400 برميل من مادة دوائية معروفة تُستخدم في مضادات الحساسية، شُحنت بشكل قانوني إلى سوريا عبر لبنان، بموافقة وزارات الصحة والاقتصاد والبيئة. لكن تلك البراميل لم تُستخدم كلها في صناعة الأدوية، بل ظهرت مكدّسة داخل أحد أكبر مصانع الكبتاغون السرية التابعة للفرقة الرابعة، قرب العاصمة دمشق.
يتتبّع هذا التحقيق، القائم على وثائق رسمية، وشهادات حصرية، ومسح ميداني، كيف تم استغلال نظام الترخيص الدوائي من قبل مستودعات كيميائية وشركات أدوية لإدخال مادة "ديفينهيدرامين" إلى سوريا، وتحويلها إلى مكوّن رئيسي في صناعة أقراص الكبتاغون المزيّفة.
من ميناء نافا شيفا في الهند، مروراً بمرفأ بيروت، وصولاً إلى قصر غامض في ريف دمشق كان محصناً لسنوات، يكشف التحقيق خيوط شبكة دولية، تُغذّي صناعة مخدرات تُقدّر بمليارات الدولارات، تقف خلفها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، باستخدام غطاء دوائي رسمي.
في مدينة دوما بالعاصمة دمشق، استولى رجل الأعمال والنائب السابق عامر تيسير خيتي على مصنع رقائق بطاطس، وحوّله إلى منشأة محمية لإنتاج المخدرات تحت إشراف الفرقة الرابعة.
المواد الكيميائية التي وجدت في مصانع الكبتاغون وصلت من الهند، والصين، وألمانيا، وبريطانيا.
في عام 2021، سجّلت السلطات الهندية شحنة تصدير تضم 400 برميل من مادة "ديفينهيدرامين" -وهو مركب دوائي يُستخدم كمضاد للهستامين- متجهة إلى سوريا. المستلم المُعلن: "شركة المستقبل للصناعات الدوائية". نقطة الوصول: مرفأ بيروت ومنها براً إلى ريف دمشق، حيث وصلت الشحنة إلى مستودع المستورد السوري الرسمي: مستودع إياد لحام وشريكه للمواد الكيميائية في ريف دمشق.
كل الأوراق الرسمية كانت حاضرة؛ موافقات من وزارات الصحة والاقتصاد والجمارك، ومسار شحن يبدو قانونياً ولا يثير الريبة.
لكن خلف هذه الواجهة البيروقراطية، كانت تُنسج خيوط عملية مختلفة تماماً يقودها أشخاص متورطون في صناعة الكبتاغون.
في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، ظهرت البراميل ذاتها داخل منشأة سرّية لتصنيع الكبتاغون، تقع في قصر على أطراف دمشق، ويخضع لسيطرة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد. المنشأة لم تكن مرخّصة، ولم يكن وجود البراميل فيها محض صدفة.
في ذلك اليوم، سقط الستار عن شبكة خفية ظلّت تعمل بصمت على مدى أكثر من عقد، محتمية بجدران قصر طالما اكتنفه الغموض طيلة 13 عاماً.
القصر الواقع بين بلدتي يعفور والديماس في منطقة استراتيجية غرب دمشق، على الطريق الدولية دمشق - بيروت - ريف دمشق، ظل لسنوات حكراً على عناصر الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري، بقيادة ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد.
ومع طي صفحات حكم عائلة الأسد في سوريا، فُتحت أبواب القصر المحاط بجدران رخامية، وأسوار عالية وأبواب حديدية مُذهّبة، أمام سكان المنطقة، ليكتشفوا ما كان خفياً.
يتتبع التحقيق سلاسل التوريد العالمية، التي غذت صناعة الكبتاغون في سوريا، وهي واحدة من أسرع اقتصادات المخدرات الاصطناعية نمواً في العالم. لم يُصبح الكبتاغون -وهو أمفيتامين قوي- أزمة إدمان إقليمية فحسب، بل أصبح شرياناً مالياً للجهات الخاضعة للعقوبات في نظام الأسد، وحزب الله، وشبكاتهما في أنحاء بلاد الشام.
وتشير دراسة صادرة عن مركز COAR للتحليل والأبحاث (كوار)، إلى أن سوريا مركز عالمي لإنتاج "الكبتاغون" المخدّر، وأنها أصبحت أكثر تصنيعاً وتطوراً تقنياً في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى خلال حكم نظام الأسد، نظراً لدورها في إنتاج وتصدير الكبتاغون على نطاق واسع؛ إذ تجاوزت قيمة تجارة الكبتاغون صادرات البلاد القانونية بأضعاف، ما جعلها شرياناً اقتصادياً للنظام السوري السابق وحلفائه.
وسط أكوام من الأكياس ومئات البراميل المملوءة بمواد أولية متنوعة، عاين فريق التحقيق في "أريج"، وصحفيون من الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية (سراج)، محتويات أحد صالونات القصر الواسعة في الطابق الأرضي. وتبين من المعاينة وجود أكياس بيضاء، وعبوات زرقاء وسوداء كبيرة، طُبعت عليها أرقام وباركود وسلاسل ترميز، تتيح تتبع مصدرها من البلد المنشأ وصولاً إلى المستورد النهائي.
وثّقنا استيراد عشر مواد كيميائية أساسية من مصانع في الصين والهند وماليزيا وألمانيا وبولندا وبريطانيا. من بين هذه المواد، برزت شحنة تحتوي على مادة "ديفينهيدرامين" (Diphenhydramine)؛ وهي مكوّن معروف باستخدامه في تصنيع أقراص الكبتاغون المزيفة، والتي ضُبطت كميات منها في عدد من الدول الأوروبية.
من مصنع أدوية في ولاية كجرات الهندية، انطلقت شحنة دوائية على هيئة "عطور ومستحضرات تجميل" وفقاً لبوليصة الشحن، متجهة إلى شركة لبنانية في البقاع الغربي. الوثيقة، التي حملت توقيع شركة الشحن Mediterranean Shipping Company-MSC، وهي واحدة من أكبر شركات الشحن البحري في العالم، مقرّها الرئيسي في جنيف، سويسرا، تبدو اعتيادية: اسم الشاحن، والمستلم، ومحتويات الحاوية المُصنَّفة "منتجات تجميل".
أما الشركة اللبنانية؛ فهي الفرع اللبناني من شركة Mak Overseas Shipping & Clearance السورية الأصل. ويمتلك هذه الشركة، الواقعة في مدينة الرفيد بالقرب من الحدود اللبنانية السورية، لبناني وشريكان له سوريان.
تغفل تفاصيل الشحنة، المدونة في مستندات الشحن، حقيقة أن المادة الأساسية في الشحنة (ديفينهيدرامين) تُعدّ من العناصر التي قد تدخل في تصنيع حبوب الكبتاغون. بعد وصولها إلى لبنان، لم تكن وجهة الشحنة متجر تجزئة أو مصنع عطور، بل وُجّهت إلى الداخل السوري، حيث نشطت في السنوات الأخيرة ورش سرّية في مناطق مثل دوما تحت سيطرة الفرقة الرابعة، تنتج مئات آلاف الحبوب لتُصدّر لاحقاً إلى الخليج وأوروبا.
بحثنا في قواعد البيانات، وعبر التواصل مع السلطات اللبنانية، وتبين أن الشحنة اتخذت من لبنان دولة عبور (ترانزيت) لتمر إلى سوريا، بموجب إجازة استيراد لهذه الشحنة من وزارة الاقتصاد والتجارة السورية، بموافقة مديرية البيئة في ريف دمشق، وموافقة وزير الاقتصاد السابق لاستخدامها في صناعة الأدوية.
وفقاً للوثائق التي حصل عليها فريق التحقيق، شُحنت المادة عبر شركة Mak Overseas من مصنع ALCON BIOSCIENCES في الهند، عبر ميناء نافا شيفا، ووصلت إلى ميناء بيروت - المنطقة الحرة، ثم نُقلت براً إلى نقطة طرابلس ومنها إلى جديدة يابوس في ريف دمشق.
بعد دخولها الأراضي السورية، جرى تخزينها في مستودع إياد اللحام وشريكه للمواد الكيميائية، الواقع في جديدة عرطوز بريف دمشق، قبل بيعها إلى معمل دوائي مرخص يُدعى شركة المستقبل للصناعات الدوائية، ومقره مدينة حلب، حسب ما ورد في إجازة الاستيراد رقم 21020101.
تشير وثائق الشحن إلى أن كمية "ديفينهيدرامين" بلغت 400 برميل، بوزن إجمالي يبلغ عشرة أطنان، وبقيمة 20 ألف دولار أميركي، مرفقة بالموافقات الرسمية للاستخدام في صناعة الدواء.
لكنّ اللافت أن صاحب شركة "المستقبل للصناعات الدوائية"، عمر فاروق بركات، لديه سوابق قانونية تتعلق بعمليات تهريب، بحسب قرار رسمي صادر عن وزارة المالية في الجمهورية العربية السورية.
تكشف السجلات الرسمية عن تاريخ طويل من المخالفات المالية والقضائية المرتبطة بالمالك والشركة؛ ففي 16 كانون الأول/ديسمبر 2014، فُرض عليه حجز احتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة، بموجب القضية رقم 21/2014 لدى مفرزة المكافحة الثالثة، بسبب تهريب بضائع مستوردة بلغت قيمتها 78,453,500 ليرة سورية، مع غرامة قصوى تقدَّر بـ 627,628,000 ليرة سورية. وقد رُفع هذا الحجز مؤقتاً في 17 أيار/مايو 2015، بعد زوال أسبابه القانونية.
لكن في الرابع من شباط/فبراير 2016، فُرض حجز مالي جديد على مصنع "المستقبل" (كفر داعل – المنصورة)، ممثلاً بعمر بركات، بموجب القضية رقم 4/2015، بسبب تهريب بضائع مستوردة غير مشمولة بالإعفاء من الحجز، بقيمة 20,510,637 ليرة سورية، والغرامة القصوى تصل إلى 102,553,185 ليرة سورية.
و في السابع من أيلول/سبتمبر 2020، فُرض الحجز الثالث إضافة إلى أموال زوجته إن وجدت، بموجب القضية رقم 42/2020 من الجهة نفسها (المكافحة الثالثة)، وهذه المرة بسبب تهريب في الاستيراد والتصدير لبضائع مستثناة من الحجز، بقيمة 502,856,725 ليرة سورية، مع غرامة قصوى بلغت 3,787,493,300 ليرة سورية.
وأخيراً، يظهر اسم عمر فاروق بركات مجدداً في الجريدة الرسمية السورية بتاريخ 25 تموز/يوليو 2024، ضمن قرار حجز مالي إضافي؛ ما يعكس نمطاً واضحاً من المخالفات المتكررة، والارتباط بقضايا التهريب والتهرب الضريبي، على مدى عشر سنوات على الأقل.
رغم هذا السجل، فقد حصل معمل المستقبل الذي يملكه بركات على الموافقات اللازمة لاستيراد كميات ضخمة من مادة "ديفينهيدرامين"، برقم إجازة الاستيراد الرسمية (رقم 210201014715)، والتي عاينا وجود جزء منها في منشأة لصناعة الكبتاغون يقال إنها كانت تحت إشراف الفرقة الرابعة.
مستند من الجريدة الرسمية السورية بشأن الحجز على أموال مالك معمل المستقبل
تواصل فريق التحقيق مع ثلاثة خبراء في الصناعات الدوائية؛ من بينهم صيدلانيون ومديرو إنتاج في معامل أدوية، وعرَض عليهم تفاصيل شحنة مادة "ديفينهيدرامين" التي استوردها معمل "المستقبل للصناعات الدوائية" في سوريا، والمقدّرة بـ 400 برميل (نحو عشرة أطنان).
أجمع المختصون الثلاثة على أن الكمية المستوردة "غير مبررة دوائياً"، ولا تتناسب مع احتياجات أي معمل أدوية مرخّص، حتى وإن كانت المادة تُستخدم في أشكال صيدلانية متعددة؛ مثل: الكريمات والشرابات والحبوب.
توضح الصيدلانية والحاصلة على ماجستير في التقنية الصيدلانية من جامعة الأناضول بتركيا آية العوران، أن الكمية المستوردة من "ديفينهيدرامين" (نحو عشرة أطنان من المادة الخام) ضخمة بدرجة يصعب تبريرها في السياق الدوائي.
وبحسب العوران، تكفي الكمية نظرياً لإنتاج نحو عشرة ملايين علبة دواء بالحد الأقصى للجرعة (50 ملليغراماً)، أو ما يصل إلى 25 مليون علبة عند استخدام جرعات أقل شيوعاً (مثل 12.5 ملليغرام)، مضيفة أن "هذه الكميات الهائلة تتطلب قدرة تصريف يومي تقارب سبعة آلاف علبة، وهو معدل يتجاوز قدرة معظم معامل الأدوية المحلية، من دون وجود شبكة توزيع ضخمة أو تصدير واسع".
تقول العوران إن "مدة صلاحية المادة الفعالة، خاصة في أشكال دوائية سريعة التلف مثل الشراب، قد تفرض تصريف الكمية خلال عامين فقط، وهو ما يعزز فرضية أن الكمية كانت مخصصة لغرض آخر غير الاستخدام الدوائي المنطقي".
أما عرفات طياوي، مدير الإنتاج في أحد معامل الأدوية بمحافظة حماة، فقد أكد استحالة أن يحتاج أي معمل مرخّص إلى هذه الكمية لأغراض دوائية فقط.
من جهته يقول أيمن خسرف، صيدلاني متخصص في التشخيص المخبري وباحث في التقانة الحيوية بجامعة غازي عنتاب التركية، إن الكمية التي استُوردت من مادة "ديفينهيدرامين" – والتي بلغت 400 برميل (عشرة أطنان) – تتجاوز بمراحل حاجة أي معمل أدوية يعمل ضمن الاستخدامات الطبية التقليدية.
لكنّه يوضح أن البيئة الاقتصادية والأمنية التي خضعت لها الصناعات الدوائية في سوريا خلال سنوات الحرب، جعلت من الصعب على الشركات المحلية أن تضمن بشكل كامل تتبع مصير الشحنات، أو السيطرة على كيفية استخدامها النهائي.
يضيف: "إن البيئة الأمنية المسيطرة قد أجبرت الكثير من المنشآت الدوائية على الخضوع لشبكات نفوذ، سواء من خلال الضغط المباشر أو استخدام واجهات مرخّصة لاستيراد مواد يُعاد توجيهها لاحقاً إلى تصنيع المخدرات. في هذه البيئة، لا يكون صاحب الترخيص دائماً هو صاحب القرار الفعلي".
في شهادة حصرية لفريق التحقيق، يكشف عامل سابق في معمل لتصنيع الكبتاغون بدمشق، أن المواد الكيميائية الأساسية كانت تصل إلى لبنان مغلّفة بوثائق تجارية قانونية تحت تصنيفات، مثل مستحضرات تجميل أو مكملات غذائية أو أدوية، قبل أن تُنقل عبر الحدود إلى منشآت إنتاج سرية تدار من داخل الدائرة المقربة من عائلة الأسد.
ويضيف: "لم يكن أحد يسأل. كانت الأوراق نظامية، والحمولات تمر كأنها لصناعة أدوية. هذه الطريقة لم تكن مجرد تحايل عابر، بل آلية منظمة تهدف إلى الحفاظ على تدفق سلاسل التوريد الحيوية لصناعة الكبتاغون، رغم العقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد وقتها ومؤسساته المرتبطة بالإنتاج الكيميائي".
في ربيع عام 2024، قدّر تقرير صادر عن البنك الدولي أن سوق الكبتاغون في سوريا تدرّ ما بين 1.9 و5.6 مليار دولار سنوياً؛ وهي قيمة تقترب من إجمالي الناتج المحلي لسوريا عام 2023. وأوضح التقرير أن "جهات مرتبطة بسوريا" حققت أرباحاً من تجارة الكبتاغون عبر مراحل متعددة من سلسلة الإنتاج والتوزيع، إذ تُقدَّر عائداتها السنوية بما يتراوح بين 0.6 و1.9 مليار دولار.
وأكدت وزارة الداخلية السورية في الحكومة الحالية، في ردها على أسئلة فريق التحقيق، أن "مَن كان يدير شبكات المخدرات في سوريا هم رؤوس نظام الأسد وتحت إشراف مباشر منه"، مشيرة إلى أن بعض المتورطين فرّوا بعد سقوط النظام، في حين يتم تتبّع مَن تبقى منهم داخل البلاد.
داخل القصر، تم تركيب خط إنتاج وسط مجموعة براميل مبعثرة، تُظهر ملصقاتها أنها تحوي مادة "ديفينهيدرامين". في حين ضم المخزن عشرات البراميل من هذه المادة، قادمة من المصنع الهندي نفسه.
قسم الإنتاج في القصر المُستخدم في صناعة أقراص الكبتاغون- خاص
بدا وجود هذه المادة في مصنع لإنتاج الكبتاغون لافتاً للانتباه، نظراً إلى خصائصها المهدئة؛ إذ تسبب النعاس، وقد تؤدي إلى الدوار (الدوخة)، وجفاف الفم والعينين، وتشوش الرؤية، وتسارع ضربات القلب.
وفق الباحثة في معهد الأبحاث الوطني للمخدرات بجامعة كورتين الأميركية، الدكتورة نيكولا لي، فإن تأثير هذه المادة يقف على النقيض من المفعول المُنشِّط للكبتاغون، لكنّها تستدرك أن صناعة الكبتاغون المزيف لا تنظمها ضوابط محكمة، ما يجعل تأثيرها أكثر خطورة.
غير أن استخدام "ديفينهيدرامين" في تصنيع الكبتاغون المزيف القادم من سوريا، لم يكن مفاجئاً لباحثين آخرين وسلطات إنفاذ القانون، إذ يشير مركز أبحاث وتعليم علوم الطب الشرعي الأميركي إلى أن هذه المادة دخلت في صناعة أقراص الكبتاغون المزيف، إلى جانب مواد أخرى، وذلك استناداً إلى أبحاث أجريت بالتعاون مع دائرة الطب الشرعي، والمختبرات التابعة لمديرية الأمن العام في العاصمة الأردنية عمّان.
ويؤكد المركز أن المزج بين المهدئات والمنشطات لا يؤدي إلى إلغاء تأثير كل منهما، بل يُنتج حالة من الاضطراب المعقد، تتداخل فيها مشاعر الإثارة والنشوة مع بطء أو تشوش في التفكير، وضعف في القدرة على اتخاذ القرار، وزيادة في السلوك الاندفاعي.
واستخدمت مادة "ديفينهيدرامين" في تركيب أقراص الكبتاغون المزيفة المضبوطة ضمن شحنة واردة من سوريا إلى رومانيا عام 2020. كما أبلغت السلطات الألمانية عن وجودها في بعض الشحنات، بحسب تقرير صادر عن المركز الأوروبي للرقابة على المخدرات عام 2023.
يقول الباحث في قطاع الجريمة والمخدرات في وكالة الاتحاد الأوروبي للمخدرات (EUDA)، لوران لانييل، إن التحليل الجنائي، الذي أجرته سلطات عدة دول في الاتحاد الأوروبي لأقراص الكبتاغون المُصادَرة، كشف عن وجود مادة "الديفينهيدرامين" ضمن مكونات العديد من العينات. غير أن المادة الفعالة الرئيسية التي تم رصدها كانت "الأمفيتامين".
ويضيف لانييل أن الأمفيتامين، بوصفه مادة غير مشروعة، فإن تصنيعه أو شراءه من مصادر غير قانونية يُعد مكلفاً. لهذا، غالباً ما يتم خلطه بمواد أرخص وأسهل في الوفرة؛ مثل الكافيين، والثيوفيلين، والديفينهيدرامين، وذلك لاستخدامها في تصنيع أقراص الكبتاغون.
بعد نحو عام من ضبط شحنة الكبتاغون في رومانيا، كان ميناء بيروت يستقبل شحنة مادة "ديفينهيدرامين" قادمة من الهند.
وفق ما أظهرته ملصقات البراميل، فإن شركة ِAlcon Biosciences Private Limited الهندية المصنعة لهذه المادة في مطلع عام 2021، شحنت عبر ميناء بيروت 400 برميل من المادة ذاتها إلى شركة تدعى Mak Overseas Shipping & Clearance.
أحد البراميل ضمن شحنة مادة "ديفينهيدرامين" التي وجدت في المصنع غير النظامي- خاص
تقول مديرة قسم العلاقة بين الجريمة والصراع والانسحابات العسكرية في معهد نيو لاينز، كارولين روز، إن الصين والهند مركزان رئيسيان لإنتاج المواد الأولية ذات الاستخدام المزدوج؛ وهي مواد كيميائية يمكن توظيفها في تصنيع المخدرات الاصطناعية، لكنها لا تندرج ضمن لوائح "المجلس الدولي لمراقبة المخدرات"، ما يجعلها خارج نطاق رقابة الأجهزة الأمنية القانونية.
وتُضيف روز أن قانونية الاتجار بالمواد الأولية ذات الاستخدام المزدوج، إلى جانب سهولة مسارات التجارة مع الصين والهند، قد توفر لمُنتجي الكبتاغون في سوريا فرصة ثمينة لمواصلة نشاطهم.
ووفق تأكيد وزارة الداخلية في الحكومة السورية، فإن "شحنات المواد الأولية والآلات المستخدمة في التصنيع كانت تدخل إلى سوريا بطرق غير شرعية، أو تحت مسمى آخر كآلات لتصنيع الأدوية"، موضحة أن "الجهات التي تمدها بالمواد اللوجستية هي منظمات وشبكات إجرامية، تنسق مع عدة دول لتفكيكها".
في ردها على أسئلة فريق التحقيق، قالت مديرية الجمارك العامة اللبنانية إنه "تبيّن أن شحنة ديفينهيدرامين دخلت عبر المنطقة الحرة في مرفأ بيروت، وتم تصديرها إلى سوريا بوضع الترانزيت، وذلك وفقاً للأصول القانونية، وبموجب مستندات نظامية. وقد ثبت أن الشركة السورية المستوردة مرخّصة، وقد حصلت على إجازة استيراد لهذه الشحنة من وزارة الاقتصاد والتجارة السورية، بموافقة مديرية البيئة في ريف دمشق، وموافقة وزير الاقتصاد لاستخدامها في صناعة الأدوية".
ورغم أن الشحنة صُدرت لأغراض قانونية، فإن الكثير من براميلها انتهى في مصنع غير نظامي لإنتاج الكبتاغون في ريف دمشق، المنطقة التي صَدرت منها الموافقات لاستيراد الشحنة.
ونفت الشركة المسؤولة عن الشحن والخدمات اللوجستية معرفتها بمصير الشحنة؛ فقد جاء في رد مكتوب من شركة Mak Overseas Shipping & Clearance، بتاريخ 25 حزيران/يونيو 2025، أن دورها اقتصر على تقديم "الخدمة اللوجستية"، وقالت إن شحنة "ديفينهيدرامين" أُرسلت إلى سوريا بـ"شكل شرعي" بناء على موافقات رسمية، من بينها ترخيص صادر عن وزارة الصحة السورية.
وأضافت الشركة أنها سلّمت البراميل "إلى معمل دوائي معروف" في دمشق، وأنها غير مسؤولة عما جرى لاحقاً. وشددت على أن المادة "غير خاضعة للرقابة"، ولا تُدرج ضمن قائمة المواد المحظورة.
وأوضحت الشركة أنها لا تعلم كيفية وصول الشحنة إلى مصنع سري، تحوم حوله شبهات بأنه كان يُدار من قبل شبكة لديها ارتباط مباشر بالفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد.
وبحسب الوثائق التي حصل عليها فريق التحقيق، نُقلت شحنة "ديفينهيدرامين" في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 من ميناء بيروت بوضع الترانزيت، عبر نقطة طرابلس، إلى مستودع إياد اللحام في ريف دمشق، قبل أن تُرسل رسمياً إلى معمل "المستقبل للصناعات الدوائية" في حلب.
ولم يرد معمل المستقبل للصناعات الدوائية على أسئلة فريق التحقيق عن استلامه للشحنة، وكيف نقلت عشرات البراميل منها في الأخير إلى قصر يستخدم في صناعة الكبتاغون في ريف دمشق.
ولم نتمكن من العثور على أي عنوان مسجل باسم شركة إياد اللحام وشريكه في ريف دمشق. وعند الاتصال بالرقم المدون في مستندات التخليص الجمركي اللبنانية، باعتباره رقم الشركة المستلمة للشحنة، تبيّن أن الرقم مسجل باسم شركة الشحن Mak Overseas. كما تواصل فريق التحقيق مع خمسة صيادلة في منطقة جديدة عرطوز، حيث يُفترض وجود المستودع هناك، وأكد جميعهم أنهم لا يعرفون شيئاً عنه، ولم يسبق لهم التعامل معه.
تُرجح كارولين روز، من معهد نيو لاينز، التي أجرت عدة أبحاث عن تجارة الكبتاغون في سوريا، أن استخدام مواني لبنان، مثل ميناء بيروت، لإدخال المواد الأولية المحتملة لصناعة الكبتاغون، يُعدّ خياراً مناسباً لإبعاد الشكوك، نظراً للشبهات المحيطة بالجهات الموالية للنظام السابق في سوريا. وترى أن نقل المواد الأولية عبر لبنان بدلاً من التصدير المباشر إلى سوريا، قد يكون محاولة لإخفاء أثر عمليات الإنتاج والاتجار غير القانوني للكبتاغون داخل سوريا، والحفاظ على الرواية التي تصور سوريا كمركز عبور فقط، وليس بلد تصنيع.
وكشف مدير إنتاج سابق في شركة سورية للصناعات الدوائية أن المواد الأولية المستخدمة في تصنيع الكبتاغون ،مثل "الفينيل أسيتون" و"حمض الفينيل أسيتيك" (Phenylacetone and Phenylacetic Acid)، تصل إلى لبنان عبر شحنات واردة من دول مثل إيران، والصين، والهند، ثم تُنقل براً إلى سوريا. وتُدرج هذه المواد على أنها مكونات مخصصة لصناعة الأدوية أو منتجات التنظيف، ما يسهّل مرورها عبر الحدود من دون إثارة الشبهات.
تمكنا من الحصول على معلومات إضافية حول تداول المواد المستخدمة في صناعة الكبتاغون بين سوريا ولبنان، وذلك من خلال ملف تحقيقات قوى الأمن الداخلي اللبنانية مع حسن دقو، المعروف بلقب "ملك الكبتاغون"، وآخرين متهمين في قضايا الاتجار وتهريب هذه المادة.
وتظهر مستندات القضية، التي تضم أكثر من 500 صفحة، أن أحد المتهمين في القضية دأب منذ عام 2013 على تهريب مواد كيميائية تستخدم في صناعة الكبتاغون بين سوريا ولبنان؛ مثل: الكافيين واللاكتوز والبارستيموال.
مسار شحنة مادة "ديفينهيدرامين" من الهند إلى ريف دمشق
كما توسط المتهم بين دقو (المقيم في بيروت)، وزبائن من سوريا، كانوا بحاجة إلى الحصول على زيت يدخل في تصنيع الكبتاغون، وفق مستندات التحقيق.
كما عثرت جهات التحقيق (شعبة المعلومات بقوى الأمن الداخلي) على محادثة في هاتف حسن دقو، تشير إلى طلبه من أحد المتهمين في الاتجار وصناعة المخدرات، الحصول على مادة الأفدرين التي تستخدم في تصنيع الكبتاغون، كما أبرمت عام 2014 صفقة شراء ثمانية أجولة (أكياس كبيرة تُعبّأ فيها مواد سائبة مثل المواد الكيميائية) من مواد كوتسيك، وبيكربونات أمونيوم، وهما من المواد التي تُعدّ "مشبوهة في صناعة الكبتاغون"، لكن دقو أنكر معرفته بمضمون الرسائل.
وبحسب ما ورد في أقوال دقو، فإنه يعمل في الفرقة الرابعة السورية منذ عام 2014، ويتبع أمنها. وكان يدخل من لبنان إلى سوريا عبر مواكب تتبع حزب الله.
وأُدرج دقو على لائحة العقوبات الأميركية عام 2023؛ لارتباطه "بعمليات تهريب المخدرات التي نفذتها الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد، وبغطاء من حزب الله".
عقب اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، ومواجهتها بالعنف من قِبل النظام السوري السابق، فرض الاتحاد الأوروبي على سوريا مجموعة من العقوبات شملت 23 قطاعاً.
ورغم حظر بيع المنتجات المرتبطة بصناعة النفط والكهرباء، وبعض الصناعات الأخرى التي كان يمكن للنظام السابق استخدامها في قمع المدنيين، ظلت بعض المواد الأولية المُستخدمة في صناعة الكبتاغون بمنأى عن العقوبات. ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن بعض هذه المواد تُستخدم أيضاً في صناعة الأدوية.
وقدّر بيان صادر عن الحكومة البريطانية، عام 2023، أن 80 في المئة من كمية الكبتاغون المُنتجة في العالم كانت تصنع في سوريا. كما قدر خبراء مستقلون حجم تجارة الكبتاغون في سوريا بنحو 57 مليار دولار.
في آب/أغسطس 2011، أصدرت الولايات المتحدة قراراً تنفذياً (رقم 13582) يفرض عقوبات على النظام السوري السابق. وبحلول عام 2019، سنّت الإدارة الأميركية قانون قيصر الذي يفرض عقوبات ثانوية على أيّ شخص يثبت تقديمه -عن علم- دعماً كبيراً للحكومة السورية.
وعمدت الإدارة الأميركية إلى معاقبة أي شخص متورط في صناعة الكبتاغون، مشيرة إلى أن عائدات "تجارة الكبتاغون غير المشروعة أضحت مصدر دخل رئيسي لنظام الأسد، والقوات المسلحة السورية، والقوات شبه العسكرية في سوريا".
وربطت وزارة الخزانة الأميركية غير مرة بين الفرقة الرابعة والتجارة غير المشروعة -خاصة تجارة الكبتاغون- قائلة: "من المعروف أن ماهر الأسد والفرقة الرابعة يديران العديد من مصادر توليد الإيرادات غير المشروعة، والتي تتراوح من تهريب السجائر والهواتف المحمولة، إلى تسهيل إنتاج وتهريب الكبتاغون".
وكشفت وزارة الداخلية السورية أن التحقيقات التي أجرتها أفضت إلى "ضبط أكثر من عشرة معامل كبيرة وورش صغيرة بعد سقوط النظام"، مؤكدة أنها كانت "تقع بمعظمها في مناطق تابعة للفرقة الرابعة".
عقب سقوط نظام الأسد، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو توثق دخول أهالي القرى الواقعة على الطريق الرابط بين دمشق ولبنان، إلى القصر الذي وجدنا به شحنة مادة "ديفينهيدرامين"، حيث وجدوا أن حجراته تمتلئ ببراميل وأكياس كبيرة مصنوعة عادةً من الخيش أو البلاستيك السميك، تُستخدم لتعبئة المواد السائبة والمواد الخام وموازين وخلاطات. واحتلت ساحته رافعات شوكية وآلات تغليف.
وربط ناشرو الفيديوهات بين هذا المصنع والفرقة الرابعة السورية التابعة لماهر الأسد.
من جانبه، يقول محمد عرسالي، أحد سكان منطقة ديماس بريف دمشق، إن القصر كان خاضعاً لإشراف مكتب أمن الفرقة الرابعة، الذي يترأسه بسيم فوزي ديب، مشيراً إلى أن الطريق الرئيس المؤدي إليه كان مطوقاً بحواجز أمنية.
ويضيف عرسالي أنهم استدعوا أحد وجهاء البلدة، عقب اكتشافهم ما كان يجري داخل القصر، فقرر إحراق المخدرات، في حين تُركت محتويات المصنع تحت حراسة مشددة.
يقول مواطن آخر يُدعى شادي سهود، إن المنطقة المحيطة بالقصر على مسافة ثلاثة كيلومترات، تتميز بالمنازل الفارهة التي كانت يمتلكها سوريون ومن جنسيات أخرى. ومنذ عام 2012، استولت قوات النظام السوري السابق عليها، وخضع الطريق الرابط بينها لإجراءات أمنية مشددة من قبل الفرقة الرابعة، وفق قوله.
ويشير عرسالي إلى أن الشاحنات كانت تتحرك ذهاباً وإياباً على الطريق المؤدي من المنطقة وإليها، من دون أن يكون لدى الأهالي علم بمحتوياتها.
شهادات السكان تشير إلى أن شاحنات ضخمة كانت تتحرك لسنوات عبر ذلك الطريق، من دون أن يعرف أحد محتوياتها، فيما تؤكد الروايات أن بسيم فوزي ديب، الذي شغل رتبة رائد في منطقة الديماس، ثم ترقّى إلى رتبة عقيد، تولّى لاحقاً مسؤولية مكتب الأمن الملاصق للقصر. وبحسب الشهود، لم تكن أي شاحنة تتحرك أو تعبر محيط القصر إلا بأمر مباشر منه.
وفي ردها على فريق التحقيق، تقول وزارة الداخلية السورية إن "معظم معامل تصنيع الكبتاغون الكبرى التي ضُبطت بعد سقوط النظام كانت تتبع الفرقة الرابعة، وتركزت في مناطق حدودية وفي الساحل السوري".
وثّق فريق التحقيق وجود مواد أولية تُستخدم في تصنيع الكبتاغون المزيف، داخل معمل آخر يقع على قمة تلة مرتفعة مطلة على طريق رئيس غرب دمشق، وهو موقع كان خاضعاً لإدارة الفرقة الرابعة.
في مستودعات واسعة ومظلمة داخل موقع مهجور في مدينة دوما، رصد فريقنا آلاف الحبوب المخدّرة مخبأة داخل قطع أثاث، وفواكه بلاستيكية، وحصى ملوّن، وحتى أجهزة تثبيت جهد كهربائي. وقد وضعت هذه المضبوطات فوق منصات خشبية، في حين كانت شاحنة تقف في الخارج بانتظار تحميل الشحنة.
المنشأة، وهي مبنى ضخم محاط بأسوار عالية، شُيّدت في الأصل كمصنع لإنتاج رقائق البطاطس، لكنّها تحوّلت لاحقاً إلى مركز محصّن لتصنيع المخدرات، تحت غطاء أمني شديد التنظيم.
الصحفي الاستقصائي علي الإبراهيم داخل مصنع الكبتاغون في مدينة دوما - خاص
عقب سقوط النظام السوري، فُتحت أبواب المعمل أمام السكان المحليين للمرة الأولى منذ سنوات. أحدهم، أبو أحمد، وهو رجل ستيني عاد مؤخراً إلى أرضه المجاورة للمصنع، يقول: "كلنا كنا نعرف أن هذا المعمل تابع للفرقة الرابعة، وتحت إشراف مباشر من ماهر الأسد. لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب. كنا نشاهد الشاحنات والبرادات الضخمة وهي تحمل البضاعة ليلاً.. إذا اتجهت جنوباً نعلم أنها في طريقها إلى الأردن أو الخليج، وإذا شمالاً فالمقصد البحر".
يقع المصنع بين جبلين ويمكن رؤيته ليلاً من وسط دوما، وكان تحت إدارة عامر تيسير خيتي، رجل أعمال معروف ونائب سابق في البرلمان السوري، فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات عام 2020 بسبب علاقاته بنظام الأسد. كما فرضت المملكة المتحدة عقوبات عليه، لامتلاكه شركات متعددة في سوريا "تُسهّل إنتاج وتهريب المخدرات، بما في ذلك الكبتاغون".
خيتي، المعروف بأنه أحد الواجهات المالية للفرقة الرابعة، فرّ من البلاد بعد انهيار النظام. وكان قد بدأ تشغيل المعمل عام 2017، مستعيناً بعسكريين وصيادلة تابعين للفرقة لتشغيل خطوط الإنتاج.
موقع المصنع
يقول محمد فارس التوت، المالك الأصلي للمعمل، لفريق التحقيق: "كنا أنا وإخوتي نمتلك هذه المنشأة، بالإضافة إلى عدد من المصانع المتخصصة في المواد الغذائية والمعلّبات. هذا المعمل كان من أكبر مصانع رقائق البطاطا في سوريا وربما في الشرق الأوسط".
وأضاف التوت أن المصنع تعرض للمصادرة عام 2018: "في ظل ما شهدته سوريا من فوضى، استولى عامر تيسير خيتي على المعمل. كان وكيل ماهر الأسد وغسان بلال، ويتبع مباشرة للفرقة الرابعة".
وأوضح أن الأضرار كانت جسيمة: "كان في المعمل أكثر من 160 خط إنتاج.. كله نُهب وسُرق بالكامل".
تمكّن فريق التحقيق من الدخول إلى الموقع بعد سقوط النظام، ووثّق كميات كبيرة من المواد الكيميائية، منها: الكلوروفورم، والفورمالديهايد، وحمض الهيدروكلوريك، وإيثر البترول، وأسيتات الإيثيل. هذه المواد كانت مخزّنة في عبوات بنية اللون، وتحمل شعار شركة بريطانية كبيرة متخصصة في الصناعات الكيميائية.
عثر فريق التحقيق داخل منشأة تصنيع الكبتاغون في دوما -التي كانت خاضعة سابقاً لسيطرة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد- على عبوات تحمل مادة "زيلين" (Xylene)، وهي مادة كيميائية نقية تُستخدم عادة كمذيب في المختبرات، وتُصنّف على أنها ضارة بالصحة، بحسب معايير السلامة الأوروبية.
ويستخدم الزيلين أحياناً كمذيب في مراحل تصنيع الأمفيتامين، المادة الفعالة الرئيسية في الكبتاغون، لا سيما في خطوط الإنتاج غير النظامية التي تعتمد على مواد كيميائية رخيصة.
العبوات التي عُثر عليها داخل المعمل كانت بسعة 2.5 لتر، وتحمل اسم شركة Surechem Products Ltd البريطانية، ومقرها في سوفولك، إنجلترا. وتُشير بيانات الملصق إلى رقم دفعة الإنتاج 16448/3a، وتاريخ انتهاء الصلاحية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
كما تُظهر الوثائق استيراد الشحنة لصالح شركة منقذ حبّال وإخوانه في سوريا، ومقرها في شارع العالمين بمدينة حماة، عبر موزّع يُدعى Arwani Trading.
في إحدى الغرف، عُثر على مئات بطاقات العمل باسم عامر تيسير خيتي، في مؤشر واضح على إشرافه المباشر على تشغيل المنشأة، وتحويلها إلى ما وصفه السكان بأنه "معمل لغسيل العقول".
أبو أحمد لم يكن الشاهد الوحيد. إذ قاطع حديثه رجل آخر من سكان دوما، ظهرت آثار تعذيب واضحة على ساقه اليمنى، وقال إنه كان معتقلاً لدى الفرقة الرابعة: "كانت عناصرهم بتدخل وبتخرج من المعمل بسيارات سوداء معتمة، بعضها من دون لوحات. منعوني من دخول مكسر الحجر المجاور، وأمروني بعدم العودة إلى المنطقة. فعلوا ذلك مع العديد من المزارعين".
يشعل سيجارته، ويشير بيده نحو التلال خلفه، حيث يظهر مبنى المصنع: "قالوا لنا إن هذا معمل لإنتاج الصابون.. وعندما بدأ العمل علمنا أنه معمل لغسيل الدماغ".
أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج