تحليل: الحرب في اليمن ينتج أسوأ أزمة إنسانية في العالم
يمن فيوتشر - مركز بحوث حقوق الانسان- دانييل كاستانو- ترجمة: ناهد عبدالعليم الجمعة, 27 أكتوبر, 2023 - 12:22 صباحاً
تحليل: الحرب في اليمن ينتج أسوأ أزمة إنسانية في العالم

تُعد الحربُ الأهلية المستمرة في اليمن واحدةً من أسوأِ الأزمات الإنسانية في العالم، حيثُ لَقيَّ آلاف الأشخاص حتفهم،  ويعاني الملايين انعدام الأمنِ الغِذائي، كما يواجه جزءٌ كبير من السُكان النزوح الداخلي وآخرون لجأوا إلى البلدان المجاورة. 
اندلعت الحرب الأهلية في عام 2014 عندما سيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء. و تم وضع الرئيس (عبد ربه منصور هادي) تحت الإقامة الجبرية، مما أدى في النهاية إلى استقالته واستيلاء الحوثيين على الحكومة. 
فرَّ الرئيس هادي، إلى المملكة العربية السعودية، حيث طلب المساعدة لاستعادة رئاسته.  ونتيجةً لذلك، تم تشكيل تحالف مُكلّف بإطاحة الحوثيين من السلطة. و قد ضم التحالف في الأصل تسع دول: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر والأردن والكويت والمغرب والسودان وقطر. ومع ذلك -منذ بدء الحرب الأهلية- غادرت عدة دول التحالف وبقي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للعملية (قريشي، 2020). 
وفي عام 2017، تم طرد قطر من التحالف و قامت الإمارات بسحبِ مُعظم قواتها في عام 2019 (لوفت، 2023).
  (سيشير باقي هذا المقال إلى التحالف باسم "التحالف الذي تقوده السعودية".)
  و يُعتبر الحوثيون -المعروفون أيضاً باسم أنصار الله- حركةً شيعية زَيدية ظهرت في شمال اليمن في الثمانينيات. وكان تركيزهم الأساسي هو تحدي الحكومة اليمنية ذات الأغلبية السُنية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. و مع مرور الوقت، تصاعدت التوترات بين الحوثيين والحكومة اليمنية بشكلٍ مُطرد، مما أدى إلى صراعٍ مُسلّح في عام 2004. و خلال هذا الوقت، بدأ الرئيس السابق (علي عبد الله صالح) في اعتقال مئات الحوثيين، في حين اشتد القتال بين المجموعتين بعد الربيع العربي.  (مونتغمري، 2022).
 بالإضافة إلى ذلك، فإنه يشتبه في أن إيران تقوم بتزويد الحوثيين بالأسلحة والدعم العسكري (روبنسون، 2023). 
و أمر تدخل الدول المختلفة المعنية لا يؤدي إلا إلى تعقيد الصراع في اليمن، مما يجعل من الصعب تنفيذ مفاوضات السلام ووقفِ إطلاقِ النار.

 الأحداث الأخيرة
وبما أن الصراع في اليمن يمتد لما يقرب من عقد من الزمن، فسوف يركز هذا القسم على التطورات الأخيرة. 
وتشمل هذه الحرب بالتفويض بين المملكة العربية السعودية وإيران، والمساعي الحالية لتسهيل مفاوضات السلام بين جميع الأطراف المعنية، والتصاعد المُثير للقلق في الهجمات الإرهابية داخل اليمن. 
كما أدت عدة أحداث إلى تصعيد الصراع في اليمن. وتحولت الحرب الأهلية إلى حرب بالوكالة بين السعودية وإيران. علاوة على ذلك، فإن الشكوك حول قيام إيران بتزويد الحوثيين بالأسلحة والدعم العسكري أضافت طبقة من التعقيد إلى الصراع اليمني (روبنسون، 2023). 
وتزايدت التوترات بين البلدين منذ بِدء الصراع. فعلى سبيل المثال، تم إطلاق صاروخٍ باليستي على مطار الملك خالد بالرياض عام 2017، وتم اعتراض الصاروخ وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن العمل.  ووصف وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) ذلك بأنه عمل حرب من جانب إيران (مركز ويلسون، 2022).
وقد أدى تصاعد الهجمات وعدم الاستقرار السياسي إلى تعقيدٍ آخر، وهو صعود الإرهاب.
 ويشكل العدد المُتزايد من الهجماتِ الإرهابية خلال الصراع نقطةً أُخرى مثيرةً للقلق.
 في حينِ أنَّ المنظماتِ الإرهابية كانت تمثل مشكلة في فترة ما قبل الحرب الأهلية، إلا أنها تكثفت بسبب عدم استقرار الحكومة. كما ينشط تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن منذ تسعينيات القرن العشرين. و منذ بدء الصراع، بدأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بتوسيع سيطرته واستولى على عدة مدن.  بالإضافة إلى ذلك، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العمل في اليمن في عام 2015، إلا أن أعدادهم منخفضةً نسبياً مقارنة بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (روبنسون، 2023).
ولسوء الحظ، فإن استمرار عدم الاستقرار الحكومي لا يزال يؤدي إلى تفاقُم المعاناة التي يُعاني منها الشعب اليمني.
 وكانت هُناك عدةَ محاولاتٍ للتوسط في اتفاقيات السلام من خلال الأمم المتحدة. وفي أبريل/نيسان 2022، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن أنهم تفاوضوا على اتفاق هدنةٍ لمدة شهرين بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية (هيومن رايتس ووتش، 2023). 
 وبينما كانت الهُدنة تهدف إلى وقف إطلاق النار لمعظم العمليات العسكرية في اليمن، إلا أنها كافحت لمنع الانتهاكات المستمرة. ومع ذلك، فقد أسفرت الهدنة عن بعض النتائج الإيجابية، بما في ذلك انخفاض عدد الضحايا المدنيين، وزيادة تدفُقِ السِلع الأساسية، وتحسين حرية الحركة (وزارة الخارجية الأمريكية، 2023). 
جعل تعقيد الصراع -الذي يشمل أطرافاً مُتعددة ذات مصالح مختلفة- مفاوضاتِ السلام صعبة، لأنها تتطلب موافقة بالإجماع من جميع الأطراف. و الجديرُ بالذكر أنهُ في وقتٍ سابق من هذا العام، حدث تطورٌ مُهم عندما توسطت إيران والمملكة العربية السعودية في اتفاقٍ لتطبيع علاقاتهما الدبلوماسية (كافييرو، 2023). 
وفي حين أن هذا لا يوفر حلاً كاملاً للصراع، فإنه يمثل خطوةً حاسمة نحو تحقيق السلام الدائم في اليمن.

 انتهاكات حقوق الإنسان
وقد ارتكبت جميع الأطراف المعنية العديد من الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان منذ بدء النزاع. و وفقاً للأمم المتحدة، فإن الأزمة في اليمن تعتبر حالياً واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانية، وأكثر الانتهاكات إثارة للقلق هي أزمة الغذاء التي من صنع الإنسان، والاعتداء على حقوق المرأة، والهجمات غير القانونية على المدنيين (مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 2023). 
و  كما أشير في عام 2021 فإنه قبل النزاع، كان اليمن بالفعل أحد أفقر البلدان في المنطقة، حيث كان يعتمد بشكلٍ كبير على المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، عندما اندلع الصراع، قام التحالف الذي تقوده السعودية بفرض حصاراً بحرياً وجوياً على اليمن في محاولة لمنع وصول الأسلحة إلى الحوثيين.
 وتعتمد اليمن بشكلٍ كبير على واردات السلع الأساسية، وقد أدى هذا الحصار إلى نقصٍ حاد في الغذاء، وتقييد الوصول إلى الأدوية، ومحدودية إمدادات الوقود. كما دفعت هذه الظروف القاسية البلاد إلى حافةِ المجاعة، حيث يكافح أكثر من نصف سكان اليمن من أجل إطعام أنفسهم بشكلٍ مستمر (وارد، 2021).
 ومما زاد من الأزمة أن الصراع في أوكرانيا أدى إلى تفاقم الأمن الغذائي في اليمن. حيث كانت كلاً من روسيا وأوكرانيا من المصدرين الرئيسيين للمُنتجات الزراعية إلى اليمن قبل اندلاع الحرب (هيومن رايتس ووتش، 2023). 
ونتيجة لذلك، لا يزال الأطفال يتحملون وطأة سوء التغذية الحاد، مما يجعلهم الفئة الأكثر ضُعفاً و ضرراً من هذا الوضع المُزري.
و في المناطق التي تحت سيطرة الحوثيين، يُطلب من النساء أن يرافقهن قريب ذكر (محرم). و هذا التقييد للحركة يمنع النساء من العمل، حتى العاملات في المجال الإنساني، مما يزيد من إعاقة وصول النساء والفتيات اليمنيات إلى المساعدات (هيومن رايتس ووتش، 2023).
  وعلاوة على ذلك، هناك أيضاً تقارير عن تجنيد الأطفال، و قد تم التحقق من تجنيد ما يقرب من 3500 طفل كجنود في اليمن منذ بداية الصراع (الأمم المتحدة، 2022).  
إضافةً إلى ذلك قامت قوات الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية بشنِّ هجمات غير قانونية على المدنيين، وغالباً ما استهدفت المستشفيات والمدارس والمباني السكنية وغيرها من مباني البنية التحتية العامة. و أصبحت خيارات الأهداف الصاروخية الحوثية أكثر جُرأة وشائعة بشكلٍ مُتزايد.  وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، حاولوا مهاجمة عواصم داخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (مركز ويلسون، 2022).
و قد أثارت الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف المشاركة في اليمن، وتحديداً بشأن القصف العشوائي والغارات الجوية ضد المدنيين.

 التوصيات
 تُضيف الأطراف المُتعددة المعنية طبقةً من التعقيد إلى الصراع، و هو الأمر الذي يجعلُ إيجاد الحلول أكثر صعوبة.  ولذلك فإن التوسط في مفاوضات السلام بين الأطراف المذكورة ينبغي أن يكون من أعلى الأولويات. وتُشير المُصالحة الأخيرة بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى التقدم نحو إنهاء الحرب. حيث تخفف المصالحة بين القوى الخارجية من التوترات وتسمح للأطراف الرئيسية المعنية (الحكومة اليمنية والحوثيين) بالتركيز على إيجاد الحلول فيما بينها. و إضافةً إلى ذلك فقد أدى التوافق المبدأي بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى وقف إطلاق النار في بعض المناطق في اليمن.
 حيث أثارت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية مخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، ويجب أن يكون هناك ضغطٌ مُتزايد على الدول التي تبيع الأسلحة حالياً لجميع الأطراف المُشارِكة في النزاع.  وتقوم المملكة المُتحدة والولايات المتحدة حالياً ببيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.  وخلص تقرير لمنظمة أوكسفام إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية يستخدم الذخائر العنقودية، وهي أسلحة محظورة بموجب الاتفاقية الدولية والقانون العرفي (بوتشر، 2023). 
كما تساهم هذه الأسلحة في زيادة معاناة الشعب اليمني.  وفي ظل الإدارة الحالية، فإن الحكومة الأمريكية وافقت على بيع الأسلحة الدفاعية فقط إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كونهما بحاجة للدفاع عن نفسيهما من إيران. ورغم أن خفض مبيعات الأسلحة لا ينهي الصراع، إلا أنه قد يؤدي إلى انخفاض عدد الضحايا المدنيين.

 خاتمة
 تستمر التجاوزات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب اليمني دون أي محاسبة لمرتكبيها. و تقترب الحرب الأهلية من عقد من الزمن ممثلةً واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.  ويواجه الملايين انعدام الأمن الغذائي الشديد، حيث مات الآلاف، ونزح جزء كبير من السكان داخلياً أو لجأوا إلى البُلدانِ المُجاورة. وإلى أن يتم التفاوض على حل، فإن النساء والأطفال ما زالوا يتحملون وطأة الانتهاكات. كما أن المُصالحة الأخيرة بين الأطراف الخارجية المعنية تتيح المجال للحكومة اليمنية والحوثيين لإيجاد حل.  وفي حين أن هذا لا يوفر حلاً كاملاً للصراع، إلا أنه يُمثل خطوةً حاسمة نحو تحقيقِ السلام الدائم في اليمن.


التعليقات