ربما أكثر ما يثير الدهشة في الصراع الإسرائيلي-الإيراني، الذي دام 12 يومًا – وشهد قصف الولايات المتحدة لثلاثة مواقع ثم التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار – هو غياب الحوثيين، الحليف الإقليمي المتبقي لإيران، عن المشهد إلى حدٍّ كبير.
فقد أطلق الحوثيون عددًا محدودًا من الصواريخ على إسرائيل في 14 و15 يونيو/ حزيران، ثم أعلنوا في 21 من الشهر نفسه نيتهم استهداف الولايات المتحدة إذا تدخلت في الحرب ضد إيران. لكن خلال ساعات، كانت الولايات المتحدة قد ضربت ثلاثة مواقع نووية إيرانية. أما رد الحوثيين فاقتصر على بيان يدين تلك الضربات.
وغياب الرد الحوثي المباشر حيّر الباحثين والمحللين على حدٍّ سواء. فالواقع أن الحوثيين كانوا قد سارعوا إلى الرد على توغّل إسرائيل في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بإطلاق حملة طويلة استهدفت حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر. وفي هذا العام، بين مارس/ آذار ومايو/ أيار، صمد الحوثيون في وجه حملة قصف أميركية استمرت 52 يومًا ضمن عملية “الفارس الخشن”، ثم خرجوا من اتفاق وقف إطلاق النار ليستأنفوا إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
ورغم أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للحوثيين، فإنها تظل مسألةً أيديولوجية وخطابية بالدرجة الأولى، بينما يكمن مصدر قوتهم الحقيقي في الدعم الإيراني – ولا سيما عبر تهريب مكونات الصواريخ الباليستية – الذي يتيح لهم الاستمرار ويمكّنهم من تشكيل تهديد للملاحة التجارية ولإسرائيل.
كل ذلك يطرح سؤالًا بسيطًا ومباشرًا: لماذا غاب الحوثيون عن ساحة المواجهة في هذا الصراع؟
وتبدو هناك ثلاثة تفسيرات محتملة لهذا الغياب: إما أن الحوثيين غير قادرين حاليًا على تنفيذ ضربات، أو أنهم غير راغبين في تنفيذها في هذه المرحلة، أو أنهم ببساطة ينتظرون اللحظة المناسبة للقيام بها.
فرغبات الحوثيين لم تتغير. فالجماعة، التي ترفع شعار: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”، لا تزال تسعى لاستهداف الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومع ذلك، وبالرغم من هذا الموقف الثابت، فإن الجماعة لم تدخل ساحة القتال بشكل فعّال، لأسباب لا تزال غير واضحة للمراقبين الخارجيين.
التفسير الأول: العجز عن تنفيذ الضربات
يفترض هذا التفسير أن الحوثيين كانوا غير قادرين على تنفيذ ضربات خلال الصراع، ويستند إلى فكرة أن حملة القصف الأميركية في إطار عملية “الفارس الخشن” كانت أكثر نجاحًا مما أدركته الولايات المتحدة نفسها.
فبعد وقتٍ قصير من انتهاء الحملة، خلص تقرير استخباراتي أميركي إلى أن الحوثيين “تعرضوا لبعض الانتكاسات”، لكنهم على الأرجح سيتمكنون من إعادة تنظيم صفوفهم. وربما كان هذا التقييم غير دقيق، إذ إن قرابة شهرين من القصف الجوي المكثّف قد تكون ألحقت أضرارًا جسيمة بمخازن الأسلحة ومنشآت التخزين الحوثية، بدرجة لم تكن واضحة للعيان من الخارج.
وخلال العملية، نفّذت الولايات المتحدة أكثر من 1100 ضربة جوية. وإذا أضفنا إلى ذلك أكثر من عام من الضربات الحوثية المتواصلة ضد الملاحة التجارية وإسرائيل، فهناك احتمال كبير بأن مخزون الحوثيين من الصواريخ أقل بكثير مما كان يُعتقد.
صحيح أن الجماعة تنتج بعض المواد محليًا، وتشتري بعض المعدات الجاهزة مثل الطائرات المُسيّرة، لكن عندما يتعلق الأمر بمكونات الصواريخ الباليستية، فإنها تعتمد بشكلٍ شبه كامل على تهريب هذه المواد من إيران.
وإذا كان المخزون قد انخفض ولم يتم تجديده، فمن الممكن أن الحوثيين، رغم رغبتهم في الانخراط في القتال، لم يكونوا يمتلكون ببساطة الذخائر اللازمة لمهاجمة الولايات المتحدة وإسرائيل.
التفسير الثاني: عدم الرغبة في تنفيذ الضربات
يفترض هذا التفسير أن الحوثيين لم يكونوا راغبين في تنفيذ ضربات خلال الصراع، ويرى أن الجماعة تابعت عن كثب مدى التوغّل الإسرائيلي العميق داخل إيران ونجاح الحملة الأولية التي استهدفت قادة بارزين في الحرس الثوري وعلماء نوويين، فباتت تخشى على بقائها ووجودها.
كما أوضحت إليزابيث كيندال، الخبيرة في الشأن اليمني، لصحيفة وول ستريت جورنال بخصوص موقف الحوثيين: “من المرجّح أنهم يفكّرون بأن الوقت الحالي يستدعي البقاء في حالة كمون. أي تحرّك منهم قد يفضح مواقعهم ويكشفهم أمام الأعداء”.
وقد تعزز هذا التصوّر في 14 يونيو/ حزيران، حين اقتربت إسرائيل من اغتيال محمد الغماري، رئيس هيئة أركان القوات الحوثية، في ضربة دقيقة استهدفته. ورغم ضبابية التفاصيل، تشير مصادر يمنية إلى أن الغماري أُصيب بجروح خطيرة في الهجوم لكنه نجا، على الأقل في البداية.
ومع ذلك، هناك بعض الثغرات في هذا التفسير. أولًا، أمضت إسرائيل عقودًا في اختراق إيران وبناء شبكة استخباراتية مكّنتها من تحقيق هذا النجاح السريع خلال الأيام الأولى من المواجهة. في المقابل، لم يشكّل الحوثيون تهديدًا جديًا ومباشرًا لإسرائيل إلا في السنوات القليلة الماضية، ما يشير إلى أن مستوى الاختراق الإسرائيلي داخل الجماعة قد يكون محدودًا نسبيًا.
ثانيًا – وربما الأهم – يدرك الحوثيون تمامًا مدى اعتمادهم على إيران لضمان بقائهم. فالدعم الإيراني، خاصة في مجال تكنولوجيا الصواريخ، هو ما يتيح لهم لعب دور إقليمي. والحوثيون، في نهاية المطاف، جماعة ذات طموحات تتجاوز حدود اليمن.
التفسير الثالث: انتظار الوقت المناسب لتنفيذ الضربات
يُعدّ هذا التفسير – أن الحوثيين كانوا ينتظرون تنفيذ ضرباتهم – هو الأقرب إلى المنطق والوقائع. فالحوثيون على الأرجح لم يشعروا بحرية اتخاذ قرار منفرد بالرد على إسرائيل، بل كانوا يسعون إلى تنسيق تحركهم مع إيران. لكن الضربات الإسرائيلية الدقيقة التي استهدفت القيادات الإيرانية في الأيام الأولى من الحملة، إلى جانب لجوء المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إلى مخبأ محصّن (وبحسب التقارير، باتت الاتصالات معه تجري عبر وسيط موثوق)، كلها عوامل جعلت من التنسيق أكثر صعوبة مما كان عليه في السابق.
وفي هذا السيناريو، لم يكن الحوثيون يفتقرون إلى الذخيرة أو الإرادة، بل كانوا حريصين على أن تأتي ضرباتهم ضمن إطار الاستراتيجية الإيرانية للرد. وقد تراوحت الخيارات المطروحة بين محاولة منسقة لإغلاق البحر الأحمر ومضيق هرمز، أو شنّ ضرباتٍ صاروخية مشتركة على إسرائيل بهدف إنهاك أو إغراق منظومات الدفاع الجوي، أو تنفيذ رد غير متكافئ على شكل هجماتٍ إرهابية.
ويبدو أن هذا التفسير – بأن الحوثيين اختاروا الانتظار والتنسيق مع إيران – هو الأكثر انسجامًا مع الوقائع المعروفة. أما التفسير الأول، الذي يفترض أنهم كانوا عاجزين عن الضرب، فيتطلب التشكيك في دقة تقييم الاستخبارات الأميركية لحصيلة عملية “الفارس الخشن”. والتفسير الثاني، الذي يفترض أنهم كانوا خائفين، يتناقض مع سنوات من الشواهد التي تُظهر استعداد الحوثيين لمواجهة خصوم يفوقونهم قوة.
وربما الأهم مما سبق هو ما سيحدث لاحقًا. ففي 24 يونيو/ حزيران، أعلن الحوثيون أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران لا يشملهم.
وإذا كان الحوثيون يمتلكون ما يكفي من الذخائر، فمن المرجح أن تستمر إيران في استغلالهم كأداة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما قد يمنح طهران وقتًا لإعادة تنظيم صفوفها وإعادة تقييم استراتيجيتها، خاصة في ظل أدائها الضعيف في الحرب القصيرة وتراجع فعالية شبكتها من الوكلاء في المنطقة.