بانهيار حزب الله في لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، انهار “طوق النار” الذي شيدته إيران حول إسرائيل.
هل ستحاول إحياءه أم تلجأ إلى استراتيجية جديدة في المواجهة مع إسرائيل؟
يقول مسؤول دفاعي أميركي لـ”الحرة” إن سياسة إيران في الشرق الأوسط ركزت منذ عقود على إنشاء شبكة من الميليشيات تسمح لها بتهديد خصومها وتحقيق أهدافها الأمنية الإقليمية، مع تجنب الدخول في مواجهات مباشرة.
استخدمت إيران تلك الميليشيات في توسيع نفوذها الإقليمي، وأي تغيير في هذه المعادلة قد يغيّر بشكل كبير ميزان القوى في الشرق الأوسط ويزعزع على نحو متزايد استقراره.
وستتأثر الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل مباشر، سواء في ما يتعلق بأمن الطاقة أو سلامة حلفاء الغرب في المنطقة، وكذلك جهود مكافحة الإرهاب.
يؤكد المسؤول الدفاعي الأميركي أن سياسة إيران في الاعتماد على المليشيات لا تزال قائمة على الرغم من الانتكاسات التي تعرضت لها طهران مؤخرا خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل وقبل ذلك الضربات التي تلقاها وكلاؤها في المنطقة.
تجمع الاستراتيجية الايرانية، وفقا لمسؤول دفاعي أميركي، بين الترهيب والترغيب، بهدف ضمان أمن النظام وتقليل التهديدات المحتملة ضده.
“من المرجح أن إيران تتبع استراتيجية العصا والجزرة لخلق أو الحفاظ على ديناميكيات إقليمية مواتية لتقليل التهديدات على النظام وتحسين وضعها الاقتصادي،” يقول المسؤول الدفاعي لـ”الحرة”.
يكشف المسؤول أن “إيران لا تزال ترسل الأسلحة للحوثيين وتقدم الدعم المادي لمجموعات أخرى في أنحاء المنطقة، بما في ذلك الميليشيات المسلحة العراقية المدعومة من إيران”.
“وهذا يشير إلى أن إيران لا تزال ملتزمة باستراتيجية أمن إقليمية تعتمد جزئيًا على الإكراه،” يضيف.
“شبكة وكلاء إيران تمكنها من تهديد المنطقة واستخدام القوة عبر هجمات قابلة للإنكار، لتحقيق أهدافها الأمنية الإقليمية مع الحد من مخاطر التصعيد التي قد تهدد مصالح إيران،” يقول المسؤول.
•الإنفاق على الوكلاء
منذ عام 2012، أنفقت إيران أكثر من 16 مليار دولار لدعم شبكة من الميليشيات في المنطقة، وفقا لوزارة الخارجية الأميركية.
هذا المبلغ شمل تمويلًا مباشرًا، وتدريبًا، وتوفير أسلحة، بالإضافة إلى الدعم اللوجستي.
على سبيل المثال، خلصت تقديرات إلى أن إيران كانت تقدم لحزب الله حوالي 700 مليون دولار سنويا، بينما كانت تقدم لحماس حوالي 100 مليون دولار سنويا حتى عام 2023، عندما اندلعت الحرب في غزة.
لكن إيران تواجه اليوم أزمة حقيقية.
فمحور المقاومة، الذي كان سابقا رادعا قويا، أصبح ظلا بالمقارنة بما كان عليه.
حماس مدمرة في غزة، وحزب الله بلا قيادة، ومهشم، وسوريا تحت سيطرة هيئة تحرير الشام المعادية لمصالح إيران.
لم يتبق سوى الحوثيين والميليشيات العراقية على قيد الحياة، لكنهم أصبحوا هامشيين بالنسبة للنزاع الرئيسي مع إسرائيل نتيجة بعدهم الجغرافي.
•قطع الدومينو
في 27 سبتمبر 2024 قتلت إسرائيل نصر الله، حجر الزاوية في استراتيجية إيران الإقليمية.
ومنذ ذلك الحين غرق حزب الله في فوضى عارمة، وهو أقوى وكلاء إيران في “محور المقاومة”.
لم تمض سوى أسابيع قليلة حتى انهارت دعامة أخرى في نفوذ إيران: سقط نظام بشار الأسد في سوريا بشكل مفاجئ في ديسمبر الماضي.
ومع سقوط الأسد، بدأ ما يُعرف بـ”طوق النار” الذي بنته إيران حول إسرائيل يتفكك.
سقوط الأسد كان بمثابة ضربة قاصمة لإيران، التي كانت تعتبر سوريا حجر الزاوية في استراتيجيتها الإقليمية، وممرًا حيويًا لوكلائها في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية.
بحلول يونيو الماضي، استغلت إسرائيل اللحظة.
مع انهيار وكلاء إيران وتوافر معلومات استخباراتية عن استئناف إيران برنامجها النووي، شنت الطائرات الإسرائيلية حملة واسعة على المنشآت النووية الإيرانية ومستودعات الصواريخ والبنية التحتية العسكرية.
كانت الضربات مؤثرة، دمرت معظم دفاعات إيران الجوية واحتياطياتها من الصواريخ الباليستية وكذلك قتلت عددا من قادتها العسكريين البارزين وعلمائها النووين.
“لا أعتقد أن الإيرانيين لديهم استراتيجية في الوقت الحالي. هم تحت تأثير صدمة كبيرة، ومن الصعب جدا عليهم أن يضعوا استراتيجية” يقول يوسي كوبرفاسر، العميد الإسرائيلي المتقاعد، مدير معهد القدس للاستراتيجية والأمن.
“الوضع مع حزب الله مختلف تمامًا عما كان عليه قبل الحرب ونفس الشيء ينطبق على الأسد الذي لم يعد موجودًا، وكذلك الميليشيات في العراق توقفت عن محاولات استهداف إسرائيل وحتى حماس غير قادرة على تهديد إسرائيل فعليًا في الوقت الحالي،” يضيف كوبرفاسر لـ”الحرة”.
هذا يعني أن إيران تواجه اليوم مفترق طرق استراتيجي.
•خيارات إيران؟
في الحرب الأخيرة مع إسرائيل استهدفت إيران عدة مدن إسرائيلية بطائرات مسيرة وصواريخ بالستية وتمكنت من تكبيد إسرائيل خسائر مادية وبشرية.
بالتالي هناك من يرى أنه على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها طهران لم تتغير طموحاتها.
يقول المحلل الإيراني المقيم في طهران حسين رويران إن “الأمور لم تحسم بعد وستستمر إيران في نفس استراتيجيتها، لن تتراجع عن حضورها الإقليمي ولا تزال تبذل الجهد للدفاع عن تحالفاتها”.
“المواجهة مستمرة بين إيران ومحور المقاومة من جهة واسرائيل من جهة ثانية، نعم هناك تغيير للنظام في سوريا وهذا يؤثر على المعادلات، ولكن حزب الله أو حماس تحملا الضربات، وإسرائيل لم تستطع أن تحسم وتبني معادلات جديدة ثابتة في المنطقة،” يضيف رويران للحرة.
بعد انتهاء الحرب حاولت القيادة الإيرانية حرف الأنظار عن انتكاساتها العسكرية بالتقليل من أهمية الهجمات الاسرائيلية.
تحدثت وسائل الإعلام الموالية للسلطة في حينه عن فشل هدف “الأعداء” في تفكيك البرنامج النووي الإيراني، وأشادت بقدرة الحرس الثوري على ضرب أهداف في إسرائيل و”اختراق أسطورة القبة الحديدية”.
يقول الباحث في المجلس الأطلسي توم واريك لـ”الحرة”: “في الوقت الحالي، لا يوجد تغيير في طموحات إيران، لكن قدراتها محدودة حاليا بسبب أخطائها العسكرية مع إسرائيل”.
“كل من حزب الله وحماس يسعيان للعودة بقوة.. وإيران ستفعل كل ما بوسعها للحفاظ على ميليشياتها قوية، مؤثرة، وأكثر ولاءً لطهران من الولاء للدولة التي تتواجد فيها،” يضيف واريك لـ”الحرة”.
على الجانب الآخر كان برنامج التخصيب الإيراني، الذي وصل إلى 60% نقاء لليورانيوم، قريبا من الدرجة العسكرية قبل الحرب.
ورغم أن المنشآت النووية تضررت كثيرا جراء الضربات الإسرائيلية والأميركية خلال الحرب، لم تُدمَّر بالكامل.
يقول يوسي كوبرفاسر إن “ما يمكن توقعه هو بعض التغييرات داخل النظام، حيث سيكون للمعتدلين صوت أكبر في ما سيحدث، وسيحصلون على اهتمام أكبر من المرشد الأعلى الذي قد يدرك أن هناك حاجة للتغيير”.
“الاختبار الأخير لذلك سيكون فيما إذا كانوا سيتمسكون بمطلبهم بالسماح لهم بتخصيب اليورانيوم في الاتفاقيات المستقبلية مع الولايات المتحدة أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أم سيتخلون عنه”.
“إذا تنازلوا عنه، فهذا يعني أنهم أدركوا الحاجة لتغيير استراتيجيتهم. ولكن حتى الآن، هم لم يفعلوا ذلك،” يختتم كوبرفاسر.