تحليل: التحول التركي المتوقع نحو حرب اليمن
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات - عمر منصر: الأحد, 30 يناير, 2022 - 12:07 صباحاً
تحليل: التحول التركي المتوقع نحو حرب اليمن

[ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ]

من المتوقع أن تشارك تركيا في حرب اليمن لعدة أسباب: الإرث العثماني، وتطلعات لبسط النفوذ الإقليمي، والروابط الإيديولوجية للحزب الحاكم مع حزب الاصلاح اليمني، ودعمها المبكر للحملة العسكرية التي قادتها السعودية في اليمن عام 2015.

إلا أن تركيا تبدو اليوم غائبة عن المعادلة اليمنية. وتناقش أسباب ذلك من منظورات عديدة داخل تركيا وخارجها. يعزو الأتراك سياسة عدم التدخل في الشأن اليمني التي تنتهجها بلادهم إلى التعقيدات المحلية والإقليمية، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية في البلاد، والخلاف بين دول الخليج العربية على مدى ثلاث سنوات مع قطر وأولويات السياسة الخارجية التركية التي تركز على سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما دفع تركيا إلى التراجع عن التحالف وإعادة النظر في علاقاتها مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران.

في السياق الإقليمي، يعتبر النهج الذي تتبناه تركيا في التعامل مع الحرب الأهلية اليمنية محيراً، بعد أن تحول في الأساس من المسايرة إلى إبقاء خياراتها مفتوحة.

وعلى النقيض من سياساتها الإقليمية الاستباقية، تبدو تركيا سلبية في نهجها إزاء الصراع في اليمن، مع ما يترتب على ذلك من انعكاسات على نفسها وعلى المنطقة ككل، وفي مقدمتها ترك إيران في حالة من عدم الاتزان.

ويمكن القول إن هذا لا يعني العزلة، بل إن تركيا فضلت اتباع سياسة عدم التدخل لتفادي أي تهديدات محتملة وتحقيق مكاسب نسبية. والواقع أن سياسة تركيا في اليمن كانت تتطور منذ بداية الصراع عبر ثلاث مراحل: مسايرة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية؛ وإبقاء الخيارات مفتوحة ضد نفوذ الرياض وطهران وأبوظبي في اليمن؛ وأخيرا، إعادة الروابط مع الدول العربية الأربع (مصر والسعودية والبحرين والإمارات)، التي تتمتع بعض منها بتأثير ليس فقط على ما ستؤول إليه الحرب، بل أيضا على استقطاب الأطراف المناهضة للحوثيين.

 

تدخل تركيا المحدود في الحرب الأهلية اليمنية

خلال المرحلة الأولى، فصلت تركيا انخراطها الحذر في الحرب الأهلية اليمنية إلى شكلين. سياسيا وعسكريا من خلال توفير الدعم الاستخباراتي واللوجستي، حيث دعمت تركيا علناً التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن في منتصف عام 2015، بعد بضعة أشهر من سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية، وذلك لأربعة أسباب.

أولا، كان على تركيا أن تبرهن على التزامها بإدامة الوضع القائم على الصعيد الإقليمي والحفاظ عليه. وثانيا، سعت أنقرة إلى استقطاب السعودية نحو اتخاذ تدابير إقليمية مناهضة لإيران نظراً لأنها كانت تفقد مكانتها لصالح وكلاء إيران في سوريا والعراق واليمن، الأمر الذي غذى المخاوف الأيديولوجية والأمنية القديمة بشأن النفوذ الجيوسياسي لإيران بين المسلمين الشيعة على المستوى الإقليمي.

ففي اليمن، على سبيل المثال، فقد حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين الموالية لتركيا جزءا من موطئ قدمه لصالح الحوثيين المدعومين من إيران.

ولهذه الأسباب، احتدم الخلاف بين إيران وتركيا في مارس/آذار 2015، وخاصة بعد أن ندد الرئيس رجب طيب أردوغان بالسياسة الإقليمية المدمرة لإيران مع إشارة مباشرة إلى دورها في اليمن، قائلا “يجب على إيران والجماعات الإرهابية الانسحاب”.

ثالثا، هدفت تركيا إلى “تشجيع الرياض على اتخاذ موقف أكثر إيجابية تجاه جماعة الإخوان المسلمين. رابعا، سعت تركيا إلى التنديد بالحوثيين، الذين نافسوا حزب الإصلاح، أكثر الكيانات اليمنية وداً تجاه أنقرة.

وعلى الرغم من تردد تركيا لفترة طويلة عن الانخراط في الشأن اليمني، إلا أنها أظهرت التزاماً بلعب أدوار ناعمة في أزمة اليمن الجارية. على الصعيد الإنساني، ومنذ بداية الحرب في اليمن، قدمت أنقرة الدعم المعيشي والرعاية الصحية الأساسية لليمنيين من خلال منظماتها الحكومية وغير الحكومية، بما في ذلك الوكالة التركية للتعاون والتنسيق وهيئة الإغاثة الإنسانية التركية. ومن بين مساهماتها الإغاثية، أرسلت تركيا سفينة عام 2017 تحمل إمدادات إغاثة تعادل ما يقرب من 9 ملايين دولار أمريكي، وأنشأت مستشفى صغيرا في عدن وقدمت مليون دولار أمريكي لدعم برامج اليونيسيف.

بالإضافة إلى ذلك، وفرت تركيا العلاج للمصابين من المقاتلين المناهضين للحوثيين في مستشفياتها المحلية ومنحت اللجوء لمسؤولين يمنيين، وخاصة أولئك المنتمين لحزب الإصلاح، الذين فروا إلى تركيا بمجرد أن اجتاح المتمردون الحوثيون العاصمة اليمنية أواخر عام 2014. كما أطلقت حملات تبرع من الشعب التركي لليمن عامي 2018 و2019، بما في ذلك حملتين شهيرتين (“لا تلتزم الصمت بشأن اليمن” و “اليمن ينتظر المساعدة”).

على الرغم من انخراطها العسكري المحدود قبل الأزمة الخليجية عام 2017 وما تلا ذلك من سحب الدعم النشط للتحالف، أبقت تركيا على باب خلفي دبلوماسي مفتوح بشأن الأزمة اليمنية. وقد حاولت أنقرة المساعدة في إيجاد حل للصراع، مستخدمة ثقلها الدولي والإسلامي، وإيمانها بدورها كوسيط. أشادت أنقرة بجميع جهود السلام، بما في ذلك اتفاق ستوكهولم المبرم في ديسمبر/كانون الأول 2018 وكذلك اتفاق الرياض لعام 2019 الذي هدف إلى إنهاء الاقتتال الداخلي بين الأطراف المناهضة للحوثيين، بطريقة استطرادية ودبلوماسية. ومن بين أمثلة دور الوساطة الذي تلعبه تركيا في اليمن زيارة الرئيس أردوغان إلى طهران في أوائل عام 2015 لبحث سبل حل الأزمة اليمنية، ضمن قضايا إقليمية أخرى. في مناسبة أخرى، وتحديداً في بداية الصراع في اليمن، انخرطت تركيا وباكستان في “دبلوماسية الباب الخلفي”، سعيا إلى استمالة السعودية إلى إيجاد حل سياسي للنزاع.[ تحدث وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في يناير/كانون الثاني 2019 عن إعطاء الأولوية للجهود الرامية إلى إحلال السلام في اليمن، مشددا على أن تركيا “ستساهم في إنهاء الحرب في اليمن .

 

تركيا وسياسة عدم التدخل في اليمن

في المرحلة الثانية، اختارت تركيا عمداً التحوط بحذر ضد الشواغل الاقتصادية المحلية والمنافسات الإقليمية في اليمن من خلال تجنب المخاطر القانونية واللوجستية والإيديولوجية، مع التعامل بشكل استراتيجي مع الأجندات والتحالفات والمصالح الاقتصادية الإقليمية. ويعزى اتباع هذا النهج إلى مجموعة تحولات إقليمية، بما في ذلك الأزمة مع الدوحة، والتي شملت قطع السعودية والإمارات والبحرين العلاقات مع قطر، العضو في مجلس التعاون الخليجي في يونيو/حزيران 2017، متهمة إياها بزعزعة استقرار المنطقة من خلال دعم الإرهاب. حينها، دعت هذه الدول قطر تحديداً إلى قطع الروابط مع جماعة الإخوان المسلمين وطرد القوات التركية المتمركزة في قطر بموجب اتفاقية دفاعية ثنائية مبرمة بين الدوحة وأنقرة. تشمل العوامل الأخرى في تحول نهج تركيا الحرب السورية المستمرة ومصالح مرتبطة بالطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط والمصالح الجيوسياسية. ونتيجة لذلك، بدت تركيا حريصة على تجنب التورط في أي صراع محتمل بين إيران والسعودية.

لا تزال تركيا متخوفة أيضا من الآثار الأيديولوجية والقانونية واللوجستية والعسكرية والجيوسياسية المترتبة على الانخراط في الصراع. ففي اليمن، تمارس أنقرة التعاون والمنافسة بدرجة لا مثيل لها عن أي مكان آخر نظراً للأدوار التي تلعبها السعودية والإمارات وإيران. ويمكن ملاحظة ذلك في المجالات التالية:

فكرياً: خلال انتفاضات الربيع العربي، وضعت لعبة الأدوار الإقليمية تركيا وإيران والسعودية ضد بعضها البعض، حيث كان لزاماً على كل منها أن تلعب أدواراً مضادة ومحددة ضد مصالح الأخرى. ومع بروز تركيا كنموذج إسلامي مؤيد للإصلاح ومناصر لجماعة الإخوان المسلمين، اضطرت السعودية وإيران إلى القيام بأدوارهما التي نصبت نفسها بنفسها. سعت السعودية إلى الاضطلاع بدورين مضادين للثورة، بوصفها “قائدة للعالم العربي” و”مدافعة عن الوضع الراهن”، في حين تابعت إيران دورها التقليدي كقائدة لمحور المقاومة. وعلى الرغم من التحدي المُواجَه من قبل المتنافسين الإقليميين أيدت أنقرة في البداية التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، ويرجع ذلك جزئياً بسبب التقييم المشترك للتهديد الشيعي. غير أنه في وقت لاحق، أثناء الأزمة الخليجية مع قطر، نأت تركيا عن دعم التحالف لتجنب التورط الإيديولوجي والطائفي والاستفادة من دور موازن بين السعودية وإيران.

وفي حين اتخذ العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود موقفاً مناهضاً للإخوان المسلمين، لاحظت تركيا مؤشرات على تسامح خليفته الملك سلمان مع الجماعة بالإضافة إلى احتمال وجود مصالح مشتركة جديدة. تلقى حزب الإصلاح اليمني التابع لجماعة الإخوان، ذو الصلة بهذا العامل الأيديولوجي المشترك، الدعم من أنقرة والرياض في حربه ضد الحوثيين المدعومين من إيران. قبل نشوب الخلاف مع قطر، كان دعم تركيا لحزب الإصلاح مقبولاً بسبب موقف الأخير الإيجابي في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وبالتالي فإن أي خسارة تلحق بالمتمردين الحوثيين من شأنها أيضاً أن تسهل في نهاية المطاف بعض النفوذ التركي في يمن ما بعد انتهاء الحرب.

لكن على العكس من ذلك، فإن الخلاف الذي نشب بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الجهود الرامية إلى إعادة تعريف علاقة قطر مع تركيا، أشار إلى وجود حدود للتسامح. تدهورت العلاقات التركية-السعودية في أواخر عام 2018، عندما اتهمت أنقرة الرياض علنا باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول. ومع الانقسامات السياسية على الصعيدين المحلي والإقليمي، اضطرت تركيا إلى اتباع نهج جديد تجاه اليمن. فإما أن تعمل على تغيير قواعد اللعبة ضد كافة أجندات السعودية والإمارات وإيران، أو أن تتراجع وبالتالي أن تتجنب أي انحياز أيديولوجي إما إلى الجبهة الإيرانية-الحوثية أو إلى جبهة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتياً. واختارت الأخيرة، عبر ترجيح كفة المخاوف الأمنية على المخاوف الأيديولوجية لأن أي تدخل تركي أحادي الجانب في اليمن كان من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة ويعرض علاقات تركيا بإيران والسعودية للخطر. وعلى هذا فإن اليمن، بالنسبة لأنقرة، يمكن اعتباره مكاناً لاسترضاء الخصوم الإقليميين ودحض الادعاءات الإيديولوجية بدعم الأتراك للتيارات الإسلامية السياسية، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين.

قانونياً: تدخلت السعودية في اليمن بموافقة الحكومة اليمنية وبناء على طلبها لاستعادة السلام والشرعية، استنادا إلى مبدأ حق الدول بالدفاع عن النفس الوارد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. فقد فعلت تركيا الشيء نفسه في ليبيا، لكنها لم تفكر قط في تدخل أحادي الجانب في اليمن باعتبار أنه ليس لديها أساس قانوني لمثل هذا الإجراء. وعلى الرغم من هذا، لا تزال تركيا تعتبر الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي كيانات غير شرعية، نظراً لتاريخها مع جماعات مماثلة مثيرة للقلاقل مثل حزب العمال الكردستاني الانفصالي، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية وتقاتله منذ عقود في جنوب شرق تركيا وشمال العراق.

عسكرياً: كانت تركيا غير راضية عن احتمالات الخوض عسكرياً في الصراع داخل اليمن، حيث كانت تحت رحمة أزمة اقتصادية محلية وتدهور قيمة العملة منذ عام 2018، وذلك بسبب السياسة الإقليمية وتأثير جائحة كورونا، فضلاً عن تحوطها من الحرب اليمنية المتعددة الأطراف. وعلى النقيض من ليبيا التي تتمتع بسهولة الوصول إليها بحراً وتضم أطرافاً فاعلة محدودة، فإن الأطراف المتحاربة المحلية في اليمن مستقطبة إلى جانب الحلفاء الأجانب وكانت الشواطئ البحرية في السنوات الأخيرة خاضعة إلى حد كبير لسيطرة القوات السعودية والإماراتية والحلفاء المحليين. وحتى وقت قريب فقط، كانت تركيا محجوبة من جبهتين بحريتين. ولا تزال الجبهة الأولى قائمة: فقد كُلفت الجماعات الجنوبية التابعة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي مثل قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية بحماية المناطق الساحلية الجنوبية والشرقية والموانئ البحرية، بما في ذلك عدن والجزر البحرية الهامة سقطرى وميون. على الساحل الغربي، تمركزت قوات بقيادة طارق، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، على أطراف مدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر منذ عام 2018، وفي مديرية المخا، وهو ما كان ليعقد أي وصول تركي إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الإصلاح من مدينة تعز. لم تنسحب قوات طارق صالح عن مدينة الحديدة سوى في نوفمبر/تشرين الثاني، تاركة المنطقة للحوثيين.

وبغض النظر عن التحديات الإقليمية التي تواجه طموحات تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب، يدل تهافت تركيا لبسط نفوذ لها في القرن الأفريقي على أهمية اليمن، الأمر الذي من شأنه أن يتيح لتركيا درجة من السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي والقوس البحري الذي يربط بين مجلس التعاون الخليجي الغني بالنفط والخط الرابط بين أفريقيا والهند. وبالفعل، أثار الصراع من أجل بسط النفوذ على البحر الأحمر القلق لدى القاهرة حول ما إذا كان التواجد التركي سيشكل تهديداً أمنياً لمصر ودول الخليج، نظراً لضرورة مرور النفط الخليجي عبر المضيق في طريقه إلى قناة السويس.

جيوسياسياً: هناك جدل واسع النطاق حول احتمال اقتراب تركيا من اليمن من خلال حزب الإصلاح، دون التنسيق مع أعضاء التحالف، وإن كان ذلك صحيحاً، فمن شأنه أن يسمح لأنقرة بلعب دور مواز لإبطال الأجندة الإماراتية في جنوب اليمن. تدعي الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي، في جملة أمور، أن حزب الإصلاح يعتزم استخدام ميناء قنا البحري الذي تم الانتهاء منه مؤخرا في محافظة شبوة الغنية بالغاز لتهريب الأسلحة التركية والقطرية عبر بحر العرب.

ولأن اليمن ليس أولوية استراتيجية بالنسبة لأنقرة، فقد يوفر وسيلة لضرب عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية، إذا ما هزم التحالف العسكري بقيادة السعودية الحوثيين المدعومين من إيران، ستتمتع تركيا بامتياز إقليمي نسبي على إيران. من ناحية أخرى، تستفيد أنقرة (والدوحة) من ممارسة الحوثيين بعض الضغوط على السعودية والإمارات، على الأقل بصورة مؤقتة وخاصة خلال الفترات التي تشهد توتراً مع الرياض. وهذا المنطق التركي يسمح بتصفية حسابات العداء السعودي-الإماراتي تجاه قطر وتركيا؛ وهو يستند إلى احتمال أن يوفر يمن غير مستقر في خاصرة السعودية جنوباً نفوذاً نسبياً للمحور التركي-القطري، وأن يكون “حجر عثرة في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة السعودية وحلفائها.

تراجع تركيا عن موقفها الداعم للتحالف العسكري المناهض للحوثيين الذي تقوده السعودية لا يتعلق بالمخاطر المحتملة الواجب تجنبها فحسب، بل له أيضاً ما يبرره من الناحية الجيوسياسية. في لعبة العين بالعين، تبرر تركيا موقفها بالإشارة إلى مواقف السعودية والإمارات المرنة تجاه نظام الأسد في سوريا، التي تركت تركيا وحدها لموازنة ثلاث قوى، إيران وروسيا والولايات المتحدة، فضلاً عن مواصلة هجومها على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني/وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا. مع وجود خيارات أقل، فكرت تركيا بشكل عملي في تحسين الروابط مع إيران وروسيا في محاولة لتشجيعهما على تشديد مواقفهما ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني/وحدات حماية الشعب الكردي في شمال سوريا، حتى على حساب علاقاتها مع السعودية والإمارات. من خلال تأجيل بسط نفوذها في اليمن في الوقت الراهن، قد تكون تركيا أيضاً في وضع أفضل للاستفادة في أماكن أخرى، بما في ذلك في اليمن في وقت لاحق، إذا ما اندلعت أحداث في مرحلة ما بعد الحرب تخلق حوافز سياسية واقتصادية لإعادة الانخراط التركي.

مع رأب الصدع مع قطر، وتحسين الدول العربية الأربع علاقاتها مؤخراً مع تركيا وقطر، وتنامي عدم الارتياح المشترك بشأن اهتمام إدارة بايدن بقضايا حقوق الإنسان، أبقت السعودية وتركيا قنواتهما الدبلوماسية مفتوحة. تبشر الاتجاهات الإقليمية باحتمال أن تأخذ تركيا زمام المبادرة لإثبات أنها حليف أمني جدير بالثقة بالنسبة للرياض، في وقت تواجه فيه السعودية تحديات أمنية كبيرة، بما في ذلك هجمات الحوثيين والتهديد النووي الإيراني. ولتحقيق ذلك، تستطيع أنقرة أن تغري الرياض بالتعاون في مجال الصناعات الدفاعية وصفقات بيع الطائرات المسيرة في مقابل السماح للسلع التركية بالوصول إلى السوق السعودية. وبالنسبة لتركيا، فإن تحسين هذه الشراكة في حقبة ما بعد الأزمة مع قطر قد يكون “مفتاحا لكسر عزلتها الإقليمية والسماح لـ [أنقرة] بممارسة نفوذها في سياق الأحداث الإقليمية”. وبالنسبة للسعودية، فإن تحسين هذه العلاقة من شأنه أن تساعد الرياض على إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية وإعادة علاقاتها وتحالفاتها المناهضة لإيران، على الأقل في الأمد القريب.

 

 

 

* عمر مُنصّر هو أستاذ مساعد في قسم العلاقات الدولية بجامعة أولوداغ بمدينة بورصة في تركيا، ومتخصص في السياسة الخارجية والشؤون الأمنية المتعلقة بتركيا ومنطقة الخليج واليمن. دكتور مُنصّر حاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أولوداغ بمدينة بورصة ودرجة الماجستير من جامعة وارسو.

 

لقراءة النص الاصلي للتحليل

https://sanaacenter.org/ar/publications-all/analysis-ar/16364


التعليقات