بدأ موسم جنْي فاكهة البرتقال في محافظة مأرب، وهو ما يحث المزارعين على التفاني استعدادًا لتهيئة أراضيهم لموسم زراعي جديد. ويتزامن موسم البرتقال في مأرب هذا العام (2021) مع استمرار الحرب في اليمن للعام السابع، واشتداد المعارك على تخوم المحافظة الغنية بالنفط والمزارع الخصبة، للعام الثاني على التوالي.
تشتهر محافظة مأرب بزراعة البرتقال، الذي غالبا ما يحلّ موسم قطافه في فصل الشتاء، إضافة لمحاصيل أخرى، كالبطاطس والحبوب كالبُر والشعير والسمسم، وعدة أصناف من الخضروات. وفي منتصف العام 2021، نجحت تجربة زراعة صنفين من العنب اليمني ذي الجودة العالية في مديرية الوادي- شرق مدينة مأرب.
تعد الزراعة في مأرب النشاط الرئيس لغالبية السكان، وتنتج المحافظة كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية التي تصل إلى السوق المحلية والخارجية، على الرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجه المزارعين واليمنيين عمومًا.
•نموذج حي
يمتلك "آل عويضة" مزرعة للبرتقال في مديرية الوادي، وتقدر عدد أشجار البرتقال فيها بنحو ثلاثة آلاف شجرة.
بحسب سعيد عويضة، تمر عملية زراعة البرتقال بمراحل مختلفة، تبدأ بـ"التزهير" وتنتهي بالقطف مع ما يرافق هذه العملية من عناية تتطلبها الفاكهة الشتوية. ومن أنواع البرتقال المزروعة في مأرب، "أبو سُرّة"، وهو أجود الأصناف وأغلاها، يليه "اليوسفي".
يقول سعيد عويضة في حديثه لـ"خيوط"، إن هناك عدة عوامل أثرت على الإنتاج الزراعي في المحافظة، ما أدى لانخفاضه خلال السنوات القليلة الماضية. في طليعة هذه العوامل، استمرار الأعمال القتالية المتصاعدة منذ العام الماضي (2020)، كما يعزو ذلك الانخفاض أيضًا إلى الظروف الاقتصادية وانقسام العملة الوطنية بين طرفي الصراع؛ الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة (الحوثيين) أنصار الله.
يضيف عويضة أن هذين العاملين الرئيسيين قلّلا من الإنتاج الزراعي وجعلا المزارع في مأرب يكتفي باليسير منه، الأمر الذي أثر سلبًا في عملية شراء البذور والأسمدة بالعملة الصعبة، كون مؤسسات الإنتاج والاستيراد تقع في مناطق سيطرة سلطة صنعاء. ومن الآثار المترتبة على هذا الوضع، بحسب سعيد، ارتفاع تكاليف المواد اللازمة للزراعة، خاصة مع سريان عمولة التحويل المضاعفة وتفاوت القيمة الشرائية للعملة الوطنية بين مناطق سيطرة سلطة صنعاء ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
ويضرب مثالًا على تدني الإنتاج، بزراعة البطاطس، الذي قال إن محصوله هذه السنة "أقل من الأعوام الماضية"، فضلًا عن عدم إقبال المستهلكين على شرائه مقارنة بما كان في السابق. كما يشير إلى أن غياب وضآلة دور وزارة الزراعة والسلطة المحلية، والمنظمات العالمية المهتمة بالزراعة، في دعم المزارعين ومحصولاتهم، أثّر في تدني الإنتاج وزيادة الأعباء على المزارعين. ويستثني عويضة من قائمة الصعوبات "منظومة الآبار" التي باتت تعمل بالطاقة الشمسية بدلًا من مادة الديزل لشحتها بين الحين والآخر، حيث تمتلك مزرعة عائلته منظومتين منها.
ويلاحظ قريبه صالح عويضة، أن أحد الجوانب السلبية في سير الإنتاج الزراعي في مأرب، خاصة في هذا الموسم، هو اعتماد ملاّك المزارع شبه الكلي على العمالة الإثيوبية، حيث تبلغ أجرة العامل منهم 10 آلاف ريال، لساعات معدودة، بينما يكتفي ملاك الأرض بتوفير المواد اللازمة للزراعة، ومتابعة نمو المحصول وأحوال السوق.
تراجع الإنتاج الزراعي لمأرب بنسبة 30 % عن العام 2020، وخلال ثلاث سنوات انتشرت حشرة "المن الأسود" لتصيب ما نسبته 15 % من مزارع الحمضيات.
•أول مصنع للإنتاج في اليمن
مطلع العام 2017، افتُتح في محافظة مأرب مصنع لتغليف وتعبئة المحاصيل الزراعية، سيما الفواكه والخضروات، وهو أول مصنع من نوعه على مستوى الجمهورية اليمنية.
محطة سد مأرب للإنتاج الزراعي، الواقعة على مقربة من مزارع الوادي ومركز المحافظة، مهمتها تغليف وتعبئة البرتقال المأربي بمراحل إنتاجية متدرجة تستخدم فيها أحدث الأجهزة المخصصة لهذا الغرض؛ ابتداءً من التعقيم والتبريد والفرز- التنقية حسب النضج، ومرورًا بحوض المعالجة بالماء الساخن لمدة تصل إلى نصف ساعة، ثم التجفيف والتشميع، وانتهاءً بالتحجيم والتعبئة الأوتوماتيكية في العبوات الكرتونية والرصّ في مخازن التبريد، تمهيدًا لتصديره إلى السوق المحلي والخارجي.
ويصل عدد الكادر الهندسي والإداري في هذا المصنع، إلى 18 فردًا، فيما يبلغ قوام العُمال أكثر من 100، والأغلبية من النساء. بحسب المهندس شائع البسارة، لا يقتصر دور المصنع على التعبئة والتغليف، بل يفتح خطوط تواصل مستمرة مع المزارعين لتقديم النصائح والاطلاع على مواعيد نضج المحاصيل، وإجراء معاملات بين المزارعين والتجار فيما بعد جنْي المحصول، متضمنة "إرشادات النقل والتدريج لتقليل نسبة الفاقد في محصول الحمضيات".
ويضيف المهندس البسارة، وهو مسؤول الإنتاج والإدارة الفنية، فإن المصنع صدّر البرتقال "إلى أسواق الدول المجاورة خلال المواسم السابقة"، وأن "هناك طلب قيد الدراسة في هذا الموسم للتصدير إلى الكويت".
وقارن البسارة في حديثه لـ"خيوط"، بين العام الماضي (2020)، الذي كان المحصول الزراعي لمأرب "بكامل طاقته"، وبين تراجعه في الموسم الحالي (2021) بنسبة 30 %، لافتًا إلى أن إنتاج محافظة مأرب من الحمضيات يمثل ما نسبته 70 % من إنتاج اليمن.
وحذّر المهندس البسارة، من خطر قال إنه يواجه المحصول الزراعي في مأرب، إذ انتشرت مؤخرًا حشرة "المن الأسود" أو ما يسميه "العفن الهبابي المعدي"، مؤكدًا أن نسبة إصابة أشجار الحمضيات بهذه الحشرة وصلت تدريجيًا منذ ثلاث سنوات حتى الآن، 15 %، وناشد السلطة المحلية والمنظمات المهتمة بالزراعة، "توفير العلاج اللازم للقضاء على هذا المرض".
تجدر الإشارة إلى أن الإنتاج الزراعي السنوي لمحافظة مأرب، يتراوح بين 70 إلى 120 ألف طن، حسب المهندس البسارة، الذي يتوقع أن يرتفع الإنتاج مع ارتفاع وعي المزارعين بالتقنيات الحديثة للزراعة.
وحتى العام 2012، كان الإنتاج الزراعي لمحافظة مأرب يبلغ 7.6 % من إجمالي إنتاج اليمن، بعد محافظتي الحديدة وصنعاء، وحتى ذلك الوقت، كانت المساحة الصالحة للزراعة في المحافظة (88,886 هكتارا)، بينما تساوي المساحة المحصولية (43,589 هكتارا).
وقديمًا عُرفت مأرب كواحدة من أكثر الأراضي اليمنية خصوبة، وكانت معظم مساحتها تزرع بأنواع المحاصيل الغذائية والنقدية قبل أن يداهمها التصحر والزحف التدريجي لرمال الربع الخالي.