لقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق معادلة دقيقة؛ فهي من جهة تتحوّط في مواجهة الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى تستفيد من علاقاتها الجيدة في واشنطن للحصول على شرائح الذكاء الاصطناعي وتعزيز نفوذها في بؤر التوتر الممتدة من اليمن إلى السودان، وهو ما يضعها أحيانًا في مسارٍ يتعارض مع مواقف بقية الشركاء العرب لواشنطن.
وتواصل الإمارات المضي في مشاريع حساسة مرتبطة بالصين، الخصم الأول للولايات المتحدة، غير أن مسؤولين أمريكيين وعرب قالوا لموقع ميدل إيست آي إن أبوظبي لا تتحمل سوى كلفة محدودة جراء ذلك.
وكشف ميدل إيست آي مؤخرًا أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية توصلت إلى أن عناصر من جيش تحرير الشعب الصيني نُشروا في قاعدة عسكرية محورية بأبوظبي.
وبعد نشر ذلك التقرير، أفاد مسؤول أمريكي وشخص مطّلع على الملف للموقع بأن المراقبين المتخصصين في الشأن الصيني في السفارة الأمريكية بأبوظبي ما زالوا يشكّون في طبيعة أنشطة بكين في ميناء خليفة، حيث تدير شركة “كوسكو” الصينية الحكومية محطةً هناك، وتشير تقارير استخبارية أمريكية إلى إمكانية وجود نشاط لجيش تحرير الشعب الصيني.
وقالت تشينزيا بيانكو، الخبيرة في شؤون الخليج بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لموقع ميدل إيست آي:
“لقد تراجعت الإمارات خطوات قليلة، لكنها لم تُنهِ تعاونها مع الصين بالكامل. وهذا يعني أن الإماراتيين يعتقدون أنهم قادرون على تحمّل أي ضغوط أمريكية.”
وخلال إدارة بايدن، أصيب بعض كبار المسؤولين بقلق بالغ من تنامي نزعة الإمارات للاستقلال عن واشنطن، إلى درجة أنهم سعوا لإجراء مراجعة شاملة للعلاقة مع الدولة الخليجية. وقد قادت هذا المسعى باربرا ليف، أكبر مسؤولة في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. لكن في نهاية المطاف، تلاشى هذا الجهد، وفق ما قاله مسؤول أمريكي رفيع سابق للموقع.
وقال المسؤول السابق، طالبًا عدم كشف هويته:
“انتهى الأمر بصياغة تقرير مختصر جدًّا ركّز على دور الإمارات في ليبيا، لكنه تفادى بشكلٍ واضح تناول القضايا شديدة الحساسية المتعلقة بالصين.”
وعندما عاد الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة هذا العام، جعل من الخليج محطته الخارجية الأولى. وقد لاحظ بعض المراقبين في الشرق الأوسط أن ترامب حظي بموائد رسمية كاملة في السعودية وقطر، بينما كانت زيارته للإمارات في مايو/ أيار أقصر وأقل احتفاءً.
وقد عزى عدد من المسؤولين الأمريكيين ذلك إلى التوترات المرتبطة بعلاقات الإمارات التكنولوجية مع الصين.
لكن في الشهر الماضي، حصلت شركة G42 العملاقة المملوكة للدولة في الإمارات، والمتخصصة في الذكاء الاصطناعي، على الضوء الأخضر من واشنطن لشراء عشرات الآلاف من شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة من “إنفيديا”، إلى جانب منافستها السعودية المملوكة للدولة، شركة هيومن.
وقد لفت منح السعودية والإمارات الوزن نفسه في هذا القرار انتباه بعض المحللين.
وقالت آنا جاكوبس، من مجموعة الأزمات الدولية، للموقع:
“لقد تمكنت الإمارات من المناورة بين الصين والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تحصين نفسها ضد ردود الفعل في واشنطن بطرق لا يمكن لغيرها تصورها.”
•أكبر من أن تكون «حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو» أو في صفقة الـ F-35
برز هذا العام التباين الحاد بين نهج الإمارات في التعامل مع واشنطن ونهج جيرانها ومنافسيها في الخليج، قطر والسعودية.
فبعد أن قصفت إسرائيل مفاوضي حركة حماس في الدوحة في سبتمبر/ أيلول، سعى المسؤولون القطريون إلى الاقتراب أكثر من الولايات المتحدة وتهدئة أي أحاديث عن توتر، بما في ذلك ما يتعلق بمعرفة واشنطن المسبقة بالهجوم الإسرائيلي. وباعتبارها أصلًا «حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو»، عززت قطر تعاونها العسكري مع واشنطن، وتمكنت من انتزاع أمر تنفيذي من الرئيس ترامب يتعهد بالدفاع عنها ضد أي هجمات مستقبلية.
ولم تكن السعودية بعيدة عن هذا المسار؛ فعندما زار ولي العهد محمد بن سلمان واشنطن الشهر الماضي، مُنحت المملكة أيضًا صفة «حليف رئيسي من خارج الناتو». ولعل الأهم من ذلك أن الرياض توصّلت إلى اتفاق للتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، قال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون للموقع إنه سيسرّع وتيرة مبيعات السلاح للمملكة.
ومع حصول كلٍّ من قطر والسعودية على صفة «حليف رئيسي من خارج الناتو»، بات الخليج العربي مغطّى تقريبًا بدول تحمل هذا اللقب الذي يعكس مدى قربها من واشنطن. والاستثناءات الثلاثة هي: اليمن الغارق في الحرب، وسلطنة عُمان التي تفخر بدورها كوسيط مرن، والإمارات.
وقال مسؤول غربي في الخليج للموقع: “تعتقد الإمارات أنها أكبر من الدخول في تصنيفات مثل حليف رئيسي من خارج الناتو. إنها لا تنحدر إلى مثل هذه اللعبة.”
وتستضيف الإمارات والسعودية وقطر قواعد عسكرية أمريكية، إلا أن الإمارات –وفق ما قاله مسؤول أمريكي سابق للموقع– هي التي فرضت على مدى سنوات أشدّ الشروط صرامة على كيفية استخدام الولايات المتحدة لذلك الوجود العسكري.
وتُعدّ قاعدة الظفرة الجوية قرب أبوظبي مقرًّا للقوة الجوية الأمريكية 380 التابعة للقيادة المركزية.
ويظهر نهج الإمارات القائم على التحرك المنفرد عند مقارنة مسار صفقة مقاتلات F-35 المتعثّرة التي سعت إليها مع مسار السعودية. فقد حصلت الرياض الشهر الماضي على موافقة الرئيس ترامب لشراء هذه المقاتلات المتقدمة، رغم امتناعها –حتى الآن– عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وكانت الولايات المتحدة قد وعدت الإمارات بتزويدها بمقاتلات F-35 مقابل إقامتها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عام 2020، لكن الصفقة تعثرت بسبب مخاوف واشنطن من الروابط العسكرية بين الإمارات والصين. وفي العام الماضي، أعلنت أبوظبي أنها لم تعد مهتمة بالحصول على هذه الطائرات، جزئيًا بسبب القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على الصفقة.
وقالت آنا جاكوبس: “من بين جميع دول الخليج، تُعد الإمارات الأكثر جدّية في اتباع استراتيجية التحوّط. فالسعودية وقطر تستثمران على المدى الطويل في علاقتهما مع الولايات المتحدة، بينما تُكثِر الإمارات من المناورة، لكن ذلك لا يبدو أنه يزعج واشنطن.”
•السير منفردًا
في عدد من الملفات، تبدو إدارة ترامب أقرب بكثير إلى الدوحة وأنقرة والرياض. فعلى سبيل المثال، ينسب ترامب الفضل لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إقناعه برفع العقوبات عن سوريا وضمّ رئيسها الجديد أحمد الشرع إلى دائرة النفوذ الأمريكي. وتُعدّ الإمارات من أكثر الدول تشكيكًا في الجذور الإسلامية للشرع.
وبعد ثورات الربيع العربي، اعتادت واشنطن أن تنظر إلى الشرق الأوسط من خلال عدسة كتلتين: كتلة سعودية–إماراتية تعارض إسقاط الأنظمة التقليدية مثل نظام حسني مبارك في مصر، وكتلة تركية–قطرية كانت أكثر ارتياحًا للسعي إلى النفوذ في أعقاب الاحتجاجات الشعبية.
وقد خططت الإمارات والسعودية معًا لفرض حصار على قطر، وتدخّلتا في الحرب الأهلية اليمنية جنبًا إلى جنب. لكن اليوم، تلاشت تلك الخطوط القديمة للمعركة.
وهذا الأسبوع، شنّت جماعة مسلّحة انفصالية في جنوب اليمن، مدعومة من الإمارات، هجومًا واسعًا ضد قوات مدعومة من السعودية في محافظة حضرموت، وهي منطقة غنية بالموارد في شرق اليمن لطالما اعتبرتها الرياض مجال نفوذها الحيوي ومنفذها المهم إلى المحيط الهندي.
وفي السودان، ساحة الحرب بالوكالة الأخرى المشتعلة في المنطقة، كان ميدل إيست آي أول من كشف أن ولي العهد محمد بن سلمان خطّط للضغط ضد الإمارات في البيت الأبيض في نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي خطوة تصعيدية حادّة فاجأت كثيرًا من مراقبي الخليج الذين يؤكدون أن قادة المنطقة حساسون جدًا تجاه كشف خلافاتهم الداخلية في واشنطن.
وتدعم السعودية وتركيا وقطر القوات المسلحة السودانية في مواجهة قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات. وقد دعمت أبوظبي قوات الدعم السريع طوال فترة الحرب عبر خطوط إمداد تمتد عبر جنوب شرق ليبيا وتشاد، وبشكلٍ متزايد عبر ميناء بوصاصو على ساحل بونتلاند في الصومال. وتواصل الإمارات نفي هذه الاتهامات.
ويقول محللون ودبلوماسيون سابقون وحاليون إن نجاح الإمارات في الموازنة بين سياساتها الخارجية يعود إلى براعتها الدبلوماسية وقدرتها المالية الضخمة. فعلى مدى نحو عشرين عامًا، قام السفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، بتقديم تمويل لمراكز أبحاث وأحزاب سياسية، وفي الوقت نفسه نسج علاقات قوية مع كبار صناع القرار في العاصمة الأمريكية.
كما يشيرون إلى أن قطر والسعودية تتبعان أسلوبًا مشابهًا، لكن علاقة الإمارات القوية بإسرائيل أكسبتها تقديرًا واسعًا بين السياسيين والمسؤولين الأمريكيين على اختلاف توجهاتهم.
وفي تعليق للموقع، قال مسؤول أمريكي حالي: “تحظى الإمارات بقدر أكبر من الحرية مقارنة بالسعودية وقطر، لأنها تُعدّ الصبي الذهبي لإسرائيل.”
لقراءة المادة من موقعها الأصلي:
https://www.middleeasteye.net/news/how-uae-keeps-us-close-while-hedging-against-it