تحليل: إلى أي مدى تمكّن جهاز الموساد الإسرائيلي من التغلغل داخل إيران؟
يمن فيوتشر - The New Arab- ترجمة خاصة الثلاثاء, 26 أغسطس, 2025 - 10:53 مساءً
تحليل: إلى أي مدى تمكّن جهاز الموساد الإسرائيلي من التغلغل داخل إيران؟

قبل أربع سنوات، وبينما كانت القيادة الإيرانية وقادة الحرس الثوري يتفاخرون بأنّ إسرائيل لن تجرؤ أبداً على مهاجمة البلاد، حذّر (علي يونسي)، وزير الاستخبارات الإيراني بين عامي 1999 و2006، من عمق اختراق جهاز الموساد داخل دوائر القيادة في إيران.
وقال يونسي في حينه: “إنّ نفوذ الموساد في مختلف القطاعات واسع إلى درجة تجعل كل مسؤول في الجمهورية الإسلامية يخشى على حياته. والتغاضي عن نشاط الموساد أتاح له التغلغل وتوجيه الضربات. واليوم لدينا كل الأسباب التي تدعونا للقلق حيال كل شيء.”

غير أنّ تحذيراته في عام 2021 قوبلت آنذاك بالتجاهل، بل وبالسخرية من قِبل بعض قادة الحرس الثوري الإيراني.
وفي العام نفسه، كشف الرئيس الإيراني الأسبق (محمود أحمدي نجاد) أنّ: “أرفع مسؤول مكلّف بمكافحة الجواسيس الإسرائيليين، والمسؤول عن إحباط المخططات الإسرائيلية داخل إيران، تبيّن أنه كان جاسوساً بحد ذاته.”

ثم جاءت الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران لتبرهن أنّ تلك التحذيرات لم تكن بلا أساس.

وفي الساعات الأولى من الهجوم، قُتل أربعة من كبار القادة العسكريين واثنان من العلماء النوويين المرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني بصواريخ أو طائرات مُسيّرة، سواء في منازلهم أو خلال اجتماعات عسكرية. وبنهاية الحرب، كان 38 قائداً رفيعاً و10 علماء نوويين قد لقوا مصرعهم.

وسعت الرواية الرسمية للجمهورية الإسلامية إلى التخفيف من وطأة هذه الخسائر، غير أنّ تصريحات لاحقة لعدد من الشخصيات السياسية والأمنية، إضافةً إلى ما أدلى به ذوو الضحايا، كشفت حجم اختراق إسرائيل العميق للمؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية.

وبعد الحرب مباشرة، أثار (جواد منصوري)، القائد الأول للحرس الثوري، قضية (علي رضا أكبري) الذي أُعدم عام 2023 بتهمة التجسس، مبرزاً مدى التغلغل الاستخباراتي. وقال حينها: “لقد كان لدينا جاسوس آخر يُدعى أكبري، وصل إلى منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وكان عملياً يديره. فهل تظنون أنّها كانت مجرد حالة واحدة؟”

 

اغتيال القادة

أظهر مقتل كبار القادة الإيرانيين في الساعة الأولى من الهجوم أنّ إسرائيل كانت على دراية دقيقة بمكان وجود أرفع المسؤولين العسكريين الإيرانيين واجتماعاتهم.

ومع استمرار استهداف القادة العسكريين والعلماء النوويين، ادّعى اللواء (غلامرضا جلالي فراهاني)، رئيس الدفاع السلبي في الحرس الثوري، أنّ استخدام تطبيق “واتساب” كان السبب في كشف مواقعهم. وبالرغم من أنّه كان يتعرض لانتقادات بسبب الإخفاقات خلال الحرب، ما يوحي بمحاولة تنصّل من المسؤولية، إلا أنّ خبراء الأمن السيبراني في إيران شككوا في ادعائه، كما رفضت عائلات القادة هذا التفسير.

وقالت ابنة اللواء (علي شادماني): “كان موقع والدي يتغير كل بضع ساعات. لم يحملوا هواتف أو أجهزة ذكية. وتم الالتزام بالبروتوكولات الأمنية. ومع ذلك، عندما انتقلوا إلى موقع جديد، كانوا يُستهدفون فوراً. تتبع إسرائيل الدقيق يتجاوز مسألة واتساب أو أساليب التجسس التقليدية.”

وفي 13 يونيو/ حزيران، وبعد أن قتلت إسرائيل قائد مقرّ “خاتم الأنبياء” المركزي، جرى تعيين شادماني خلفاً له. لكن بعد أربعة أيام فقط، اغتيل هو الآخر.

كما رفض نجل العميد (أمير علي حاجي زاده)، قائد قوات الفضاء في الحرس الثوري، نظرية “واتساب”. واستذكر الحذر الشديد الذي كان والده يتبعه قائلاً: “عندما كان يرغب في الحديث، كان يطلب منا جمع الهواتف الأرضية وحتى جهاز التحكم بالتلفاز ونقلها إلى غرفة أخرى.”

ومن الحالات الأخرى اغتيال اللواء (محمود باقري)، قائد وحدة الصواريخ في الحرس الثوري، المعروف بلقب “مهندس الصواريخ”. إذ أوضح نجله لاحقاً أنّ منزلهم تعرّض لضربتين في 13 يونيو/ حزيران، نجا منهما والده، لكنه قُتل في الليلة نفسها خلال استهداف اجتماع للحرس الثوري.

وبعد هذه الخسائر، حاول القادة عقد اجتماعاتهم في مواقع غير عسكرية، لكن حتى تلك المواقع لم تسلم من الضربات.
وفي 15 يونيو/ حزيران، تعرّضت ساحة تجريش شمالي طهران للتفجير. وقد دمّر أحد الانفجارات مركزاً ثقافياً تابعاً لإدارة المساجد في البلاد، حيث كان يجتمع عدد من كبار مسؤولي الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات. وأسفر الهجوم عن مقتل رئيس استخبارات الحرس الثوري (محمد كاظمي)، ورئيس استخبارات فيلق القدس (محسن باقري)، إلى جانب نوابهما. كما قُتل ما لا يقل عن 12 مدنياً، وأُصيب 50 آخرون بجروح.

وتجسّد عمق نفوذ جهاز الموساد بشكل أوضح من خلال مكالمات هاتفية وُجّهت إلى قادة نجوا من الاستهداف. وبعد الحرب، بثّ التلفزيون الإيراني الرسمي إحدى تلك المكالمات، حيث قال صوت نُسب إلى أحد عملاء الموساد لأحد المسؤولين الإيرانيين:
“نحن أقرب إليك من حبل الوريد.”

 

الهجوم على المجلس الأعلى للأمن القومي

في 16 يونيو/ حزيران، شنّت إسرائيل ضربة استهدفت اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي في قبو أحد المباني غربي طهران. ودلّت دقّة الهجوم على وجود اختراق في أعلى مستويات القيادة.

ولم تتكشّف تفاصيل الضربة إلا بعد انتهاء الحرب، إذ اعترفت حتى وسائل إعلام مقرّبة من الحرس الثوري قائلة: “نظراً لدقّة المعلومات التي امتلكها العدو، يتم التحقيق في احتمال وجود عنصر مُخترِق.”

وبحسب تقارير مرتبطة بالحرس الثوري، فقد أصابت ستة صواريخ الموقع، مستهدفةً قاعة الاجتماع ومخارج الطوارئ معاً لتعطيل مسارات الهروب.

وفي مقطع فيديو أُفرج عنه مؤخراً، استعاد الرئيس (مسعود بزشكيان) لحظات نجاته، موضحاً أنّه رأى فجوة يتسرّب منها الهواء، ومن خلالها خرج كبار المسؤولين الإيرانيين من المبنى الذي تعرّض للقصف.

وهكذا قدّمت الحرب أمثلة عديدة على مدى نفوذ إسرائيل. ففي إحدى المراحل، لاحقت الطائرات المُسيّرة الإسرائيلية سيارة وزير الخارجية الإيراني بينما كان يحاول عبور الحدود إلى تركيا للتفاوض على إنهاء الصراع.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها إيران للاختراق؛ ففي عام 2010 عطّل فيروس “ستكسنت” منشآتها النووية، وفي عامي 2006 و2009 جرى اغتيال عدد من العلماء النوويين. كما قُتل (إسماعيل هنية) عام 2024 في منطقة محصّنة أثناء اجتماعه بمسؤولين إيرانيين.

لكنّ المسؤولين الإيرانيين ولسنوات طويلة إمّا التزموا الصمت أو حاولوا التهوين من شأن هذه الحوادث. ويرى الخبراء أنّ هذا الإنكار لم يؤدِّ إلا إلى تعميق نفوذ إسرائيل داخل المنظومة الأمنية الإيرانية.

وقال (غلام علي جعفرزاده أيمن آبادي)، العضو السابق في البرلمان، إنّ الاختراق وصل إلى أعلى مستويات الدولة، مضيفاً بسخرية أنّ القليل تغيّر منذ الحرب، في إشارة إلى حملات الاعتقال التي طالت مشتبهين بالتجسس:
“بعض جواسيس الموساد يبحثون عن جواسيس الموساد بين جواسيس الموساد.”

الرابط التالي لقراءة المادة من موقعها الأصلي: 

https://www.newarab.com/news/how-deep-did-israels-mossad-infiltrate-iran


التعليقات