تقرير: البرلمان اليمني.. سلطة تشريعية في دار العجزة
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية - توفيق الجند الإثنين, 19 مايو, 2025 - 01:32 مساءً
تقرير: البرلمان اليمني.. سلطة تشريعية في دار العجزة

أصبح البرلمان اليمني شبيهاً بدار للعجزة، فلم تشهد اليمن انتخابات تشريعية منذ 22 عاماً (27 أبريل 2003)، وقد توفى 60 نائب برلماني منذ ذلك الحين، أي 20 في المئة من أعضاء المجلس، ويبلغ أصغر أعضاء البرلمان 47 عاماً الآن، وفقد الكثير من المتبقيين حيويتهم وحضورهم العام نتيجة تقدمهم في العمر، والأهم من كل ذلك كون البرلمان قد أصبح خاملاً وعاجزاً عن أداء مهامه الدستورية.

 

انقسام وتمديد

كان من المفترض أن تنتهي ولاية البرلمان رسمياً في أبريل 2009، حيث تنص المادة 65 من الدستور اليمني على ما يلي “مدة مجلس النواب ست سنوات شمسية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، ويدعو رئيس الجمهورية الناخبين إلى انتخاب مجلس جديد قبل انتهاء مدة المجلس بستين يوما على الأقل، فإذا تعذر ذلك لظروف قاهرة ظل المجلس قائماً ويباشر سلطاته الدستورية حتى تزول هذه الظروف ويتم انتخاب المجلس الجديد.”

قبيل انتهاء فترته القانونية، مُددت ولاية البرلمان مبدئياً لمدة عامين، بموجب اتفاق بين المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم آنذاك) وأحزاب اللقاء المشترك (المعارضة)، إثر خلافات حول قانون الانتخابات واتهامات بالتزوير في السجل الانتخابي.

بعد ذلك التمديد، منعت تداعيات انتفاضة 2011، ضد نظام علي عبد الله صالح إجراء الانتخابات المقررة وفق التأجيل في أبريل 2011، وحدث انقسام أولي في المجلس، وكان الطرف الأشد تأثراً هو الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام، حيث استقال عدد من نوابه من الحزب وكتلته البرلمانية. بعد 2012، انقسم الحزب بين مؤيدين للرئيس الجديد عبدربه منصور هادي وآخرين موالين لصالح الذي ظل زعيمًا للحزب، وقبلها كانت المبادرة الخليجية، قد قلصت صلاحيات البرلمان عمليا، بفرض التصويت بالتوافق على القضايا الحساسة.

تزايد الانقسام مع الحرب، فبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، انحاز بعض نواب كتلة صالح للانقلاب الحوثي، وأصدر الحوثيون لاحقًا “إعلانًا دستوريًا” في فبراير 2015، تضمن حل البرلمان ثم تراجعوا عنه. مع اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، انقسم البرلمان كمعظم مؤسسات الدولة إلى قسمين: القسم الأول في صنعاء ويضم نوابًا موالين للحوثيين وحليفهم صالح، والثاني يضم أعضاء برلمان وقفوا في صف الحكومة المعترف بها دوليًا.

استأنف برلمان صنعاء جلساته أولاً في 2016، لكن بعض نواب المؤتمر انشقوا وانضموا للحكومة المعترف بها دولياً بعد اختلاف الحوثيين مع صالح ومقتله على يدهم في ديسمبر 2017، وأصبح هناك تمايز واضح بين كتلة حزب المؤتمر الشعبي العام المتحالفة مع الحوثيين في صنعاء والفصيل الذي انضم إلى الحكومة في عدن اليوم. في الوقت نفسه، واجه النواب الموالون للحكومة عقوبات واتهامات ذات دوافع سياسية من البرلمان والقضاء الخاضعين لسيطرة الحوثيين في صنعاء. في 2021، ألغيت عضوية 39 نائباً بالإضافة إلى إجراءات مماثلة لعدد آخر سابقا، وصدرت أحكام إعدام غيابية ضد 46 نائباً، كما أجرى الحوثيون انتخابات تكميلية في 2019، لشغل 24 مقعدًا شاغراً في مناطق سيطرتهم، ولكن النواب الموالين للحكومة اعتبروا تلك الانتخابات غير قانونية.

يستمر البرلمان في عقد جلساته بصنعاء ويمرر القوانين التي تعزز البيئة السياسية القمعية لصالح الحوثيين، على الرغم من عدم اكتمال النصاب القانوني لذلك، حيث يجد كل من النواب الـستة والتسعين المنتخبين المتبقين في صنعاء، أنفسهم الآن تحت شكل من أشكال الإقامة الجبرية، غير قادرين على السفر دون إذن جماعة الحوثيين.

أما البرلمان الموالي للحكومة، فلم يعقد أي جلسات رسمية حتى أبريل/نيسان 2019، عندما عقد اجتماعًا تاريخيًا في سيئون بحضرموت، وهناك تقارير متعارضة حول اكتمال النصاب القانوني في تلك الجلسة التي حضرها 141 برلماني وفق أغلب المصادر، انتخبوا سلطان البركاني رئيسًا للمجلس وصادقوا على موازنة الدولة، وقد جادل السياسيون الموالون للحكومة بأن هذا تجاوز النصاب القانوني، فوفقًا للمادة 72 من الدستور اليمني، فإن الحد الأدنى هو 134 عضوًا (النصف +1) بعد احتساب الـ 36 نائبًا الذين توفوا حتى وقتها، من أصل 301 عضوًا من عام 2003، ولم يجتمع النواب بعدها إلا في أبريل 2022، في جلسة أداء اليمين الدستورية لمجلس القيادة الرئاسي ليحل محل الرئيس هادي.

في الوقت نفسه، شهدت التكتل في الجانب الحكومي مزيدًا من التشرذم، فقد انقسمت كتلة الحزب الاشتراكي اليمني بين قيادته التقليدية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وانقسمت بقايا كتلة حزب المؤتمر الشعبي العام بين فصائل موالية للحكومة المعترف بها دوليًا ومناصرين لنجل صالح، أحمد، وعضو مجلس القيادة الرئاسية طارق صالح. في ظل عمليات إعادة الاصطفاف بين الأطراف، يمكن القول إن كتلة حزب الإصلاح ظلت الأكثر تماسكًا، ولكن لا يزال دورها ونفوذها مقيدًا بسبب استمرار فشل المجلس في الانعقاد، وقد اتهم النائب البرلماني عن حزب الإصلاح شوقي القاضي، أطرافا متعددة بعرقلة انعقاد المجلس، قائلاً إن هناك مصلحة خاصة في منع الهيئة التشريعية من أداء مهامها الدستورية وخاصة أدوارها الرقابية والمحاسبية. من بين الجهات التي أشار إليها شوقي القاضي الرئيس السابق هادي (في عهده) ثم مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي (الذي يسيطر فعلياً على عدن وسبق له أن عرقل جلسات البرلمان هناك) وقيادة البرلمان نفسه، وقادة الأحزاب السياسية بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

 

غياب السلطة الثالثة

في الوقت الحالي ينقسم النواب وعددهم 301 نائبا انتخبوا في العام 2003، إلى الفئات التالية: يدعم 132 نائباً الحكومة، ويبقى 96 نائباً في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، في حين توفى 60 نائباً، وبقي 13 نائباً في المنطقة الرمادية[1] بعد أن غادروا المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون دون أن ينضموا رسمياً إلى الحكومة، ومعظمهم من رجال الأعمال أو الأفراد ذوي المصالح التي تمتد عبر مناطق سيطرة الأطراف المختلفة.

يظل هذا البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة في 2006، آخر مؤسسات منتخبة في اليمن، ويحتفظ بشرعيته الدستورية رغم مرور 22 عامًا على انتخابه، لكن انقساماته الداخلية وتحوله إلى ساحة صراع بين المصالح السياسية أفقده أي تأثير فعلي على المشهد الوطني، حيث لم يعد قادرًا على أداء مهامه التشريعية أو الرقابية في أي من الجانبين المنقسمين، وقد أدى غياب هذه السلطة الثالثة إلى حالة من عدم الاستقرار وغياب المحاسبة في الهيكل السياسي اليمني مما سهّل الفساد في مناطق الحكومة والقمع في مناطق الحوثيين، وبدلاً من التعبير عنها في البرلمان، أصبح نواب البرلمان يعبرون عن مواقفهم عبر بيانات شخصية ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي دون أي شكل فعال من أشكال الدعم المؤسسي ودون لجان متخصصة أو أمانة عامة فاعلة.

نتيجة لذلك لم تعد لإرادة الشعب اليمني أي تمثيل أو تطبيق في الهياكل التشريعية للبلاد، فقد بلغ أصغر ناخب يمني مارس حقه الدستوري في آخر انتخابات برلمانية الأربعينات من العمر على الأقل، أي أن جيلا كاملا من الشباب اليمني الذي يمثل أغلبية السكان في البلاد، لم يمارس على الإطلاق تجربة انتخاب ممثلية البرلمانيين، ولم يكن لهم حق الممارسة السياسية لمنح الثقة للمسؤولين ومن ثم محاسبتهم.


التعليقات