تقرير: لماذا أعلن ترامب فجأة النصر على جماعة الحوثي؟
يمن فيوتشر - ذا نيويورك تايمز - ترجمة خاصةً الثلاثاء, 13 مايو, 2025 - 12:34 صباحاً
تقرير: لماذا أعلن ترامب فجأة النصر على جماعة الحوثي؟

عندما وافق الرئيس ترامب على شنّ حملة لإعادة فتح الملاحة في البحر الأحمر من خلال قصف جماعة الحوثي المسلحة لإرغامها على الخضوع، كان يتوقّع أن تظهر النتائج خلال 30 يومًا من الضربات الأولية قبل شهرين.
وبحسب مسؤولين في الإدارة الأميركية، فعند اليوم الحادي والثلاثين، ومع حذر ترامب المعروف من التورط العسكري المطوّل في الشرق الأوسط، طالب بتقرير يوضح مدى التقدّم المُحرز.
لكن النتائج لم تكن على مستوى التطلعات. إذ لم تتمكن الولايات المتحدة حتى من فرض سيطرة جوية على الحوثيين. وما بدا بعد 30 يومًا من التصعيد العسكري ضد الجماعة اليمنية، لم يكن سوى انخراط أميركي جديد في حملة عسكرية باهظة التكلفة وذات نتائج غير حاسمة في المنطقة.
فقد أسقط الحوثيون عددًا من طائرات "إم كيو-9 ريبر" الأميركية المُسيّرة، واستمروا في استهداف السفن الحربية في البحر الأحمر، بما في ذلك حاملة طائرات أميركية. وفي المقابل، استنزفت الضربات الأميركية مخزون الأسلحة والذخائر بوتيرة بلغت نحو مليار دولار في الشهر الأول وحده.
ولم يزد الأمور إلا تعقيدًا أن طائرتين من طراز "إف/إيه-18 سوبر هورنت"، تُقدّر قيمة كل منهما بـ67 مليون دولار، سقطتا عن طريق الخطأ من على متن الحاملة الأميركية الرئيسية المكلفة بشنّ الهجمات ضد الحوثيين، وغرقتا في البحر.
و بحلول ذلك الوقت، كان السيد (ترامب) قد بلغ حدّه من التورط.
وقد أفاد (ستيف ويتكوف)، مبعوثه إلى الشرق الأوسط، والذي كان منخرطًا أصلًا في محادثاتٍ نووية مع إيران بوساطة عمانية، أن المسؤولين العمانيين اقترحوا، وفقًا لمصادر أميركية وعربية، مخرجًا مناسبًا للرئيس ترامب في الملف المنفصل المتعلق بالحوثيين. يقضي المقترح بأن توقف الولايات المتحدة حملة القصف، في مقابل توقف الجماعة عن استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، دون التوصل إلى اتفاق يلزم الحوثيين بوقف الهجمات على الشحنات التي يرون أنها تخدم إسرائيل.
وفي 5 مايو/ آيار، تلقى مسؤولو القيادة المركزية الأميركية أمرًا مفاجئًا من البيت الأبيض بــ"تجميد" العمليات الهجومية.
وعند إعلانه وقف الأعمال العدائية، بدا الرئيس وكأنه يُبدي إعجابًا بالجماعة الإسلامية المسلحة، رغم تعهده سابقًا بأنها ستُباد بالكامل.
وقال ترامب: "لقد وجهنا لهم ضربات قاسية، ومع ذلك أظهروا قدرة كبيرة على التحمل". وأضاف: "يمكن القول إن هناك قدرًا كبيرًا من الشجاعة لديهم". وتابع: "لقد أعطونا كلمتهم بأنهم لن يطلقوا النار على السفن بعد الآن، ونحن نحترم ذلك".
لكن ما إذا كان هذا الالتزام سيصمد، فلا يزال غير مؤكد. فقد أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا باتجاه إسرائيل يوم الجمعة، مما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار في تل أبيب وإخلاء الشواطئ. وقد تم اعتراض الصاروخ بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية.

و الإعلان المفاجئ عن "النصر" على الحوثيين يُظهر كيف أن بعض أعضاء فريق الأمن القومي للرئيس قللوا من شأن جماعة عُرفت بصلابتها وقدرتها على الصمود. فبحسب عدد من المسؤولين المطلعين على المناقشات، كان الجنرال (مايكل إي. كوريلا)، قائد القيادة المركزية الأميركية، قد دفع باتجاه حملة عسكرية ضارية، حظيت في بدايتها بدعم كل من وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي. لكن الحوثيين عززوا مواقعهم الحصينة ومخازن أسلحتهم في مختلف أنحاء اليمن خلال القصف المكثف.
والأهم من ذلك أن هؤلاء المسؤولين أخطأوا أيضًا في تقدير مدى تسامح رئيسهم مع الانخراط العسكري في المنطقة، التي يزورها هذا الأسبوع متوقفًا في السعودية وقطر والإمارات. فالرئيس ترامب لم يكن يومًا من أنصار التورط في صراعات عسكرية طويلة في الشرق الأوسط، وقضى فترته الرئاسية الأولى ساعيًا لسحب القوات الأميركية من سوريا وأفغانستان والعراق.
علاوة على ذلك، كان الجنرال (دان كين)، رئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد، يشعر بالقلق من أن تؤدي الحملة الممتدة ضد الحوثيين إلى استنزاف الموارد العسكرية الأميركية في وقتٍ تحتاج فيه واشنطن إلى تعزيز وجودها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد شاركه هذا الرأي سلفه الجنرال (تشارلز كيو. براون) الابن، قبل أن يُقال من منصبه في فبراير/ شباط الماضي.
وبحسب مقابلات مع أكثر من اثني عشر مسؤولًا حاليًا وسابقًا مطلعين على نقاشات دائرة الأمن القومي، فقد كان ترامب بحلول 5 مايو/ آيار مستعدًا للانتقال إلى ملف آخر. وتحدث هؤلاء بشرط عدم الكشف عن هوياتهم نظرًا لحساسية المناقشات الداخلية.
وقال ترامب في تصريحاته من البيت الأبيض يوم الأربعاء: "نحن نحترم التزامهم وكلمتهم".
وأضافت المتحدثة باسم البيت الأبيض (آنا كيلي)، في بيان لصحيفة نيويورك تايمز أن "الرئيس ترامب نجح في التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار، وهو إنجاز جديد يُعد صفقة جيدة لأميركا وأمنها القومي". وأشارت إلى أن القوات الأميركية نفذت أكثر من 1100 ضربة جوية، أسفرت عن مقتل المئات من مقاتلي الحوثي وتدمير أسلحتهم ومعداتهم.
و قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، (شون بارنيل)، إن العملية العسكرية كانت محدودة النطاق منذ بدايتها. وأضاف في بيان عبر البريد الإلكتروني: "جرى تنسيق كافة جوانب الحملة على أعلى مستويات القيادة المدنية والعسكرية".
ودافع مسؤول سابق رفيع المستوى مطلع على النقاشات حول الملف اليمني عن (مايكل والتز)، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب، قائلًا إنه اضطلع بدور تنسيقي ولم يدفع باتجاه سياسة معينة سوى تنفيذ الهدف الذي حدده الرئيس.
وكان الجنرال مايكل كوريلا قد بدأ في استهداف الحوثيين منذ نوڤمبر/ تشرين الثاني 2023، حين بدأت الجماعة في مهاجمة السفن العابرة للبحر الأحمر، في إطار محاولتها استهداف إسرائيل ردًا على غزوها لقطاع غزة.
لكن الرئيس (جوزيف بايدن) كان يرى أن شنّ حملة عسكرية واسعة ضد الحوثيين قد يمنحهم مكانة رمزية على الساحة الدولية، ولذلك اختار تنفيذ ضربات محدودة ضد الجماعة، غير أن ذلك لم ينجح في ردعها.
وبحلول ذلك الوقت، أصبح لدى الجنرال كوريلا قائد أعلى جديد.
فقد اقترح حملة تمتد بين 8 إلى 10 أشهر، تتولى خلالها الطائرات الحربية التابعة للقوات الجوية والبحرية الأميركية تدمير أنظمة الدفاع الجوي التابعة للحوثيين. وبعد ذلك، بحسب ما أفاد به ثلاثة مسؤولين أميركيين، كانت الخطة تقضي بتنفيذ اغتيالات محددة على نهج عمليات إسرائيل الأخيرة ضد "حزب الله".
وقد دعمت السعودية خطة الجنرال كوريلا وقدّمت قائمة أهداف تشمل 12 قائدًا بارزًا في صفوف الحوثيين، قالت إن مقتلهم من شأنه أن يشلّ الحركة. لكن دولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الأميركي القوي الآخر في المنطقة، لم تكن بنفس الحماسة. فقد صمد الحوثيون لسنوات أمام حملات قصف مكثفة نفذتها كل من السعودية والإمارات.
و بحلول أوائل شهر مارس/ آذار، كان الرئيس ترامب قد وافق على جزء من خطة الجنرال كوريلا، والتي تضمنت شنّ ضربات جوية ضد أنظمة الدفاع الجوي التابعة للحوثيين، بالإضافة إلى استهداف قادة الجماعة. وقد أطلق وزير الدفاع (بيت هيغسث) على الحملة اسم "عملية الفارس الشرس" (Operation Rough Rider).
لكن في مرحلة ما، تم تقليص مدة الحملة التي كان من المقرر أن تمتد من ثمانية إلى عشرة أشهر، ليُطلب منها تحقيق نتائج خلال 30 يومًا فقط.
وفي تلك الأيام الثلاثين الأولى، أسقط الحوثيون سبع طائرات أميركية مُسيّرة من طراز MQ-9، تبلغ تكلفة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار، ما أعاق قدرة القيادة المركزية الأميركية على تتبع الجماعة المسلحة واستهدافها. كما أفاد عدة مسؤولين أميركيين بأن أنظمة الدفاع الجوي الحوثية كادت تصيب مقاتلات أميركية من طراز F-16 وطائرة شبح من طراز F-35، مما جعل احتمال وقوع خسائر بشرية أميركية أمرًا واقعيًا.
وقد تحول ذلك الاحتمال إلى واقع، إذ أُصيب طياران وعضو من طاقم سطح الطيران، في حادثتين منفصلتين لطائرتين من طراز F/A-18 Super Hornet سقطتا في البحر الأحمر من على متن حاملة الطائرات هاري إس. ترومان، بفارق عشرة أيام بين الحادثتين.
و في الأثناء، كان عدد من أعضاء فريق الأمن القومي للرئيس ترامب يواجهون تداعيات تسريبات تفيد بأن وزير الدفاع هيغسث قد عرّض حياة الطيارين الأميركيين للخطر، من خلال مشاركة خطط عمليات الضربات عبر محادثة جماعية على تطبيق "سيغنال". وكان مايكل والتز هو من أنشأ هذه المجموعة عن غير قصد، وضمّ إليها صحفيًا.
وقد أفاد البنتاغون أن الضربات الأميركية استهدفت أكثر من 1,000 هدف، شملت منشآت قيادة وسيطرة، وأنظمة دفاع جوي، ومواقع تصنيع أسلحة متطورة، ومستودعات لتخزينها. وأضافت القيادة العسكرية أن أكثر من عشرة قادة بارزين في جماعة الحوثي قد لقوا مصرعهم خلال الحملة.
لكن تكلفة العملية كانت باهظة. فقد نشرت وزارة الدفاع الأميركية حاملتي طائرات، وعددًا إضافيًا من القاذفات من طراز B-2، ومقاتلات حربية، إلى جانب منظومات دفاع جوي من نوع "باتريوت" و"ثاد"، في الشرق الأوسط. ووفقًا لمسؤولين تحدّثوا بشكلٍ غير رسمي، فقد تجاوزت تكلفة العملية حاجز المليار دولار بنهاية أول 30 يومًا فقط من الحملة.
و جرى استخدام عدد هائل من الذخائر الدقيقة، لا سيما الذخائر المتقدمة بعيدة المدى، لدرجة أن بعض المخططين الاستراتيجيين في البنتاغون بدأوا يبدون قلقًا متزايدًا بشأن المخزون العام من هذه الأسلحة، وما قد يترتب على ذلك في حال اضطرت الولايات المتحدة للتصدي لمحاولة غزو صيني محتمل لتايوان.
وفي خضم كل ذلك، واصل الحوثيون إطلاق النار على السفن والطائرات المُسيّرة، مع تعزيز تحصيناتهم الدفاعية ونقل مخزونات الأسلحة إلى مواقع تحت الأرض.
وبدأ البيت الأبيض بالضغط على القيادة المركزية الأميركية للحصول على مؤشرات نجاح ملموسة للحملة. وردت القيادة بتقديم بيانات تُظهر عدد الذخائر التي أُسقطت. أما أجهزة الاستخبارات، فأفادت بوجود "بعض التآكل" في قدرات الحوثيين، لكنها حذّرت في الوقت ذاته من أن الجماعة قادرة على إعادة تنظيم صفوفها بسهولة، بحسب ما أفاد به مسؤولون.
وقد ناقش كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي مسارين محتملين: إما تصعيد العمليات لشهر إضافي، ثم تنفيذ تدريبات بحرية في البحر الأحمر تحت شعار "حرية الملاحة"، باستخدام مجموعتي حاملة الطائرات كارل فنسن وهاري ترومان. وفي حال لم يبادر الحوثيون بإطلاق النار على السفن، ستُعلن إدارة ترامب النصر.
أو -بحسب ما قاله المسؤولون- يمكن تمديد الحملة العسكرية لمنح القوات الحكومية اليمنية وقتًا كافيًا لإعادة إطلاق هجوم لطرد الحوثيين من العاصمة والموانئ الاستراتيجية.
وفي أواخر أبريل/ نيسان، نظم وزير الدفاع هيغسث مكالمة عبر الفيديو جمعت مسؤولين سعوديين وإماراتيين مع كبار المسؤولين في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، بهدف التوصل إلى تصور مستدام يمكن تقديمه للرئيس كحالة نهائية قابلة للتحقيق للحملة العسكرية.
لكن، بحسب مسؤولين أميركيين، لم يتمكن المجتمعون من التوصل إلى توافق.
وقد انضم إلى هذه النقاشات في ذلك الوقت الجنرال (دان كاين)، رئيس هيئة الأركان المشتركة الجديد في إدارة ترامب، والذي عبّر عن تشككه إزاء تمديد الحملة. وقال مساعدوه إن الجنرال كاين كان قلقًا بشأن استنزاف الموارد العسكرية التي يرى أنها ضرورية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
و كان من بين المتشككين أيضًا في جدوى إطالة أمد الحملة: نائب الرئيس (جي دي ڤانس)، ومديرة الاستخبارات الوطنية (تولسي غابارد)، ووزير الخارجية (ماركو روبيو)، ورئيسة موظفي البيت الأبيض (سوزي وايلز). أما وزير الدفاع هيغسث، فقد أبدى مواقف متأرجحة، حيث كان يُجادل أحيانًا لصالح التصعيد وأحيانًا ضده، بحسب مصادر مطلعة على النقاشات.
لكن الرئيس ترامب نفسه أصبح أكثر المتشككين تأثيرًا.
ففي 28 أبريل/ نيسان، اضطرت حاملة الطائرات هاري ترومان إلى القيام بانعطافٍ حاد في عرض البحر لتفادي نيران حوثية، بحسب ما أفاد به عدد من المسؤولين الأميركيين. وقد ساهم هذا التحرك في فقدان إحدى طائرات سوبر هورنيت، التي كانت تُسحب في ذلك الوقت، وسقطت في البحر. وفي اليوم نفسه، قُتل العشرات في ضربة أميركية استهدفت منشأة للمهاجرين تسيطر عليها جماعة الحوثي، وفقًا لما ذكره ممثلو الجماعة ومسؤولون في منظمات الإغاثة.
ثم، في الرابع من مايو/ آيار، تمكّن صاروخ باليستي حوثي من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وضرب موقعًا بالقرب من مطار بن غوريون الدولي خارج تل أبيب.
وفي يوم الثلاثاء التالي، اضطر طياران على متن مقاتلة أخرى من طراز سوبر هورنيت -أيضًا من حاملة الطائرات ترومان- إلى القفز من الطائرة بعد فشلها في التوقف على مدرج الحاملة نتيجة عدم التقاط كابل التوقّف، مما أدى إلى سقوطها في البحر الأحمر.
وبحلول ذلك الوقت، كان الرئيس ترامب قد قرر إعلان الحملة نجاحًا.
و من جهتهم، سارع مسؤولو الحوثيين وأنصارهم إلى إعلان نصرهم بدورهم، مروجين وسمًا انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي جاء فيه: "اليمن يهزم أمريكا".

الرابط ادناه لقراءة المادة من موقعها الأصلي: 

 


التعليقات