تقرير: الأسبوع الذي دفع فيه ترامب الاقتصاد العالمي إلى حافة الهاوية بالرسوم الجمركية ثم تراجع في اللحظة الأخيرة 
يمن فيوتشر - أسوشيتد برس- ترجمة خاصة الخميس, 10 أبريل, 2025 - 10:14 مساءً
تقرير: الأسبوع الذي دفع فيه ترامب الاقتصاد العالمي إلى حافة الهاوية بالرسوم الجمركية ثم تراجع في اللحظة الأخيرة 

 في وقتٍ كانت فيه الأسواق المالية تسجّل ارتفاعات ملحوظة، وتبدو الأجواء السياسية مستقرة، خرج الرئيس (دونالد ترامب) من المكتب الأبيض عصر الأربعاء، بعدما اتخذ خطوة مفاجئة بتراجعه عن قراره بفرض رسوم جمركية إضافية على عدد من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.

و هذه الخطوة، التي جاءت قبل ساعات، بعثت برسالة طمأنة إلى الأسواق التي كانت تخشى انهياراً اقتصادياً عالمياً وشيكاً، ما دفع المستثمرين إلى التفاعل الإيجابي.

و خاطب السيناتور الجمهوري عن ولاية وايومنغ (جون باراسو)، ترامب قائلاً: "الأسواق باتت ترى فيك عبقرية اقتصادية"، فرد الرئيس قائلاً: "لم يحدث أن سمع أحد بشيء كهذا من قبل".

ورغم أن هذا النوع من المبالغة هو سمة مألوفة في تصريحات ترامب، إلا إن الواقع هذه المرة كان أقرب إلى تأكيد كلامه.

فخلال أسبوعٍ واحد فقط، استطاع ترامب -عبر قراراته الأحادية- أن يدفع بالاقتصاد العالمي نحو حافة الانهيار، بعد إعلان رسوم جمركية جديدة هزّت الأسواق العالمية، وأجبرت الشركات على مراجعة خططها، وأثارت قلق العواصم الأجنبية من مستقبل النظام التجاري العالمي في ظل تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة.

 

ثم تراجع ترامب!

فبعد سبعة أيام فقط من إعلانه، في مراسم رسمية أُقيمت في حديقة الورود بالبيت الأبيض، عن ما كان سيُعد أكبر زيادة ضريبية في تاريخ الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، عاد وتراجع بشكل مفاجئ عن معظم تلك الرسوم الجمركية من خلال منشور غير متوقَّع على منصته للتواصل الاجتماعي.

وقال لاحقًا مبررًا موقفه: "أعتقد أن الكلمة المناسبة هي المرونة" وذلك رغم إصراره لعدة أيام على أنه لن يتراجع قيد أنملة. وأضاف: "عليك أن تكون مرنًا".

 

الغموض مستمر مع تواصل مفاوضات التجارة

لا يزال من غير الواضح ما الذي حققه الرئيس فعلياً، بخلاف الشعور بالرضا الشخصي الذي عبّر عنه بقوله إن الدول الأخرى كانت "تتوسل إليه وتتملقه" في محاولة لإقناعه بالتراجع عن فرض الرسوم الجمركية. فلم تُبرم أي اتفاقات تجارية جديدة حتى الآن، رغم تأكيد مسؤولي الإدارة أن المفاوضات جارية.

لكن الضرر الحقيقي قد وقع بالفعل. فالتذبذب في السياسات التجارية وهوس الرسوم الجمركية زعزع الثقة في القيادة الأميركية، وكشف عن انقسامات داخل فريق ترامب نفسه، وأربك الشركات التي تعتمد على سلاسل التوريد العالمية في منتجاتها وعلى الزبائن الدوليين في مبيعاتهم. كما عاش العديد من الأميركيين الذين يدّخرون من خلال سوق الأسهم لتقاعدهم أو تعليم أبنائهم أيامًا من القلق والتوتر.

ولم تنتهِ حالة الاضطراب بعد.

فالرئيس فرض، اعتبارًا من يوم السبت، رسوماً جمركية بنسبة 10% شملت عشرات الدول. كما رفع الرسوم على الواردات من الصين إلى 125%، ما جعل العالم يستعد لمواجهة محتملة بين أكبر اقتصادين في العالم.

كذلك فُرضت رسوم بنسبة 25% على كندا والمكسيك، وهما أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، إضافة إلى ضرائب مماثلة على واردات السيارات والصلب والألمنيوم.

أما الرسوم الأخرى -مثل 24% على اليابان، و25% على كوريا الجنوبية، و20% على الاتحاد الأوروبي- فقد تم تعليقها لمدة 90 يومًا لإتاحة المجال أمام المفاوضات التجارية.

وقال (ويليام راينش)، المسؤول التجاري الأميركي السابق والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية:

"هذا الوضع لا يؤدي إلا إلى مزيد من الغموض السياسي والشعور بعدم موثوقية الإدارة الأميركية".

وأضاف: "صحيح أنه من الإيجابي أن ترامب لم يُمضِ قدمًا في تطبيق أعلى معدلات الرسوم، لكن كيف يمكن لأحد أن يتيقّن من أنه لن يغيّر رأيه يوم الجمعة أو في الأسبوع المقبل؟".

 

ترامب يعلن قراراته في يوم أسماه "يوم التحرير"

في مشهد مهيب تغطى فيه رواق البيت الأبيض بالأعلام الأميركية، أعلن الرئيس (دونالد ترامب) في يوم الأربعاء 2 أبريل/ نيسان، عن فرض سلسلة من الرسوم الجمركية، في خطوة وصفها بـ"يوم التحرير".

وقال ترامب مخاطبًا الشعب الأميركي: "يا أبناء وطني، هذا هو يوم التحرير".

ورفع الرئيس لافتة كبيرة تُظهر قائمة بالرسوم التي سيتم فرضها على كل دولة: 32% على تايلاند، و 49% على كمبوديا، و 26% على الهند، وغيرها من النسب التي تركت العالم يحاول فك رموزها لفهم كيفية إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية الدولية.

لطالما شكّل التبادل التجاري الدولي هاجسًا بالنسبة لترامب، حتى قبل دخوله عالم السياسة.

وكان تركيزه الأساسي منصبًا على عجز الميزان التجاري، أي الفارق بين ما تستورده الولايات المتحدة وما تصدّره.

لكن هذا التركيز يُثير حيرة الاقتصاديين التقليديين، الذين لا يرون في العجز التجاري تهديدًا بذات المستوى. فبرأيهم، من الطبيعي أن تستورد دولة ثرية كالولايات المتحدة أكثر مما تصدّر، كما أنهم يشككون بفعالية الرسوم الجمركية كأداة وحيدة لعلاج هذا العجز.

مع ذلك، أعلن ترامب أن ما يحدث يُشكّل "حالة طوارئ وطنية"، مما يمنحه، بحسب قوله، صلاحية فرض الرسوم الجمركية دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس.

وقد استندت رسومه الجمركية ليس إلى الضرائب التي تفرضها الدول الأخرى على الواردات الأميركية، بل إلى حجم العجز التجاري مع كل دولة، وهي آلية حسابية دفعت العديد من الاقتصاديين والمستثمرين إلى رفض السياسة باعتبارها غير منطقية ومفتقرة للأُسس الاقتصادية السليمة.

وزادت الحيرة بعد إدراج جزيرتَي هيرد وماكدونالد ضمن قائمة الدول المشمولة بالرسوم، رغم أنهما غير مأهولتين تقريبًا ولا تعيش فيهما سوى طيور البطريق!

في اليوم التالي للإعلان، توجّه ترامب بطائرته إلى فلوريدا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، وقال أثناء مغادرته البيت الأبيض، وسط ضجيج مروحية "مارين وان" التي غطّت صوته غالب الوقت:

"الأسواق ستزدهر، والأسهم ستنتعش، والبلاد ستنطلق إلى الأمام. أما بقية العالم، فسيحاول جاهداً معرفة كيف يمكنه التوصل إلى صفقة معنا."

لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا؛ إذ سجلت الأسواق أسوأ خسارة يومية منذ تفشي جائحة كورونا قبل خمس سنوات، ولم تتحسن الأوضاع حتى خلال مشاركة ترامب في بطولة غولف ممولة سعوديًا في ملعبه بميامي، حيث حضر أيضًا عشاءً على ضوء الشموع مع منظمة سياسية حليفة.

وعلى متن طائرته في طريق العودة إلى واشنطن مساء الأحد، صرّح ترامب للصحفيين قائلاً: "لقد فزت ببطولة النادي."

و قال ترامب مبتسمًا:

"من الجيد أن تفوز. سمعتم أنني فزت، أليس كذلك؟"

لكن في أنحاء البلاد والعالم، كانت التداعيات تتسارع وتنتشر.

ففي سياتل، بدأت شركة Fulcrum Coffee Roasters بالاستعداد لارتفاع تكاليف استيراد حبوب البن من جنوب شرق آسيا، وآلات الإسبريسو القادمة من إيطاليا.

أما شركة Stellantis، المُصنّعة لعلامات تجارية مثل "جيب" و"رام"، فأعلنت عن توقيف مؤقت للإنتاج في مصانعها بالمكسيك وكندا، ما أدى إلى تسريحات مؤقتة في منشآت أخرى بولايات إنديانا وميشيغان، في تذكير واضح بمدى تشابك سلاسل الإمداد في صناعة السيارات.

وفي أوروبا، أعلنت شركة Tata Steel في هولندا عن تسريح 1,600 موظف، أي ما يعادل خمس قوتها العاملة.

أما رئيس الوزراء الأيرلندي (مايكل مارتن)، فقال بصراحة:

"لا يمكننا تجميل الواقع"، في إشارة إلى التباطؤ الواضح في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.

وفي سريلانكا، عبّرت الحكومة عن قلقها من أن تتعرّض جهود التعافي الاقتصادي للخطر، مع بدء صناعة الألبسة -أكبر قطاع تصديري في البلاد- في مواجهة رسوم جمركية جديدة من سوقها الأهم: الولايات المتحدة.

 

ترامب يواجه تزايدًا في المعارضة من داخل حزبه

كانت الأسواق لا تزال في حالة من الذعر صباح الاثنين، عندما بدأ تداول تقرير غير موثّق يُشير إلى أن الرئيس يدرس تجميد الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا. و قفزت مؤشرات الأسهم مؤقتًا، قبل أن يدرك المستثمرون أن التقرير غير صحيح.

 و قال ترامب ردًا على تلك التكهنات:

"لا نفكر في ذلك."

وبذلك تبددت الآمال في هدنة محتملة.

وبحلول يوم الثلاثاء، ومع تصاعد المخاوف من ركود اقتصادي، بدأ مستشارو ترامب المقربون يتبادلون الانتقادات علنًا.

الملياردير (إيلون ماسك)، المكلّف بقيادة جهود تقليص حجم الحكومة، شكك علنًا في جدوى الرسوم الجمركية، مؤكدًا أنها سترفع تكاليف الإنتاج على شركته "تسلا" لصناعة السيارات الكهربائية.

في المقابل، قال مستشار البيت الأبيض للتجارة (بيتر نافارو) إن ماسك "لا يفهم" الموقف.

وردّ ماسك بحدة قائلًا إن نافارو "أحمق حقيقي" و"أغبى من كيس من الحجارة".

وفي الكونغرس، واجه النواب الجمهوريون العائدون إلى واشنطن سيلًا من الأسئلة حول الرسوم، وما إذا كانوا سيتخذون أي خطوات للرد.

وبدأ بعضهم فعليًا بدعم تشريعات تهدف إلى تقييد صلاحيات الرئيس في فرض الرسوم، قبل أن يرد البيت الأبيض بتهديد باستخدام الفيتو.

وسُئل السناتور (رون جونسون) من ولاية ويسكونسن يوم الثلاثاء عمّا إذا كان يفهم استراتيجية ترامب، فأجاب بسخرية:

"هل يفهمها أحد؟"

فقد كانت شركات كبرى في ولايته مثل "كولز" تتوقع ارتفاعًا في التكاليف، بينما كانت مزارع الألبان تستعد لمواجهة صعوبة في بيع الحليب والجبن، في حين استهدف الاتحاد الأوروبي شركة هارلي-ديفيدسون برسوم انتقامية.

أما السناتور (ثوم تيليس) من ولاية كارولاينا الشمالية، فكان أكثر صراحة خلال جلسة استماع مع ممثل التجارة الأميركية (جيميسون غرير)، قائلًا:

"إذا لم تنجح هذه الرسوم، فأنا فقط أريد أن أعرف على من يجب أن أُفرغ غضبي."

ففي ولايته، كان المزارعون -ممن يربّون الخنازير ويزرعون التبغ وسلعًا أخرى- يخشون أن يكونوا ضحايا جانبيين في حرب تجارية عالمية، بينما حذّر الصناعيون وشركات التكنولوجيا المحلية من أن ارتفاع التكاليف قد يُقوّض قدرتهم على التصدير للمستهلكين في الخارج.

وقد عقد وزير الخزانة (سكوت بيسنت)، وهو مدير سابق لصندوق التحوط ولديه معرفة عميقة بالقطاع المالي، سلسلة من الاجتماعات في تلة الكابيتول، بما في ذلك غداء مع السناتور (جون كينيدي)، الجمهوري من لويزيانا.

و كان كينيدي قد بدأ يشعر بالقلق بشأن الرسوم الجمركية، وقال أنهم "تحدثوا بصراحة شديدة" خلال اللقاء. وكان كينيدي جزءًا من مجموعة من السناتورات الذين جلسوا لإجراء مقابلة مع (شون هانيتي) مساء الثلاثاء، على أمل إقناع ترامب من خلال أحد مقدمي البرامج المفضلين لدى الرئيس على قناة فوكس نيوز.

وكان ترامب قد تجاهل المخاوف بشأن الرسوم الجمركية وانهيار الأسواق، قائلًا: "في بعض الأحيان يجب أن تأخذ الدواء لعلاج مشكلة ما."

لكن كينيدي لم يكن مقتنعًا، حتى وإن كان يتفق مع الرئيس بشأن القلق من ممارسات التجارة غير العادلة.

وقال: "لا نعلم إذا كان الدواء سيكون أسوأ من المرض."

 

• ترامب يتراجع، والمساعدون يصفون ذلك كجزء من استراتيجيته منذ البداية

 

بدأت الرسوم الجمركية على الحلفاء مثل اليابان و كوريا الجنوبية و الاتحاد الأوروبي سريانها في الساعة 12:01 صباحًا يوم الأربعاء، ولم تظهر أي مؤشرات على أن ترامب سيتراجع عندما أشرقت الشمس في واشنطن.

ونشر ترامب على "تروث سوشال":

"كُونوا هادئين! كل شيء سوف يسير على ما يرام."

كما كتب:

"الآن هو الوقت المثالي للشراء!!!".

وفي وقت لاحق، قال الرئيس إنه كان قد تحدث مع مساعديه صباح ذلك اليوم حول فكرة تجميد الرسوم الجمركية، وهو إعلان من شأنه أن يرفع أسواق الأسهم.

و كان غرير في تلة الكابيتول لحضور جلسة استماع أخرى عندما أعلن ترامب عن قراره.

وسأل النائب (ستيفن هورسفورد)، الديمقراطي من نيفادا، إذا كان ممثل ترامب التجاري على علم بأن الرسوم الجمركية التي دافع عنها لما لا يقل عن ساعتين قد تم تجميدها.

فأجاب غرير:

"أفهم أن القرار تم اتخاذه قبل دقائق."

ثم انفجر هورسفورد قائلًا:

"هذه ساعة هواة، ويجب أن تتوقف."

في البيت الأبيض، وجهت (كارولين ليفيت)، السكرتيرة الصحفية، اللوم إلى الصحفيين لعدم فهمهم لخطط الرئيس.

وقالت:

"الكثير منكم في وسائل الإعلام لم يفهموا فن الصفقة، في إشارة إلى كتاب ترامب الصادر عام 1987.

وأضافت: "أنتم بوضوح فشلتم في رؤية ما يقوم به الرئيس ترامب هنا."

لكن الإدارة أرسلت رسائل متناقضة حتى أثناء التراجع عن الرسوم الجمركية.

حيث قال بيسينت إن القرار لم يكن مرتبطًا بالأسواق.

و أخبر الصحفيين خارج الجناح الغربي: "هذا كان ناتجًا عن استراتيجية الرئيس. لقد تحدثت معه لفترة طويلة يوم الأحد، وكانت هذه استراتيجيته منذ البداية."

لكن ترامب لاحقًا تناقض مع بيسينت، قائلاً:

"كنت أراقب سوق السندات، ذلك السوق معقد جدًا."

على الرغم من التراجع، لم يظهر ترامب أي علامات على الندم. كان يرى علامات الدولار بينما كان يتحدث مع سائقي سيارات السباق الفائزين في المكتب.

وفي فيديو نشره أحد مساعديه، أشار الرئيس إلى اثنين من المديرين التنفيذيين للشركات، قائلًا:

"لقد ربح 2.5 مليار دولار اليوم، وهو ربح 900 مليون دولار."

وأضاف: "ليس سيئًا."


التعليقات