28] عَقّد هذا بدوره نظام الملكية المعتمد في عهد نظام صالح، حيث لجأ الى تعيين زعماء قبليين في مناصب إدارية بحكومته لإدارة الأراضي وشجعهم على وهب أراضي إلى الدولة.[29] وفقا لتقرير صادر عام 2021 عن التحالف الدولي للموئل (شبكة حقوق الأرض والسكن)، أدت هذه الممارسة إلى زيادة النزاعات بشأن الإسكان والأراضي والممتلكات بنسبة تُقدر بنحو 50-80 في المائة.[30]
تنامت حالة الاحتقان أواخر العقد الأول من الالفية الثالثة نتيجة المظالم المتراكمة من انتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات، وبدء تنظيم احتجاجات في عدن،[31] ما دفع الرئيس صالح إلى تشكيل لجنة جديدة للنظر في القضايا غير المحسومة.[32] أصدرت اللجنة ما عُرف لاحقا بِتقرير “باصرة-هلال” (نسبة إلى مؤلّفَيه، الدكتور صالح باصرة وعبد القادر هلال)،[33] وكذلك بـ “قائمة الـ 16” كونه حدد 16 شخصا بالإسم من سياسيين وأفراد عاديين وقادة عسكريين وشيوخ قبائل مقربين من صالح باعتبارهم مسؤولين عن معظم عمليات مصادرة الأراضي والمساكن والممتلكات في جنوب اليمن. مُنع تداول محتوى التقرير علناً – حيث قام صالح بحظره رسميا[34] – ولم يجر العمل بتوصياته أو اتخاذ أي تدابير لمتابعة القضايا. إلاً أن وسائل إعلام يمنية حصلت على نسخة مسربة من التقرير، من ضمنها موقع “يمن برس” الإخباري الذي نشر مقالاً عام 2012 أورد فيه بعض التفاصيل من التقرير[35] كَالاستنتاجات التي توصل إليها بشأن ممارسات فساد من قبل النخب السياسية والقبلية الشمالية، شملت انتهاكات حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات في خضم حالة الفوضى التي عمّت بعد حرب 1994. كما حدد التقرير 1357 عقاراً و63 عقار حكومي صودروا في محافظة عدن، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الهكتارات من أراضي زراعية في مناطق ريفية.[36]
تعزّز الاستياء لدى الجنوبيين بسبب تراكمات الماضي وشعورهم بالإقصاء والتهميش السياسي والاقتصادي، حيث انطلق الحراك الجنوبي باحتجاجات أوائل عام 2007 طالب خلالها المتظاهرون باستعادة وظائف القطاع العام – بشقيه المدني والعسكري – بعد تسريح عدد كبير من العاملين في أعقاب حرب 1994.[37] ورُغم أن الحراك الجنوبي أُسّس في المقام الأول نتيجة قضايا مرتبطة بحقوق العمال والمشاركة السياسية والشمول، عززت الانتهاكات المستمرة في حقوق الإسكان والأراضي والممتلكات المتروكة دون حلّ من زخمه واستمراريته.[38]