من جزر سقطرى في المحيط الهندي إلى سواحل الصومال واليمن، تكشف صورٌ أقمارٍ صناعية حلّلها موقع ميدل إيست آي عن شبكةٍ متّسعة من القواعد العسكرية والاستخباراتية التي شيّدتها الإمارات العربية المتحدة.
هذه «حلقة السيطرة»، الممتدة عبر واحدٍ من أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، شهدت توسعًا متسارعًا منذ هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما تبعها من حربٍ في غزة.
وقد شارك حلفاء الإمارات، بمن فيهم إسرائيل والولايات المتحدة، في إنشاء هذه القواعد وتوسيعها. كما تواجد ضباطٌ إسرائيليون ميدانيًا في بعض الجزر، فيما تُمكّن أنظمة الرادار الإسرائيلية وغيرها من المعدات العسكرية والأمنية الإماراتِ من مراقبة وإحباط الهجمات التي يشنّها الحوثيون، الحركة المدعومة من إيران، والتي أطلقت صواريخ باتجاه إسرائيل تضامنًا مع الفلسطينيين واستهدفت سفنًا تعبر البحر الأحمر وخليج عدن.
وتتعاون الإمارات وإسرائيل عبر منصة استخباراتية مشتركة تُعرف باسم «كريستال بول» (Crystal Ball)، حيث يقوم الطرفان، وفقًا لعرضٍ ترويجي للاتفاق، بـ«تصميم ونشر وتمكين قدرات استخباراتية إقليمية معززة» بالشراكة.
وقال (آلون بينكاس)، الدبلوماسي الإسرائيلي الذي شغل منصب مستشار لأربعة وزراء خارجية، في تصريحٍ لموقع ميدل إيست آي:
«كانت العلاقة بين الإمارات وإسرائيل متطوّرة للغاية حتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، لكنها كانت تجري بهدوء. لم تكن سرية، بل هادئة فحسب».
ولم تُشَيَّد هذه القواعد على أراضٍ تخضع رسميًا لسيادة الإمارات، بل أُقيمت في مناطق يسيطر عليها حلفاؤها شكليًا، ومن بينهم المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، والقائد العسكري اليمني (طارق صالح)، إلى جانب الإدارات الإقليمية في أرض الصومال وبونتلاند (وكلاهما جزءٌ من الصومال الذي تتسم علاقاته مع الإمارات بالتوتر).
وقد جرى بناء أو توسيع قواعد عسكرية ومدارج طائرات ومنشآت أخرى في عبد الكوري وسمحة، وهما جزيرتان ضمن أرخبيل سقطرى الذي بات اليوم تحت إدارة المجلس الانتقالي الجنوبي؛ وكذلك في مطاري بوصاصو وبربرة في بونتلاند وأرض الصومال؛ وفي المخا باليمن؛ إضافةً إلى جزيرة ميون البركانية في مضيق باب المندب، الممر الذي يعبر من خلاله نحو 30٪ من نفط العالم.
وتشكّل هذه الشبكة من القواعد أداةً رئيسية لتمكين الإمارات وحلفائها من السيطرة على هذا الممر المائي الحيوي، وقد جرى تطويرها بتنسيقٍ وثيق مع إسرائيل، وفقًا لمصادر إسرائيلية.
وتوفر هذه القواعد بنيةً موحّدة لأنظمة الدفاع الصاروخي وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين إسرائيل والإمارات وحلفائهما الآخرين. وكما ورد في تحليل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث أميركي مؤيد لإسرائيل:
«أصبحت التحالفات متعددة الأطراف في مجال الدفاع الجوي ركنًا أساسيًا في مشهد الدفاع بالشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، حيث تتشارك الدول أنظمة الرادار والمعلومات الاستخباراتية وأنظمة الإنذار المبكر».
وفي حين تُعد هذه السلسلة من القواعد محوريةً في مراقبة حركة الشحن العالمية ورصد أي أنشطة حوثية أو إيرانية في المنطقة، فقد باتت بوصاصو وبربرة، بحسب مصادر دبلوماسية ومحلية متعددة، تلعبان دورًا متزايد الأهمية في دعم الإمارات لقوات الدعم السريع شبه العسكرية في حرب السودان.
وإنشاء شبكةٍ من القواعد تُحيط بالبحر الأحمر وخليج عدن يعكس النهج ذاته الذي اتبعته الإمارات في توظيف قوّتها المالية غير المسبوقة لإقامة موطئ قدم في العديد من الدول المحيطة بالسودان، بما في ذلك جنوب شرق ليبيا الخاضع لسيطرة اللواء خليفة حفتر، وتشاد، وإفريقيا الوسطى، وأوغندا، وإثيوبيا، وكينيا.
كما تمتلك الإمارات قاعدتين داخل السودان، الذي يشهد حربًا منذ أبريل/نيسان 2023: الأولى في نيالا بجنوب دارفور، والثانية في المالحة، على بُعد 200 كيلومتر من الفاشر عاصمة شمال دارفور، التي تخضع منذ أكثر من 500 يوم لحصارٍ قاسٍ تفرضه قوات الدعم السريع.
وعلى الرغم من نفيها المستمر، اعتبرت الأمم المتحدة عددًا من التقارير المعمّقة –بما في ذلك تقارير ميدل إيست آي– حول رعاية الإمارات لقوات الدعم السريع، والتي وصفتها الولايات المتحدة بأنها ترتكب إبادة جماعية في السودان، تقارير «موثوقة».
وقد وجّه ميدل إيست آي رسالةً إلى وزارة الخارجية الإماراتية وسفارتها في لندن لطلب تعليق.
وسبق أن أكدت الإمارات أن «أي وجود لها في جزيرة سقطرى يقوم على أسس إنسانية، ويُنفَّذ بالتعاون مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية».
•الثروة والسلطة
على امتداد معظم سنوات هذا القرن، سعت الإمارات، بقيادة (محمد بن زايد) من إمارة أبوظبي، إلى بسط نفوذها خارج الخليج ليصل إلى منطقة القرن الإفريقي.
وينتمي محمد بن زايد إلى أسرة آل نهيان، التي تحكم أبوظبي منذ القرن الثامن عشر، ويُعرف بعدائه الشديد للإسلام السياسي، كما يُعد حليفًا أساسيًا للولايات المتحدة التي تعتمد بشكلٍ كبير على الإمارات في رسم سياساتها الإقليمية.
ورغم أن عدد سكان الإمارات يبلغ نحو 10 ملايين نسمة، فإن مليونًا فقط منهم مواطنون إماراتيون، بينما يتكوّن الباقون من الوافدين والعمالة الأجنبية.
وقال (جليل حرشاوي)، الباحث المتخصص في شمال إفريقيا والاقتصاد السياسي، لموقع ميدل إيست آي:
«لأن دولًا مثل إثيوبيا، وليبيا، واليمن، والصومال، والسودان باتت أكثر تفككًا وسوءًا في الإدارة، فإن الإمارات قادرة على ممارسة نفوذ بمستوى كان سيكون مستحيلًا لو أن هذه الدول تشبه مثلًا حكومة الجزائر التي تسيطر بشكلٍ كامل على أراضيها».
وأضاف أن السودان وليبيا يجسّدان المثال الأبرز لهذه الأزمة، حيث تتحولان إلى ساحاتٍ مفتوحة أمام دولةٍ أجنبيةٍ غنيّة تنتهج سياسةً خارجية هجومية، وتستند إلى الثروة الضخمة وقوة جماعات الضغط ودبلوماسية الصفقات، ما يمنحها قدرةً على فرض نفوذ يتجاوز حجمها الطبيعي.
ولفت في هذا السياق إلى تدخل الإمارات في ليبيا عام 2011، ودعمها في السودان لقوات الدعم السريع.
ويُضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة، رغم احتفاظها بـ«مشاريع تدخلية معزولة مثل إسرائيل وغرينلاند»، قد تخلّت عن أي تصورٍ للهيمنة الليبرالية أو المثالية الديمقراطية على المستوى العالمي.
وقال حرشاوي لـميدل إيست آي:
«محمد بن زايد أدرك هذه التحولات بين عامي 2009 و2011. فبرغم الحجم المتناهي الصغر للإمارات وغياب جيشٍ مؤثر لديها، إلا أنها وعَت نقاط قوتها –والأهم نقاط ضعفها– إذا ما ظلّت في موقع المتفرّج».
وأضاف: «في هذا السياق، أطلقت الإمارات مشروعًا هيمنيًا شرسًا وعنيفًا يمتد على ضفتي البحر الأحمر».
وعلى مدى العقد الأخير، تحولت الإمارات إلى أكبر مستثمرٍ في الموانئ الإفريقية؛ فهي تستقبل سنويًا نحو 400 طن من الذهب المهرّب من القارة، وتتدخل في الحروب الدائرة هناك، كما بنت إمبراطورية نفوذٍ ناعم تشمل –من بين أمور أخرى– امتلاك نادي مانشستر سيتي لكرة القدم.
وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين لـميدل إيست آي:
«إذا أردت أن تفهم ما تفعله الإمارات في إفريقيا، اقرأ كتاب The Anarchy للمؤرخ الاسكتلندي ويليام دالريمبل، الذي يوثق في 576 صفحة كيف سيطرت شركة الهند الشرقية البريطانية على الهند. فالأمر يتبع السيناريو ذاته تمامًا».
وشكّل اليمن محورًا أساسيًا في السياسة الخارجية الإماراتية. ففي عام 2015، قادت الإمارات، إلى جانب السعودية، تحالفًا من الدول التي دخلت الحرب في اليمن دعمًا للحكومة في مواجهة حركة أنصار الله (الحوثيين) المتحالفة مع إيران.
وفي إطار ذلك، أُرسل مقاتلون سودانيون من قوات الدعم السريع للانضمام إلى تحالف الإمارات والسعودية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، اجتاح إعصار «تشابالا» اليمن والمنطقة المحيطة به، بما في ذلك سقطرى، حيث تقع الجزيرة الرئيسية –التي تحمل الاسم نفسه وتقع على بُعد نحو 400 كيلومتر جنوب البر اليمني– ويقطنها نحو 50 ألف نسمة. وإذ أعلنت الإمارات أنها جاءت لمساعدة ضحايا الإعصار، قامت بنشر قواتها في الأرخبيل.
وسقطرى، المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو والمعروفة بأشجارها الفريدة المسماة «دم الأخوين»، والتي تعاقب على احتلالها البريطانيون والبرتغاليون في مراحل تاريخية مختلفة، رحّبت في البداية بمشاريع البنية التحتية الأساسية التي شرعت الإمارات في تنفيذها.
غير أن الوجود الإماراتي سرعان ما ترسّخ، وفي يونيو/حزيران 2020 استولى المجلس الانتقالي الجنوبي، الحليف المقرّب للإمارات، على الأرخبيل من الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية. ومنذ ذلك الحين، تكشف صور الأقمار الصناعية أن الإمارات عززت نشاطها العسكري والاستخباراتي في الجزر، وهو نشاطٌ تصاعد بشكلٍ أكبر مع بدء المجازر الإسرائيلية في غزة.
إلى الغرب من سقطرى تقع جزيرة عبد الكوري، إحدى جزر الأرخبيل، وهي امتدادٌ صخري يطل على المحيط الهندي عند مدخل خليج عدن، ويقطنها نحو 500 شخصٍ فقط.
وتقع الجزيرة على خط الملاحة القادم من المحيط الهندي باتجاه مضيق باب المندب، ما يجعلها نقطة مراقبة مبكرة للسفن القادمة من الجنوب الشرقي، وقد تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى منشأةٍ عسكرية استراتيجية.
وفي نهاية أغسطس/آب 2020، قبيل إعلان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات ضمن «اتفاقيات أبراهام» برعاية أميركية، وصل ضباطُ استخباراتٍ من البلدين إلى الجزيرة.
وفي فبراير/شباط 2021، وصل عشرات الضباط والجنود الإسرائيليين إلى سقطرى على متن طائراتٍ إماراتية، وفقًا لمصادر محلية ودبلوماسيين إقليميين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، أجرت القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية تمرينًا بحريًا في البحر الأحمر بالتعاون مع البحرين والإمارات وإسرائيل، وهو أول تمرينٍ عسكري يُعلن عنه رسميًا بين الدول الموقّعة على اتفاقيات أبراهام.
وخلال إحاطةٍ آنذاك، صرّح ضابطٌ بحريٌ إسرائيلي بأن هذا التمرين «سيعزّز التعاون ويزيد من أمن البحر الأحمر، وليس البحر الأحمر فحسب، بل لأننا نتعامل مع الإرهاب الإيراني» في المنطقة الأوسع.
ووفقًا لصور الأقمار الصناعية، بدأ بناء قاعدةٍ جوية على الساحل الشمالي لجزيرة عبد الكوري في أواخر 2022.
ومع بدء أعمال البناء، ازدهرت التعاونات بين الإمارات وإسرائيل.
فقد أعلنت الشركة الفرعية الإماراتية التابعة لـ«الصناعات الدفاعية الإسرائيلية – إلبيت سيستمز» عن تزويد القوات الجوية الإماراتية بأنظمةٍ دفاعية. كما نشرت إسرائيل أنظمة رادار الإنذار المبكر في الإمارات، ثم كشفت الدولتان في فبراير/شباط 2023 عن سفينةٍ بحرية غير مأهولة مشتركة الصنع قادرة على المراقبة والاستطلاع وكشف الألغام.
ومن أكتوبر/تشرين الأول 2023، تم إنشاء مدرجٍ جوي جديد بطول نحو 2.41 كيلومتر مع امتدادٍ ترابي يبلغ ثلاثة كيلومترات في جزيرة عبد الكوري. وفي مارس/آذار 2024، أظهرت صور الأقمار الصناعية المنشورة من وكالة أسوشيتد برس كتابة عبارة «I LOVE UAE» بأكوامٍ من الرمال بجانب المدرج.
وبحلول مارس/آذار 2025، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي اطّلع عليها ميدل إيست آي اكتمال المدرج، الذي بُنِي طرفه الشمالي لاستيعاب طائرات النقل والاستطلاع الكبيرة.
وأصبح المدرج الآن قادرًا على استقبال طائرات شحنٍ عسكرية متوسطة إلى ثقيلة، بما في ذلك C-130 هيركوليز الأميركية، وIl-76 الروسية، والطائرات بدون طيار مثل Hermes 900 الإسرائيلية.
وفي الوقت الحالي، تتفاوض شركة «إيدج» (EDGE Group) الإماراتية المملوكة للدولة مع شركة «إلبيت سيستمز» بشأن شراء طائراتٍ بدون طيار إسرائيلية.
•المدرّجات والصخور
بينما كانت الأعمال جارية في جزيرة عبد الكوري، كانت عمليات البناء تتسارع أيضًا في سمحة، أصغر جزر سقطرى الثلاث المأهولة، الواقعة في أعماق البحر العربي.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن الإمارات بدأت في بناء مدرجٍ جوي على الجزيرة في عام 2024، وتم الانتهاء من المدرج في أبريل/نيسان 2025، إلى جانب تعبيد الطرق وإقامة المنشآت الداعمة الأساسية.
ونظرًا لتضاريس سمحة الصخرية والجبلية، التي لا تسمح ببناء مدرجاتٍ طويلة بسهولة، يُحتمل أن تُستخدم الجزيرة في عمليات مراقبةٍ دورية وسريعة أكثر من عمليات النقل الثقيلة. كما يمكنها استقبال وتشغيل Hermes 900، ودعم عمليات الاستطلاع الإلكتروني والمراقبة البحرية.
وتُعد موقعًا مثاليًا لمراقبة الممر البحري بين خليج عدن والبحر العربي، الذي يمر عبره نحو 12٪ من التجارة العالمية.
وبين 25 مارس/آذار و4 أبريل/نيسان 2025، كشفت صور الأقمار الصناعية عن ظهور ضفةٍ رمليةٍ مؤقتة على الجانب الغربي من جزيرة سمحة، لم تكن ظاهرة في الصور السابقة التي اطّلع عليها ميدل إيست آي. ويبدو أن هذه الضفة الرملية الصغيرة تكوّنت لغرض صرف مياهٍ مؤقت، وهو نمطٌ شائع في مشاريع البناء العسكرية المعزولة.
وفي الوقت ذاته، شوهدت سفينة الشحن Young Star، المسجّلة تحت علم جزر القمر برقم IMO 1095973، والتي كان من المرجّح استخدامها لتفريغ المعدات اللازمة لتجهيز المدرج، وهي راسية قبالة الساحل الغربي للجزيرة.
وتُظهر بيانات تتبّع السفن أن هذه السفينة تتحرّك بشكلٍ دوري بين سمحة وعبد الكوري وسقطرى، وتتوقف في الموانئ اليمنية القريبة قبل العودة إلى أبوظبي.
كما رُصدت سفنٌ أخرى، بما في ذلك «تكريم» و«المبروكة»، وهي تتحرك بين الجزيرة الرئيسية لسقطرى، وسواحل اليمن، وعبد الكوري وبوصاصو، في ما يشكل حلقة السيطرة الإماراتية في المنطقة.
وبينما تُعد عبد الكوري وسمحة وسقطرى جزءًا أساسيًا من شبكة القواعد هذه، تحتل ميون (المعروفة أيضًا باسم «بريم»)، وهي جزيرةٌ بركانية في مضيق باب المندب، الموقع الأكثر استراتيجية وحيوية.
ويُعرف المضيق باسم «بوابة الدموع» بسبب صخوره البارزة وبحره العاصف. ويمتد مضيق باب المندب بين قرن إفريقيا والطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، مع اليمن على جانبٍ وإريتريا وجيبوتي على الجانب الآخر، حيث تستضيف جيبوتي قاعدةً عسكرية أميركية كبيرة وقواتٍ من دولٍ غربية، بما فيها المملكة المتحدة.
ويُعد المضيق أحد أهم الممرات البحرية الحيوية عالميًا لشحن الطاقة والبضائع التجارية، وقد تضرر بشكلٍ كبير بعد أن شرع الحوثيون في شنّ هجماتٍ هناك في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وعلى الرغم من توقيع الولايات المتحدة والحوثيين اتفاقًا في مايو/أيار من هذا العام لوقف الهجمات، وكذلك الحملات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في اليمن، فإن حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب لا تزال أقل من المتوسط السابق البالغ 72–75 سفينة يوميًا قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وكانت جزيرة ميون ذات أهميةٍ استراتيجية حتى قبل افتتاح قناة السويس عام 1869؛ إذ احتلّتها شركة الهند الشرقية لأول مرة في عام 1799 قبل أن تستولي عليها بريطانيا رسميًا في 1858، وظلت تحت سيطرتها حتى عام 1967.
وبحلول عام 2021، ظهرت تقارير عن «قاعدةٍ جوية غامضة» تُبنى على ميون، دون أن تعلن أي دولةٍ مسؤوليتها عن المشروع.
وأشارت التقارير إلى أن المدرج الجوي يتيح لمن يسيطر عليه بسط نفوذه على المضيق وإطلاق ضرباتٍ جوية بسهولة على الأراضي اليمنية، كما يوفر قاعدةً محتملة لأي عملياتٍ في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق إفريقيا القريب.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية من عام 2023 حتى اليوم أن المدرج الجوي في قاعدة ميون يمتد الآن إلى نحو 1.85 كيلومتر، ويمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي على طول الساحل الغربي للجزيرة. ويتألف المدرج من سطحٍ مُعبّد داكن اللون مناسب للطائرات المتوسطة الحجم أو الطائرات الكبيرة بدون طيار والطائرات المأهولة المخصّصة للاستطلاع.
وفي حين لم تُرصد أي تغييراتٍ على المدرج خلال عامي 2023 و2024، أظهرت الصور في عام 2025 تغيرًا واضحًا، ما يشير إلى تنفيذ أعمال تسوية السطح وإعادة تعبيده.
كما توجد سلسلةٌ من الهناجر حول القاعدة، تكفي الأكبر والأوسع منها –بطول نحو 660 مترًا وعرض 100 متر– لاستيعاب الطائرات بدون طيار وربما الطائرات الاستطلاعية المأهولة. وتُظهر الصور الفضائية أيضًا مرافق سكنية داخل القاعدة، ما يتيح نشر عشراتٍ من العناصر العسكرية والفنية.
•المراقبة وخطوط الإمداد
ترتبط القواعد الجزرية بمساراتٍ بحرية وأنماط بنيةٍ تحتية ومرافق استخباراتية مع الوجود العسكري الإماراتي في بوصاصو وبربرة، وهما ميناءان في منطقتي بونتلاند وصوماليلاند في الصومال.
وقد أدى استخدام هاتين المنطقتين، اللتين توجد فيهما حركاتٌ انفصالية تسعى للانفصال عن الصومال، إلى وضع الإمارات في مواجهةٍ مع حكومة حسن شيخ محمود في مقديشو.
وفي سبتمبر/أيلول، ذكرت صحيفة Africa Confidential أن هناك «عداءً مزمنًا» بين محمد بن زايد ورئيس الصومال، وقالت الصحيفة إن هذا العداء يُعزى جزئيًا إلى «الطموحات الهيمنية» للإمارات في قرن إفريقيا.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن قاعدة بوصاصو الجوية، الواقعة بجانب مطار بوصاصو الدولي، قد أقامت –تحت إدارة الإمارات– منشأةً رادارية، ومستودعات ذخيرةٍ محصّنة، ومنطقة شحنٍ مخصصة لطائرات النقل الثقيلة IL-76، ومستشفى ميدانيًا، وساحةً لتخزين المركبات تضم عشرات الشاحنات الصغيرة، وهناجر للطائرات، والهنجر الأصلي لقوة الشرطة البحرية في بونتلاند (PMPF).
وكانت PMPF تُدار في البداية من شركةٍ مقرها الإمارات، في انتهاكٍ لحظر الأسلحة الأممي، وكانت تفيد مباشرةً إلى رئيس بونتلاند، متجاوزةً سيادة الحكومة الفيدرالية الصومالية.
وتشير صور Google Earth إلى أعمال بناءٍ سريعة ومكثفة على الحافة الشرقية لقاعدة بوصاصو الجوية بين يناير/كانون الثاني 2024 ويناير/كانون الثاني 2025؛ وخلال هذه الفترة، جرى إنشاء ثلاث منصاتٍ لهليكوبتر، ومجموعةٍ من الهناجر الكبيرة المغلقة القادرة على استيعاب الطائرات بدون طيار، ومنطقة تشغيلٍ معبّدة بالكامل مرتبطة بهذه الهناجر.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية من الطرف الشمالي لقاعدة بوصاصو ما يبدو أنه رادار GM-403 فرنسي الصنع تديره الإمارات، على الرغم من وجود تقارير تشير إلى استخدام نظام EL/M-2084 إسرائيلي الصنع، وهو نفسه النظام المستخدم في «القبة الحديدية» الإسرائيلية.
ويستطيع كلا النظامين، الفرنسي والإسرائيلي، تتبّع أكثر من ألف هدفٍ جوّي –طائرات بدون طيار أو طائرات أو صواريخ أو مدفعية– ضمن مدى يزيد على 400 كيلومتر. وفي بوصاصو، يعني هذا تغطية خليج عدن ومدخل البحر الأحمر.
ووفقًا لعدة مصادر سودانية ودبلوماسية ومحلية، تستخدم الإمارات أيضًا بوصاصو لنقل الأسلحة والذخائر إلى قوات الدعم السريع في السودان.
وقد شوهدت طائرة النقل IL-76 في صور الأقمار الصناعية وهي متوقفة على مدرج مطارٍ مدني جنوب شرق قاعدة بوصاصو الجوية. كما ظهرت في الصور طائرة C-130 هيركوليز، وهي طائرة نقلٍ عسكرية مخصصة للمعدات الثقيلة.
وفي أوائل عام 2024، كانت رحلتان أو ثلاث رحلات نقل يوميًا تصل إلى القاعدة. وبحلول منتصف عام 2025، انخفضت هذه العمليات لتصل إلى نحو 15 رحلة شهريًا.
وفي يوم الاثنين، ووفقًا لبيانات تتبّع الرحلات، وصلت طائرة بوينغ 737-436 إلى بوصاصو عند الساعة 08:50 بالتوقيت العالمي ثم غادرت في رحلتها العائدة إلى أبوظبي.
•تحالفٌ معقّد
يمتد تفاعل الإمارات مع صوماليلاند –التي ربما تُعد الإقليم الأقوى في حركة الاستقلال داخل الصومال– إلى عام 2017.
ولتعزيز مطالبها بالاستقلال، قبلت حكومة صوماليلاند عرض الإمارات لإنشاء قاعدةٍ عسكرية في بربرة، والتي أصبحت جزءًا من الشبكة التي تربط الجزر اليمنية بقاعدة بوصاصو.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية أنه في بربرة، جرى تحويل القاعدة البحرية بهدوء من مشروعٍ متوقف إلى منشأةٍ شبه مكتملة، مع بنيةٍ تحتيةٍ متقدمة تشمل ميناءً عسكريًا حديثًا، ورصيف مياهٍ عميقة، ومدرجًا جويًا مع هناجر ومرافق دعمٍ كاملة الإنشاء.
ويبلغ طول مدرج بربرة نحو 4 كيلومترات، ما يجعله قادرًا على استقبال طائرات النقل الثقيلة والمقاتلات. وقد حوّلت إقامة هذه المنشآت بربرة إلى مركزٍ استراتيجي إقليمي بالغ الأهمية.
وفي يونيو/حزيران، أبرمت أبوظبي اتفاقًا لبناء سكةٍ حديدية تربط ميناء صوماليلاند بإثيوبيا، في إشارةٍ أخرى إلى تعاظم نفوذها في القرن الإفريقي.
وقال حرشاوي لـميدل إيست آي: «الواقع القائم يجمع بين عدة عناصر: الآلة الدعائية والضغط الهائل الذي تمتلكه الإمارات، واستعدادها للتدخل العسكري عبر ساحاتٍ متعددة، وإمكاناتها المالية، وتجاهلها التام للمعايير الدولية وقرارات حظر الأسلحة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي».
واتفق (بينكاس)، الدبلوماسي الإسرائيلي، على أن التعاون الاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل بُني على تلاقي المصالح الإقليمية، بما في ذلك: الاستقرار، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة التطرف، وردع إيران. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن هذا التعاون لم يكن بمنأى عن الضغوط التي كشفتها حرب إسرائيل في غزة وهجماتها على دولٍ إقليمية من بينها لبنان وإيران وسوريا واليمن وقطر.
وقال لموقع ميدل إيست آي: «من الناحية الشكلية، ما تزال هذه المصالح قائمة، إلا أن الحرب المستمرة والدمار في غزة، إلى جانب النهج العدائي لإسرائيل، يعقّد صورة هذا التحالف العلني»، مضيفًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفه بأنه «متعجرف، متعالٍ، وغير جديرٍ بالثقة»، قد ألحق ضررًا بالعلاقة في الآونة الأخيرة.
ومع أن الإمارات تدير دبلوماسيةً علنية مع إسرائيل، فإنها في الوقت نفسه تواصل عملياتها في خليج عدن والبحر الأحمر، حيث تتحرك السفن والطائرات عبر القواعد التي تشكّل «حلقة سيطرتها». ولا يمكن أن يكون هناك مؤشرٌ أوضح على حجم طموح هذه المملكة الصغيرة الهائل.