تقرير: انتحاريات أميركية في سماء الشرق الأوسط.. كيف تحولت “شاهد” إلى “لوكاس”؟
يمن فيوتشر - الحرة- عزة وجدي: السبت, 06 ديسمبر, 2025 - 11:33 مساءً
تقرير: انتحاريات أميركية في سماء الشرق الأوسط.. كيف تحولت “شاهد” إلى “لوكاس”؟

في خطوة تعكس تحولا نوعيا في العقيدة العسكرية الأميركية، أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) الأربعاء تشكيل أول وحدة عملياتية للطائرات الهجومية الانتحارية في الشرق الأوسط.
تحمل هذه الوحدة الجديدة اسم “قوة العقرب الضاربة” (Task Force Scorpion Strike) وتعتمد على طائرات بدون طيار منخفضة التكلفة من طراز (LUCAS)، وهي مستوحاة من الطائرة الإيرانية “شاهد-136” التي استخدمتها روسيا في الحرب الأوكرانية.
مسؤول عسكري في القيادة المركزية الأميركية، وفي ردّ خطي على أسئلة “الحرة”، قال إن القوة أُنشئت “لتسريع تزويد المقاتلين بقدرات جديدة في مجال الطائرات القتالية من دون طيار”، وأن الهدف هو “تجهيز قواتنا بتكنولوجيا ناشئة تردع الجهات الخبيثة”.
وأشار إلى أن منظومة LUCAS هي “منصة منخفضة الكلفة وقابلة للتطوير، يمكن تعديلها سريعا لتلائم طيفا واسعا من المهام، وتُطلق من البر عبر آليات مختلفة، وتتمتع بمدى واسع وقدرة على العمل خارج خط البصر، ما يمنحنا قدرة إضافية عبر المنطقة بأكملها”.

 

لماذا الآن؟
توقيت الإعلان عن السرب الجديد لا يمكن فصله عن سياق أوسع من التصعيد الإقليمي.
فخلال الأشهر التي تلت السابع من أكتوبر، استهدفت إيران ووكلاؤها القواعد الأميركية في المنطقة بشكل متكرر، وانتهى أحد هذه الهجمات على موقع عسكري في الأردن بمقتل ثلاثة جنود أميركيين.
وفي الوقت نفسه، صعّد الحوثيون هجماتهم بالطائرات المسيّرة والصواريخ على السفن التجارية في البحر الأحمر. وفي عام 2024، أطلقت إيران نحو 170 طائرة مسيّرة باتجاه إسرائيل؛ أُسقط معظمها.
هذه السلسلة من الهجمات أكدت لواشنطن أن خصومها في المنطقة لا يعتمدون فقط على الصواريخ التقليدية، بل على أسراب من الطائرات الرخيصة والانتحارية التي تُستخدم لإرهاق الدفاعات الجوية وخلق معادلة كلفة غير متوازنة. من هنا يأتي رهان البنتاغون على سلاح مشابه من حيث المنطق، لكن بتقنيات أميركية ولأهداف ردعية.

 

دروس الحرب المسيّرة
أصبح التحول في استخدام الطائرات بدون طيار واضح المعالم خلال الحرب الأوكرانية. في بدايتها، برزت طائرات بيرقدار التركية بقدراتها الدقيقة، لكن كلفتها العالية، وكونها أهدافا واضحة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية حدّ من تأثيرها مع مرور الوقت.
ومع اشتداد الحرب، اتجه الطرفان إلى استخدام طائرات صغيرة ومنخفضة الكلفة، بعضها معدّل يدويا بإمكانات بسيطة، حيث استُخدم الشريط اللاصق لتثبيت قنابل يدوية أو قذائف هاون على طائرات هواة تجارية.
هكذا تحوّل الجنود العاديون، بل ومتطوعون مدنيون، إلى مشغّلي طائرات هجومية مرتجلة تسقط الذخائر فوق الخنادق والآليات.
في ذروة هذا النمط، ظهرت الطائرات الإيرانية من نوع “شاهد”، التي وفرتها طهران لموسكو بكميات كبيرة. هذه الطائرات، التي تتراوح كلفتها بين 20 و50 ألف دولار، استُخدمت في ضرب منشآت الطاقة الأوكرانية، والأهم في إغراق الدفاعات الجوية بعدد هائل من الأهداف الرخيصة.
السؤال الذي فرض نفسه كان بسيطا: هل من المنطقي إطلاق صاروخ دفاعي قد تزيد كلفته على 3 أو 4 ملايين دولار لاعتراض طائرة مسيّرة لا تتجاوز كلفتها 50 ألف دولار؟
هذا المنطق في استنزاف الدفاعات بكلفة زهيدة أصبح جزءا من قاموس الحروب الحديثة، وتحوّل إلى نموذج تحتذي به قوى مختلفة، من روسيا إلى إيران ووكلائها، وصولا إلى الجماعات المسلحة الأصغر.

 

سلاح منخفض التكلفة بمدى استراتيجي
وبحسب تقارير في مواقع متخصصة في الشؤون الدفاعية، طوّرت نظام LUCAS شركة أميركية مقرها أريزونا تُدعى سبيكتروركس (SpektreWorks)، وذلك بعد دراسة نموذج من الطائرة الإيرانية “شاهد-136”.
أما القيادة المركزية الأميركية، ففي بيانها الرسمي اكتفت بالإشارة إلى المنظومة بوصفها “نظاما منخفض الكلفة بعيد المدى”، من دون ذكر اسم الشركة المصنعة.
لكن مسؤولا في وزارة الدفاع الأميركية قال لشبكة “سي.أن.أن” أن تطوير المسيرة تم بعد حصول الجيش الأميركي على نسخة من “شاهد-136” قبل سنوات.
كان الهدف في البداية دراسة الطائرة الإيرانية، قبل أن يتطور المشروع إلى تصميم منصة أميركية محسّنة باستخدام الهندسة العكسية تعتمد الفكرة ذاتها.
لا تتطلب LUCAS مدرجا للإقلاع، بل يمكن إطلاقها من عربات أو منصات بسيطة على البر، بحسب مسؤول القيادة المركزية. تحمل رأسا متفجرا وتطير وفق مسار مبرمج، أو تحت إشراف محدود من المشغّل، ثم تنقض على الهدف لتنفجر عند الاصطدام.
وتتمتع هذه الطائرات بقدرة على التحليق لمسافات طويلة، والعمل خارج نطاق البصر، مع منظومات ملاحية متقدمة، ما يمنحها قدرة على ضرب أهداف بعيدة وفي عمق المناطق المعادية، وبكلفة أقل بكثير من الطائرات المأهولة أو الطائرات الكبيرة من دون طيار.

 

وماذا عن الموقع؟
لم تكشف القيادة المركزية عن مواقع تمركز السرب الجديد، مكتفية بالإشارة إلى أنه متمركز في الشرق الأوسط، وقابل للانتشار السريع في مختلف أرجاء منطقة مسؤوليتها، “في مختلف أرجاء منطقة مسؤولية سنتكوم،” كما يقول المسؤول عسكري في القيادة المركزية الأميركية لـ”الحرة”.
الأرجح أن تشغيل هذه الطائرات سيتم في إطار وحدات مشتركة، تضم عناصر من أفرع مختلفة في الجيش الأميركي، بما يتيح نقلها واستخدامها من قواعد متعددة وفقا لتطور التهديدات.
في ظل تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ من قبل جماعات مدعومة من إيران في العراق واليمن، توفر LUCAS وسيلة هجومية منخفضة المخاطر نسبيا، تسمح برد سريع ومحدود من دون الحاجة إلى المجازفة بطائرات مأهولة أو اللجوء إلى صواريخ باهظة الثمن.

 

عهد أنظمة منخفضة التكلفة
يتجه ميزان القوة في الحروب الحديثة نحو أنظمة منخفضة التكلفة وقابلة للخسارة. التفوق الجوي لم يعد حكرا على المقاتلات المتقدمة، بل بات مرتبطا بالقدرة على إنتاج ونشر أسراب من الطائرات الرخيصة، لكن ذات فعالية تشغيلية عالية.
بالنسبة لواشنطن، تُعد “قوة العقرب الضاربة” اختبارا مبكرا لهذا التوجه الجديد في الشرق الأوسط.
وإذا ثبتت فاعليتها، قد نرى نسخا مماثلة في مسارح عمليات أخرى.


التعليقات