في عالم يزخر بالتنوع، تبرز متلازمة داون كحالة تتطلب منا جميعاً فهماً عميقاً وتعاطفاً صادقاً. الأشخاص الذين يولدون بهذه المتلازمة يواجهون تحديات يومية تتجاوز الأبعاد الجسدية والعقلية، حيث يواجهون صعوبات في الوصول إلى الفرص التي تتاح لغيرهم.
تُعرف متلازمة داون بأنها واحدة من أكثر الاضطرابات الجينية شيوعًا، وتؤثر على حياة العديد من الأفراد حول العالم، حيث تشكل 11% من حالات الإعاقة الذهنية. يعاني المصابون بهذه المتلازمة من تحديات صحية ونمائية تؤثر على قدراتهم العقلية والجسدية، مثل تأخرهم في النمو الإدراكي واللغوي، بالإضافة إلى مشكلات صحية مصاحبة قد تصيب القلب وحاسة السمع والجهاز الهضمي، ما يتطلب دعماً خاصاً ورعاية مستمرة.
يمكن التعرف على الجنين المصاب بهذه المتلازمة بدءاً من أواخر شهر الحمل الرابع عبر الفحوصات الوراثية، أو الموجات فوق الصوتية لمحيط الرأس، وفحوصات الدم. توضح طبيبة الأطفال وفاء عبدالله: "عادة ما تحتوي الخلايا البشرية على 23 زوجًا من الكروموسومات، حيث يأتي كروموسوم واحد من الأب والآخر من الأم. وتنتج متلازمة داون عند حدوث انقسام خلوي غير طبيعي يتعلق بالكروموسوم 21، مما ينتج عنه نسخة كلية أو جزئية إضافية من هذا الكروموسوم، وهي النسخة الجينية المسؤولة عن السمات المميزة ومشاكل النمو المتعلقة بمتلازمة داون.
وتضيف أخصائية المخ والأعصاب: "أما العوامل الخارجية فقد تكون بسبب تعرض الأم للأشعة الضارة أو استخدام الأدوية التي قد تؤثر على صحة الطفل الذهنية".
تنقسم متلازمة داون إلى ثلاثة أنواع: الأول هو التثليث العادي، حيث تتكون خلايا الجسم من ثلاث نسخ من الكروموسوم 21 بدلاً من اثنتين، وهذا النوع هو الأكثر شيوعاً ويمثل 90 إلى 95% من الحالات. الثاني هو النوع المختلط، حيث تحتوي بعض خلايا الجسم على 46 كروموسوماً بينما تحتوي أخرى على 47، وهؤلاء يحملون خصائص أقل ونسبتهم 1 إلى 2%. أما النوع الثالث، فيعرف بالملتصق الصبغي، حيث يلتصق جزء من الكروموسوم 21 بالكروموسوم 14، ما يؤدي إلى ظهور أعراض المتلازمة.
ويعرف الكروموسوم بانه حزمة صغيرة من الجينات الوراثية، ويحدث هذا الخلل أثناء تطور الحيوان المنوي، أو البويضة، أو المضغة (الجنين).
لا توجد أدوية تعالج متلازمة داون بشكل كامل، كونها إعاقة ذهنية، لكن يمكن استخدام أدوية لتخفيف بعض المشاكل الصحية وإجراء عمليات تجميلية لتحسين ملامح الوجه، كما يقول أحمد الصنعاني، المشرف الفني ورئيس لجنة التقييم وتصميم البرامج لذوي الاحتياجات الخاصة في المحافظة. ويضيف: "لا يمكن أن يتعافى المصاب تماماً، ولكن في حالات قليلة من النوع الثاني، يمكن للمصاب تحسين الأعراض وتحقيق مراحل تعليمية متقدمة".
•انهيار أسري
تبدأ معاناة المصاب بمتلازمة داون وعائلته منذ اللحظة التي يعرف فيها الوالدان بإصابة مولودهما. تقول والدة الطفل محمد فايز، أحد المصابين بالمتلازمة: "كنت متشوقة جداً لطفلي القادم، جهزت له ملابس ولعباً، وكنت في قمة سعادتي. لكن عندما أخبرني الطبيب أن ابني مصاب بمتلازمة داون، داهمتني نوبة بكاء حادة ورفضت طفلي". وتضيف: "بعد أن هدأت، حاولت الاتصال بوالده الذي رفضه أيضاً وطلقني، وتركنا نواجه مصاعب الحياة وحدنا، بحجة أنني قد أنجب أطفالاً معاقين وكأن الذنب ذنبي أو ذنب طفلي".
من جانبها، تقول أم خير الله، والدة طفل مصاب بالمتلازمة، إن "التحديات التي تواجه الأم كثيرة، منها الرفض اللاواعي للطفل، ما يؤثر سلباً على إدرار الحليب، ونفور الأم من مواجهة الحقيقة وصعوبة التعامل مع الطفل الذي يعاني من تأخر في الحركة والنمو والإدراك".
•معاملة قاسية
يصف محمد الصنعاني التحديات التي يواجهها المصابون بمتلازمة داون بأنها "كثيرة ومؤلمة"، موضحاً أن نقص الوعي الأسري يؤدي إلى معاملة الطفل بقسوة. ويشير إلى نماذج من بعض القرى حيث "يُحبس الأطفال المصابون في حظائر الحيوانات ويُطعمون بقايا الطعام، مما يؤدي إلى نبذهم من الأسرة والمجتمع. "ويضيف: "يكبر الطفل في هذه الحالة ويتصرف بشكل حيواني، مما يجعله يواجه مزيداً من الإيذاء الجسدي واللفظي".
نموذج آخر، وفقاً للصنعاني، يتعرض فيه بعض الأطفال للحبس في غرف خاصة مع تقديم الرعاية الصحية، "لكن هذا العزل يسبب لهم متلازمة التوحد، مما يجعلهم عدوانيين وغير قادرين على التعامل مع الآخرين، فيواجهون بالنبذ أيضاً".
وعلى الصعيد المجتمعي، يواجه الأطفال المصابون بمتلازمة داون الكثير من التنمر، حيث يُوصفون بالمنغوليين وقد يتعرضون لمضايقات ورمي بالحجارة من أقرانهم، مما يسبب لهم الرهاب الاجتماعي والخوف من الناس والشعور بالنقص والدونية.
احتياجات تعليمية
ترفض المدارس العامة والخاصة غالباً استقبال الأطفال المصابين بالمتلازمة كونهم يحتاجون لرعاية خاصة، في الوقت الذي لا توجد فيه حضانات أو مراكز تأهيل خاصة بهم، كما تقول أم خير الله. توجد جمعية واحدة فقط في عموم محافظة إب تقدم للمصابين بالمتلازمة رعاية تأهيلية، ومع ذلك، فهي ترعاهم حتى الصف الثالث الأساسي فقط ثم يتركون لشأنهم. وقد يتعرض الكثير منهم "للاستغلال من قبل فئات أو أشخاص يستخدمونهم لأعمال غير إنسانية كالتسول أو الاستغلال الجنسي أو الاتجار بالممنوعات،" وفقاً لجمعية الطموح المتخصصة بذوي الإعاقات الذهنية.
صرحت لهودج الدكتورة غناء الحميري، رئيسة الجمعية الطموح والمتخصصة في الإدارة التربوية، إن الجمعية تضم 120من أطفال المتلازمة وذوي الإعاقات في المحافظة. مضيفة أنهم "يتلقون بعض الخدمات والتعليم الأساسي في ظل غياب المناهج المتخصصة بالمتأخرين ذهنياً، ما يضطر المعلمين للعمل وفق مناهج خاصة مؤقتة خالية من الصور والمحتوى الذهني".
من جانبها، تضيف صبور شجاع الدين، المديرة التنفيذية للجمعية، أن الجمعية شاركت في العام 2020 في مسابقة أونلاين إقليمية لذوي الاحتياجات الخاصة وحصل طلابها على المركز الثالث. مشيرة إلى أن "هناك إمكانية تعليمهم وتحسين حياتهم إذا توفرت لهم البيئة والفرص المناسبة."
•تميُّز واكتئاب
المعلمة في الجمعية، نضال شجاع الدين، تقول في حديثها لمنصة هودج إن "لهؤلاء الأطفال مواهب يمكنهم التعبير عنها مثل الرسم، كما أن بعضهم من النوع الثاني يمكنهم اللحاق بالأطفال العاديين دراسياً واجتماعياً." وتستشهد نضال بقصة الشاب محمد المتخرج من الجمعية، حيث تمكن من إكمال تعليمه والتغلب على الكثير من أعراض المتلازمة.
لكن بعض الأحداث السعيدة قد لا تكون قابلة للاكتمال، تختتم نضال حديثها بنبرة حزينة قائلة إن "محمد حين توجه للبحث عن عمل، قوبل بالرفض أكثر من مرة، ثم تم استغلاله للقيام بأعمال بدنية وضغط عليه بتكاليف العمل دون مستحقات كافية، ما أدى إلى إصابته بالاكتئاب."
تم نشر هذه المادة في منصة هودج