ما الذي سيحمله بايدن إلى الشرق الأوسط؟ سؤال كبير يحمل في طياته مجموعة أكبر من الأسئلة، منها ما يتعلق بعلاقة الولايات المتحدة بالسعودية، والمشروع الذي يتحدث عنه الرئيس الأميركي بين إسرائيل والعرب، بالإضافة إلى إيران والتعامل معها.
زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط هي أول زيارة له للمنطقة منذ توليه الرئاسة. زار قبلها أوروبا أكثر من مرة، والتقى بقادتها وقادة مجموعة الدول السبع وحلف الناتو، خصوصا بعد تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية إلى حرب واجتياح روسي لأوكرانيا. زار أيضا آسيا وتحديدا الحليفين التقليديين للولايات المتحدة كوريا الجنوبية واليابان.
والتقى هناك أيضا بقادة أستراليا والهند في إطار المجموعة التي تقودها الولايات المتحدة للدول القريبة جغرافيا للصين والمنافسة لها. والصين طبعا هي المنافس الاقتصادي العالمي الأكبر للولايات المتحدة. كل تلك الزيارات وتأخر زيارة الشرق الأوسط أعاد المقولات التي تتردد في واشنطن عن أن هناك تحولا استراتيجيا، تبتعد على أساسه واشنطن عن التركيز على الشرق الأوسط من أجل التركيز على التحديات الأكبر، وأبرزها الصين وروسيا.
لكن ما أن أُعلنت تفاصيل وجدول زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط حتى انفجرت الأسئلة ولاحقته، خصوصا حول السعودية التي ستكون المحطة الرئيسية للزيارة. فقد أدت الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا، وهي منتج عملاق للنفط والغاز، إلى حدوث أزمة في سوق الطاقة العالمية، وارتفاع أسعار النفط. وتحركت إدارة بايدن باتجاه منتجي النفط الكبار في العالم، وعلى رأسهم السعودية، مطالبة إياهم بزيادة الإنتاج لتعويض أي نقص ناجم عن تعثر الصادرات الروسية.
•الأزمة الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط
هل ستطلب من السعودية أن تزيد إنتاج النفط ؟ هل ستحاور قادتها رغم انتهاكات حقوق الإنسان؟ أسئلة من هذا القبيل طرحت على بايدن الذي كان قد توعد الحكومة السعودية بالعقاب على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. كان خاشقجي يتمتع بحق الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، وكان كاتبا في صحيفة الواشنطن بوست المؤثرة. ووعيد بايدن جاء عندما كان مرشحا للرئاسة، لكنه بعد انتخابه رئيسا اكتفى بمعاقبة مواطنين سعوديين لا يعدون مسؤولين كبارا في الحكومة، ولم تشمل عقوباته طبعا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي خلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أنه كان مسؤولا عن مقتل خاشقجي.
لكن بايدن تجنب أيضا إجراء أي اتصال مباشر مع محمد بن سلمان، ليأتي إعلان الزيارة هذا متضمنا توضيحا من البيت الأبيض يشير إلى أن بايدن سيلتقي بولي العهد السعودي خلال الزيارة.
إجابات بايدن عن أسئلة السعودية كانت متلعثمة أحيانا وقد حاول فيها أن يركز على قضية أن زيارته للسعودية ستكون للقاء بمجموعة من قادة الشرق الأوسط لا قادة السعودية فقط. لكن الدلالة كبيرة، لابل إن اختيار السعودية مكانا لعقد القمة يعد بحد ذاته يعد ترسيخا لمكانتها الإقليمية. يتردد الحديث أيضا عن أن واشنطن تدرس استئناف بيع الأسلحة الهجومية للسعودية بعد التوقف الذي حصل مع بدء رئاسة بايدن.
•إسرائيل محطة أولى
في مواجهة الأسئلة عن السعودية لجأ الرئيس الأمريكي أيضا إلى القول للسائلين إن عليهم أن ينتبهوا أيضا إلى أن محطته الأولى ستكون إسرائيل. كما وتحدث عن مشروع ما يحمله لتعزيز العلاقة بين إسرائيل والدول العربية.
يحاول بايدن هنا أن يبني على ما أسسته إدارة سلفه ترامب من اتفاقات تطبيع بين دول عربية وإسرائيل، وعلى ما يجري ميدانيا من تنسيق أمني وعسكري بين إسرائيل وبعض الدول العربية. لكن ملامح مشروع بايدن بين العرب وإسرائيل ليست واضحة، إلا أن الواضح أن المشروع سيكون في صلب زيارته.
ورغم أن بايدن سيزور الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضا إلا أنه من غير المتوقع أن تكون هناك أي مبادرة سياسية كبيرة في إطار جهود السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وصحيح أن إدارة بايدن عادت إلى اتخاذ موقف أكثر تقليدية في القضية الفلسطينية، يشدد على حل الدولتين وعدم الموافقة على توسيع الاستيطان الإسرائيلي، وهو موقف مختلف عن موقف إدارة ترامب التي كانت لا تخفي قربها من الموقف الإسرائيلي، وقد نقلت السفارة الأميركية إلى القدس واعترفت بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية المحتلة، لكن موقف إدارة بايدن لن يتعدى ذلك على الأغلب، فليست هناك أي مبادرات كبرى متوقعة في ذلك السياق. المبادرة المنتظرة هي مزيد من التطبيع والتنسيق لا بل والتعاون الأمني بين دول عربية أخرى وإسرائيل، والهدف لذلك على الأغلب هو مواجهة إيران.
•الملف الإيراني
وإيران هي طبعا سؤال كبير آخر أساسي في الشرق الأوسط، لا بل إنه السؤال الذي تكاد معظم الأسئلة الأخرى تتعلق به من العراق إلى سوريا إلى لبنان وصولا إلى اليمن وفلسطين. وسياسة بايدن المعلنة إزاء إيران تتمركز حول فكرة رغبة إدارته بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما، التي كان يشغل فيها منصب نائب الرئيس.
وقد نص ذلك الاتفاق على خضوع إيران لمراقبة برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها. لكن لم يتحقق تقدم كبير منذ تولي بايدن الرئاسة، وتوقفت المفاوضات بين الولايات المتحدة والدول الكبرى وإيران في فيينا قبل أشهر. لكن المثير للانتباه أن جولة سريعة من المفاوضات بين واشنطن وطهران فقط، جرت في الدوحة قبيل زيارة بايدن. صحيح أن مفاوضات الدوحة لم تتوصل لشيء، إلا أنها جاءت تذكيرا بأن باب الحوار بين الطرفين مازال مفتوحا ومازالت احتمالات العودة للاتفاق واردة.
يطرح بايدن مبادرة للتعامل المشترك مع سؤال إيران والاسئلة الأخرى، إذ يتحدث عن مشروع بين إسرائيل والدول العربية. ورغم أنه توقف علنا عن الإسهاب في الموضوع أمام الكاميرات، إلا أن هناك ترتيبات عسكرية فعلا بين بعض الدول العربية وإسرائيل. وقد تحدثت إسرائيل عن أنها جارية فعلا وخصوصا في مجال الدفاع الجوي. كما سيتحدث بايدن عن فكرة الأمن المشترك بين الدول العربية، مروجا لفكرة أن إسرائيل ليست تهديدا إقليميا للعرب بل على العكس هي شريك استراتيجي في مواجهة إيران. وقد نددت إيران بفكرة الرعاية الأميركية لتحالف عربي- إسرائيلي ضدها.
يميل بايدن في إجاباته دائما إلى إعادة صياغة السياق الذي تطرح فيه الأسئلة التي يواجه صعوبة إزاءها، وتشكل تحديا لسياساته وطروحاته. وهو هذه المرة يواجه مجموعة من أصعب الأسئلة في مجال السياسية الخارجية. ورغم تركيزه على الوضع الجديد في أوروبا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وعلى المنافسة مع الصين، فإن زيارته إلى الشرق الأوسط هي تذكير بأن هناك أسئلة كثيرة تبحث عن الإجابة في تلك المنطقة، وهي أسئلة كانت دوما عصية على التجاهل.