إن موافقة حركة حماس على مبادرة الرئيس دونالد ترامب في بيانها الصادر في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2025 — والتي جاءت بـ«نعم واحدة» و«العديد من الرفضات» — شكّلت بداية أفولها السياسي.
فالمقترح الأميركي، الذي حظي بدعم واسع من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، مثّل فرصة نادرة لانتشال غزة من دوامة العنف، وتحييد أحد آخر الوكلاء الإرهابيين لإيران الذين خنقوا القطاع منذ انقلاب عام 2007، مخلفين الدمار والموت.
وتدرك حماس أن اعتراضاتها لم تعد ذات أثر، بعد أن اتفقت السلطة الفلسطينية والعالمان العربي والإسلامي على إنهاء مأساة غزة في إطار تعهد من ترامب بإطلاق برنامجٍ لإعادة الإعمار والسلام والازدهار على غرار “خطة مارشال”.
في الأشهر الأولى من ولايته الثانية، كثّف الرئيس ترامب وفريقه جهودهم لحل النزاعات المستعصية في الشرق الأوسط، سعيًا لإبراز صورة جديدة لأمريكا كقوة فاعلة من أجل السلام والتعاون والازدهار — وهي جهود تستحق تقديرًا دوليًا مستحقًا.
ومع ذلك، لا يزال أمام الإدارة الأميركية مهمة حاسمة غير مكتملة في المنطقة، تتمثل في استكمال عملية “الفارس الخشن” (Operation Rough Rider)، الرامية إلى إنهاء التهديد الحوثي للملاحة الدولية.
توقفت الحملة في أعقاب الوساطة العُمانية ووعود الحوثيين بوقف الهجمات في البحر الأحمر وخليج عدن، لكن الجماعة سرعان ما نكثت وعودها.
واليوم، يجدد الحوثيون تهديداتهم مجددًا، بل أعلنوا فرض عقوبات على شركات شحن أميركية، مدفوعين بوهم الانتماء إلى ما يسمى بـ”محور المقاومة” الإيراني.
ولذلك، فإن الحلّ يجب أن يكون شاملًا — سياسيًا وأمنيًا ومستدامًا.
لا يُبدي الحوثيون أي اكتراثٍ لمعاناة اليمنيين الخاضعين لسيطرتهم؛ فالموت والنزوح والمجاعة لا تعني لهم شيئًا ما داموا يخدمون أجندة إيران التوسعية. ومن ثم، تتطلب الاستراتيجية الفاعلة خنق مصادر تمويلهم ودعمهم اللوجستي، وقطع خطوط الإمداد جوًا وبرًا وبحرًا، عبر رقابة دولية مشددة على الموانئ والمعابر، وتعزيز قدرات خفر السواحل والأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، وتقديم حوافز واقعية لقوات الأمن المحلية، وصولًا إلى تحييد موانئ الحديدة الثلاثة نهائيًا.
ومن دون هذه الإجراءات، سيستحيل تفكيك شبكات التمويل والتسليح التابعة للحوثيين، والتي تُغذَّى عبر إيران وأحيانًا من خلال الصين وكوريا الشمالية وروسيا، باستخدام الموانئ والمسارات البرية في مناطق خاضعة للحكومة المعترف بها دوليًا، إضافة إلى الممرات غير المشروعة عبر القرن الأفريقي.
ويُحسب للقوات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية نجاحها مؤخرًا في إحباط عدة محاولات تهريب، مما يؤكد موثوقيتها كشريك جدير بثقة المجتمع الدولي، في مقابل تقارير تشير إلى تورّط أطراف داخلية في التواطؤ مع الحوثيين.
🔹 الاستراتيجية المقترحة:
أولًا: تشكيل تحالف منضبط.
على واشنطن بناء تحالف عملي يضم دولًا إقليمية وغربية لتنسيق الجهود الأمنية، وفرض حصار لوجستي على الحوثيين، وتطبيق العقوبات بصرامة.
ثانيًا: تعزيز المراقبة والسيطرة.
يتعين على الولايات المتحدة وشركائها تدريب وتمويل وحدات خفر السواحل والأمن البحري في خليج عدن، وتمكين الأجهزة الأمنية المحلية بالتعاون مع الدول المانحة، للحد من عمليات التهريب.
ثالثًا: ربط الأمن بالاستقرار الإنساني.
ينبغي ألا يغفل التحالف المناهض للحوثيين البُعد الاقتصادي والإنساني، عبر مشاريع إغاثة وتنمية في المناطق المحررة ترتبط بشبكات أمنية محكمة تحول دون عودة الفوضى أو تسلل السلاح.
هزيمة المشروع الحوثي ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة أمنية دولية.
فاستكمال المسار الذي أطلقته إدارة ترامب يتطلب إرادةً سياسية تُمكِّن السلطات الشرعية المحلية وتُضعِف وكلاء إيران في المنطقة. فالواقع القائم لم يعد كافيًا، والمهام المتبقية يجب أن تُستكمل على نحوٍ متكامل — سياسيًا وأمنيًا وإنسانيًا — وبالتزام مشترك من القوى الكبرى والدول الإقليمية.
إمّا إتمام المهمة والقضاء على التهديد الحوثي نهائيًا، أو تركها ناقصة ومشاهدة دورة العنف تعود من جديد. وهذه مسؤولية جماعية.
وفي ظل قيادة ترامب، فإن استكمال هذه المهمة سيكون تجسيدًا لالتزام أميركا ببناء شرق أوسط يسوده السلام والازدهار.