بينما أحرز الحوثيون تقدماً في تطوير قدرات الإنتاج المحلي للأسلحة، لا يزال ترسانتهم تعتمد على الدعم الإيراني.
في 15 مارس، استأنفت الولايات المتحدة تنفيذ ضربات جوية كبيرة تهدف إلى إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين ودعم حرية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن. وذكر الرئيس دونالد ترامب، في تصريحات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن إيران ما زالت تمكّن الحوثيين من تنفيذ هجماتهم.
تصريحات ترامب تتماشى مع الجدل الدائر منذ فترة طويلة حول مدى عمل الحوثيين كأداة للسياسة الإيرانية. فبينما يرى البعض أن الجماعة مجرد وكيل يعتمد على نقل الأسلحة من إيران، يؤكد آخرون على استقلالها السياسي وقدرتها على إنتاج الأسلحة محلياً. لا تزال هياكل القيادة واتخاذ القرار لدى الحوثيين غامضة، مما يصعب تقييم مدى النفوذ السياسي والعملياتي الإيراني. ومع ذلك، فإن المعلومات المتوفرة نسبياً عن ترسانة الحوثيين من الصواريخ والطائرات غير المأهولة، والتي استُخدمت في الهجمات ضد إسرائيل وفي الحملة ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، تقدم لمحة عن الجانب المادي من العلاقة.
•الصواريخ الباليستية
لدى إيران تاريخ طويل في نقل أنظمة الصواريخ الكاملة إلى شركاء غير حكوميين، وكذلك في تمكينهم من الإنتاج المحلي. فمنذ أواخر العقد الأول من الألفية، دعمت طهران التصنيع المحلي عبر تصميم أنظمة قابلة للتجميع محلياً، وتقديم التدريب الفني، والآلات، والمكونات الحيوية مثل أنظمة التوجيه والأجزاء المتخصصة. وقد تم توثيق هذه الأنشطة في غزة والعراق ولبنان وسوريا.
في حالة الحوثيين، توصلت تحقيقات الأمم المتحدة في حطام الصواريخ والمواد المصادرة إلى أدلة على أن إيران قد نقلت تكنولوجيا إنتاج الصواريخ.
لكن تعقيد تصنيع الصواريخ يزداد مع المدى والحجم. فصواريخ المدفعية البسيطة والصواريخ الباليستية قصيرة المدى (CRBM، مداها بين 50–300 كم) يمكن إنتاجها بقدرات صناعية محدودة، كما تُظهر أمثلة من غزة ولبنان. أما الصواريخ الباليستية متوسطة المدى (MRBM)، فهي أنظمة معقدة تنتجها دول معدودة تمتلك قاعدة صناعية دفاعية متقدمة.
يبدو أن هذا التفاوت ينعكس في تكوين ترسانة الحوثيين. فبعض الصواريخ قصيرة المدى التي يمتلكونها – بمدى يصل إلى 200 كم – قد تكون مصنعة محلياً، رغم أن المكونات الحرجة، مثل أنظمة التوجيه، تُستورد على الأرجح من إيران. وتشمل هذه صواريخ مضادة للسفن مثل "فالق"، و"ميون"، و"البحر الأحمر". ويُلاحظ أن صاروخ "محيط" يبدو أنه تعديل لمنظومة سوفيتية قديمة (S-75 دفينا)، أُعيد استخدامها بتقنيات توجيه إيرانية.
أما الصواريخ متوسطة المدى التي استخدمت في الهجمات ضد إسرائيل، فمن شبه المؤكد أنها مقدمة مباشرة من إيران. فالصواريخ ذات الوقود الصلب مثل "فلسطين 1 و2" (مشتقات من "خيبر شكن" أو "فتح")، والصواريخ ذات الوقود السائل مثل "ذو الفقار" (وهي نسخة من "رضوان" الإيراني)، تبدو معقدة للغاية ليتم إنتاجها محلياً في اليمن.
حالة الصواريخ قصيرة المدى (SRBM، بمدى 300–1000 كم) مثل "فاتح-110" الإيرانية، والتي استُخدمت في البحر الأحمر، لا تزال غير واضحة. هذه الأنظمة أكثر تعقيداً من صواريخ المدفعية ولكنها أقل تعقيداً من الصواريخ متوسطة المدى. وقد سبق أن سعت إيران إلى توطين إنتاج "فاتح-110" لحزب الله في سوريا، مما يشكل سابقة. وبينما يُرجح أن الحوثيين يستوردون هذه الصواريخ جاهزة، إلا أن احتمال وجود إنتاج جزئي محلي لا يمكن استبعاده.
•صواريخ كروز
رغم أن الحوثيين يمتلكون بعض القدرة المحلية على تصنيع الصواريخ الباليستية، إلا أن صواريخ كروز للهجمات البرية والمضادة للسفن يبدو أنها تُورد بالكامل من إيران. إذ لا يُعتقد أن الجماعة قادرة على إنتاج المحركات النفاثة الصغيرة اللازمة لهذه الأنظمة، ولا الرادارات النشطة المطلوبة للصواريخ المضادة للسفن. وبينما لا يُستبعد أن الحوثيين بدأوا في تصنيع بعض الأجزاء البسيطة لصاروخ "قدس" (بافه) مثل أجزاء الهيكل، فإن المضبوطات المتعلقة بصواريخ كروز تُظهر أنها تُشحن كنظم مكتملة مفككة للتجميع النهائي في اليمن فقط.
•الطائرات دون طيار (UAVs)
القدرات المستقلة للإنتاج المحلي تبدو أكثر تقدماً في مجال الطائرات المسيّرة البسيطة. وعلى وجه الخصوص، فإن طائرة "صماد 3" الهجومية أحادية الاتجاه تم استخدامها على نطاق واسع في الهجمات البرية ضد إسرائيل، وفي نسخها المتجولة ضد أهداف بحرية في البحر الأحمر وخليج عدن. وتشير مقابلات مع مسؤولين غربيين، بالإضافة إلى تدني جودة التصنيع في النماذج المستردة، إلى أن هذه الطائرات تُصنع داخل اليمن.
ومع أن المكونات الأساسية المتعلقة بالتوجيه والتحكم والدفع لا يمكن إنتاجها محلياً، إلا أن العديد منها متوفر تجارياً، مما يتيح للحوثيين الحصول عليها دون الحاجة إلى إيران دائماً. مثال على ذلك استخدامهم لمحركات DLE-170 الصينية. ومع ذلك، فقد احتوت بعض هياكل طائرات "صماد" على مكونات إيرانية مثل الجيروسكوبات.
أما الطائرات دون طيار الهجومية المتقدمة مثل "شاهد-131"، "شاهد-136"، و"يافا" بعيدة المدى، فهي تحتوي على نسبة أكبر من الأنظمة الإيرانية، بما في ذلك محركات أقوى ومكونات هيكلية معقدة يصعب توفرها تجارياً.
•الخلاصة
رغم التقدم التدريجي في الإنتاج المحلي للأسلحة، خصوصاً في الطائرات دون طيار والصواريخ قصيرة المدى، لا يزال الحوثيون يعتمدون بشكل كبير على إيران في ما يخص التكنولوجيا المتقدمة والقدرات الحاسمة. وقد تطور دعم طهران من التزويد المباشر بالأسلحة إلى تمكين الإنتاج المحلي في بعض المجالات، لكنه لا يزال عنصراً حاسماً في الأنشطة العسكرية للحوثيين. ومن المرجح أن الجماعة قادرة على الابتكار في التكتيكات والأساليب وإنتاج التكنولوجيا الأبسط، إلا أن القاعدة الصناعية المحدودة لليمن والقيود التنموية تضع عوائق كبيرة أمام التوسع في إنتاج الأنظمة المعقدة مثل الصواريخ متوسطة المدى وصواريخ كروز. ومن المتوقع أن تؤدي الضربات الأمريكية المستمرة، التي تستهدف مواقع إنتاج حوثية، إلى تعقيد جهود تطوير الإنتاج المحلي للأسلحة المتقدمة.