تحليل: عودة سباق التسلح: كيف أعادت حرب إيران وإسرائيل إشعال سباق القنبلة النووية؟
يمن فيوتشر - واشنطن بوست- ترجمة خاصة الإثنين, 30 يونيو, 2025 - 04:26 مساءً
تحليل: عودة سباق التسلح: كيف أعادت حرب إيران وإسرائيل إشعال سباق القنبلة النووية؟

لا يزال من غير الواضح مدى الدمار أو التعطيل الذي لحق ببرنامج إيران النووي.
لكن “الإبادة الكاملة” التي أعلن عنها الرئيس (دونالد ترامب) بعد انضمام الطائرات الحربية الأميركية إلى الحملة الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية، لا تبدو دقيقة. فوفقًا لتقرير أولي للاستخبارات الأميركية، فإن الضربات الجوية التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية أدّت إلى تأخير برنامج طهران لعدة أشهر، لكنها لم تُفضِ إلى القضاء عليه تمامًا.
ويوم الأحد، أفاد زملائي أيضًا بوجود اتصالات تم اعتراضها بين مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، أظهروا خلالها قناعة بأن الأضرار الناجمة عن الهجمات كانت أقل مما كان يُخشى.
(رافائيل ماريانو غروسي)، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، صرّح لبرنامج “وجه الأمة” على قناة CBS نهاية الأسبوع بأن إيران لا تزال على الأرجح قادرة على استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم. وقال غروسي:
“الإمكانات لا تزال موجودة، ويمكنهم خلال أشهر قليلة، أو ربما أقل، تشغيل بعض سلاسل أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب.”
وقد شكّك غروسي بذلك في ثقة ترامب وحلفائه بأن إيران لن تتمكن مجددًا من بناء سلاح نووي، مشددًا في الوقت نفسه على الحاجة إلى مزيد من الجهود الدبلوماسية. وأضاف:
“بصراحة، لا يمكن القول إن كل شيء قد اختفى، وإنه لم يتبقَّ شيء هناك.”

وأصبحت مسألة ما حققته التدخلات الأميركية موضع جدل سياسي في واشنطن.
ففي إفادة صحفية بالبنتاغون يوم الخميس، هاجم وزير الدفاع (بيت هيغسِث) وسائل الإعلام بسبب ما اعتبره تحيّزًا في التغطية. من جانبه، ألمح الرئيس دونالد ترامب إلى أن إدارته ستنظر في إمكانية ملاحقة الصحفيين قضائيًا، إلى جانب المسؤولين عن تسريب معلومات استخباراتية إلى وسائل الإعلام بشأن تقييمات الحكومة.
وقد وجّه محامٍ عن ترامب رسائل إلى صحيفتَي نيويورك تايمز وCNN الأسبوع الماضي، مهددًا برفع دعاوى قضائية ضدهما لنشرهما تقارير تتعلق بالتقييم الاستخباراتي.
وفي تصريحاتٍ منفصلة، أعرب ترامب عن استعداده التام لتوجيه ضربة عسكرية جديدة لإيران إذا توصّل إلى قناعة بأنها باتت على وشك امتلاك قدرات نووية حاسمة.

أما القيادة الإيرانية، التي تواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، فقد تبنّت خطاب التحدي عقب الهجمات الأميركية-الإسرائيلية.
وفي تصريح أثار امتعاض ترامب، قال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية (آية الله علي خامنئي)، إن بلاده “صفعت أميركا على وجهها”، في إشارة إلى وابل من الصواريخ الرمزية التي أطلقتها إيران، والتي لم تُصِب القوات الأميركية المتمركزة في قطر بأذى.
ومن جهته، أعرب رافائيل غروسي عن استيائه بعدما أقرّ البرلمان الإيراني في طهران إجراءات لتعليق التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ورغم استمرار وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران، لا تزال الأمور معلقة على خيطٍ رفيع.
حيث تتزايد التكهنات بشأن احتمال انسحاب إيران من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) — وهي معاهدة وقّعت عليها طهران، في حين لم توقّع عليها إسرائيل، الدولة النووية فعليًا.
ومثل هذا الانسحاب سيؤدي إلى تصعيد التوترات الجيوسياسية، ويمهّد الطريق أمام إيران، إن قررت، للاندفاع نحو تطوير قنبلة نووية خارج نطاق الرقابة الدولية.

وحتى الآن، لم يتمكن المسؤولون الأميركيون من إثبات ما إذا كانت إيران قد عطّلت بالفعل مخزونها الكبير من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة حيوية تُستخدم لإنتاج مادة انشطارية كافية لتصنيع سلاح نووي.
ويشير محللون إلى أن تحويل هذا اليورانيوم إلى سلاح لا يتطلب جهدًا كبيرًا. فقد كتب (جيمس أكتون)، المدير المشارك لبرنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي:
“بإمكان سلسلة واحدة من 174 جهاز طرد مركزي من طراز IR-6 أن تنتج كمية كافية من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 90%، انطلاقًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% — الذي لا يُعرف مكانه — وذلك خلال فترة تتراوح بين 10 إلى 20 يومًا.”
وأضاف: “لا تحتاج إيران إلى إعادة بناء منشآتها على النطاق السابق للحصول على القنبلة.”

وفي حين استهدفت الضربات الإسرائيلية والعمليات السرية منشآت إيرانية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، شدد رافائيل غروسي على أن إيران لا تزال تمتلك “المعرفة” و”القدرة الصناعية” التي تمكّنها من المضي قدمًا.
لكن المسألة الأساسية، بحسب غروسي، تتعلق بالنوايا الاستراتيجية.
فعلى مدى عقود، ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) يحذر من اقتراب إيران من تصنيع سلاح نووي، إلا أن طهران امتنعت عن ذلك، وامتثلت إلى حدٍّ كبير لنظام التفتيش التابع للأمم المتحدة. 
لكن هذا التوازن بدأ يتغيّر منذ وصول ترامب إلى السلطة.
ففي ولايته الأولى، انسحب ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووي، الذي كان يفرض قيودًا فعّالة على أنشطة إيران النووية.
وقد صرّح (روبرت أينهورن)، المسؤول الأميركي السابق في مجال ضبط التسلح والزميل الحالي في معهد بروكنغز، لصحيفة نيويورك تايمز:
“من غير المرجّح أننا كنا سنضطر اليوم إلى قصف منشآت إنتاج معدن اليورانيوم، لو لم تنسحب إدارة ترامب الأولى من الاتفاق النووي مع إيران.”

وقد غيّرت العشرون شهرًا الماضية من الصراع المدمّر معادلة المواجهة بشكلٍ جذري.
فقد شهد النظام الثيوقراطي في طهران انهيار عمقه الاستراتيجي في الشرق الأوسط، بعد أن تعرّض وكلاؤه في فلسطين ولبنان وسوريا للتآكل والتراجع والهزيمة تباعًا.
ثم جاءت الضربات الإسرائيلية — بما فيها عمليات الاغتيال — لتُظهر هشاشة الدفاعات الإيرانية ذاتها، وتكشف عن مدى قابليتها للاختراق.

لكن السابقة التي أرستها هذه الهجمات قد تُقنع المتشددين داخل إيران بأن النظام، وقد بات محاصرًا، بحاجة فعلية إلى “الردع الحقيقي”، أي السلاح النووي.
وقال الخبير في قضايا حظر الانتشار النووي (جيفري لويس) لصحيفة الإندبندنت:
“لقد كانت إيران على بُعد أشهر قليلة من امتلاك سلاح نووي منذ عام 2007 تقريبًا. ومن الواضح أن ما يبقيها على هذا البُعد الزمني ليس العجز التقني، بل غياب الإرادة السياسية.”
وأضاف: “وأعتقد أن أي خسارة فنية تكبّدتها إيران قد عُوّضت — وبشكل كبير — بتصاعد الإرادة السياسية.”

أما (مات دوس)، النائب التنفيذي لرئيس مركز السياسات الدولية، فقد علّق بالقول:
“من الواضح أن نتنياهو كان يأمل في جرّ الولايات المتحدة إلى صراع طويل الأمد بهدف إسقاط النظام الإيراني، ولا شك أنه مستاء من قرار ترامب تنفيذ ضربة واحدة ثم إعلان وقف إطلاق النار.”
وتابع: “لكن الواقع هو أن نتنياهو نجح الآن في ترسيخ فكرة أن إسرائيل تستطيع مهاجمة إيران بشكل أحادي وقتما تشاء، وكأن ذلك بات أمرًا طبيعيًا.”

في السابق، كانت إيران ضمن مجموعة صغيرة من الأنظمة المثيرة للقلق التي فكّرت في برامج نووية كوسيلة لحماية نظامها من الضغوط الخارجية.
فأثناء الحرب الباردة، توصّلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إلى تفاهمات بشأن وضع قيود على استخدام وانتشار الأسلحة النووية، إلى جانب اتخاذ تدابير تهدف إلى ردع الدول الأخرى عن السعي لامتلاك أسلحتها النووية الخاصة.

لكن هذا الهيكل الأمني آخذ في الانهيار، بحسب تحذير أصدره كل من (فيبين نارانغ) و(براناي فادي) في مقال بمجلة فورين أفيرز.
فالاتفاقيات النووية القائمة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الأسلحة المنشورة ستصل إلى نهايتها العام المقبل، في وقت تواصل فيه الصين توسيع ترسانتها النووية، وتُطوّر كوريا الشمالية مخزونها بوتيرة ثابتة، بينما تتأخر واشنطن في جهودها لتحديث قدراتها النووية.
وقد وصف الكاتبان هذا الوضع بأنه يمثل “إعصارًا من الفئة الخامسة من التهديدات النووية” بالنسبة للولايات المتحدة.

وفي ظل هذه التحوّلات غير المؤكدة، بدأ حتى حلفاء واشنطن — من كوريا الجنوبية إلى السعودية، وصولًا إلى ألمانيا — بإعادة النظر في جدوى تعزيز برامجهم النووية.
وكتب نارانغ وفادي أن ظهور قوى نووية جديدة، سواء كانت حليفة لواشنطن أم لا، من شأنه أن يفتح “صندوق باندورا” الذي كافحت الولايات المتحدة لعقود طويلة لإبقائه مغلقًا.

وقال (كورت فولكر)، السفير الأميركي السابق لدى الناتو والمبعوث الخاص إلى أوكرانيا في إدارة ترامب الأولى، لصحيفة وول ستريت جورنال:
“العديد من الدول باتت ترى اليوم أن السلاح النووي هو تذكرتها إلى السيادة الحقيقية.”
وأضاف: “إذا لم نغيّر سلوكنا — ولا أتوقع أن نفعل — فإن العالم الذي سنعيشه بعد عشرين عامًا سيكون عالمًا يضم عددًا كبيرًا من الدول النووية.”

للاطلاع على المادة من موقعها الأصلي يرجى زيارة الرابط التالي: 

 


التعليقات