[ مركز صنعاء - ارشيف ]
شهد جنوب اليمن خلال الأسبوعين الماضيين تحوّلًا استراتيجيًا دراماتيكيًا؛ إذ تمكّن المجلس الانتقالي الجنوبي (STC)، بدعم كامل من دولة الإمارات العربية المتحدة، من السيطرة السريعة على العاصمة المؤقتة عدن، ومحافظة حضرموت الغنية بالموارد، إضافة إلى عدد من المؤسسات الحكومية المركزية الرئيسية.
وفي أعقاب ذلك، فرّت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إلى العاصمة السعودية الرياض، بينما رُفع علم جنوب اليمن مجددًا فوق المباني الحكومية في عدن. وعمليًا، توقّف اليمن عن الوجود كدولة موحّدة، وتحول إلى كيانين قائمين بحكم الأمر الواقع: شمال تسيطر عليه جماعة الحوثي، وجنوب مدعوم من الإمارات.
تؤكد هذه التطورات فشل الإطار الذي أُسس منذ عام 2015، والمتمثل في تحالف ضعيف وممزق، يعتمد على الخارج، ويدور في الفلك السعودي. وبالنسبة للحوثيين، يشكّل هذا الوضع مكسبًا فوريًا، إذ إن خصومهم غارقون في صراعات داخلية ولا يشكّلون جبهة موحّدة. غير أن تهديدًا جديدًا يلوح في الأفق على المدى المتوسط، يتمثل في بروز قوة جنوبية منظمة ومنضبطة، تمتلك سندًا اقتصاديًا وعسكريًا، وتسيطر على السواحل والموانئ وطرق التهريب المؤدية إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وهو عامل بالغ الأهمية بحد ذاته. فهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها فاعل ليس مجرد “مناهض للحوثيين”، بل يمتلك قدرات حقيقية على الحكم وإدارة القوة العسكرية.
كما يكشف هذا التحوّل عن عمق الفجوة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. ففي حين تواصل الرياض، على الأقل على المستوى التصريحي، التمسك بوحدة اليمن الإقليمية، عملت أبو ظبي بصبر على بناء كيان جنوبي بديل. وكانت النتيجة إقصاء النفوذ السعودي عن الجنوب، في مقابل تشكّل واقع جديد ترسمه الإمارات على امتداد الحدود الجنوبية لشبه الجزيرة العربية.
أما بالنسبة لإسرائيل، فعلى المدى القريب لن يختفي التهديد الحوثي؛ إذ إن تشرذم اليمن يسهّل على الحوثيين ترسيخ وجودهم في الشمال والحفاظ على استمرارية حكمهم. غير أن نافذة فرصة استراتيجية قد فُتحت في الوقت نفسه، تتمثل في قيام كيان جنوبي مستقر، مدعوم من الإمارات، يسيطر على ميناء عدن الحيوي، ويقع بالقرب من مضيق باب المندب، ويحدّ من النفوذ الإيراني في ساحة بحرية بالغة الأهمية بالنسبة لإسرائيل. وقد ألمح عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في وقت سابق، إلى إمكانية الانضمام إلى «اتفاقيات إبراهيم» في المستقبل.
ومع ذلك، ينبغي على إسرائيل ألا تخطئ في التقدير: فالجنوب ليس مؤيدًا لإسرائيل، بل مؤيد للإمارات. ولا تكمن الإمكانية في تبنّي الجنوب لإسرائيل، وإنما في إدارة العلاقة بحذر عبر أبو ظبي، مع مراعاة حساسية التنافس القائم بينها وبين المملكة العربية السعودية. إن جنوب اليمن ليس مجرد قصة محلية، بل يشكّل طبقة جديدة في الصراع الإقليمي على البحر الأحمر، ويحمل في طياته فرصًا استراتيجية، إذا ما جرى التعامل معها وإدارتها على نحو صحيح.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي:
https://www.inss.org.il/social_media/south-yemen-rises-again/