حرب اليمن، أسوأ كارثة إنسانية في العالم، تزداد سوءًا، والسبب هو استجابة العالم المخيبة للآمال تجاه استخدام جميع المقاتلين لأقذر أداة في الحرب، وهي الجوع.
بعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب اليمنية عام 2015، أعلنت الأمم المتحدة اليمن كواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وأطلقت هناك أكبر حملاتها للاستجابة الانسانية.
ومع ذلك، فإن اليمن مثال واضح على كيف يمكن للمعونات الإنسانية أن تضر أكثر من المساعدة، وكيف لها أن تصبح جزءًا من اقتصاد الحرب.
كان اليمن دولة فقيرة عانى من سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي حتى قبل هذه الحرب.
ومع ذلك فإن الأزمة الحالية ليست نتيجة الحرب فقط. اذ يتعلق الأمر بشكل أساسي بسلوكيات الأطراف المتصارعة.
شبكة صغيرة من الناس من كل جانب تزداد ثراء، مما يدل على أن نقص الموارد ليس المشكلة الحقيقية، انما الفساد وسوء الإدارة.
وتسيطر ميليشيا الحوثي على أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في الشمال، بينما تدير الحكومة المعترف بها دوليا باقي الاراضي. لذلك أصبح الحوثيون المستفيد الأول من شحنات المساعدات، حيث لا تتلقى المناطق التي لا تخضع لسيطرتهم نفس القدر من المساعدة.
وبذلك أصبحت المساعدات الإنسانية مصدرًا ماليًا رئيسا لأحد أطراف النزاع.
على سبيل المثال، دفعت الأمم المتحدة 9.8 مليون دولار على الأقل عام 2019 للحوثيين كشريك في برنامج التغذية المدرسية، الأمر الذي انتهك حيادية واستقلالية عمل المساعدات الإنسانية.
•الحوثيون ليسوا المذنب الوحيد
الحرب الاقتصادية على المدنيين اليمنيين تخوضها جميع الأطراف. التحالف الذي يتألف من اثنتين من أغنى الدول العربية المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لم يفعل شيئًا لتقليل المعاناة الإنسانية في اليمن منذ بدء الحرب عام 2015.
تم إنفاق مليارات الدولارات على الأسلحة لتدمير البلاد ولكن لم يتم إنفاق أي شيء تقريبًا على إعادة بناء ما تم تدميره في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية اليمنية وحلفائها.
بعد سبع سنوات على طرد التحالف لقوات الحوثي من جنوب البلاد، تعاني المدينة الرئيسية والعاصمة المؤقتة عدن من الكهرباء. بضعة ملايين من الدولارات يمكن أن تحل هذه المشكلة من خلال توفير محطة طاقة.
ولزيادة مشاكل اليمن الاقتصادية، أصدرت السعودية قبل بضعة أشهر أمر إجلاء لجميع الأكاديميين والعمال اليمنيين في المنطقة الجنوبية للمملكة بحجة توطين القوى العاملة أو تهديدات أمنية غير محددة.
وتراجع السعوديون جزئياً عن هذا القرار بسبب الحملات الإعلامية الغاضبة وشكاوى المنظمات غير الحكومية إلى الأمم المتحدة التي أحرجتهم.
استهدفت الخطوة السعودية، صناعات مثل قطاع المجوهرات التي تعتمد بشكل أساسي على العمالة اليمنية. منذ اندلاع الحرب عاد آلاف العمال اليمنيين من السعودية. ومؤخرا أصدرت المملكة قانونا يقضي بألا يزيد عدد العاملين اليمنيين في أي مؤسسة، باستثناء المؤسسات الصغيرة عن 25 في المائة، مقارنة بـ 40 في المائة للبنجاليين والهنود.
على عكس الحرب السورية التي استقبلت خلالها الأردن ولبنان اللاجئين لا يوجد لدى الجارتين الأكثر ثراء لليمن المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، قوانين لجوء لذلك لا ترحبان باللاجئين أو حتى تستقبل العمال اليمنيين كما هو الحال مع العمال الآسيويين.
بناءً على التزامات الرياض السياسية والأخلاقية المفترضة بالنظر إلى الحرب التي تخوضها المملكة في اليمن كان من المتوقع إعفاء اليمنيين من سياسة التوطين للعمال السعوديين.
لكن اليمنيين غير مرحب بهم بأعداد كبيرة في معظم دول الخليج على الرغم من تورط هذه الدول بشكل مباشر أو غير مباشر في حرب اليمن. لقد أدى إغلاق هذه الوظائف إلى ضغوط اكبر على الاقتصاد اليمني، لأن تحويلات المهاجرين اليمنيين أصبحت المصدر الوحيد للعملة الأجنبية في البلاد خلال الحرب، لا سيما بسبب توقف صادرات النفط والغاز.
و أدت الحرب المستمرة إلى قطع رواتب مئات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، ما أثر على ملايين اليمنيين، الذين يعيش معظمهم في صنعاء.
بعد نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في 2016 تقاعست الحكومة المعترف بها دوليًا عن الوفاء بوعودها من اجل مواصلة دفع الرواتب.
وفشلت جميع محاولات استئناف دفع الرواتب لأن الحوثيين يسيطرون الآن على جزء من مؤسسات جباية الدخل في الدولة.
وزعمت الحكومة أنها لا تستطيع دفع جميع الرواتب مع عدم تلقي جميع الإيرادات. ومع ذلك، فقد عينت هذه الحكومة مئات الأشخاص في مناصب استشارية - يعيش معظمهم خارج اليمن ويتلقون رواتب باهظة مقابل لا شيء.
في غضون ذلك، فرض الحوثيون ضرائب وجبايات متعددة على الأشخاص الخاضعين لسيطرتهم، وصرفوا الإيرادات المحصلة على الحرب وشبكتهم الفاسدة التي تدير الدولة.
ويقوم الغرب بضخ أموال المساعدات في اليمن دون حتى مراقبة أو ضمان وصولها إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.
و في حين أن معظم اليمنيين باتوا في فقر مدقع، ويعيش الكثير منهم على وجبة واحدة في اليوم ان وجدوا ذلك، فإن الفساد يتزايد على كافة المستويات.
يعيش معظم المسؤولين في الحكومة المعترف بها دوليًا خارج اليمن ويشترون العقارات في الخارج وخاصة مصر وتركيا. يحدث شيء مماثل في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث ارتفعت أسعار العقارات ستة أضعاف منذ بدء الحرب.
و العقارات هي الطريقة الوحيدة للاستثمار بأمان لأن الاموال تواجه تحديًا في التحويل إلى خارج اليمن، كما ان العملة غير مستقرة للغاية.
ومنذ عام 2017، انخفضت قيمة العملة اليمنية بسرعة. في العام الماضي، انخفضت قيمة الريال اليمني بالدولار الأمريكي من 1000 إلى 1700 بنهاية العام.
و تعتقد آلة الدعاية التابعة للحكومة والتحالف أحيانًا أنه إذا أصبح الناس أكثر فقرًا، فإن هذا من شأنه أن يدفعهم إلى التمرد ضد الحوثيين.
ومع ذلك، أخبرني أحد كبار قادة الحوثيين الذي يرغب في عدم ذكر اسمه أن هذا الفقر ساعد قضيتهم. عندما جاع الناس، لم يكن لديهم سوى خيارين: القتال معنا أو التقاط صور لعائلاتهم الجائعة وإلقاء اللوم على التحالف.
•الحرب الاقتصادية أكبر قاتل صامت في البلاد
وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، يواجه ما يقرب من 16 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي ويحتاج أكثر من مليوني طفل إلى علاج من سوء التغذية الحاد.
ويمكن للمجتمع الدولي أن يفعل المزيد لوقف هذا الجانب من هذه الحرب، بدلاً من تهدئة الضمير عن طريق إغراق أموال المساعدات في اليمن دون حتى مراقبة أو ضمان وصولها إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.
بالإضافة إلى تقييم ومراقبة عملية المساعدات الإنسانية في اليمن، يجب على القادة الغربيين الضغط على دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية لاستقبال المزيد من المهاجرين اليمنيين وتطبيق سياسات تفضيلية تجاههم.
علاوة على ذلك يجب على هذه الأطراف تقديم مساهمات كبيرة لإعادة الإعمار في المناطق شبه المستقرة من البلاد.
لا يمكن فصل الجمود السياسي في اليمن وتصاعد العمليات العسكرية عن الوضع الاقتصادي الذي أدى إلى مقتل 233 ألف شخص بينهم 131 ألفًا لأسباب غير مباشرة مثل سوء التغذية. كما أدى إلى تجنيد مقاتلين ليس لديهم خيارات أخرى، وترك ملايين اليمنيين يواجهون معاناة لا تطاق.
عقدت الأمم المتحدة آخر مفاوضات اقتصادية بين الأطراف المتحاربة في الأردن في مايو 2019. ويجب استئنافها في أقرب وقت ممكن لتوحيد البنك المركزي في البلاد ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، ووقف انهيار العملة.
*صحفية يمنية، و باحثة أولى في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
لقراءة النص الاصلي للمقال
https://foreignpolicy.com/2022/01/28/yemen-saudi-arabia-uae-houthis-hunger-weapon/