انقسمت مدينة تعز، وهي ثالث أكبر مدينة باليمن، عام 2015؛ حين سيطرت قوات الحوثيين -بعد أن أُجبرت على الانسحاب من عدن وأجزاء أخرى من جنوب اليمن- على ضواحيها الشمالية وكذلك على جزء كبير من المناطق الشمالية من المحافظة. هذا يعني أن الحوثيين يسيطرون على المنطقة الصناعية في تعز ويكسبون منها مئات الملايين من الريالات كل عام عبر فرض الضرائب على أصحاب المصانع، كما يسيطرون على ثلاث طرق رئيسية في المحافظة. يرزح سكان مدينة تعز تحت الحصار منذ ست سنوات. ونظرًا لانتشار القناصة الحوثيين بشكل دائم، أصبح من المستحيل عبور بعض الطرق والأزقة، ما أجبر شحنات المواد الغذائية والإمدادات المتجهة نحو المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة في المدينة على سلوك طريق طويل، وهو طريق ترابي غير معبّد. وبالتالي يستغرق الذهاب من منطقة لأخرى ما بين خمس أو ست ساعات بدلًا من خمسة عشر دقيقة حيث يضطر من يريد التنقل إلى الالتفاف حول الجبهات الأمامية والعبور عبر عدد كبير من نقاط التفتيش التابعة لمليشيات ووحدات عسكرية متنافسة.
فشلت الجهود المبذولة لرفع الحصار عن تعز عبر المفاوضات، كان أبرزها بيان التفاهم عن تعز في اتفاق ستوكهولم المبرم عام 2018 والذي اتفق فيه الحوثيون والحكومة المعترف بها دوليًّا على تشكيل لجان مشتركة لمناقشة هذا الأمر. أشار المبعوث الأممي مارتن غريفيث خلال آخر إحاطة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2021 إلى عدم تحقيق أي تقدم على هذا الصعيد حيث كرر أن تعز لا تزال “مدينة محاصرة”. وأضاف أن إغلاق الطرق الرئيسية تسبب في عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة للسكان على مدى سنوات.
تطور النزاع في تعز على مراحل. النزاع المبدئي بين الحوثيين والتحالف الفضفاض المناهض للحوثيين فسح المجال عامي 2018-2019 أمام صراع بين أطراف الأخير. خرج حزب الإصلاح والوحدات العسكرية التابعة له منتصرين من هذه المعركة ودفعوا بالقوى المنافسة، مثل اللواء 35 مدرع وجماعة أبو العباس، إلى خارج مدينة تعز نحو المناطق الريفية، جنوب المدينة، ورسّخوا أنفسهم كأصحاب النفوذ الرئيسين على جهة الحكومة في المدينة.
في أوائل مارس/آذار 2021، أخذت الحرب في تعز منحى آخر حيث شنت القوات الموالية للحكومة هجومًا على جبهات الحوثيين، ما أسفر عن تغيرات كبيرة على صعيد السيطرة على عدة مناطق لأول مرة منذ سنوات حول المدينة. هدِف هذا الهجوم بشكل رئيسي إلى إجبار الحوثيين على تحويل وجهة الموارد المخصصة لهجومهم المتجدد في فبراير/شباط على معقل الحكومة في مأرب.
ومع تركيز الحوثيين على مأرب، أحرزت القوات الحكومية في تعز بعض التقدم ضد الحوثيين التي أصبحت ضعيفة. ولكن لم يدم هذا النجاح المحرز طويلًا بالرغم من دعوات الحكومة لتخصيص المزيد من الموارد لمعارك تعز وتحديد أهدافها برفع الحصار عن المدينة كاملًا. باء الهجوم بالفشل نتيجة الافتقار إلى السلاح وغياب الثقة والتخطيط داخل التحالف المناهض للحوثيين. وبحلول نهاية مارس/آذار، كانت القوات الموالية للحكومة لا تزال تسيطر على عدد من المناطق التي استولت عليها مؤخرًا، ولكنها انسحبت من معظم المواقع الاستراتيجية التي استولت عليها في وقت سابق من الشهر.
يفصّل موجز السياسة هذا كيف اندلع القتال في تعز في مارس/آذار، وممارسات القوات الحكومية وعناصر الحوثيين خلال الاشتباكات وتأثير العنف على المدنيين، وينتهي باستكشاف احتمال تجدد العنف في تعز ويقدم توصيات عملية إلى الحكومة المعترف بها دوليًّا، والتحالف بقيادة السعودية، وجماعة الحوثيين حول كيف يمكن تخفيف حدة التوترات في المدينة والوضع الإنساني والأمني للمدنيين بعد أن ازداد سوءًا.
• القوات الموالية للحكومة تحرز تقدمًا في البداية قبل أن يتوقف الهجوم في تعز
لم تقف تعز مكتوفة الأيدي مع احتدام الهجمات الحوثية العدائية على مدينة مأرب النفطية في 7 فبراير/شباط إذ أُرسلت دفعات من المقاتلين بشكل سري ثم علني من تعز لمساندة القوات الحكومية التي تواجه الحوثيين في مأرب، بحسب ضابط في محور تعز العسكري. يعود هذا بشكل جزئي إلى حقيقة أن الإصلاح -الحزب الإسلامي الذي يُعد من الموالين الرئيسيين للتحالف المناهض للحوثيين- يهيمن على كل من تعز ومأرب. ساهمت الضغوط السياسية والإعلامية بالدفع نحو شن عملية عسكرية في تعز لتشتيت هجوم الحوثيين على مأرب، شرقي البلاد.
اندلع القتال في تعز في 2 مارس/آذار عندما اشتبكت القوات الحكومية مع مقاتلين حوثيين شرقي المدينة. تمتد حقول الألغام الأرضية التي زرعها الحوثيون على مدى السنوات الست الماضية، شرق تعز، من مديرية صالة وصولًا إلى دوار القصر الجمهوري وشارع الأربعين. فضلًا عن الألغام، توفر التلال الجبلية في شرق تعز أفضلية عسكرية تكتيكية حيث بوسع الحوثيين السيطرة على المنطقة من خلال عدد قليل نسبيًّا من المقاتلين.