تحليل: ماذا يعني ضعف إيران بالنسبة للحوثيين؟
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ـ توماس جونو الخميس, 14 أغسطس, 2025 - 01:23 مساءً
تحليل: ماذا يعني ضعف إيران بالنسبة للحوثيين؟

تغير توازن القوى في الشرق الأوسط خلال العام ونصف العام الماضيين، بعد سنوات من رواج افتراض بوجود توازن رعب بين إسرائيل وإيران، وفي حين كان المحللون يدركون أن القوة العسكرية التقليدية لإسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة تفوق بكثير القوة العسكرية الإيرانية المنهكة، كان الرأي السائد هو أن الأصول غير التقليدية لإيران، أي برامجها الصاروخية والطائرات بدون طيار ودعمها للجماعات المسلحة العنيفة غير الحكومية، تشكل تهديدًا كافيًا لردع إسرائيل عن شن هجوم عليها.

أدى هذا التصور إلى تطور تدريجي لـقواعد غير رسمية للعبة بين الجانبين، حيث هاجم كل من الطرفين الآخر مرارًا وتكرارًا، بشكل غير مباشر وبقدر كافٍ من ضبط النفس لإبداء رغبة في تجنب التصعيد، ولكن الحروب التي أعقبت هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، قلبت هذا التوازن الهش، حيث أضعفت الحملات العسكرية الإسرائيلية المدمرة في غزة ولبنان حماس وحزب الله العضوين الرئيسيين في محور المقاومة بقيادة إيران، وانهارت سوريا الدولة الوحيدة الأخرى في المحور بقيادة بشار الأسد، في ديسمبر 2024، بعد ما يقرب من 14 عامًا من الحرب الأهلية، والأمر الأكثر كارثيةً هو أن إيران نفسها تعرضت لهزيمة ساحقة على يد إسرائيل في كل من المواجهات العسكرية المباشرة الثلاث التي تزايدت حدتها، الأولى في أبريل 2024، ثم في أكتوبر 2024، ومن ثم ذروة تلك المواجهات بحرب الاثني عشر يومًا، في يونيو 2025.

الحوثيون هم الاستثناء، فهم العضو الوحيد في محور المقاومة الذي تنامت قوته، وأصبحوا الآن قوة إقليمية مؤثرة لديها القدرة على شن هجمات باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار على أهداف بعيدة كإسرائيل والإمارات، وجاء صعودهم نتيجة لمزيج من العوامل الخارجية (المساعدة الإيرانية) والديناميات الداخلية (ضعف خصومهم في الحكومة المعترف بها دولياً)، فماذا يعني ضعف جمهورية إيران الإسلامية بالنسبة للحوثيين في هذا السياق؟

السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية المُضعفة ستقلل من دعمها للحوثيين، وهو الأمر الذي لا يمكن التسليم به، بل في الحقيقة، من المنطقي أن تضاعف إيران من دعمها للحوثيين بعد أن أصبحوا أقوى شركائها غير الحكوميين، فقد خسرت إيران معارك مهمة ضد خصومها الإسرائيليين والأمريكيين، وأصبح كثير من شركائها الرئيسيين في حالة ضعف، وأصبحت بالتالي أكثر حاجة للحوثيين من أي وقت مضى. الأمر الهام هو أن دعم إيران للحوثيين يمثل استثماراً مالياً يقدر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، ويمكن الحفاظ على هذا الدعم المتواضع نسبياً إلى أجل غير مسمى، حتى مع أخذ الوضع الاقتصادي والجيوسياسي الهش لإيران في الاعتبار.

الأهم من ذلك هو أن هذا الاستثمار المحدود حقق للجمهورية الإسلامية عوائد ضخمة، وعزز بشكل كبير نفوذها في شبه الجزيرة العربية. لا تستطيع إيران المعزولة والمحاطة أن تتحمل خسارة الحوثيين، لذا فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن طهران ستواصل دعمها للحوثيين وقد تكثفه، وما يدعم هذه الفرضية هو عمليات الاعتراض الأخيرة لشحنة طائرات بدون طيار متطورة في البحر الأحمر في طريقها إلى الحوثيين.

إن أي تراجع للدعم الإيراني لبرامج الحوثيين في مجال الصواريخ والطائرات بدون طيار سيشكل انتكاسة استراتيجية مهمة للحوثيين، وسيسمح مخزون الحوثيين الكبير من الأسلحة باستيعاب فقدان الدعم الإيراني على المدى القصير إلى المتوسط، إلا أن قوتهم ستتآكل بمرور الوقت. يمكن للحوثيين الحفاظ على بعض قدراتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار قصيرة المدى والأقل تطوراً من خلال مواصلة تطوير إنتاجهم المحلي، لكن قدرتهم على ضرب عمق الأراضي السعودية واستهداف الإمارات، هي ما يسمح لهم بتقييد مجال المناورة للرياض وأبو ظبي في اليمن، وقد يؤدي انخفاض هذه القدرات ولو جزئياً إلى تغيير توازن القوى في شبه الجزيرة العربية تدريجياً ضد الحوثيين، وقد يزيد من حوافز السعودية والإمارات لدعم شن هجوم بري جديد ضد الحوثيين في نهاية الأمر، و سيشكل هذا نقطة تحول مهمة لأن الدولتين مترددتان حتى الآن في ذلك خوفاً من انتقام الحوثيين.

سيدفع قطع الدعم الإيراني الحوثيين إلى تكثيف جهودهم لتنويع شراكاتهم، خصوصاً مع روسيا والصين، حيث أبدت كل من الدولتين استعدادها في السنوات الأخيرة لتعميق علاقاتها مع الحوثيين الذين يمارسون سلطة الأمر الواقع على العاصمة اليمنية، ويتشاركون معها في معارضة هيمنة الولايات المتحدة. في الوقت ذاته، هناك حدود لمدى استعداد بكين وموسكو لدعم الحوثيين خصوصاً بالسلاح، والأهم من ذلك هو تقدير الدولتين لعلاقاتهما المتنامية مع السعودية والإمارات، وعدم استعدادها لتعريض هذه العلاقات للخطر.

السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تستمر الجمهورية الإسلامية التي تكبدت خسائر كبيرة ولكنها لم تصل لحافة الانهيار، في دعمها للحوثيين الذين برزوا كأقوى مكون غير حكومي في محور المقاومة، وربما تزيد من هذا الدعم. لكن إذا انخفض هذا الدعم، فسيكون له تأثير سلبي على الحوثيين ونفوذهم في المنطقة، ويُرجح أن يظل الحوثيون الطرف المهيمن داخل اليمن بسبب ضعف خصومهم وانتاجهم المحلي للأسلحة. لذلك أصبح من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى أن تزيد الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها الإقليميون من دعمهم للحكومة المعترف بها دولياً، وأن تضاعف جهودها لمنع تهريب الأسلحة وقطع غيار الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.


التعليقات