تحليل: أحداث حضرموت تقرّب اليمن من (الصوملة)
يمن فيوتشر - وكالة نوفا الإخبارية- ترجمة خاصة السبت, 06 ديسمبر, 2025 - 10:42 مساءً
تحليل: أحداث حضرموت تقرّب اليمن من (الصوملة)

دخل اليمن مرحلة هي الأكثر تقدّمًا من التفكّك الجغرافي والمؤسّسي منذ اندلاع الحرب الأهلية. فالأزمة العسكرية والسياسية المستمرّة في إقليم حضرموت شرقًا، إلى جانب تقدّم القوات الانفصالية الجنوبية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، تُعدّ أوضح مؤشرٍ على تفكّك الدولة الموحّدة. إنّه انتقال بطيء، لكنه بات حتميًا، حيث تفرض السلطات المحلية والميليشيات والقبائل والقوى الإقليمية إيقاع الأجندة السياسية أكثر من أي حكومة مركزية معترف بها رسميًا.

وقال لوكالة «أجينزيا نوفا»: «نحن نشهد صوملة واضحة ومتدرّجة وشرسة لليمن».

وتشدّد (لورا سيلفيا باتّاليا) –وهي صحفية وصانعة أفلام وثائقية مختصّة بالشأن اليمني، وناطقة باسم إذاعة “راديو 3 موندو”، ومساهمة في صحيفة “واشنطن بوست”— على أنّ التفكّك المتدرّج للمؤسسات ليس ظاهرة مفاجئة أو ظرفية، بل «مسار مستمر منذ سنوات»، تفاقم اليوم بفعل أزمة حضرموت والتنافس بين السعودية والإمارات.

وترى باتّاليا أنّ الحديث اليوم عن «حكومة مركزية» في اليمن بات «غير واقعي». وهي تميّز بين مستويين اثنين من الحكم المعترف بهما رسميًا، لكنّ كليهما يفتقر إلى القدرة التنفيذية: فمن جهة، هناك الجهاز المكوّن من النخب المؤسسية والسياسية المرتبطة بحزب الإصلاح، الحزب الإسلامي السني الرئيسي، والذي يحتفظ بعلاقات خارجية لكنه «فعليًا لم يعد يملك أي سيطرة على الأرض». ومن جهة أخرى، يوجد المجلس الرئاسي المتمركز في عدن برئاسة (رشاد العليمي)، الذي يمثّل رسميًا الحكومة المعترف بها دوليًا. غير أنّ الهيكل المؤسّسي بات خاليًا من أي سلطة فعلية؛ فـ«العليمي ورجاله، الذين يتحاورون مع الرياض، لديهم وجود فعلي في الجنوب، في عدن، لكن قلب الحكومة أصبح بالفعل في يد القوى الانفصالية»، بحسب باتّاليا.

وفي نظر السكان والجهات المسلحة، يُنظر إلى السلطة التنفيذية في عدن بوصفها نقطة مرجعية بيروقراطية ضرورية للتفاوض الخارجي، لكنها تفتقر إلى القدرة على فرض القرارات، أو ممارسة السيادة على الأرض، أو إدارة الأمن والموارد والخدمات.

ويبدو الجهاز الحكومي اليوم مفكّكًا ومختزلًا إلى تمثيل رمزي، فيما انتقلت إدارة الدولة فعليًا إلى تعددية من السلطات المسلحة، سواء كانت محلية أو إقليمية. ويقع في صميم هذا التحوّل الحراكُ الانفصالي الجنوبي، والمجلس الانتقالي الجنوبي (STC)، الذي سيطر خلال الأيام الماضية على أجزاء واسعة من محافظة حضرموت، بما في ذلك المطارات والبنى التحتية للطاقة وطرق المواصلات. وتوضح باتّاليا أن المجلس الانتقالي يستفيد من «الدعم الأعمق من الإمارات، التي تمتلك حضورًا في عدة مناطق على الساحل»، وأن «لدى أبوظبي اليوم مصلحة جوهرية في ضمان تطوير هذه المنطقة بما يخدم احتياجاتها».

وبحسب الخبيرة، فقد انتقلت الإمارات «من موقع المصالح المشتركة مع السعودية إلى موقعٍ تتعارض فيه هذه المصالح، تحديدًا داخل اليمن». وتظهر المنافسة بين القوتين الخليجيتين على المستويات الجغرافية والاقتصادية والعسكرية، لا سيما في جنوب اليمن، حيث تدعم أبوظبي استقلال المؤسسات المحلية، وتقدّم الموارد والتدريب والبنى التحتية للمجموعات المسلحة والهياكل المدنية. ولم يعد المجلس الانتقالي مجرد ميليشيا، بل سلطة شبه مستقلة بحكم الأمر الواقع، تمتلك قدرة إدارية، وسلسلة لوجستية، وحضورًا عسكريًا منظمًا، فضلًا عن وصول مباشر إلى دعم مالي خارجي.

وفي المناطق الخاضعة لسيطرته، يتولى المجلس الانتقالي مهام الأمن والجباية وإدارة الأرض، ليحلّ فعليًا محل الحكومة المركزية.

ولا يمكن فهم الأزمة الراهنة دون النظر إلى الأهمية التاريخية لإقليم حضرموت، وهو إقليم لطالما كان «شديد الاستقلالية وله تاريخ فريد للغاية»، كما تُذكّر باتّاليا. ويضم الإقليم مجموعات قبلية قوية للغاية، وشبكات اقتصادية عابرة للحدود تُعدّ نادرة في العالم العربي. وإلى جانب ذلك، تُعدّ حضرموت «المنطقة التي تمتلك بلا شك أكبر احتياطي نفطي»، جرى استغلال جزء منه فقط، بينما تبقى الآفاق واسعة لتطوير قطاعات الهيدروكربونات والغاز. إنّه إقليم غني، يضم بنى تحتية استراتيجية للطاقة، ويتمتع بإطلالة مباشرة على البحر، ما يجعله موضع اهتمام رئيسي للقوى الخليجية والفاعلين الإقليميين.

ومنذ عام 2012، خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد عقب ثورة 2011، دعمت حضرموت النموذج الفيدرالي وحقّها في الاستقلال الاقتصادي. وتوضح باتّاليا: «إنه أحد أكثر أقاليم اليمن التي رغبت في الفيدرالية والتحرر من الاعتماد على المركز، كي تستفيد من جميع أنشطتها التجارية، وعلى رأسها النفط، لكن ليس النفط وحده». ومن ثمّ، فإن هذا المطلب التاريخي لا ينبع من الصراع الحالي، بل يعكس موقفًا راسخًا ومتجذرًا ثقافيًا، تدعمه بنية اقتصادية مستقلة.

وقد حافظت حضرموت طويلًا على علاقات مميزة مع السعودية وسلطنة عُمان، كما أنها مارست في مراحل مختلفة قدرًا مهمًا من الاستقلالية عن شطري اليمن، الشمالي والجنوبي.

والرؤية الانفصالية الخاصة بحضرموت باتت اليوم أكثر تقدّمًا مما كانت عليه في السابق. فـ«إحدى الفرضيات الانفصالية المطروحة للنقاش هي أنه، إلى جانب الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، والجنوب الذي تحكمه فسيفساء من قوى الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الانفصالية، ينبغي أن تصبح حضرموت اليمنَ الثالث». وهذا يعني أن التفكك الجغرافي لن يظلّ محصورًا في ثنائية الشمال والجنوب، بل قد يستقر عبر إنشاء ثلاث سلطات مستقلة، لكلّ منها منظومتها الاقتصادية والأمنية الخاصة.

وتعكس الأزمة الحالية في الواقع انقسامًا داخليًا بين كتلتين محليتين: فمن جهة، هناك من «يرغبون في استقلال كامل لحضرموت»؛ ومن جهة أخرى، توجد مجموعات قبلية أو اقتصادية تفضّل «البقاء مرتبطة بالسعودية لأسباب تتعلق بالتموضع الإقليمي». وفي الوسط تقف حكومة مركزية «لم تعد تسيطر على شيء»، معترف بها شكليًا لكنها تفتقر إلى الأدوات الفاعلة لاحتواء التطورات على الأرض.

ولا مصلحة للسعودية في مزيد من «صوملة» اليمن، على الأقل في المجال الطاقي. وتوضح باتّاليا أن الهدف الأساسي للرياض هو تأمين ممر لوجستي قادر على نقل الموارد النفطية من الشمال إلى الساحل الجنوبي. ولهذا الغرض، استثمرت السعودية بشكل كبير في محافظة المهرة شرقي البلاد، المحاذية لسلطنة عُمان، حيث نسجت علاقات محلية عميقة، ووجّهت التمويل إلى ثلاثة قطاعات رئيسية: «الغاز والنفط، التعليم، والبنية التحتية، خصوصًا المطارات والموانئ». وهذه الاستثمارات ليست عسكرية بالدرجة الأولى، بل اقتصادية وإنشائية، ترمي إلى بناء شبكة لوجستية مستقرة.

وفي هذا الإطار تحديدًا يبرز التنافس بين المصالح السعودية والقوى المركزية في عدن والمجموعات المسلحة ذات الحكم الذاتي في شبوة ولحج، بما في ذلك فصائل من تنظيم القاعدة، التي تستشهد بها باتّاليا ضمن تحليلها.

«لقد فوّت اليمن فرصة التحوّل إلى دولة فيدرالية في زمن السلم، وها هو اليوم كلّ عنصر من هذا الجسد الواحد، كلّ عضو، يبدأ بالعمل منفردًا»، هكذا تُلخّص باتّاليا. وتشير إلى أن غياب المركزية الحقيقية يحوّل البلاد إلى نظام شديد النفاذ، عاجز عن إعادة توزيع الموارد أو ضمان أمن موحّد، إلى حد «تحويل البلاد إلى غربال، تمامًا كما كانت — وما تزال — الصومال». وبالتالي، فإن «الصوملة» ليست سيناريو افتراضيًا، بل مسارٌ قائم ومرئي بالفعل: كيانات إقليمية تدير أجزاء من البلاد ككيانات مستقلة، تمتلك اقتصاداتها الخاصة، ومفاوضاتها الخارجية، وميليشياتها، وأنظمتها الجمركية، وعلاقاتها الثنائية.

وكما تختم باتّاليا، فإن اليمن بات اليوم مقدّرًا له أن يتحوّل إلى «عدّة صومالات داخل الصومال»، تجمعها توازنات محلية واتفاقات أمنية أكثر مما تجمعها عاصمة واحدة أو حكومة مركزية تعمل بكامل طاقتها.


التعليقات