نشر معهد القدس للاستراتيجية والأمن، تقريرًا مطولًا وضع فيه السيناريوهات الإسرائيلية لمواجهة الحوثيين، من بينها توسيع وتعميق السيطرة الاستخباراتية عليهم، ومواصلة الهجمات لتصفية كبار قادتهم، واستهداف أنظمة الطاقة، والتعاون مع القوات الحكومية اليمنية ومجموعة التيغراي بإريتريا في شن هجوم بري ضدهم.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رصدت تقدمًا كبيرًا في قدرات الحوثيين، في حين توصي الاستخبارات العسكرية بضرورة استمرار الهجوم على الجماعة، حتى لو أوقفت الأخيرة إطلاق النار بالتزامن مع وقف الحرب في قطاع غزة.
ووفق موقع Arabexpert فإن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تبذل جهودًا مكثفة للحصول على معلومات استخباراتية نوعية لاغتيال قادة الحوثيين، وعلى رأسهم عبد الملك الحوثي.
وأشار معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن ردع وتحييد تهديد الحوثيين ما يزال يُمثل تحديًّا لإسرائيل، في حين تناول موقع ماكور ريشون مخاوف إسرائيل من حصول الحوثيين على أسلحة كيميائية، غير أنه استدرك بأن الحوثيين -حتى لو نجحوا في تطوير مثل هذه الأسلحة -فإن جرأتهم على استخدامها موضع شك.
ويرى تقرير نشره معهد القدس للاستراتيجية والأمن أن جماعة الحوثيين تواجه أزمة هوية حيث أنشأت كيانًا يُشبه الإمامة، ولكنه مُتخفّيًا في ثوب الجمهورية. في حين قال موقع هاآرتس إن هدف الحوثيين هو السيطرة على اليمن كاملًا.
•تحية من اليمن: الساحة الوحيدة التي لم ينجح أحد في العالم من حسمها
يقول موقع جلوبس، في 10 أكتوبر 2025، إن الحوثيين أثبتوا أنهم لا يرون أنفسهم جزءًا من اتفاقات وقف إطلاق النار الموقعة حتى الآن. لقد أعلنوا أكثر من مرة، أنهم سيواصلون القتال حتى انتهاء الحرب في غزة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني.
وقالت عنبال نسيم لوفطون [1] إن الحوثيين صوّروا هذا بالفعل على أنه إنجاز للفلسطينيين وتعبيرًا عن صمودهم ومثابرتهم. وتضيف: “يجب على إسرائيل أن تتأهب. سيناريو إنهاء الحرب في غزة لن يُنهي عدوان الحوثيين علينا”.
وبحسب قولها، “الحوثيون يرون أن القصة لم تنتهِ مع وجود الجيش الإسرائيلي داخل قطاع غزة. وإذا حدثت عملية في الضفة الغربية أيضًا، سيجدون فيها ضوءًا أخضر لتنفيذ عملياتهم”.
وتزعم أنه حتى لو توقف الحوثيون عن إطلاق الصواريخ، فإنهم سيواصلون عملياتهم في المجال البحري، ليس على إسرائيل فحسب، بل دول أخرى أيضًا.
ويقول العميد (احتياط) يوفال أيالون [2] إنه على المدى القريب، سيسود حالة من الهدوء، باستثناء ما يحدث في البحر الأحمر؛ فالحوثيون سيفقدون شرعية مهاجمة إسرائيل، لأنهم تحدثوا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، لكن إذا تعثر الاتفاق، سيستغل الحوثيون الفرصة للتذكير بوجودهم. ومع ذلك، “إن مشاركتهم تتجاوز الفلسطينيين بكثير. إنهم يريدون اهتمامًا دوليًا في صراع السيطرة على شبه الجزيرة العربية، ويسعون إلى أن يكونوا طرفًا مهيمنًا، ولن يتوقفوا عن تحدي المنطقة أو إسرائيل”.
وبحسب أيالون، “لم يُهزم الحوثيون ولم يتكبدوا ضربة تعوقهم عن التعافي مجددًا. عندما ينصرف تركيزهم عن إسرائيل، ستبرز أهمية الحوثيين البالغة لدى دول المنطقة التي ستعاني منهم. إنهم يزعجون الجميع، وليس إسرائيل فقط. لقد توصلت التجارة العالمية إلى حل، وهي عدم المرور عبر المجال البحري هناك”. ويضيف “يجب على إسرائيل مواصلة جمع المعلومات الاستخباراتية المهمة، وبناء بنك أهداف. في النهاية، لن نستطيع حل مشكلة الحوثيين وحدنا، لأنها تقع على بُعد ثلاثة آلاف كيلومتر من إسرائيل”.
ويقول “مشكلة الحوثيين قائمة، سواءً جرى التوصل إلى اتفاق في غزة أم لا. غزة سبب وفرصة، وليست الهدف. هدفهم هو أن يكونوا فاعلين مؤثرين في المنطقة، وقد استفادوا من الفرصة المتاحة”.
ويخلص أيالون إلى ضرورة استمرار إسرائيل في مجابهة هذا التهديد. “قد يشاركون مجددًا في الحرب أو في الجولة القادمة. المجال البحري في البحر الأحمر يوفر أيضًا آفاقًا كبيرة لإسرائيل لأنه يمكنها التعاون، علنًا أو سرًا، مع الدول التي يمثل الحوثيون لها مصدر إزعاج. إنها فرصة ممتازة لتكون فاعلًا مؤثرًا في هذا المجال، وتقدم فائدة للدول الأخرى التي تواجه الحوثيين”.
•شنّ حملة عسكرية إسرائيلية على الحوثيين مسألة وقت فقط
ذكر موقع ماكو N12 العبري، في 8 أكتوبر 2025، أن الطائرات المسيّرة الأربع التي أُطلقت (الثلاثاء 7 أكتوبر) من اليمن واعترضتها إسرائيل في إيلات، إلى جانب تقدم المحادثات في شرم الشيخ للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، رسخت رغبة لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في فصل الحرب في غزة عن ساحة الحوثيين.
وأشار إلى أن المؤسسة الأمنية اتخذت قرارًا في المناقشات الأخيرة بفصل الساحتين، على الرغم من مساعي الحوثيين لربطهما، حتى في ظل وقف إطلاق النار في قطاع غزة. أي: حتى لو انتهت الحرب في غزة، ترغب إسرائيل في أن يشن الجيش الإسرائيلي عدة موجات أخرى من الضربات التي تستهدف الحوثيين.
صرح مصدر أمني رفيع المستوى لـ N12: “لا يمكن ربط المحادثات بالاتفاق مع الحوثيين”. وأضاف: “حتى لو أنهينا الحرب في غزة، فإن الحملة على الحوثيين لم تنتهِ بعد. سيدفعون ثمنًا باهظًا لما اقترفوه في العامين الماضيين. إن مسألة شن حملة كبرى على هذه الجبهة لا تتعلق بإمكانية وقوعها بل توقيتها”.
•30 ألف دولار للطائرة المسيّرة: الخطر الجديد في أجواء إسرائيل
قال دين شموئيل ألماس على موقع جلوبس، في 1 أكتوبر 2025، إن نجاحات عملية “عام كلافي”، ومن بينها اعتراض أكثر من 99% من الطائرات المسيّرة التي أطلقتها إيران على إسرائيل، أوحت بمعالجة هذا التحدي، إلا أن هجمات الطائرات المسيّرة التي شنها الحوثيون أخيرًا على مطار رامون، ومنطقة إيلات السياحية أوضحت أن الوضع ليس على النحو الأمثل.
وأشار إلى أن الحوثيين لديهم قدرات تصنيع محلية، لكن قاعدة معرفتهم إيرانية. يعتمدون على الحرب غير المتكافئة، حيث يستخدمون وسائل رخيصة نسبيًا بكميات كبيرة، لتحدي العدو الأقوى. ويتجلى ذلك في طائرة “شاهد 136″، التي يُقدّر سعرها بـ 30 ألف دولار فقط. وبالمقارنة، فإن تشغيل مروحية أباتشي يُقدّر بـ 7 آلاف دولار للساعة، وطائرة F-16 بـ 25 ألف دولار للساعة، دون احتساب الذخائر التي قد تصل تكلفتها إلى نصف مليون دولار.
في الوقت نفسه، توجد القبة الحديدية، التي تُقدّر تكلفة كل اعتراض لها نحو 30 ألف دولار. هذا النظام يخضع لقيود في اعتراض الطائرات المسيّرة، نظرًا لانخفاض مستوى تحليقها.
قال ألماس إن هذه الوسائل الرخيصة تمثل تحديًا بسبب صغر حجمها وسرعتها المنخفضة ومقطعها الراداري المنخفض ونظام التوجيه الخاص بها. تعتمد “شاهد 136” جزئيًا على الملاحة بالقصور الذاتي، حيث تصوّب نحو هدف محدد وتُطلق دون توجيه.
ونقل الموقع عن قائد منظومة الدفاع الجوي السابق العميد احتياط ران كوخاف قوله إن هذا يُمثل تهديدًا استراتيجيًا للأسباب التالية: “لقد اكتشف الحوثيون نقطة ضعف في إيلات، ورامون، ومطار بن غوريون، لذا يطلقون بضع طائرات مسيّرة وصواريخ أسبوعيًا، مما يُسبب استنزافًا وتطبيعًا للوضع، ويُشكل تحديًا لنا في مجال التسليح. إسرائيل لم تخض الحرب بورقة رابحة بشأن التصدي للطائرات المسيّرة. إذا فُرض حظر جوي على إسرائيل بسبب تسلل طائرة مسيّرة إلى مطار بن غوريون أو رامون، أو إخلاء إيلات بسبب سلاح تكلفته عشرات الآلاف من الدولارات، أو إغلاق مطار، فهذا بالتأكيد تهديد استراتيجي”.
•الإرهاب والقراصنة وارتباطهم بإيران والحوثيين: داعش لا يزال نشطًا في أفريقيا
ذكر موقع ماكور ريشون، في 30 سبتمبر 2025، أن أحد أخطر الممرات البحرية في العالم، الذي يمتد على طول الساحل الصومالي الطويل، يعج بالقراصنة المحليين ومهربي البشر وتجار الأسلحة من اليمن. يقول مسؤولو مكافحة الإرهاب إن الحوثيين يتعاونون مع خلايا داعش المنتشرة في شمال الصومال، ويزودونها بالأسلحة والأفراد.
لا يقتصر تورط الحوثيين في الصومال على علاقاتهم بداعش. في فبراير، أشارت الأمم المتحدة إلى عقد اجتماعات بين عناصر من الجماعة “الإرهابية” اليمنية وميليشيا الشباب بشأن نقل الأسلحة والتدريب الذي يُقدمه الحوثيون.
في المقابل، تعهّدت حركة الشباب بتوسيع عملياتها البحرية -أو بصريح العبارة: القرصنة -عبر تعطيل حركة الملاحة قبالة سواحل الصومال، ومهاجمة السفن التجارية، وجمع الفدية من السفن المحتجزة.
حركة الشباب هي جماعة “إرهابية” سنية سلفية تابعة لتنظيم القاعدة في الصومال وتنشط فيها وفي الدول المجاورة لها: جيبوتي وإثيوبيا وكينيا ومنطقة القرن الأفريقي، وتواصلت مع الحوثيين الشيعة لأن عدوهما -المتمثل في المحور الأمريكي- مشترك.
أفادت وكالة رويترز أواخر عام 2021 أن الحوثيين نقلوا أسلحة إيرانية إلى حركة الشباب عبر خليج عدن. واستند التقرير إلى تحقيق شامل أجرته “المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية” (GIATOC)، وهو معهد أبحاث مقره سويسرا. وأضاف التقرير: “بفضل هذه الأسلحة، تقاتل حركة الشباب حكومة ضعيفة ومنقسمة”.
لم ينتبه الخليج فقط إلى هذا التعاون، فقد نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقالاً في سياق مشابه آنذاك. نقل المقال عن مسؤولين بارزين في الشرطة الصومالية قولهم إن فيلق القدس يستخدم الصومال مسارًا لتهريب النفط، الذي يبيعه في جميع أنحاء أفريقيا للالتفاف على العقوبات الأمريكية، وتساعده حركة الشباب في تحقيق ذلك. وأضاف المقال أن بعض الإيرادات تتدفق إلى الحوثيين.
وكتبت صحيفة أتلايار الإسبانية: “بهدف مهاجمة الولايات المتحدة والقوات الدولية الأخرى في البلاد والمنطقة بأسرها”. إضافة إلى ذلك، زودت إيران الحوثيين في اليمن بالأسلحة.
التمركز الحوثي الإيراني في الصومال والتعاون مع الجماعات الإرهابية المحلية قد يمتد بسرعة إلى دول المنطقة. إن تجاهل ما يحدث في المنطقة قد يمكّن إيران من تعزيز سيطرتها على التجارة العالمية، ويساعدها على تجنيد عناصر إرهابية جديدة، والحصول على موارد طبيعية قيّمة -ومنها اليورانيوم -التي تزخر بها كثير من دول القارة السمراء. تعزز إيران وجودها في أفريقيا خطوة بخطوة، ويجب على الولايات المتحدة وإسرائيل اتخاذ الحيطة ومراقبة ما يحدث في المنطقة.
•التهديد الحوثي: مصادره وآثاره وسبل مواجهته
استعرض كل من العقيد (احتياط) جابي سيبوني [3]، والعميد (احتياط) إيرز فينر [4] في تقرير نشره معهد القدس للاستراتيجية والأمن، في 29 سبتمبر 2025، تقريرًا مطولًا تناول تهديد الحوثيين، وسبل مواجهته.
أشار التقرير إلى أن التصدي للحوثيين يتطلب نهجًا شاملًا نظرًا لتعقيد التهديد، وبُعد المسافة الهائل عن إسرائيل. لذلك، من الضروري البحث عن أدوات أخرى إلى جانب الجهود التي تنفذ بشكل متزايد، وتوسيع نطاق استخدام الأدوات الحالية.
ويمكن حصر هذه المحاور الذي قدمها التقرير في عدة نقاط، وهي:
توسيع وتعميق السيطرة الاستخباراتية. يجب علينا مواصلة ترسيخ سيطرتنا، مع تخصيص الموارد اللازمة، وبقدر الإمكان، بمساعدة الدول ذات المصالح المشتركة في المنطقة، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، والسعودية، والإمارات، وغيرها.
مواصلة الهجمات لتصفية كبار المسؤولين العسكريين والقياديين. هذا الإجراء يُسهم في إضعاف قدرة جماعة الحوثيين على استهداف إسرائيل بفعالية، ويستحسن مواصلة ترسيخ هذا النهج قدر الإمكان. يتطلب هذا معلوماتٍ استخباراتيةً دقيقة، ومع تنامي شعور قادة الحوثيين بالمطاردة وتوخيهم مزيدًا من الحذر، ستزداد هذه المهمة تعقيدًا. سيتطلب الرد دمج قدرات الهجوم الجوي والبحري، إلى جانب تطوير وتأهيل عناصر محلية قادرة على إلحاق الضرر بتلك الشخصيات البارزة، على غرار ما حدث -وفقًا لمصادر متعددة -في إيران قبل الهجوم الإسرائيلي في يونيو وبالتوازي معه.
يسهم الهجوم على مستودعات الذخيرة، ومنشآت التصنيع والتخزين، وأنظمة الإطلاق في الحد من قدرة الحوثيين على مهاجمة إسرائيل، ويجب مواصلة هذه الهجمات وتوسيع نطاقها قدر الإمكان. يجب مواصلة هذا الجهد والتركيز على الرد على قدرات الإطلاق المتنقلة والطائرات المسيّرة. يجب التركيز إلى حد كبير على إصابة وتدمير قدرات التصنيع الذاتية، مع التركيز على تصنيع الطائرات المسيّرة، التي تستحوذ بشكل متزايد على حصة كبيرة من ترسانة أسلحة الحوثيين.
من الضروري أيضًا استهداف أنظمة الطاقة التابعة للحوثيين؛ لأن تصنيع الأسلحة يتطلب بنيّة تحتية ضخمة للطاقة. مثل هذا الهجوم يقلّل من قدرة الجماعة الإنتاجية ويتسبب في تراجع قدرتهم على ممارسة السلطة. لقد شهدنا أمثلة كثيرة على هجمات على أنظمة التصنيع (المحولات ومحطات الطاقة) ومنشآت تخزين النفط؛ ولابد هنا أيضًا من توسيع نطاق الاستجابة، وإنشاء بنك أهداف من البنية التحتية.
فرض حصار بري وجوي: لا تمتلك مناطق سيطرة الحوثيين القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي اقتصاديًا، وتعتمد على الواردات الخارجية لمجموعة متنوعة من المنتجات، بدءًا من المنتجات الغذائية الأساسية إلى المنتجات المتطورة والمواد الخام إلى أنظمة الأسلحة. إن فرض حصار بحري وجوي على الحوثيين عامل مهم في حرمانهم من الموارد التي تمثل ركائز أساسية لمحاربة جماعة “إرهابية”، وحرب عصابات بين السكان المدنيين. ينبغي أن يستهدف هذا الحصار شحنات الأسلحة القادمة من إيران والدول الأخرى التي تدعم الحوثيين، لأنها تمكنهم من استبدال الأسلحة التالفة، وتجديد الإمدادات، ومواصلة مهاجمة إسرائيل والممرات الملاحية في الخليج. لذلك، يستحسن مواصلة مهاجمة المطارات، والموانئ، ووضع آلية لفرض حصار بحري وجوي على الجماعة.
في إطار المبادئ الأساسية لمكافحة الإرهاب وحرب العصابات، لا بد من وجود عنصر مكمل للعمليات البرية، يهدف إلى منع العدو من السيطرة على الأراضي وحرية الحركة. ونظرًا لعدم قدرة إسرائيل وعدم رغبتها في شن هجمات برية على الحوثيين، فمن الضروري البحث عن بدائل إضافية.
وأشار التقرير أن البديل المناسب هو جيش الحكومة اليمنية، ومختلف القوات التي تنسّق معها. يمكن أن تساعد الهجمات التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قوات الحوثيين ومواقعهم في مناطق التماس القوات الحكومية اليمنية والقوات المناوئة لجماعة الحوثيين وتشجعها على شن هجوم بري على الحوثيين. هذا، إلى جانب تقديم المساعدة في الاستخبارات، والمعدات القتالية واللوجستية، التي تسعى تلك القوات للحصول عليها وذلك عبر طرف ثالث أو من موارد أمريكية.
إن التعاون مع التيغراي -الذين يشكلون غالبية السكان في إريتريا، ولهم مصلحة استراتيجية وقدرة عسكرية برية على هزيمة الحوثيين -من العوامل المرتبطة أيضًا بشن هجوم بري على الحوثيين. ولهذا الغرض، يمكن أيضًا تجنيد قطاعات مرتبطة بالجالية الإريترية في إسرائيل في الحملة. على أي حال، ينبغي لإسرائيل النظر في تقديم المساعدة لمناهضي الحوثيين، مع بناء قدرات بالوكالة لمجابهتهم. كما يمكن استخدام عناصر المقاومة المحلية من منطلق مبدأ “عدو عدوي صديقي”.
إن دمج كل هذه العناصر والتعامل مع قضية الحوثيين على أنها مشكلة استراتيجية سيؤدي في المدى المتوسط إلى إنجاز متكامل يمكن أن يفضي بالتزامن مع تحقيق الحسم في غزة أو الاتفاق مع إيران إلى وقف الحرب على الحوثيين.
•الحوثيون يتدربون على تنفيذ هجوم على إسرائيل من الأردن وينتجون صواريخ وطائرات مسيّرة
قال يوآف زيتون، المحلل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، في 26 سبتمبر 2025، إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رصدت مؤخرًا، تقدمًا كبيرًا في قدرات الحوثيين، سواءً في التصنيع المحلي للطائرات المسيّرة أو الصواريخ المتقدمة طويلة المدى، التي تعتمد على المعرفة الإيرانية والمهندسين المحليين، أو استخدام مناطق تحت الأرض لتصنيعها وتخزينها.
وأشار التقرير إلى أن إيران تطبق هذا الأسلوب بين وكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى لا يعتمدوا على الإمدادات الخارجية، وذكر أن مصانع الصواريخ التي حاولت إيران بنائها لحزب الله في مصياف بسوريا، ودمرتها إسرائيل في عملية خاصة نفذتها وحدة شالداج [5] قبل نحو عام، تتشابه مع النموذج في اليمن: استغلال الجبال والصحاري لنحت الصخور أو حفر الأرض لإنشاء خطوط لتصنيع الأسلحة.
وذكرت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يتابع عن كثب خطة “طوفان الأقصى”، نسخة صنعاء: وهي محاكاة للهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، ضمن عملية واسعة تبدأ من الشرق، من الأردن أو سوريا، أو كليهما معًا. تراقب الاستخبارات الإسرائيلية عملية تجنيد وتدريب لجماعة الحوثيين، عبر دورة “طوفان الأقصى”، التي تهدف إلى تدريب عناصرها على غزو إسرائيل بآلاف أو عشرات الآلاف من “الإرهابيين”، لتنفيذ عمليات قتل جماعي حتى في القدس. تُعقد هذه الدورات في اليمن، وفي حال تنفيذ الخطة يُقدر أنها ستكون من الأردن، مع محاولات لطمس آثارها.
ووفق التقرير أيضًا فإن التقييم السائد في المؤسسة الدفاعية، بعد نحو شهر من عملية “قطرة حظ”، يظهر نجاة الهدفين الأساسيين في الهجوم الإسرائيلي على اجتماع الحكومة في صنعاء، وهم رئيس أركان الحوثيين ووزير الدفاع، بينما قُتل وزراء آخرون ورئيس الحكومة. تُقدر الاستخبارات العسكرية أن الهجوم أربك جماعة الحوثيين من حيث قوته، وأسفر عن مقتل عشرات الجنود والضباط.
تحرز شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي بالفعل نجاحات أولية عبر وحدتين جديدتين وجَّه بإنشائهما رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء شلومي بيندر. ولديها قدرات وموارد استخباراتية مهمة استخدمتها حتى الآن لجمع معلومات عن ساحات رئيسية مثل إيران ولبنان لتحديد مراكز ثقل العدو، وتحويلها إلى أهداف. في حين يوجد العشرات من مصادر المعلومات الذين يُركزون على تحديد مراكز ثِقل الحوثيين.
ووفق التقرير فإن الاستخبارات العسكرية، ولا سيما بعد 7 أكتوبر، توصي بضرورة عدم وقف الهجوم على جماعة الحوثيين التي تبعد زهاء 1800 كيلومتر عن إسرائيل، حتى لو أوقفت إطلاق النار نتيجة لوقف القتال في غزة. إنها الجماعة الوحيدة في العالم التي تكتب حرفيًا على علمها تدمير إسرائيل. تقول مصادر في الجيش إنه لا ينبغي أن يبلغ بنا المقام الذي يمتلك فيه الحوثيون -يومًا ما -آلاف الصواريخ الدقيقة، التي تشكّل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، كما أن التقديرات تشير إلى أن الإيرانيين سيمتلكون 9 آلاف صاروخ بحلول عام 2027، ولهذا أُطلقت عملية “عام كلافي”. ومن ثم، يجب الاستعداد إلى إزالة هذا التهديد المتزايد، أو على الأقل مواجهته بشكل استباقي.
•مخاوف على مصير ليفي مرحبي بعد الهجوم الإسرائيلي على صنعاء
أورد موقع كيكار هشبات، في 26 سبتمبر 2025، ما كتبه الصحفي اليمني علي الموشكي، وعبَّر فيه عن قلقه على مصير ليفي مرحبي إثر الهجوم الإسرائيلي، وكتب “ما مصير اليهودي ليفي مرحبي، المعتقل في سجون صنعاء منذ عام 2016، بعد تعرض مبنى جهاز الأمن والاستخبارات، وسجن آخر لجهاز الاستخبارات لقصف إسرائيلي؟”
ولد ليفي مرحبي عام 1987، وهو على ما يبدو آخر يهودي متبقٍ في اليمن. اعتقله جهاز الأمن القومي (جهاز الأمن والمخابرات حاليًا) عام 2016، بتهمة المساعدة في تهريب مخطوطة توراة قديمة خارج البلاد.
منذ اعتقاله، يُحتجز مرحبي في ظروف قاسية تتضمن معاملة غير إنسانية، وحدث تدهور في صحته، وهناك تقارير عن تعذيب متكرر. يعاني من مشاكل في الكلى والصحة، وفقد جميع أسنانه، نتيجة التعذيب المتكرر، كما أُفيد عن إصابته بشلل جزئي بعد إصابته بسكتة دماغية.
•جماعة الحوثيين تواجه أزمة هوية
نشر أري هيستين [6] مقالًا، على موقع معهد القدس للاستراتيجية والأمن، في 25 سبتمبر 2025، أشار فيه إلى أن الحوثيين يواجهون مع حلول ذكرى “ثورة 26 سبتمبر” الـ 63، أزمة هوية، وقال إنهم أنشأوا كيانًا يُشبه الإمامة مُتخفّيًا في ثوب الجمهورية، والعلاقة بين الحوثيين والحكومة التي يسيطرون عليها في شمال اليمن أكثر تعقيدًا بكثير مما يبدو للوهلة الأولى.
وقال هيستين إن الحوثيين يحرصون على الحفاظ على مظهر استمرار الجمهورية عبر التمثيل الواسع والشمول السياسي، مع أنهم عمليًا متمردون على الجمهورية (الحكومة الشرعية في اليمن). على سبيل المثال، ينحدر رؤساء النظام حتى الآن، ومنهم صالح الصماد ومهدي المشاط، من خلفيات قبلية (غير هاشمية)، بينما عُيّن رؤساء وزراء مثل عبد العزيز بن حبتور، وأحمد الرهوي من صفوف حزب المؤتمر. هذا النمط من التعيينات يعكس استراتيجية الحوثيين في تعيين شخصيات بارزة من مختلف القطاعات في مناصب تمثيلية تفتقر عمليًا إلى النفوذ.
بالمقابل، يرى آخرون أن الجماعة تشبه نموذج كوريا الشمالية: دولة استبدادية تخضع لسيطرة الحوثيين فقط، ويتولى الموالون المناصب الرئيسة، مع سحق أي معارضة بسرعة ووحشية.
أشار هيستين إلى أن الحوثيين يسعون إلى المواءمة بين النموذجين: إنشاء دولة يمنية تبدو مستقلة ومنفصلة عن جماعة الحوثيين، مع احتفاظها عمليًا بالهيمنة الكاملة، ومسوغهم الأساسي في خلق مسافة عن الدولة، يتمثل في الإخفاقات الهيكلية المزمنة للحكم، ومن بينها العجز المستمر عن توفير الخدمات الأساسية، أو مستوى معيشي لائق للمواطنين. إذا نُسبت هذه الإخفاقات مباشرةً إلى جماعة الحوثيين، فقد يتفاقم العداء الشعبي تجاه عبد الملك وحاشيته.
يأمل الحوثيون، عبر هذه الاستراتيجية، التمسك بمقاليد الحكم دون تحمّل مسؤولية مباشرة عن إخفاقات الدولة. كما يُساعد ذلك على تهدئة مخاوف الرأي العام بشأن نواياهم حول إحياء الإمامة الهاشمية، التي حكمت اليمن لما يقرب من ألف عام، حتى الإطاحة بها عام 1962، لمصلحة الجمهورية ذات القاعدة القبلية.
من جهة، إذا أراد الحوثيون إبراز صورة الحكم الشامل الذي يُرضي أنصار حزب المؤتمر، يتعين عليهم اختيار قادة مرتبطين بالحزب ويتمتعون بنفوذ داخله، ومن جهة أخرى، يتجنبون منح الشرعية لشخصيات بارزة في حزب المؤتمر، مثل صادق أمين أبو راس، الذين أظهروا بعض الاستقلالية بدعمهم الاحتجاجات الشعبية ضد إخفاقات الجماعة.
تعارض جماعة الحوثيين، في جوهرها، أي نشاط ديني، أو ثقافي، أو وطني خارج سيطرتها، وخاصةً تلك التي قد تكشف أو تشجّع على سردية تتعارض مع التوازن الدقيق الذي يسعون إلى إرسائه بين الجمهورية والإمامة.
•الاتجاه غير المتوقع لحل التهديد الحوثي: زعيم الجنوب في اليمن يقدم عرضًا مغريًا
ذكر موقع معاريف، في 25 سبتمبر 2025، أن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، عيدروس الزبيدي، يضع إسرائيل في صميم رؤية استقلال الجنوب. وقال الزبيدي، في مقابلة مع صحيفة The National، إن إعلان دولة جنوبية مستقلة سيمكن من إقامة علاقات رسمية مع القدس، وسيصبح الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي بعد حرب غزة. يضيف الزبيدي، أن جميع الشروط اللازمة لقيام دولة جنوبية متوفرة بالفعل، وأن الانفصال عن الشمال سيُمكِّن الجنوب من رسم سياسة خارجية مستقلة، ومنها إمكانية الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام.
قال الزبيدي: “قبل أحداث غزة، أحرزنا تقدمًا نحو الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم. إذا استعادت غزة وفلسطين حقوقهما، ستكون هذه الاتفاقيات ركيزة أساسية في استقرار المنطقة. عندما تقوم دولتنا الجنوبية، سنكون أصحاب القرار، وأتوقع أننا سنشارك في هذه الاتفاقيات”.
أشار الموقع إلى أن جنوب اليمن المستقل قد يصبح حليفًا استراتيجيًا: إن السيطرة على الموانئ، والمصافي، والممرات الملاحية في مضيق باب المندب قد تحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتعزز أمن الملاحة في البحر الأحمر، وتكون بمثابة حاجز في مواجهة الجماعات الإرهابية العالمية.
•كيف يستغل الحوثيون المساعدات الإنسانية كسلاح في اليمن؟
نشر السفير إدموند فيتون براون[7]، وأري هيستين، مقالًا على موقع يديعوت أحرونوت، في 20 سبتمبر 2025، بشأن سيطرة الحوثيين على نقاط دخول الغذاء، والدواء، والوقود، وتسليم المساعدات، وحرمان خصومهم من الإيرادات، ما يعزز قبضتهم على سكان شمال اليمن.
وذكر التقرير أن الجدل الدائر حول طريقة دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال اليمن يُسلّط الضوء على جزء محوري من استراتيجية الحوثيين. لم تعطّل الضربات الإسرائيلية على المطارات والموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون خطوط إمداد تهريب الأسلحة فحسب، بل أيضًا مصادر رئيسة للإيرادات. اضطرت المنظمات الإنسانية إلى إعادة النظر في كيفية إيصال المساعدات، ولكن وفقًا لوثائق برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، لا يسمح الحوثيون بمرور المساعدات إلا عبر ثلاث نقاط: ميناء الحديدة على البحر الأحمر، ومطار صنعاء، ومعبر بري من عُمان (مع قيود).
هذا يعني عمليًا أن المساعدات لا يمكنها الدخول إلى شمال اليمن إلا عبر بوابات يديرها الحوثيون. كما يُحظر استخدام ميناء عدن الذي تسيطر عليه الحكومة الجنوبية. بدلًا من ذلك، يجب أن تسلك شحنات المساعدات مسارًا بريًا أبعد وأعلى كُلفة من عُمان. بينما تقع عدن على بُعد 300 كيلومتر فقط من صنعاء، فإن نقطة دخول عُمان تبعد حوالي 1300 كيلومتر. المنطق وراء ذلك سياسي، وليس لوجستي: إن هدف الحظر هو حرمان حكومة الجنوب من الإيرادات.
وأرجع التقرير إصرار الحوثيين على تدفق المساعدات عبر موانئهم ومطاراتهم فقط، إلى أنها تُدرّ عائدات. أما إصرارهم على رفض أن تكون مسارات مرور المساعدات عبر عدن يوضح استراتيجيتهم الأعمق: حرمان الحكومة من الموارد أولى من إيصال المساعدات بكفاءة إلى سكانهم.
على مدى عقد من الزمان، انتهج الحوثيون سياسة فصل اقتصاد بين شمال اليمن وجنوبه، تاركين الجنوب في حالة تردي شديدة تمنعه من أداء مهامه كدولة قادرة.
امتثلت المنظمات الإنسانية، التي تدير ميزانيات بمليارات الدولارات سنويًا، إلى حد كبير لقيود الحوثيين. على سبيل المثال، اشترى برنامج الأغذية العالمي أكثر من 200 مليون لتر من وقود الديزل من صناعة يهيمن عليها الحوثيون، بما في ذلك، حتى أفراد خاضعين لعقوبات دولية. هذه الصفقات تدر أموالًا طائلة للجماعة، وتسمح لها بمواصلة حملتها الاقتصادية.
وأشار التقرير إلى إن استخدام الحوثيين العدواني للمساعدات باعتبارها وسيلة ضغط يواجه تحديات جديدة، حيث أصبحت الحديدة بعد هجماتهم الأخيرة على السفن التجارية في البحر الأحمر أقل أمانًا للمنظمات الدولية. في الوقت نفسه، قد تُفسح التحولات في السياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب المجال لاستراتيجية دولية جديدة: تعزيز الحكومة في عدن، والحد من استغلال الحوثيين للقنوات الإنسانية.
السؤال الآن هو ما إذا كان المجتمع الدولي سوف يستغل هذه الفرصة لمواجهة تلاعب الحوثيين بالمساعدات والحرب الاقتصادية، أو سيستمر في سياسات تعزز، دون قصد، الجماعة على حساب المدنيين في اليمن.
•مخاوف من تسريب معلومات واختراق جواسيس: انقسام في أجهزة الحوثيين الأمنية
تناولت القناة الـ 14 الإسرائيلية، في 19 سبتمبر 2025، ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” بأن أجهزة الحوثيين الأمنية تشهد توترات حادة على خلفية تصفية قيادات بارزة في الجماعة ومحاولات تشكيل حكومة جديدة. بحسب التقرير، تتركز الخلافات على اتهامات متبادلة بالتجسس، وتسريب معلومات بشأن مواقع وتحركات قيادات بارزة، مما زاد من حدة الخلاف بين القيادة العليا في الجماعة.
يتمحور الصراع بين علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، وقائد جهاز الأمن المستحدث المسمى بـ “الشرطة المجتمعية”، وهو على خلاف مع رئيس جهاز الأمن والمخابرات، عبد الحكيم الخيواني. ويتبادل الطرفان الاتهامات بتجاوز المهام، والتجسس، واعتقال عناصر أمنهما.
•اليمن تحولت إلى ساحة مركزية بين إسرائيل والمحور الإيراني
استعرض يوني بن مناحيم [8] على موقع arabexpert، في 14 سبتمبر 2025، ما قاله مسؤولون أمنيون بارزون إن الحوثيين هم حاليًا ذراع إيران الأكثر نشاطًا وقوةً، وإن اليمن أصبح ساحة مواجهة رئيسة بين إسرائيل ومحور المقاومة الذي تقوده طهران.
تبذل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية حاليًا جهودًا مكثفة للحصول على معلومات استخباراتية نوعية تُمكّن من تنفيذ عمليات اغتيال مُستهدفة للقيادة العسكرية الحوثية، وعلى رأسها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
قال بن مناحيم، إن استراتيجية إسرائيل المعنية باستهداف المنشآت الاقتصادية في مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن لم تعد كافية لوقف إطلاق النار باتجاه إسرائيل. لقد طوّرت إسرائيل معادلة الردع، وانتقلت إلى مرحلة جديدة، وهي عمليات الاغتيال: إلحاق ضرر مباشر بقيادة الحوثيين. انعكس ذلك في الهجوم الإسرائيلي على صنعاء، الذي أسفر عن مقتل رئيس وزراء الحوثيين، أحمد غالب الرهوي، إلى جانب تسعة وزراء ومسؤولين الآخرين.
في غضون عام من بدء الهجوم في اليمن، نجحت إسرائيل في توجيه ضربة قاصمة لقيادة الحوثيين، وهو إنجاز مهم يدل على وجود تغيير نوعي في أسلوب إدارة هذه الساحة. يعتمد هذا النجاح على شراكات مع مصادر ذات معرفة لوجستية في اليمن، واستغلال منطقة جغرافية مكشوفة تفتقر إلى السيادة المركزية.
بالإضافة إلى ذلك، حصلت إسرائيل بفضل التعاون الاستخباراتي بينها والولايات المتحدة على قاعدة معلوماتية مهمة. أما الولايات المتحدة، التي سعت إلى تجنب التصعيد الإقليمي، فقد أوكلت المهمة العسكرية لإسرائيل، ونجحت إسرائيل في تحقيق نتيجة مهمة. لعبت الشراكة مع الإمارات دورًا حاسمًا أيضًا في ضمان هذا الإنجاز الإسرائيلي.
أدى تقييم الحوثيين بأنهم يمثلون تهديدًا لحرية الملاحة في البحر الأحمر، إلى تعزيز التعاون بين إسرائيل والدول المجاورة لليمن، وفي مقدمتها الإمارات، وهو ما أتاح فتح المجال الجوي أمام إسرائيل لتنفيذ عملياتها. إن الوجود العسكري المباشر لأبوظبي على طول الساحل اليمني ساعد إسرائيل على تعزيز نفوذها العسكري والاستخباراتي.
قال بن مناحيم، إن التزام إسرائيل بتوسيع نطاق القتال في اليمن يُمثل تحديًا عسكريًا وسياسيًا جديدًا للحوثيين. كشفت الضربة الإسرائيلية على صنعاء، التي أطاحت بحكومة الحوثيين، عن اختلال موازين القوى، وأظهرت الضعف الأمني لقيادة الحوثيين، وقوضت سلطتها السياسية.
أثار مقتل وزراء الحوثيين تساؤلات جدية في اليمن بشأن عمليات الحوثيين. في الوقت نفسه، أكدت ردود فعل المجتمع الدولي عزلة حركة أنصار الله، وصوّر الاغتيال على أنه هجوم على جماعة الحوثيين، وليس عدوانًا إسرائيليًا على الدولة اليمنية.
لقد فاقمت الهجمات الإسرائيلية على أهداف الحوثيين الانقسامات الداخلية في اليمن. كما كشفت طريقة تعامل الحوثيين مع مقتل قيادتهم المدنية -مع غياب مراسم الحداد الرسمية -عن ضعف في سيطرتهم على الدولة وسلطتهم، وقوض تحالفاتهم.
لذا، يعتقد مسؤولون أمنيون بارزون أن النتائج الأخيرة للضربات الإسرائيلية في اليمن تُجبر الحوثيين على مراجعة استراتيجيتهم الحربية التي تستهدف إسرائيل، وإجراء تقييم جديد للمخاطر فيما يتعلق بالتداعيات المباشرة على حياة المدنيين اليمنيين في مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية، التي لن تتردد في توجيه ضربة قاصمة للحوثيين طالما استمروا في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل.
•هل الهجمات على الحوثيين كان لها تأثير عكسي؟
نقل موقع يديعوت أحرونوت، في 12 سبتمبر 2025، عن مصدر أمني يمني مُقرب من الحكومة اليمنية في عدن ما قاله بشأن هجمات إسرائيل في صنعاء ومحافظة الجوف، التي أسفرت عن مقتل 46 و165 جريحًا، إن الهجوم أسفر عن: “مقتل أصدقاءً لي وأبرياء”. في الواقع، لقد حقق نتائج عكسية، ونتج عنه حالة غليان في الشارع اليمني إزاء إسرائيل؛ بسبب عدد القتلى “التي لا تربطهم علاقة بالحوثيين”.
وقال الصحفي الإسرائيلي روعي كايس، المتخصص في الشأن العربي بهيئة البث الإسرائيلية، إن مصدرًا في الولايات المتحدة، يُمثّل القوى المُعارضة للحوثيين في جنوب اليمن، وجّه أخيرًا رسالةً إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي تفيد بأن الهجمات الإسرائيلية بصورتها الراهنة قد تُزيد من شعبية الحوثيين، حتى بين مُعارضيهم.
•تحييد وردع التهديد الحوثي يمثل تحديًا هائلًا لإسرائيل
نشر معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في 11 سبتمبر 2025، تقريرًا مطولًا استعرض فيه التحولات غير المسبوقة التي تعرض لها وكلاء إيران منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 وما تبعه من حرب إقليمية، وسبل الحد من قدراتهم على إعادة تنظيم صفوفهم في المناطق التي يمارسون فيها نشاطاتهم، ومنع إيران من إعادة بناء شبكة وكلائها.
تناول التقرير التهديد الحوثي، وأشار إلى أن ردعه وتحييده يُمثل تحديًّا لإسرائيل وجميع الدول الأخرى لعدة أسباب:
أولًا، يسيطر الحوثيون سيطرة كاملة على أراضيهم، ويمارسون سلطة استبدادية. كما يُحكمون قبضتهم على السكان؛ بفضل سيطرتهم شبه الكاملة على الاقتصاد، ومنها توزيع المساعدات، ويقمعون أيضًا أي بوادر معارضة من القبائل أو الحركات السياسية، مثل حزب المؤتمر، ما يمنحهم هامش حركة أكبر من حزب الله أو الميليشيات العراقية.
ثانيًا، لدى الحوثيين توجه أيديولوجي متشدد. أتباعهم على استعداد لتحمل خسائر اقتصادية كبيرة والتضحية بأنفسهم. لطالما شكلت الحرب على إسرائيل والولايات المتحدة جزءًا من استراتيجيتهم، وتتواءم مع طموحاتهم لتعزيز سلطتهم ونفوذهم داخل محور المقاومة وخارج حدود اليمن.
ثالثًا، يعزز التضامن مع شعب غزة بإطلاق النار على إسرائيل التجنيد في صفوفهم، ويُساعد في كبح الانتقادات الداخلية المتعلقة بعجز الجماعة عن توفير الخدمات، وانتهاكاتها المروعة لحقوق الإنسان. يبرع الحوثيون في وصف معارضي النظام بأنهم جواسيس لوكالة المخابرات المركزية أو الموساد.
رابعًا، ينفي الحوثيون تبعيتهم لإيران.
خامسًا، نوَّع الحوثيون سلاسل توريد الأسلحة ومكوناتها بما يتخطى ما قدمته إيران. على سبيل المثال، وسّعوا عملياتهم في القرن الأفريقي، حيث طوروا مصادر دخل بديلة تقلل من اعتمادهم على إيران. في الوقت نفسه، واجهت إيران عقباتٍ قليلة في إعادة تزويد الحوثيين بالإمدادات.
أشار التقرير إلى أن الحكومة اليمنية الرسمية فشلت في تقديم بديلٍ عمليٍّ لحكم الحوثيين، وقال إن الحكومة، بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي، تواجه مزاعم فسادٍ وعدم كفاءة، وتنافساتٍ داخلية بين الفصائل المدعومة من السعودية والإمارات. كما كبحت دول الخليج المجاورة، التي لا ترغب في استئناف الصراع مع الحوثيين، طموحات مجلس القيادة الرئاسي في التحرك ضدهم.
ذكر التقرير أن خيارات التعامل مع التهديد الحوثي على المدى الطويل تتمثل في محورين أساسيين: الأول هو الخيار العسكري، الذي يتطلب على الأرجح حملة جوية أمريكية متواصلة بالتنسيق الوثيق مع هجوم بري من القوات اليمنية المناهضة للحوثيين، بما في ذلك الحكومة المعترف بها دوليًا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات المقاومة الوطنية. قد تُقدم أيضًا السعودية والإمارات دعمًا جويًا، وتُساعد حلفاءها في اليمن، لكن لا توجد شهية سياسية لهاتين الدولتين في إعادة تأجيج الحرب الأهلية في اليمن.
المحور الثاني هو إحياء الجهود الدبلوماسية بين مختلف الأطراف في اليمن. بالنظر إلى التهديد المُحتمل الذي لا يزال يمثله الحوثيون على الملاحة الدولية ودول الخليج وإسرائيل، من الممكن أن يُحفّز ذلك المجتمع الدولي على دفع الأطراف إلى طاولة المفاوضات. يمكن لعُمان أن تلعب دورًا فعّالًا كوسيط إلى جانب الأمم المتحدة.
على المدى القصير، يُمكن للولايات المتحدة أن تُساعد في عزل الحوثيين وتحسين الأمن البحري. على المدى الطويل، يُمكنها دعم الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق سلام دائم في اليمن. قد يُضعف كلا السيناريوهين قدرة الحوثيين على تهديد إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة.
فيما يتعلق بالتوصيات، قدم التقرير عدة مقترحات للولايات المتحدة وإسرائيل، وهي:
إلى الولايات المتحدة
إحباط محاولات الحوثيين لتوسيع شراكاتهم مع دول أخرى، وجماعات إرهابية عبر العقوبات والقيود.
تخفيف قبضة الحوثيين على الاقتصاد اليمني بتشجيع إيصال المساعدات إلى الشمال عبر الجنوب الخاضع لسيطرة الحكومة، شريطة تسليمها بطريقة تمنع احتكار الحوثيين لتوزيع الموارد.
تقديم ضمانات أمنية للسعودية والإمارات، لضمان استمرار دعمهما للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والقوات المناهضة للحوثيين.
تعزيز جهود الأمم المتحدة والشركاء الآخرين للمساعدة في استئناف المحادثات بشأن تسوية سياسية في اليمن.
التعاون مع عُمان لمنع تهريب الأسلحة من إيران إلى اليمن عبر عُمان.
قيادة مبادرة لإحياء آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن (UNVIM) ومقرها جيبوتي، لزيادة عمليات تفتيش السفن، وتقليل عمليات تهريب الوقود والأسلحة الإيرانية.
مواصلة كبح محاولات إيران لتهريب الأسلحة عبر بحر العرب.
إلى إسرائيل
الضغط على المجتمع الدولي لتعزيز تنفيذ العقوبات الحالية على الحوثيين وإيران.
بناء علاقات مع الدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
العمل مع الشركاء الخليجيين لتطوير شبكة مشتركة للكشف المبكر عن إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على طول ساحل البحر الأحمر.
تعزيز الوجود العسكري في مضيق باب المندب.
تحسين القدرات الاستخباراتية في الساحة اليمنية.
التواصل مع الجماعات المسلحة في جنوب اليمن المناوئة للحوثيين.
كشف اللثام عن اعتماد الحوثيين على الأسلحة الإيرانية المتطورة، وتسليط الضوء على العلاقات الممتدة بين جماعة الحوثي وإيران، لتقويض شرعية الجماعة.
الاحتفاظ بحق الرد عسكريًا على هجمات الحوثيين، مع تجنب استهداف البنية الأساسية الحيوية، حتى لا تتفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة.
•كيف ينبغي لإسرائيل الاستعداد لاحتمال وقوع أسلحة كيماوية في يد الحوثيين؟
نشر إيلي كلوتستين [9]، على موقع ماكور ريشون، في 10 سبتمبر 2025، مقالًا مطوّلًا تناول فيه ما قاله معمر الإرياني، وزير الإعلام الذي يمثل الحكومة المعترف بها دوليًا، في مقابلة مع صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية، بأن “المتمردين الشيعة” في اليمن بدأوا في تكريس جهودهم لتطوير أسلحة كيميائية.
أشار كلوتستين إلى أنه من الصعب تقييم مدى مصداقية ادعاء الوزير اليمني بشأن تطوير أسلحة كيميائية، غير أن خبرًا سابقًا يُؤكد صحته. على سبيل المثال، في أغسطس، استولت “المقاومة الوطنية اليمنية”، إحدى القوى المحلية التي تقاتل الحوثيين، على 750 طنًا من الأسلحة المهرّبة من إيران إلى اليمن. وبحسب التقرير، تضمنت الشحنة المهربة أسلحة كيميائية. اتضح بعد تحقيق أجرى مع طاقم السفينة أنهم حمّلوا عليها حاويات مبرّدة، خُزنت فيها مواد كيميائية حساسة تُستخدم في تحضير المتفجرات والصواريخ، بالإضافة إلى مكونات لإنتاج أسلحة كيميائية.
بوجه عام، ورغم الجهود الإسرائيلية المبذولة، استمرت جهود التهريب الإيرانية إلى اليمن لأشهر طويلة، للحفاظ على قدرات الحوثيين لإلحاق الضرر بإسرائيل وترسيخ نفوذهم في مواجهة العناصر المحلية. رغم ضبط شحنة تحتوي على مواد كيميائية، فمن المرجح وصول شحنات أخرى لم تكتشف إلى مقصدها، ويستخدمها الحوثيون لقتال إسرائيل.
قال كلوتستين إن الحوثيين يتبعون أساليب تهريب متنوعة لتعزيز قوتهم، ومن بينها استخدام زوارق صغيرة تمر عبر خليج عدن، ولا ترسو بالضرورة في الموانئ الرسمية التي قصفتها إسرائيل. يستغل الحوثيون أيضًا طرقًا برية لتهريب الأسلحة، لا سيما عبر الحدود العمانية. اعترضت القوات اليمنية عدة عمليات تهريب مماثلة، غير أن عدد العمليات الأخرى التي تمكنت من الهروب منها غير معروف. في الماضي، على الأقل، كانت هناك أيضًا قناة جوية يمكن استغلالها للتهريب، عبر رحلة مباشرة بين عمان وصنعاء.
إذا بدأ الحوثيون تطوير أسلحة كيميائية، فهل هذا يُمثل خطرًا حقيقيًا؟ أثبتت التجارب السابقة أنها تمثل خطرًا. استخدمت روسيا، بحسب التقارير، أنواعًا مختلفة من الأسلحة الكيميائية في حرب أوكرانيا، وقتل الديكتاتور السوري بشار الأسد شعبه بالغاز السام، كما أثبت استخدام هذه الأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية فعاليتها المروعة. إنها أسلحة شديدة الفتك، وتتطلب حماية خاصة، ولا سيما أنها تُثير ذعرًا عامًا وعلى نطاق واسع، يتجاوز أحيانًا الضرر المحتمل للسلاح نفسه.
حتى الآن، لم ينفذ الحوثيون -خلال ما يقرب من عامين منذ بدء الحرب -سوى 6-7 هجمات ناجحة على إسرائيل -هجمات بطائرات مسيّرة على ملعب، ومدرستين، ومبانٍ سكنية، وهذا الأسبوع على مطار رامون. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل مدني إسرائيلي واحد، وهو يفغيني فريدر. تمكّن صاروخ حوثي واحد من اختراق الدفاعات الإسرائيلية وسقط بالقرب من مطار بن غوريون.
لكن الأسلحة الكيميائية، كما ذُكر، قصة مختلفة تمامًا. قال المقدم (احتياط) آفي بيتسور [10]، حتى لو نجح المتمردون الشيعة في تطوير مثل هذه الأسلحة، فإن جرأتهم على استخدامها موضع شك -إذ يُعدها الغرب، من نواحٍ عديدة، “خطًا أحمر”، وهدد سلفًا بالرد بشدة على مثل هذه الهجمات. حتى إيران، التي يبدو أنها تمتلك مثل هذه الأسلحة، لم تستخدمها في مواجهة إسرائيل حتى الآن.
يوضح بيتسور لموقع ماكور ريشون: “لقد أحجمت إيران حتى الآن عمدًا عن استخدام هذه المواد، لأنها لا تزال تحمل ندوب استخدام المواد الكيميائية عليها في الحرب العراقية الإيرانية، وهي تدرك تداعيات ذلك”، ويضيف: “السبب الثاني هو أن مثل هذا الإجراء قد يعزلها دوليًا. من الناحية الفنية، لا توجد صعوبة في تصنيع مثل هذه الأسلحة في المختبرات، حتى في اليمن. يمكن استخدام السماد العضوي لصناعة سلاح كيميائي من نوع غاز أعصاب كما فعلت طائفة “أوم شينريكيو” في اليابان.
من ناحية أخرى، تبيّن أن “الخط الأحمر” الذي حدده الغرب سلفًا بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية هش وضعيف. على سبيل المثال، رغم تهديدات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرد على استخدام هذا النوع من الأسلحة في الحرب الأهلية السورية، إلا أن رده كان ضعيفًا جدًا ولم يُحدث تأثيرًا يُذكر. حتى لو لم ترغب إيران نفسها في استخدام هذه الأسلحة، فهذا لا يعني أنها لن تدفع وكيلها في اليمن للقيام بذلك نيابةً عنها -ففي النهاية، جرى تشكيل تحالف دولي ضد الحوثيين، وقصَفَهم الأمريكيون، وهم في حالة حرب ضد إسرائيل، واغتُيل معظم حكومتهم.
ليس لدى الحوثيون الكثير ليخسرونه، وأقوى سيناريو يمكن مجابهتهم به هو إنشاء تنظيم على غرار الحرب على داعش في العقد الماضي في العراق وسوريا، إذا انزعج العالم حقًا مما يحدث في اليمن. لكن من الصعب افتراض تشكيل مثل هذا التحالف بسهولة، خاصةً في وقت تنشغل فيه الدول الغربية بتعاظم قوة الصين، والحرب في أوكرانيا، وغيرها. إسرائيل ترى أنها ليست في حاجة إلى المخاطرة. بعد 7 أكتوبر وهجوم حماس المفاجئ على مستوطنات الجنوب، لا ينبغي استبعاد أي احتمال مسبقًا، ويجب أخذها بعين الاعتبار، وفحص أي شبهة قبل استبعاد مثل هذه المخاوف.
يرى يوسي منشروف [11] أيضًا أن هذه القضية مثالٌ على المحاولات الإيرانية لاستعادة “حلقة النار” حول إسرائيل: “لا يوجد دليل قاطع على مسألة الأسلحة الكيميائية، وهي مسألةٌ تحتاج إلى دراسةٍ معمقة”، ويضيف، “لكن الادعاءات التي قدمتها الحكومة الشرعية في اليمن حتى الآن بشأن الحوثيين وعلاقاتهم بإيران قد ثبت صحتها، على الأقل في بعض الحالات. على أي حال، هذا الاتهام الخطير يبرز خطورة عامل الوقت، فكلما توالت الأشهر يزداد التهديد الحوثي وخاصة في ضوء حصولهم على دعم شامل من فيلق القدس. هذا يُبرز أهمية كبح جماح وكيل إيران في اليمن”.
في الوقت نفسه، سيحاول الحوثيون بالتأكيد مفاجأة إسرائيل من جهاتٍ أخرى، كما وعدوا بذلك في الأسبوعين الأخيرين بعد تصفية حكومتهم. لديهم مجموعة متنوعة من الوسائل التي اكتسبوها من تجارب سابقة، والتي قد تشكل مصدر قلق حقيقي: قطع الكابلات البحرية، مما سيُعطّل الاتصالات الإقليمية؛ وتطوير قدرات صواريخ الحوثيين، مثل استخدام رأس حربي انشطاري شُوهد بالفعل في إسرائيل مرتين؛ واستئناف محاولات ضرب السفن في المنطقة اليمنية، على غرار إطلاق صاروخين على سفن، في الأسبوعين الماضيين، من مسافات بعيدة من الساحل؛ وحتى الاستعدادات لغزو بري لإسرائيل، وهو أمر فكروا فيه بالفعل عدة مرات، وأعلنه قادة الحوثيين علانية.
بشأن مدى قدرة الحوثيين على إطلاق هذه الأسلحة عبر صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل، قال بيتسور إن هذا خيار عملي بالتأكيد، وأوضح قائلًا: “هذا ممكن من الناحية الفنية، ويمكن أن ينجح في اجتياز كل هذه المسافة إلى إسرائيل رغم تغيرات الحرارة والبرودة”. “يمكن وضع كمية صغيرة من هذه الأسلحة على طائرات مسيّرة. هذه الطائرات قادرة على حمل أي شيء من متفجرات بأوزان كبيرة إلى مواد أصغر. يبحث الحوثيون عن شيء يغيّر قواعد اللعبة، وقد يكون ذلك مواد كيميائية -غاز أعصاب مثل التابون والسومان والسارين، أو حتى غاز الخردل الحارق، كالتي تعرضوا لها من خلال الهجمات المصرية في الستينيات”.
فيما يتعلق بالدفاع، يضيف بيتسور أنه لا يمكن الاعتماد فقط على إمكانية قدرة الجيش الإسرائيلي على اعتراض الصواريخ أو الطائرات المسيّرة التي تحمل الأسلحة الكيميائية، لأن نسبة نجاح الاعتراض لا يمكن أن تصل إلى 100%، وحتى نجاح اعتراض الوسيلة التي تحمل السلاح لا تضمن الحماية من تأثير المادة الكيميائية، ويشير إلى أن “هذه المواد تنقسم إلى مواد متطايرة وثابتة، ففي الحالة الأولى، إذا اعترض صاروخ أو طائرة مسيّرة تحمل مثل هذه المادة، فإنها ستتحول إلى غاز يتبخر بسرعة، ولذا، فإن اعتراضها على ارتفاعات عالية لن يُسبب أي ضرر. هذا ينطبق على كثير من غازات الأعصاب، باستثناء غاز VX، الذي يتميز بمادة ثابتة. قد يحاول الحوثيون تصنيع هذا النوع في مختبراتهم”.
من المستحسن البدء بتجهيز السكان بتدابير دفاعية، كما كان الحال في حرب الخليج الأولى، لكن هذه العملية مكلفة للغاية وتتطلب موارد كبيرة، ولا يوجد ما يضمن نجاحها في جميع الحالات. يعتقد بيتسور: “ليس بالإمكان حماية جميع السكان بأقنعة الغاز، ولن نفعل أنظمة تنقية الهواء في الملاجئ”. لذا يعتقد أن أفضل خطوة في هذه المرحلة تكمن أساسًا في مستوى التخطيط، ويقول إن معلومات تسليح الحوثيين بالأسلحة الكيميائية تأتي من الحكومة اليمنية التي تقاتلهم، ولذلك يجب أن نأخذها بيقين محدود. نشك فيها ونقدرها، ولكن مع ذلك نبقى مستعدين. بشأن التفكير الإسرائيلي حول ملف التهديد، لا توجد حتى الآن أسلحة كيميائية، ” يقول. “لكن برأيي، علينا أن نبدأ بالتفكير فيما إذا كان هناك مجال لإعادة التهديد الكيميائي إلى دائرة الخطر. لم يفت الأوان بعد. الأمر لا يقتصر بالضرورة على الحوثيين، بل يشمل أيضًا جهات تهديد أخرى. علينا أيضًا التفكير في كيفية حماية من هذا التهديد على مستوى مبدئي”.
حتى قبل ذلك، إحدى القضايا التي يجب تعزيزها هي الاستخبارات. أُعلن مؤخرًا أن الجيش الإسرائيلي يكثف جهوده في كل ما يتعلق بتدريب الجنود في وحدات جمع المعلومات المتعلقة باليمن، بهدف الوصول إلى “معلومة ذهبية” التي تشير إلى وجود جهود لتطوير أسلحة الدمار الشامل. المرحلة الثانية هي جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لإحباط العمليات، أي معلومات عن مواقع الإنتاج والتجارب، مما يسهم في تدميرها. يتفق بيتسور مع هذا الرأي قائلًا: “علينا أن نحاول فهم ما إذا كانت هذه المختبرات موجودة في صنعاء أو في أماكن مشابهة، وخاصةً تلك التي تعمل في مجال تصنيع الأسلحة الكيميائية”.
في الوقت نفسه، ينبغي على إسرائيل مواصلة العمل على إحباط عمليات التهريب من إيران إلى الحوثيين، لأنها تعزز قوتهم بشكل عام، وقد تمكنهم من تسليح أنفسهم بهذه الأسلحة بشكل خاص. لذلك، يجب على الجيش الإسرائيلي ضمان عدم استخدام المطارات والموانئ لجلب البضائع من طهران، وتعقب المهرّبين لضربهم قبل وصولهم إلى وجهتهم، ويُوصى بمواصلة سياسة الاغتيالات واستهداف كبار الشخصيات الحوثية، والتركيز أيضًا على العلماء والمصنعين الذين قد يساعدهم مجال عملهم على التخصص في تطوير هذه الأسلحة.
يجب أن تكون مسألة تطوير أسلحة الدمار الشامل أيضًا على جدول أعمال الحوار الإسرائيلي مع حلفائنا حول العالم، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. يجب علينا تبادل المعلومات الاستخباراتية مع نظرائنا حول العالم، وتلقي المعلومات منها، وطلب المساعدة في إحباط جهود التسلح ومكافحة التهريب إلى اليمن.
يوضح بيتسور: “حتى الآن، لم يستخدم الحوثيون مثل هذه الأسلحة، ولم يتجاوزوا هذا الخط الأحمر”، لكن إذا اتضح أن مثل هذه المادة أصابتنا، سوف يكون لها أثر في منطقة الهجوم، وستكشف الأضرار التي لحقت بالضحايا عن استخدام الأسلحة الكيميائية -وعندها سيجد الحوثيون أنفسهم في موقف انتهكوا فيه كل القيود والمحظورات العالمية.
•كشف اللثام عن مسار تهريب أسلحة الحوثيين، والعقوبات تتصاعد
ذكر موقع جلوبس، في 10 سبتمبر 2025، أن وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على أربع سفن، و32 فردًا، وهيئات مشاركة في شبكة الجماعة “الإرهابية” المعقدة، التي تجمع الأموال وتُمارس أنشطة تجارية غير المشروعة.
تعمل هذه الشبكة في اليمن، والصين، وجزر مارشال، وحتى الإمارات. وتهدف إلى شراء منتجات عسكرية متطورة، تُمكّن الحوثيين من تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تُطلق إلى إسرائيل. تُموَّل هذه المنتجات من إيرادات الحوثيين من تصدير النفط، والسلع الأخرى بمساعدة مسؤولي المشتريات، والشركات الوهمية، ووكالات الشحن. يشكل النشاط الأمريكي امتدادًا للصراع الاقتصادي الذي تخوضه الحكومة اليمنية المتمركزة في عدن في مواجهة الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء.
مصادرة أصول بمئات الملايين من الدولارات
ذكر الموقع أنه على الرغم من أن الأهداف الإسرائيلية كانت في معظمها على موانئ الحوثيين، التي تسيطر على معظم ساحل البحر الأحمر اليمني، إلا أن التجارة الدولية غير المشروعة التي يديرها وكلاء إيران في اليمن لم تتوقف، وهو ما ينعكس أيضًا في الخطوة الأخيرة التي اتخذها الأمريكيون.
أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن إرهاب الحوثيين يبدأ من اليمن. إنهم يسيطرون على أصول الدولة والقطاع الخاص بذرائع قانونية، ويعينون أفرادًا موالين لهم عليها. تقدر واشنطن أن الحوثيين جمعوا ممتلكات تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار فقط بفضل عمليات المصادرة في صنعاء ومناطق أخرى في اليمن.
في إطار الإجراءات الجديدة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات شملت تجميد الأصول، ومنع إجراء صفقات مع الجهات التي فُرضت عليها العقوبات، ومن بينها عبد الله الشاعر، شقيق صالح الشاعر، الذي كان موكلًا على الأصول المصادرة، ويخضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2021.
قبل عامين، عيّن صالح شقيقه عبد الله رئيسًا لشركة شبام القابضة، وشركة الأمن الخاصة “يمن أرمورد”. صادر الحوثيون شركة شبام بعد سيطرتهم على صنعاء عام 2014، وبذلك استحوذوا مباشرة على أصول تُقدّر بنصف مليار دولار. واليوم، يتعاون عبد الله الشاعر في غسل الأموال مع خالد خليل، رئيس الدائرة الاقتصادية في جهاز الأمن والاستخبارات الحوثي.
من الشركات المهمة الأخرى في هيكل أصول الحوثيين شركة كمران للصناعة والاستثمار، التي صودرت عام 2017 وهي فاعل رئيس في سوق التبغ المحلي، التي وفرت للحوثيين آنذاك عائدات بملايين الدولارات. نظرًا لأهميتها، عيّن وكلاء إيران في اليمن، العام الماضي، رئيسًا للشركة ممثلًا عنهم.
شركة وهمية تعمل انطلاقًا من الإمارات
إلى جانب كل هذه الأصول، يُعدّ تصدير واستيراد النفط ومنتجاته أهمّ أصول الحوثيين. وفقًا للأمم المتحدة ووزارة الخزانة الأمريكية، يتراوح إجمالي إيرادات الحوثيين من رسوم النفط والوقود للفترة 2022-2024، بين 4 و5.5 مليارات دولار. في الوقت نفسه، منعوا الحكومة اليمنية من 7.5 مليار دولار من عائدات تصدير النفط خلال هذه الفترة، التي كان من المفترض أن تُشكّل نحو 90% من الصادرات وزهاء 80% من إجمالي إيرادات عدن.
يدير الحوثيون تجارتهم، سواءً في النفط أو أي مجالات أخرى، بمساعدة شركات وهمية وشركات شحن تعمل خارج اليمن. إحدى الشركات التي حددتها وزارة الخزانة الأمريكية هي شركة طيبة لإدارة السفن، ومقرها الإمارات العربية المتحدة. تُشغّل هذه الشركة ناقلات نفط ترفع أعلام بربادوس، وأنتيغوا، وبربودا وبنما.
هناك شركة أخرى تُشغّل ناقلات نفط لصالح الحوثيين مُسجّلة في جزر مارشال، وهي شركة MT Tevel. القاسم المشترك بينهما هو قائدهما، محمد السنيدار، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في يوليو.
•الصين مصدر أساسي لنشاط الحوثيين
أشار موقع جلوبس إلى أن التعاون بين الحوثيين والصين أثناء حرب السيف الحديدي كان جليًا. وفقًا لصحيفة فاينانشال تايمز، لقد استفاد الحوثيون من خدمات الأقمار الصناعية التي تقدمها شركة مرتبطة بالجيش الصيني، وبحسب صحيفة العربي الجديد، استخدم الحوثيون أسلحة صينية الصنع. في الوقت نفسه، التزمت الصين الصمت شبه التام بشأن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. في يناير 2024، كشفت صحيفة جلوبس، أن شركة الشحن الصينية العملاقة “كوسكو” هي الوحيدة التي امتثلت لمطلب الحوثيين بالامتناع عن زيارة الموانئ الإسرائيلية.
تشير وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن هذا على الأرجح غيض من فيض، وأن كثيرًا من الكيانات في الصين تتعاون مع الحوثيين بشكل روتيني. من بين شركات أخرى، تُورّد شركة Hubei Chica كميات كبيرة من المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الصواريخ الباليستية، والمتفجرات، وتُنقل شركة Shenzhen Shengnan مكونات متعددة ذات استخدام مزدوج لتصنيع الطائرات المسيّرة، وتُورّد شركة Shanxi Shutong مواد كيميائية لتصنيع محركات الصواريخ الباليستية.
تجرى عمليات الشراء الحوثية من الصين بمساعدة شركات مشتريات محلية، مثل شركة Yiwu Wanshun التي توّلت في السنوات الأخيرة مسؤولية شراء وشحن مكونات الطائرات المسيّرة والمنتجات ذات الاستخدام المزدوج من الصين. هذا إلى جانب “معهد إرتقاء” في صنعاء، الذي يستخدم أيضًا لشراء مكونات الطائرات المسيّرة والأسلحة.
تشارك الشركات الصينية أيضًا في مرحلة الشحن. لقد شحنت شركة الخدمات اللوجستية Guangzhou Yakai شحنات عديدة من المكونات ذات الاستخدام المزدوج، والمعدات العسكرية إلى شركات الحوثيين في اليمن والدول المجاورة.
اشترت شركة الشحن Guangzhou Nahari منتجات ذات استخدام مزدوج من مصنعين في الصين، وأدرجتها في شحنات غادرت إلى موانئ في مناطق سيطرة الحوثيين. هذه شركة شحن مقرها الصين ومرتبطة بالحوثيين. دعمت جهود المشتريات التجارية للحوثيين في الصين، واشترت مكوّنات من موردين مقيمين في الصين -وأخفتها في شحنات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
•كيف يستغل الحوثيون الصراع مع إسرائيل لاستكمال سيطرتهم على اليمن؟
قال تسفي برئيل [12] على موقع هاآرتس، في 8 سبتمبر 2025، إن الحوثيين قد يُصوّرون أنفسهم على أنهم يناصرون إخوانهم في قطاع غزة، ويرهنون وقف هجماتهم بوقف إطلاق النار في غزة، لكنهم كيان وطني مستقل يجني أرباحًا طائلة مادامت الحرب على غزة مستمرة.
أشار أيضًا إلى أن اعتمادهم على التمويل الأجنبي أقل بكثير من اعتماد مليشيا حزب الله الشيعية. إنهم يملأون خزائنهم بالضرائب والرسوم التي يفرضونها على أصحاب الأعمال والمواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، التي تمثل نحو 60% من إجمالي سكان اليمن.
لا يزالون يستوردون النفط بطرق ملتوية، ويستوفون رسوم عبور باهظة من السفن الأجنبية -مع أنها لا تربطها أي صلة بإسرائيل -ويصنعون أسلحتهم، ويبدو أنهم يحظون بدعم عسكري من روسيا والصين أيضًا. هذا يُوفّر لهم ذريعةً لتجنيد آلاف “المتطوعين” في جيشهم، الذي يتراوح عدده بين 350 ألفًا إلى 500 ألف جندي، ومهاجمة خصومهم السياسيين، وقمع حركات المعارضة.
قال برئيل إن هدف الحوثيين المنشود هو السيطرة على كامل اليمن، أو على أقل تقدير فرض اتفاق يوفر لهم حصة كبيرة من ميزانية الدولة والوظائف الحكومية. قد لا يعلنون ذلك صراحة، لكن يرى الحوثيون في قتال إسرائيل وتهديد طرق الملاحة في البحر الأحمر وسيلةً لتحقيق أهدافهم السياسية داخل اليمن.