[ WFP ]
يسود قلق بالغ في اليمن من تصاعد حدة الأزمة الغذائية جراء التداعيات المتواصلة للحرب الروسية في أوكرانيا وانعكاسها في توسيع رقعة الجوع وبؤر المجاعة في بلد أصبح خارج الاهتمام الدولي وتصنفه الأمم المتحدة بأنه يعاني من أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم.
ويدخل اليمن عامه الثامن من الحرب والصراع وهو على شفا كارثة إنسانية متفاقمة، وأزمة غذائية هي الأخطر منذ بداية الحرب في العام 2015، في ظل انخفاض تعهدات المانحين وحصوله على ما نسبة 30% من إجمالي الأموال المطلوبة للمساعدة الإنسانية للعام 2022، عقب مؤتمر تعهد المانحين المنعقد في مارس/ آذار الماضي، وهي تعد نسبة التعهدات الأقل حتى مقارنة مع عام 2020 أثناء جائحة كورونا، وهذا غير كافٍ على الإطلاق بحسب تقارير لمنظمات دولية، لمواجهة الأوضاع الإنسانية المتدهورة في اليمن والتي تحذر من أن عدم قيام المجتمع الدولي بزيادة تعهداتهم، فسيشهد الوضع الانساني والمعيشي انزلاقًا خطيرًا في ظل توقعات أن تزداد الأوضاع سوءًا مع الحرب الروسية الأوكرانية حيث وصل انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بالفعل إلى مستويات مثيرة للقلق، نتيجة تدهور الإنتاج الغذائي المحلي والأصول الزراعية، وزيادة أسعار المواد الغذائية.
وتصاعدت التحذيرات خلال الفترة الماضية من أزمة عالمية في الأمن الغذائي مع تراجع الامدادات من الحبوب واضطراب الأسواق العالمية بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ تأتي اليمن في طليعة الدول المهددة بانعكاسات أكثر حدة في حال استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه.
ويواجه اليمن تداعيات وخيمة في امدادات الغذاء من الحبوب خصوصًا القمح والسكر والأرز والأدوية والألبان، إضافة إلى المشتقات النفطية المضطربة أسعارها عالميًا، إضافة إلى المستلزمات الزراعية من الأسمدة والبذور والمواد الخام الصناعية.
يؤكد صندوق النقد الدولي أن ارتفاع الأسعار العالمية للسلع يُفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن، مشددًا على أن الزيادة في التمويل الخارجي والموارد الداخلية تُوفّر فرصةً لتقوية الجهود الرامية إلى تعزيز الشفافية، ولضمان استخدام الموارد في دعم الفئات الضعيفة، وذلك يشمل تيسير الحصول على واردات الأغذية والوقود، والواردات الطبية.
ومع معاناة السكان أصلًا من النزاع المستمر على مدى 7 سنوات، فإن التأثيرات التي أحدثتها الحرب الدائرة في أوكرانيا زادت من تفاقم هذه الأزمة. ووفقًا لما ذكره برنامج الأغذية العالمي، من المتوقّع أن يبلغ عدد الأشخاص - الذين يعانون هذا العام من انعدام الأمن الغذائي في اليمن، 19 مليون شخص (ثلثي عدد السكان)، نظرًا إلى أن أسعار الأغذية على المستوى العالمي، الآخذة في الارتفاع، وانخفاض سعر الصرف، قد عملا معًا على رفع نسبة التضخم إلى 60% تقريبًا. وباعتبار اليمن بلدًا مستوردًا للنفط، على أساسٍ صافٍ، فإن ارتفاع أسعار النفط أضاف ضغوطًا على ميزان المدفوعات والاحتياجات التمويلية.
وستكون اليمن معرضة لتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للقمح بنسبة زيادة سنوية تقدر 62% في أبريل/ نيسان، وما يناهز 70% في مايو/ أيار 2022، وفق مؤشر مجلس الحبوب الدولي، إضافة إلى ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية والأسمدة بحوالي 20%، وزيادة شحن الحبوب بنسبة تتراوح بين 22 و45%، وتوقعات ارتفاع أسعار القمح المستقبلية بنسبة 54%.
يتوقع أن تؤدي هذه المخاطر إلى تداعيات كارثية على أسعار القمح في اليمن بنسب تتراوح بين 40% و50% مقارنة بالأسعار الحالية.
أزمة امدادات
توصف الأزمة الحالية في سلاسل الامدادات على أنها أزمة غذاء بالمقام الأول ويخشى على الدول الفقيرة مثل اليمن الانزلاق إلى هاوية الجوع الشديد نتيجة مخاطر نقص الامدادات من الواردات في ظل تعقد السوق الدولية وتأثرها بعدة عوامل أولها ارتفاع أسعار الشحن البحري والجوي والبري بين الدول لمستويات تفوق 300% عما كان عليه عام 2019، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط لمتوسط 110 دولارًا للبرميل مقارنة بنحو 60 دولارًا في 2019، إلى جانب السبب الأهم الذي أحدث اضطرابًا واسعًا في الأسواق الدولية؛ الحرب الروسية في أوكرانيا منذ مطلع العام 2022، والتي تسببت في وقف صادرات 30% من احتياجات السوق العالمية من القمح وأثرت على أسعار النفط والغاز عالميًا، ناهيك عما تعانيه سلاسل التوريد العالمية من مستويات نقص تاريخية، بدًء من المواد الخام مرورًا بالسلع الغذائية وبقية السلع مع ظهور جائحة كورونا حيث ارتفعت أسعار الشحن إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات عدّة.
تقول منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في تقرير عن توقعات الأغذية صادر عنها مطلع يونيو/ حزيران إن "العديد من البلدان الضعيفة تتكبّد كلفة أكبر ولكنها تحصل على كميات أقل من الأغذية، وهو أمر مقلق". جاء اليمن في طليعة الدول التي ستنخفض فيها واردات الغذاء، في ظل توقعات أن تسجل الفاتورة العالمية للواردات رقمًا قياسيًا هذا العام.
يشير التقرير إلى أنّ "هذه مؤشرات تنذر بالخطر من منظور الأمن الغذائي حيث أنها تدلّ على أنّ المستوردين سيجدون صعوبة في تمويل ارتفاع التكاليف الدولية، ما قد يؤدي إلى تراجع قدرتهم على الصمود أمام ارتفاع الأسعار".
الحكومة اليمنية تؤكد بدورها على تأثير أزمة الغذاء العالمية والحرب الروسية في أوكرانيا على واردات القمح إلى اليمن، خاصة وأن هاتين الدولتين تحتلان أكثر من 46% من إجمالي كميات القمح المستورد، إذ دقت ناقوس الخطر من أن المخزون الاستراتيجي للقمح في اليمن يشارف على الانتهاء في منتصف الشهر القادم، في حال لم تجد مساعدة في الحصول على أسواق جديدة لشراء القمح.
وتحاول الحكومة اليمنية منذ مطلع مايو/ أيار الماضي العمل على توفير مخزون غذائي آمن من السلع الأساسية خاصة القمح على الأقل لستة أشهر، وتعزيز التنسيق والتكامل بين الحكومة والقطاع الخاص والسلطات المحلية للرقابة على الأسواق في الجوانب التموينية والسعرية، وتكثيف التواصل مع التجار ومراقبة الاسواق والعمل داخل الحكومة وعبرها لتسهيل كافة التعقيدات بما يضمن سهولة وصول الامدادات الغذائية، وإبراز الدور الهام للقطاع الخاص في دعم جهود تحقيق الأمن الغذائي.
شحن الحبوب والغذاء
تتركز المخاطر والتهديدات المباشرة بشكل رئيس من خلال أسعار الشحن حيث ارتفع مؤشر أسعار شحن الحبوب لدى مجلس الحبوب الدولي في أبريل/ نيسان الماضي بنسبة زيادة أسبوعية بلغت 13%، وبنسبة زيادة سنوية 34%. ومع تفاوت مستويات الارتفاع للمؤشرات الفرعية في أسعار شحن الحبوب حيث سجل مؤشر أوروبا زيادة سنوية بنسبة بلغت 46%، يليه مؤشر كندا بنسبة زيادة سنوية 44%، ومؤشر الأرجنتين بنسبة زيادة سنوية بلغت 37%ن وبالتالي فإن كانت الصادرات الإضافية من أصول أخرى، بما في ذلك الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبرازيل، ستعوض جزئيًا انخفاض شحنات البحر الأسو، لذا فإن ارتفاع أسعار شحن الحبوب يمكن أن تؤثر على الأسعار بشكل كبير.
في شهر مايو/ أيار 2022، وصلت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو إلى 1107 للبوشل، بنسبة زيادة بلغت 5.4% مقارنة بالأسعار المسجلة في أخر أسبوع من شهر أبريل/ نيسان 2022، إذ جاءت هذه الزيادة نتيجة
توجهات الهند في تقييد شحنات الحبوب بسبب أضرار ارتفاع درجات الحرارة التي أضرت بالمحاصيل في الهند، وهي خطوة فرضت المزيد الضغط على الإمدادات في وقت يتزايد فيه قلق العالم بشأن أزمة الغذاء الآخذة في الظهور، كما يزيد القلق بشأن الإمدادات، خاصة وأن شحنات الحبوب الهندية كانت مزدهرة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
ويقدر الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية في بيان صادر عنه في 19 مايو/ أيار 2022، إجمال الارتفاع في أسعار القمح العالمية خلال هذا العام 2022، بنحو 60% وهو أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا، بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا حيث أن البلدان يمدان اليمن بثلث وارداته من القمح، كما أن القوة الشرائية للشركات التجارية اليمنية تضاءلت بفعل هذه الارتفاعات الاستثنائية.
تعتمد اليمن على أوكرانيا والاتحاد الروسي بشكل كبير لوارداتها من القمح، وخلال العام 2020-2021، بلغت واردات القمح حوالي 4.043 ألف طن متري منها حوالي 1,038 ألف طن متري من الاتحاد الروسي تمثل حوالي 25.7% من إجمالي واردات القمح، وحوالي 793 ألف طن متري من أوكرانيا تمثل حوالي 19.6 من إجمالي واردات القمح، وبالتالي فإن واردات القمح من روسيا وأوكرانيا تمثل حوالي 45.3% من إجمالي واردات القمح في اليمن.
وتقدر إجمالي الامدادات بحوالي 4.170 ألف طن متري في عام 2021-2022، بنقص يقدر بحوالي 575 ألف طن متري مقارنة بالعام 2020-2021، مما يشكل خطورة على اليمن بالنظر إلى أهمية القمح كمادة غذائية أساسية، ويؤدي إلى زيادة الأسعار نتيجة الضغوط الإضافية العالمية على الطلب العالمي للقمح.
ويبدي القطاع الخاص في اليمن كما ورد في بيان الاتحاد الذي حصلت "يمن فيوتشر" على نسخة منه استعداده لتحمل مسؤوليته في توفير الغذاء لليمنيين ومواجهة هذه التحديات من خلال تنويع سلاسل التوريد، وتحمل تكاليف التشغيل المتزايدة لتخفيف تأثير الصدمات العالمية على المجتمعات اليمنية.
سجلت تكلفة سلة المواد الغذائية الأساسية - الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية لكل أسرة في الشهر- زيادة سنوية بنسبة 351% في لبنان، تلتها سوريا بنسبة 97%، واليمن بنسبة ارتفاع 81%، كما سجلت الدول الثلاث التي تعتمد جميعها على الواردات الغذائية، انخفاضًا حادًا في قيمة العملة، في الوقت نفسه أثر الجفاف أيضًا على إنتاج القمح السنوي في اليمن.
في السياق، زادت أسعار الألبان بحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" في الأسواق الدولية بنسبة تقدر بحوالي 3% ليتخطى المؤشر السنوي في أسعارها المسجل منذ عام بنحو 23.6%. وزادت أسعار السكر بنسبة 7% بنسبة زيادة سنوية تصل إلى حوالي 22.6%، كما زادت أسعار زيت النخيل بنسبة 70% عالميًا فيما زادت محليًا بما يقارب 14%.
وبالتالي يتوقع أن تؤدي التداعيات المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا إلى تداعيات كارثية على سعر الحد الأدنى للسلة الغذائية في اليمن بنسب تتراوح بين 50% إلى 60% مقارنة بالأسعار الحالية.
سوق الوقود
كما أثرت الأزمة العالمية الناتجة عن الحرب الروسية في أوكرانيا على أسعار الوقود في اليمن. وطبقًا لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" فقد زاد المتوسط الوطني لسعر اللتر من مادة الديزل إلى 977 ريال مقارنة مع 782.5 سعره قبل نشوب الحرب في أوكرانيا بنسبة زيادة 24%، بينما زاد سعر اللتر البترول إلى 976 ريال من 826 ريال بنسبة زيادة 18.1%، وبالرغم من عدم التأثير المباشر للحرب الروسية الأوكرانية على إمدادات وأسعار الغاز في اليمن، كونه يتم إنتاج الغاز محليًا إلا أن المتوسط الوطني للسعر الرسمي لاسطوانة الغاز المنزلي ارتفع إلى 5950 ريالا/اسطوانة نهاية بنسبة زيادة بلغت نحو 8.2%، وارتفع المتوسط الوطني لسعر اسطوانة الغاز غير الرسمي إلى 14891 ريال بنسبة زيادة بلغت 3.1%.
بحسب منظمات دولية فإن استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية، سيكون له تأثيرات كبيرة على أسعار المشتقات النفطية في اليمن. وبينما لا يزال الوضع في حالة تغير مستمر، فإن التقديرات في أسعار المشتقات النفطية المحلية تعتمد على التغيرات في أسعار النفط العالمية، إضافة إلى عامل لا يقل أهمية عن العامل الخارجي وهو العامل المحلي وخاصة تغيرات سعر الصرف. ومن المتوقع أن تواجه اليمن تداعيات مضاعفة للحرب الروسية في أوكرانيا على أسعار المشتقات النفطية خلال الفترة القادمة بنسبة 60% منها 44% ناتجة عن الأزمة العالمية و20% للإمدادات المحلية. هذا بخلاف الارتفاع الذي تشهده أسعار النفط المحلية قبل الحرب الروسية الأوكرانية في ظل الظروف التي تعاني منها اليمن، الأمر الذي سيفرض على البلاد تحديات داخلية في ارتفاع أسعار الوقود، وهو سيؤثر على قيمة الريال اليمني، وتراجع قدرته الشرائية.
جهود مساندة القطاع الخاص
ويؤكد القطاع التجاري الخاص في اليمن أن هذا الاضطراب في الأسواق العالمية وارتفاع الأسعار الدولية، تؤثر دون شك على الوضع اللوجستي وقدرة القطاع الخاص بشكل بخاص على الاستمرار في الامدادات نظرًا لأن رأسمال التجار المستوردين لن يكون كافيًا لتغطية الكميات التي يريدون شحنها للسوق اليمنية.
وتعتبر مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه، كبرى القطاعات الصناعية والتجارية المستوردة في اليمن، إذ تؤكد المجموعة أن ضمان استمرار تدفق منتجات الأغذية والسلع الأساسية الضرورية إلى السوق اليمنية بات أمر في منتهى الصعوبة خاصة في بيئة أعمال تتسم بالتذبذب والضعف الشديدين، كما هو الوضع في اليمن، لذا تبذل المجموعة بحسب المتحدث الرسمي باسمها عمار البذيجي أنها تبذل جهدها في استدامة الإنتاج والحفاظ على مخزونات الأغذية مثل الدقيق والسكر والقمح ومنتجات الألبان ودعم استقرار العرض السلعي.
يضيف أن انتشار عمليات المجموعة على طول وعرض اليمن وقوة شركاتها يمكناها من مساعدة المدن والقرى والمناطق المحلية، انطلاقًا من الروح المجتمعية والقيم الأسرية التي بنيت عليها وهو ما دعاها في المقام الأول إلى البقاء وعدم الانسحاب من السوق على الرغم من خطورتها كبيئة أعمال مضطربة، في وقت انسحبت فيه الكثير من الشركات المنافسة.
وفي ظل ضعف النظام المصرفي يشترط الموردون الدوليون على المستوردين اليمنيين الدفع المقدم وعدم منحهم أولوية التوريد مما يتسبب في تأخير الشحنات، وهنا يتعين على المجموعة كما يوضح البذيجي أن تكون قادرة على توفير العملة الصعبة والدفع نقدًا ومقدمًا مقابل أي سلعة مما يحد من القوة الشرائية للمجموعة ويقوض قدرتها على تأمين المخزون السلعي الأساسي للسوق اليمنية.
وقد أحدثت الحرب في أوكرانيا، وهي إحدى سلال الخبز في العالم، بالفعل تأثيراً كبيراً على أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم. وتدرك مذكرة المشاركة الوطنية للبنك الدولي أنه مع تفاقم أزمة الغذاء وانتشار سوء التغذية في اليمن، فمن غير الممكن للإجراءات التدخلية قصيرة الأجل وحدها أن توفر حلولاً قابلة للاستمرار. وللمساعدة في كسر حلقة الاعتماد على المعونات، سيقوم البنك الدولي بتجربة نهج قائم على "استمرارية المساندة" بحيث يجمع بين الإجراءات التدخلية قصيرة الأجل وبناء القدرة على الصمود في المناطق الجغرافية التي تبلغ فيها معدلات انعدام الأمن الغذائي حدودها القصوى.
قالت دراسة جديدة صادرة عن البنك الدولي إن جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، والآثار الناجمة عن تغيّر المناخ تتسبب حالياً في إعادة تشكيل أسواق السلع الأولية العالمية على نحو دائم - وهو تحوّل يُرجح أن تكون له تداعيات عميقة على اقتصادات البلدان النامية على مدى العقود القادمة.
ويدرك البنك الدولي الدور بالغ الأهمية للقطاع الخاص في بناء قدرة اليمن على الصمود وآفاق النمو، مؤكدًا إعداد استراتيجية لتشجيع الحلول التي يعتمدها القطاع الخاص لسد الفجوات القائمة في البنية التحتية، ومساندة إيجاد فرص العمل، وإرساء الأساس السليم للتعافي.
يعتمد اليمن بشكل كامل تقريبا على الواردات لتلبية احتياجات السوق المحلية من السلع الغذائية الأساسية. ويؤمن القطاع الخاص هذه الواردات بالكامل تقريبا، حيث أبدى قدرة هائلة على الصمود والنجاح في الاستمرار في مد البلاد بهذه السلع. ومع هذا، فإن آليات السوق هذه، رغم ما أبدته من مقدرة حتى الآن، يمكن أن تفشل نتيجة ارتفاع التكلفة والمخاطر.
وفقا للبنك الدولي، فإن أكبر تحٍد للأمن الغذائي في اليمن يكمن في ضعف الطلب. وقد حدد مستوردو السلع الغذائية وتجار التجزئة والجملة انخفاض القوة الشرائية باعتباره تحديا رئيسيا لأعمالهم. وفقد أغلب السكان مصادر دخلهم، مما تسبب في أوضاع باتت قاب قوسين أو أدنى من المجاعة. وتغيرت الآليات التي يمكن أن تساعد جانبًا كبيرًا من السكان على التكيف نتيجة انخفاض القدرة الشرائية.
واليوم، تتزايد أعداد المواطنين الذين يلجؤون إلى مستويات متزايدة من الاقتراض من أجل الاستهلاك الغذائي فضلا عن الاعتماد على دعم الدخل من المساعدات الإنسانية والتحويلات النقدية.
يتوقع البنك الدولي أن تكون العواقب الاقتصادية من الحرب في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها على اليمن سلبية بشكل عام. في الأمد القصير سيتأثر الميزان التجاري والتضخم واستهلاك الأسر بشدة بتراجع واردات السلع الأساسية بسبب صدمة جانب العرض وزيادة أسعار النفط والمواد الغذائية على المدى القصير والمتوسط.
كما أن المعونة الخارجية- التي تعد أحد المصادر القليلة الباقية لتدفق النقد الأجنبي على اليمن- يمكن أن تستخدم للمساعدة في تغطية احتياجات واردات السلع الغذائية من النقد الأجنبي. ويمكن للمانحين والسلطات والبنوك أن يتفقوا معًا على استخدام المساعدات الخارجية لتغطية واردات السلع الغذائية باعتبارها أولوية، وذلك بالبناء على توافق في الآراء على أهمية استدامتها. ناهيك عن تيسير الحصول على النقد الأجنبي لن يتصدى فقط للتحديات التي تواجه مستوردي السلع الغذائية في الحصول على النقد الأجنبي، بل سيساعد أيضا في تخفيض التكاليف العالية لتحويل النقد الأجنبي بسبب المخاطر التي تحيط بتحويل الأموال من خلال قنوات غير رسمية.
جهود تجارية
بحسب مؤسسة التمويل الدولية؛ يتفاقم أثر الحرب في أوكرانيا بشكل خاص على اليمن، في ضوء تصاعد الأسعار العالمية للقمح، وتناقص مخزونات القمح في البلاد، وتضاؤل القوة الشرائية للقطاع الخاص اليمني.
تصاعدت الأزمة الراهنة في اليمن بصورة حادة، واليمن هو أفقر بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحتى قبل اندلاع الصراع في عام 2015، كان اليمن يعاني بالفعل من أعلى مستويات سوء التغذية في العالم. وفي عام 2021، قدرت الأمم المتحدة أن 80% من السكان معرضون لمخاطر الجوع والمرض. ووصفت التقارير آثار تدهور الأوضاع في اليمن بأنها "مثيرة للقلق" و"غير مسبوقة على الصعيد الإنساني" و"كارثية" و"مرعبة".
ودعت مجموعة هائل سعيد أنعم المجتمع الدولي إلى وضع آليات مالية طارئة لمساندة مستوردي القمح في اليمن من أجل درء المزيد من التدهور في الأزمة الإنسانية والمجاعة في اليمن.
وتشير مؤسسة التمويل الدولية إلى الدور الكبير الذي تلعبه مجموعة هائل سعيد أنعم التي تعتبر أكبر مورد للمواد الغذائية الأساسية في اليمن، حيث تشتري القمح المستورد والدقيق والسكر، ثم تقوم بتجهيزها في المصانع المحلية وتوزيعها، جنبا إلى جنب مع الشركاء، على القرى والمناطق والمجتمعات المحلية المحتاجة.
على الرغم من ذلك، فقد هدد الصراع في اليمن في بعض الأحيان قدرة مجموعة هائل سعيد أنعم على إيصال الغذاء لليمنيين الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية. وفي عام 2016، تباطأت العمليات بعد قصف بعض أصول الشركة في تعز.
كانت المجموعة قد أكدت في مايو/ أيار 2022، أن الحرب في أوكرانيا قد صبت الزيت على نار الأزمة الإنسانية في اليمن، في غضون أشهر آلاف من اليمنيين مهددون بالمجاعة بسبب نقص إمدادات القمح.
ولأن اليمن تعتمد على استيراد الغالبية العظمى من الطعام، فإن أي أزمة خارجية ستأثر تأثيراً ملموسا وسلبيًا على البلاد. وبرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الإنساني في اليمن، إلا أن الأسواق العالمية المتقلبة، واضطرابات سلسلة التوريد تدفع اليمن إلى نقطة حرجة تفاقم من الأزمة الإنسانية والاقتصادية بشكل كبير.
وترى المجموعة أنه بدون تدخل عالمي عاجل، لن يتمكن القطاع الخاص من تزويد الشعب اليمني بالموارد الغذائية التي يحتاجها، إذ دعت المجتمع الدولي للعمل معًا لوضع حلول مبتكرة ومستدامة وقابلة للتطبيق، للمساعدة في إدخال الغذاء إلى اليمن للحد من تفاقم مشكلة النظام الغذائي الذي تتعرض له البلاد، مؤكدتًا استعدادها للمضي قُدماً في تحمل هذه المسؤولية، وتأكيد مساندتها للشعب اليمني، لأجل تجنب الكارثة الإنسانية التي يمر بها.
هذا التحدي الجسيم المتمثل في التمويل كذلك يعرض للخطر قدرة المجموعة على توفير الغذاء على المدى الطويل في جميع أنحاء اليمن. ويستورد اليمن نحو 90% من أغذيته، لكن الموردين الدوليين لا يعملون مع اليمن بنظام الدفع الآجل كما يفعلون مع بلدان أخرى بسبب ضعف النظام المصرفي في اليمن. وتعني محدودية القدرة على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية أنه يتعين على شركات مثل مجموعة هائل سعيد أنعم أن تكون قادرة على توفير العملة الصعبة والدفع نقدا ومقدما مقابل أي شيء. وعدم توفر التسهيلات الائتمانية والشراء الآجل والنقص الشديد في العملة الأجنبية يحد من القوة الشرائية للمجموعة، ويقيد قدرتها على تأمين مخزونات السلع الأساسية، فضلا عن منع الشركة من تحقيق الاستقرار السلس.
مدير منطقة اليمن في مجموعة هائل سعيد أنعم، يقول في هذا الصدد إن الزيادات الإضافية في أسعار القمح العالمية ستجعل قدرة القطاع الخاص على توفير الإمدادات الأساسية للشعب اليمني والبرامج الإنسانية الدولية على حافة الهاوية.
بحسب نبيل هائل، فإن الأوقات العصيبة تستدعي اتخاذ إجراءات جريئة، مبديً استعداد المجموعة التجارية الأكبر في اليمن للعمل جنبًا إلى جنب مع شركائها الدوليين والإقليميين للمساعدة في وضع آليات الطوارئ للاستجابة لأزمة الأمن الغذائي في البلاد والتي ستمكن القطاع الخاص من الوصول إلى واردات القمح وتمويلها في المدى القريب.
وتقترح المجموعة وفق نبيل هائل، إعطاء مستوردي القمح الأولوية لليمنيين للوصول إلى إمدادات القمح في الأسواق الدولية، لضمان حصول المجتمعات المعرضة لخطر المجاعة أو الجوع الشديد على ما يكفي من المواد الغذائية وأن البرامج الإنسانية الدولية بإمكانها البقاء في العمل.
إضافة إلى سرعة إنشاء صندوق طوارئ خاص وبرنامج تمويل الاستيراد الخاص بالبلاد، مما سيمكن مستوردي القمح اليمني من الوصول السريع إلى التمويل ورأس المال العامل لتمويل مشتريات القمح في السوق العالمية والواردات إلى البلاد. كما يمكن أن يشمل ذلك تسهيلات تمويل الواردات لليمن بدعم من مؤسسة دولية، أو استخدام حلول التمويل المختلط المدعومة بضمانات الخسارة الأولى للمستوردين اليمنيين من خلال اتفاقيات تمويل الاستيراد، إلى جانب وضع مخطط جديد يمدد رسميًا شروط الدفع بين مستوردي الأغذية اليمنيين ومورديهم الدوليين لمدة 60 يومًا، وهي خطة مضمونة من قبل منظمة دولية أو مؤسسة مالية.
بدوره، يبين المتحدث الرسمي باسم كبرى المجموعات الصناعية والتجارية في اليمن أن توصيل المنتجات لمنافذ البيع في اليمن هو في حد ذاته تحد من نوع آخر في ظل انهيار الكثير من الطرق والبنية التحتية ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية باتت سلسلة الإمداد بكاملها وبالتالي عجلة الإنتاج مهددة بالتوقف فقد ارتفعت تكاليف الانتاج بشكل خيالي مع ارتفاع أسعار الطاقة خلال 2022، إلى نسب تجاوزت 122% وأسعار السلع الأساسية كالقمح بنسبة 87% وزيت النخيل بنسبة 63% مما يضغط على التكاليف وهو الأمر الذي يصطدم بالظروف المحلية والقدرة الشرائية للمستهلك اليمني وهو ما تحاول المجموعة كلما أمكن ذلك تحمل الجزء الأكبر منه مع تمرير النسبة الأقل من الزيادة إلى المنتج النهائي.
ويذكر البذيجي أنه مع تفاقم الحرب وتناقص مخزونات القمح، وتضاؤل القوة الشرائية للقطاع الخاص اليمني دعت المجموعة المجتمع الدولي إلى وضع آليات مالية طارئة لمساندة مستوردي القمح في اليمن من أجل درء المزيد من التدهور في الأزمة الإنسانية والمجاعة في اليمن، ففي بلد يستورد 90% من الغذاء تصبح السوق مكشوفة وسريعة التأثر بأية اهتزازات دولية.