تقرير: ترامب يتجاهل نتنياهو خلال جولته في الخليج
يمن فيوتشر - ذا نيويورك تايمز- ترجمة خاصة الأحد, 18 مايو, 2025 - 07:59 مساءً
تقرير: ترامب يتجاهل نتنياهو خلال جولته في الخليج

عندما صافح الرئيس (دونالد ترامب) زعيم سوريا الجديد وتعهّد برفع العقوبات عن بلاده في القصر الملكي السعودي الأسبوع الماضي، كانت تلك لحظة تجسّد بوضوح كيف أن دبلوماسيته في الشرق الأوسط باتت تُقصي إسرائيل فعليًا من مركز المشهد.
وقال ترامب عن الرئيس (أحمد الشرع)، الذي كانت له في السابق صلات بتنظيم القاعدة: "رجل صارم، وله ماضٍ قوي". وأضاف أنه قرر إنهاء العقوبات -التي فُرض العديد منها على الحكومة السورية السابقة- "لمنحهم فرصة للوصول إلى العظمة".
وبذلك، تجاهل ترامب فعليًا مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، الذي تصف حكومته الشرع بأنه "جهادي". وكانت إسرائيل قد شنّت مئات الغارات الجوية على سوريا منذ ديسمبر/ كانون الأول، حين أطاح مقاتلون بقيادة الشرع بالرئيس (بشار الأسد) من السلطة.
وعلى مدى العقود الأخيرة، وتحت قيادة رؤساء أمريكيين من كلا الحزبين، كانت إسرائيل تتمتع بمكانة خاصة في قلب السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. وكان نتنياهو، الذي بقي في السلطة معظم العقدين الماضيين، عنصرًا محوريًا في النقاشات حول الشرق الأوسط، رغم أنه أثار أحيانًا استياء نظرائه الأمريكيين.
ولا توجد مؤشرات على أن الولايات المتحدة تنوي التخلي عن علاقاتها التاريخية مع إسرائيل أو وقف دعمها العسكري والاقتصادي لها. وخلال رحلته على متن طائرة الرئاسة "إير فورس ون" من الرياض إلى الدوحة، قلّل ترامب من أهمية المخاوف بشأن تهميش إسرائيل.
و قال ترامب للصحفيين: "لا، إطلاقًا. هذا أمر جيد لإسرائيل، أن تكون لدي علاقات كهذه مع هذه الدول، دول الشرق الأوسط، بل مع جميعها تقريبًا".
لكن جولة ترامب التي استمرت خمسة أيام في الشرق الأوسط هذا الأسبوع سلطت الضوء على دينامية جديدة، باتت فيها إسرائيل —ونتنياهو على وجه الخصوص— في موقع أشبه بالتفصيل الثانوي. ففي كل من السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، سعى ترامب إلى التفاوض على اتفاقيات سلام تتعلق بإيران واليمن، وإبرام صفقات تجارية تُقدّر بتريليونات الدولارات مع الدول الغنية في الخليج الفارسي.
ولم تشمل جولته زيارة إلى إسرائيل.
وقال (إيتامار رابينوفيتش)، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة: "الانطباع العام هو أن الاهتمام الأمريكي يتجه ويتحوّل بشكلٍ متزايد نحو دول الخليج، حيث تكمن الأموال والمصالح".
وأضاف رابينوفيتش أن ترامب يبدو وكأنه فقد معظم اهتمامه بالتعاون مع نتنياهو لحل الحرب في غزة، وذلك بسبب "شعوره بأنه لا جدوى من ذلك. و نتنياهو متمسّك بموقفه، ولا يتحرك عنه، وحماس كذلك لا تغيّر موقفها، ويبدو أن الأمور وصلت إلى طريقٍ مسدود بلا أفق".
نفى (عُمر دُستري)، المتحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وجود أي شرخ جوهري في العلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى زيارتين قام بهما نتنياهو إلى البيت الأبيض خلال الأشهر الماضية، وتصريح ترامب مؤخرًا بأن "نحن في نفس الجانب في كل القضايا"، في إشارة إلى دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
ومع ذلك، يصعب تجاهل التغير اللافت في التوجهات الدبلوماسية خلال الأسابيع الأخيرة، إذ اتخذ ترامب سلسلة من الخطوات المهمة دون إشراك نتنياهو في أي منها.
ففي مطلع هذا الشهر، فاجأ ترامب كثيرين في إسرائيل بإعلانه المفاجئ عن وقف إطلاق نار مع الحوثيين في اليمن، رغم أن الجماعة استمرت في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. وفي إحدى الحوادث، فشلت منظومة الدفاع الإسرائيلية في اعتراض صاروخ أصاب مطار بن غوريون في تل أبيب، مما تسبب في اضطراب حركة الطيران لأسابيع.
وبعد ذلك بأيام قليلة، نجحت إدارة ترامب في تأمين إطلاق سراح (عيدان ألكسندر)، آخر رهينة أمريكي حي في غزة، من دون أي دور لإسرائيل في العملية.
وقال (نداف شتراوخلر)، المستشار السابق لنتنياهو، إن العلاقة بين رئيس الوزراء وترامب ما زالت قائمة، لكنها تختلف جذريًا عن علاقاته مع الرؤساء الأمريكيين السابقين. وأضاف: "مع بايدن، كان بإمكان نتنياهو تأجيل اتخاذ قرارات. أما مع ترامب، فبمجرد أن يُؤجَّل شيء، تُتخذ القرارات من فوق رأس نتنياهو مباشرة. هذا التغيير يثير قلق الكثيرين في إسرائيل".
وخلال زيارته للشرق الأوسط، كرر ترامب رغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران يُجنّب اللجوء إلى القوة العسكرية ضد منشآتها النووية. وقال يوم الخميس في قطر إن الولايات المتحدة منخرطة في "مفاوضات جدية للغاية مع إيران لتحقيق سلام طويل الأمد"، مضيفًا أن الوصول إلى اتفاق سيكون "أمرًا رائعًا".
وهذا يتناقض تمامًا مع ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يطالب به؛ إذ لطالما حثّ إدارة ترامب على دعم، بل والمشاركة في، ضربات عسكرية ضد إيران. لكن حتى الآن، سلك ترامب مسارًا معاكسًا، رغم أنه لم يستبعد مرارًا خيار توجيه ضربات واسعة النطاق إذا فشلت المفاوضات.
وقال نداف شتراوخلر: "أكثر من أي شيء آخر، جوهر القصة هو إيران. فإرث نتنياهو السياسي على المحك".
ويشبه القرار المتعلق بكيفية التعامل مع إيران، في جوهره، قرار الرئيس برفع العقوبات عن سوريا. إذ يسود في إسرائيل شك عميق بأن حكومة الشرع الجديدة ستتحول إلى قوة متطرفة أخرى مناهضة لإسرائيل. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن الغارات تهدف إلى تدمير الأسلحة التي تعود إلى نظام الرئيس بشار الأسد، الذي أطاح به الشرع، والحدّ من نفوذ النظام قرب الحدود الشمالية لإسرائيل.
في المقابل، يُعد إعلان ترامب بشأن رفع العقوبات بمثابة تصديق على وعود الشرع بأنه سيكون مختلفًا، ويمثل له طوق نجاة اقتصاديًا هو في أمسّ الحاجة إليه.
وعند النظر إلى مجمل خطوات الرئيس الأخيرة، يتضح مدى التحوّل الجذري، حتى مقارنة بفترته الرئاسية الأولى، حين كانت إسرائيل من أولى محطاته الخارجية. ففي تلك الزيارة، أعلن ترامب عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في خطوةٍ رمزية قوية أظهرت تضامنًا صريحًا مع نتنياهو، الذي كان بجانبه آنذاك.
و هذا التحول الأخير أحدث صدمة داخل الأوساط الإسرائيلية.
و ضجّت الصحف الإسرائيلية والعناوين العالمية بالتغطيات التي تعكس حالة القلق:
«إسرائيل مُتجاهَلة من ترامب، تشعر بخيبة أمل وتصمت»؛
«تجاهل ترامب: ما الذي تعنيه تراجع مكانة نتنياهو العالمية لمستقبله السياسي في الداخل؟»؛
«البيت الأبيض يبعث إشارات ملل من نتنياهو»؛
«جولة ترامب في الشرق الأوسط تترك نتنياهو مرة أخرى على الهامش».
و في الوقت الحالي، لا يبدو أن ترامب يعتزم تغيير مساره، رغم تأكيد مساعديه أن علاقته بنتنياهو لا تزال قوية. غير أن الرئيس لم يعد يتعامل مع إسرائيل باعتبارها الدولة التي لا غنى عنها في الشرق الأوسط، أو بوصفها الديمقراطية الوحيدة وسط محيط من الأنظمة الاستبدادية.
و عسكريًا، تعتمد الولايات المتحدة على قواعد ضخمة في السعودية وقطر لفرض نفوذها في المنطقة، بما في ذلك قاعدة العديد الجوية الواسعة قرب الدوحة. ويسعى ترامب لتعميق العلاقات مع تركيا، العضو في حلف الناتو، والتي وجهت انتقادات حادة لحرب إسرائيل على غزة، و وصلت إلى حد التلاسن الشخصي بين نتنياهو والرئيس التركي.
و اقتصاديًا، يرى ترامب في دول الخليج شركاء موثوقين، بثرواتهم، لعقد صفقاتٍ كبرى. ورغم رغبته في انضمام السعودية إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، يبدو أنه أدرك أن ذلك غير ممكن في ظل استمرار الحرب في غزة. ولهذا، ركّز اهتمامه على إبرام صفقات اقتصادية مباشرة مع ولي العهد.
وفي خطاب ألقاه بالرياض يوم الثلاثاء، أشاد ترامب بـ"المستقبل المشرق للشرق الأوسط"، وامتدح قادة "منطقة حديثة وصاعدة".
و قال ترامب: "جيل جديد من القادة يتجاوز الصراعات القديمة والانقسامات المرهقة للماضي، ويصنع مستقبلًا تتعاون فيه شعوب من دول وديانات ومعتقدات مختلفة في بناء المدن، بدلًا من قصف بعضها البعض حتى الفناء".
وقد أشار إلى إسرائيل بشكلٍ عابر فقط، وركز بدلًا من ذلك على قادة الخليج الذين وسّعوا بشكلٍ كبير، على حد وصفه، "روائع الرياض وأبوظبي البراقة" خلال العقد الماضي. وكان تركيز الخطاب ونبرته تحولًا جذريًا مقارنة بخطب الرؤساء الأمريكيين السابقين.
أما بالنسبة لإسرائيل، وبالأخص لرئيس الوزراء نتنياهو، فإن هذا التحول يحمل دلالات بعيدة المدى. ومع ذلك، لم يُظهر نتنياهو حتى الآن أي اهتمام بتغيير نهجه في الحكم أو طريقة إدارته للصراعات مع حماس، أو إيران، أو سوريا، أو اليمن.
وفي الوقت الذي كان فيه ترامب يجول الخليج واعدًا بمستقبل جديد للمنطقة، كانت القوات الإسرائيلية تصعّد من هجماتها على غزة، حيث شنّت غارة عنيفة استهدفت أحد قادة حماس البارزين، وردًا على صواريخ أُطلقت من غزة أسفرت عن مقتل عشرات الفلسطينيين قرب مدينة جباليا شمال القطاع.
وخلال تصريحاته أثناء الجولة، أقرّ ترامب بخطر المجاعة المحدق بغزة، في وقت يواصل فيه القادة الإسرائيليون، بمن فيهم نتنياهو، التقليل من أهمية هذا التهديد. لكن، في المجمل، كان تركيز الرئيس منصبًّا في مكان آخر خلال جولته.


التعليقات