على مدار عقدين من الزمن، دعت أصوات متشددة في واشنطن إلى قيام الولايات المتحدة بشنِّ هجوم على البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، تم رفض هذه الدعوات باستمرار خلال تلك الفترة. و يعود ذلك إلى أن الحُحج ضد العمل العسكري كانت في معظم الأحيان مقنعة ومباشرة. فقد كانت القدرات النووية الإيرانية في مراحلها الأولية، وكان المجتمع الدولي متفقًا على ضرورة أن تثبت طهران أن نواياها النووية سلمية تمامًا. بناءً على ذلك، فرضت عقوبات على إيران عندما ثبت عكس ذلك، مما فرض عليها تكاليف باهظة دفعتها في نهاية المطاف إلى طاولة المفاوضات.
و لا تزال هناك أسباب قوية لعدم مهاجمة إيران. فشن هجوم على البلاد قد يزيد من الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. كما سيستهلك موارد أمريكية كبيرة في وقت تسعى فيه واشنطن إلى التركيز على مناطق أخرى. إضافة إلى ذلك، قد تقوض هذه الهجمات مصداقية الولايات المتحدة إذا لم تحقق النجاح المرجو. كما أن احتمالات الفشل مرتفعة، حيث إن الضربات الجوية، حتى وإن كانت دقيقة للغاية، قد تؤدي فقط إلى تأخير عملية التسلح النووي الإيراني.
في نهاية المطاف، تظل أفضل وأطول الحلول استدامة لهذه القضية هي التوصل إلى اتفاق دبلوماسي.
لكن اليوم، لم تعد الحجج ضد العمل العسكري بنفس الوضوح الذي كانت عليه سابقًا. فالبرنامج النووي الإيراني لم يعد في مراحله الأولية؛ بل تمتلك إيران الآن تقريبًا كل ما تحتاجه لصنع سلاح نووي. في الوقت نفسه، أصبحت طهران أكثر عرضة للخطر وأكثر حاجة إلى رادع جديد مما كانت عليه قبل بضع سنوات، فشبكتها من الشركاء في حالة تفكك، وإسرائيل شنت ضربات على أهداف داخل الحدود الإيرانية عدة مرات في عام 2024.
كما أن المجتمع الدولي الآن منقسم بشأن كيفية ممارسة الضغوط على النظام الإيراني. و لا تزال هناك عقوبات صارمة على إيران، لكنها تُخترق باستمرار من قبل دول مثل الصين والهند وروسيا، من بين آخرين. و قد يكون من الممكن استئناف التنفيذ الكامل للعقوبات، لكنه يتطلب تعاون الصين بشكل خاص في وقت تواجه فيه بكين عداءً واسع النطاق من الحزبين في واشنطن. أما علاقة روسيا مع إيران، فقد أصبحت أقوى مما كانت عليه منذ عقود، مدعومة بعلاقات دفاعية متبادلة. و حوافز طهران للمضي قدمًا نحو التسلح النووي أصبحت أعلى من أي وقت مضى، في حين أن التكاليف المتوقعة قد انخفضت على الأرجح.
و بالنظر إلى مخاطر العمل العسكري، يجب على الولايات المتحدة أن تبذل محاولة أخيرة وجادة للتفاوض على وقف برنامج طهران النووي في وقت مبكر من إدارة ترامب. ولكن إذا لم تكن مستعدة للتعايش مع العالم الذي ستخلقه الأسلحة النووية الإيرانية، فقد تجد نفسها مضطرة لمهاجمة إيران قريبًا.
و تتطلب الحكمة أن تضع واشنطن خطة عسكرية الآن، وأن تضمن أن تفهم إيران جدية هذا التهديد، حتى أثناء محاولتها مرة أخرى اتباع المسار الدبلوماسي.
• سلبيات الصراع:
هناك العديد من الأسباب التي تستدعي إعطاء الدبلوماسية فرصة أخيرة. وأهمها أن المسؤولين الأمريكيين لا يمكنهم التأكد من نجاح الهجوم العسكري.
فقد تمتلك الولايات المتحدة وشركاؤها الوسائل لتدمير جميع المنشآت النووية الرئيسية في إيران، لكن ذلك لا يضمن القضاء على كل المواد النووية أو جميع المعدات النووية في البلاد، حيث يمكن أن تكون بعض هذه المواد والمعدات مخبأة في مواقع تخزين مدفونة بعمق.
علاوة على ذلك، قد تتمكن طهران، سواء تحسبًا للضربات الأمريكية أو ردًا سريعًا عليها، من تحويل بعض كميات اليورانيوم عالي التخصيب إلى مواقع سرية، مما يتيح لها الاحتفاظ بما يكفي من المواد لإنتاج عدة قنابل بسرعة.
و في حال تعرضت إيران لهجوم من قبل قوة نووية معلنة –وهو الوصف الذي ينطبق على الولايات المتحدة– فستجد طهران دافعًا جديدًا لتطوير رادعها الخاص، وقد ترى في ذلك شرعية دولية متزايدة للسعي نحو هذا الهدف. ومع وجود اليورانيوم المخصب بحوزتها، ستكون قد امتلكت العنصر الأساسي لتصنيع القنبلة. كما أن العناصر الأساسية لصنع الأسلحة معروفة لدى إيران، مما يضعها في موقع يؤهلها لتجميع سريع للسلاح. ولهذا السبب ركز الاتفاق النووي لعام 2015، أو خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، على منع الحصول على المواد النووية بدلاً من التركيز على معدات التسليح أو الصواريخ.
و في الواقع، فإن التطوير الإيراني للخبرة النووية على مدار عقود يعني أن إيران يمكنها بناء سلاح حتى إذا جعلت الضربات العسكرية جميع معداتها وموادها الحالية غير قابلة للاستخدام. و قد يستغرق استعادة برنامجها النووي وقتًا، لكن الهجوم الذي يدمر منشآت مثل نطنز وغيرها لن ينهي المشكلة، تمامًا كما لم تنتهِ باغتيال الفيزيائي الإيراني (محسن فخري زاده) في عام 2020 أو الهجوم على موقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي في عام 2021.
و على سبيل المثال، لم تؤدِّ عملية قصف مفاعل أوزيراك في العراق عام 1981 إلى إنهاء برنامجه النووي؛ بل زادت وتيرة تطويره لبرنامج الأسلحة النووية في السنوات التالية. أما قصف مفاعل الكبر في سوريا عام 2007 فقد يكون حقق نجاحًا أكبر، لكن غرق سوريا في حرب أهلية يجعل من الصعب تقييم التأثيرات طويلة الأمد للهجوم على قراراتها النووية.
-تكاليف باهظة تجعل الدبلوماسية خيارًا أفضل للتعامل مع إيران:
إن التكاليف المرتفعة لمهاجمة إيران تجعل من الضروري أن تحاول الولايات المتحدة مرة أخرى اللجوء إلى الدبلوماسية. و للقضاء بشكل دائم على طموحات إيران النووية، قد تضطر واشنطن إلى مهاجمتها بشكل دائم أو تنفيذ هجوم أكبر بكثير يستهدف أجزاء من قوات الأمن أو النظام الإيراني نفسه. و كلا الخيارين سيكون أطول وأصعب بكثير من حملة محدودة، ومن السذاجة افتراض أن لدى الولايات المتحدة الالتزام اللازم لإكمال أي منهما. وهذا يعني أن الضربات ضد إيران قد تثير مشاكل تتعلق بمصداقية القادة الأميركيين، خاصة إذا تخلت واشنطن في النهاية عن هجماتها وتمكنت طهران من إنتاج سلاح نووي.
علاوة على ذلك، بمجرد أن تبدأ الضربات، سيكون من الصعب تخيل العودة السريعة إلى الدبلوماسية، إلا في حال حدوث تغيير في الحكومة الإيرانية. لكن تغيير النظام ليس ضمانًا لتحقيق نتائج أفضل، سواء فيما يتعلق بالبرنامج النووي أو الأنشطة الخبيثة الأخرى للنظام. حتى لو انهارت الجمهورية الإسلامية، قد يتم استبدالها بنظام أكثر تطرفًا، أو قد تنزلق إيران إلى حالة من الفوضى. و قد لا يأسف كثيرون على نهاية الحكومة الحالية، خاصة أولئك الذين تعرضوا للقمع طوال 40 عامًا، لكن هناك سببًا لقلق الإيرانيين من مخاطر عدم استقرار النظام، وهو قلق يعود إلى ما شهدوه خلال الربيع العربي.
و بغض النظر عن النتائج، فإن مهاجمة إيران ستُنهك موارد الولايات المتحدة. حيث أن هناك تقارير مقلقة بالفعل عن نقص في الذخائر الأميركية وصواريخ الدفاع الجوي. وستأتي أي نفقات إضافية في وقت غير مناسب لواشنطن، خاصة في ظل الوضع الدولي المعقد اليوم. فلا تزال روسيا تخوض حربًا ضد أوكرانيا، و هناك خطر من غزو صيني لتايوان، وأغلب منطقة الشرق الأوسط غير مستقرة.
لذا فإن شن حملة عسكرية جديدة ضد إيران سيُثقل كاهل الولايات المتحدة بشكل خاص إذا كانت أوروبا، ودول الجنوب العالمي، والشركاء العرب لواشنطن يعارضون أو يشككون في جدوى هذا التحرك العسكري، وهو احتمال يبدو كبيرًا للغاية.
• إبرام الاتفاقيات:
إن التكاليف الباهظة لمهاجمة إيران تعني أن على الولايات المتحدة محاولة اللجوء إلى الدبلوماسية مرة أخرى. وهناك أسباب للتفاؤل بأنه، رغم الوضع المتوتر، يمكن للبلدين التوصل إلى اتفاق. فالدبلوماسية لديها سجل ناجح في إبطاء طموحات إيران النووية. حيث أدت المبادرات الأوروبية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى تعليق قصير الأجل للأنشطة النووية الإيرانية، وعندما فشلت في تحقيق نتائج طويلة الأمد، دفعت روسيا والصين لدعم عقوبات الأمم المتحدة. وفي عام 2013، أوقفت خطة العمل المشتركة تقدم إيران النووي لتفسح المجال لمفاوضات استمرت عامين وأسفرت عن خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). وقد جمدت هذه الخطة أجزاء كبيرة من البرنامج النووي الإيراني وفرضت عليه رقابة دولية صارمة.
صحيح أن كل هذه المبادرات فشلت في نهاية المطاف. لكن على الرغم من أن إيران كانت مسؤولة عن إنهاء اتفاقيات التعليق التي تفاوض عليها الأوروبيون، فقد التزمت طهران بخطة العمل الشاملة المشتركة، وهو ما أقرته إدارة ترامب الأولى في تقاريرها الإلزامية إلى الكونغرس. و انهيار الاتفاق النووي جاء بسبب انسحاب الرئيس المنتخب (دونالد ترامب) منه خلال ولايته الأولى. ومع ذلك، فإن ترامب في وضع جيد لإطلاق بديل للاتفاقية لأنه هو من أنهى الصفقة السابقة.
و كانت المحادثات التي جرت في 2021 و2022 لإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال الكامل والمشترك لخطة العمل الشاملة المشتركة قد فشلت لأن الإيرانيين لم يثقوا في أن الولايات المتحدة ستلتزم بأي اتفاقٍ بعد تغيير الإدارة، ولأن واشنطن رفضت النظر في أساليب دبلوماسية بديلة. ومع ذلك، إذا وافق ترامب نفسه على اتفاق جديد، فقد تصدق إيران بأن الاتفاق سيصمد. فمعظم الديمقراطيين يدعمون الدبلوماسية، وإذا انضم ترامب إلى الاتفاق، فمن المحتمل أن يدعمه الجمهوريون أيضًا.
ورغم أن التوصل إلى اتفاق ممكن وخيار مفضل، إلا إن صياغته ستكون صعبة. فقد أبدى ترامب اهتمامًا بما وصفه بـ"اتفاق بسيط" لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لكن أي اتفاق سيكون معقدًا لضمان تحقيق تأثير فعلي. و ستحتاج طهران وواشنطن إلى الاتفاق على مدى القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، وما إذا كان سيتم وضع قواعد تتعلق بسلوك إيران الإقليمي، وما هي التنازلات المتعلقة بالعقوبات والضمانات الأمنية التي قد تحصل عليها إيران.
و سيتطلب حل كل هذه القضايا مفاوضات شاملة، خاصة لضمان أن يكون الاتفاق مستدامًا، وقابلاً للتحقق، وقابلاً للتنفيذ. كما سيتطلب ذلك إشراك أطراف أخرى إذا كان من المتوقع أن تكون القضايا الإقليمية محورًا رئيسيًا، و التفاوض متعدد الأطراف صعب حتى في أفضل الأوقات. أما اليوم، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا والتوترات بين بكين وواشنطن هما عاملان إضافيان يعقدان عملية من هذا النوع بشكل كبير.
• الضربة الأولى:
لا تزال هناك أسباب تدعو إلى الأمل في أن تتمكن طهران وواشنطن، مع توفر الوقت الكافي، من التوصل إلى نوع من الاتفاق. لكن على الرغم من الانتكاسات الاستراتيجية والهشاشة التي تعاني منها إيران، خاصة نتيجة للهجمات الإسرائيلية على وكلاء طهران وداخل أراضيها في أكتوبر/ تشرين الأول، فإن التقدم النووي الإيراني جعل الوقت موردًا نادرًا. و إذا اتبعت الولايات المتحدة نهج "الضغط الأقصى" لإضعاف إيران تحضيرًا لمحادثات لاحقة، فقد ترد إيران بإخفاء موادها النووية، أو بناء قنبلة، أو الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، أو القيام بكل هذه الخطوات معًا. وفي حال فشلت محاولات التوصل إلى اتفاق، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية.
لن تشكل الأسلحة النووية الإيرانية تهديدًا وجوديًا فوريًا للولايات المتحدة. فترسانة واشنطن النووية تفوق بكثير أي مخزون إيراني محتمل، كما أن إيران لا تزال تطور قدراتها على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ومع ذلك، إذا طورت إيران أسلحة نووية، فسيحفز ذلك دولًا أخرى في الشرق الأوسط على فعل الشيء نفسه، مما يؤدي إلى سباقات تسلح مستقبلية تزيد من خطر نشوب حرب نووية.
و حتى إذا لم تقم إيران بنقل الأسلحة النووية إلى وكلائها -رغم أن قرارها تزويد الحوثيين وحزب الله بصواريخ باليستية يجعل هذا النقل النووي أكثر احتمالًا- فإن ترسانتها النووية قد تصبح هدفًا للجماعات الإرهابية أو الإجرامية. وسيقع العديد من شركاء الولايات المتحدة ضمن مدى نيران إيران، إلى جانب جزء كبير من موارد الطاقة العالمية.
لذلك، فإن عالمًا تمتلك فيه إيران أسلحة نووية سيكون عالمًا أكثر خطورة بكثير بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها.
و مهاجمة البرنامج النووي الإيراني لن تقتصر فوائدها الاستراتيجية على منع خصم خطير من امتلاك أسلحة نووية، بل ستتجاوز ذلك. فعلى سبيل المثال، ستزيد الضربات من استنزاف الموارد المحدودة أصلًا لدى طهران. و ستجد إيران نفسها أمام تحديات أكبر من أي وقت مضى في تهديد المصالح الأمريكية، إذ ستضطر إلى موازنة عدة أولويات في وقت واحد، بما في ذلك استعادة برنامجها النووي، وإعادة بناء حزب الله، وإعادة تخزين قوتها الصاروخية، وإدارة مشكلاتها الاقتصادية العامة، وكل ذلك في ظل استمرار العقوبات.
و بعبارة أخرى، ستُجبر إيران على اتخاذ قرارات حقيقية بشأن اتجاهها الاستراتيجي. و ستكون قد فقدت جميع أنظمتها وأساليب الردع الرئيسية، ولن تتمكن من اللجوء إلى الأسلحة النووية كخيار سريع ورخيص لاستعادة هذا الردع.
-في حال فشلت محاولات التوصل إلى اتفاق، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة العسكرية.
إن إضعاف إيران يمكن أن يجلب فوائد استراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط. فقد يحصل النظام الإيراني على دفعة محدودة من الدعم الشعبي بعد الهجمات الأمريكية، ولكن وفقًا لشدتها، ونطاق الأهداف المستهدفة، وأي أضرار جانبية غير مقصودة، قد يرى المواطنون العاديون في هذه الهجمات فرصة للضغط على النظام من أجل التغيير. و الهجوم الإسرائيلي على إيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 لم يُظهر تأثيرًا كبيرًا في تعزيز الوحدة الوطنية، مما يشير إلى أن الهجوم الأمريكي قد لا يؤدي إلى ذلك أيضًا.
علاوة على ذلك، سيكون لدى طهران وقت وموارد أقل للتحرش بجيرانها أو تقويض استقرارهم بعد هجوم أمريكي، وستجد نفسها أمام حوافز أكبر للعمل على ترتيبات أمنية إقليمية بنّاءة. كما أن الانتكاسات التي ستتعرض لها ستقلل الضغط على دول أخرى لامتلاك ترسانات نووية خاصة بها.
• تعزيز المصداقية الأمريكية
مهاجمة البرنامج النووي الإيراني قد تساهم في استعادة مصداقية الولايات المتحدة، رغم المخاطرة بضعفها إذا فشلت. فخلال العقدين الماضيين، زادت الشكوك العالمية حول التزام واشنطن بمعالجة التهديدات، وهذه المسألة ذات طابع حزبي مشترك. حيث رسمت إدارة أوباما خطًا أحمر بشأن استخدام الرئيس السوري السابق (بشار الأسد) للأسلحة الكيميائية لكنها رفضت تنفيذه. و إدارة ترامب، رغم تعهداتها بالتحرك، لم ترد على العديد من الهجمات الإيرانية على القوات الأمريكية وبنية الطاقة التحتية لحلفائها. و إذا سمحت الحكومة الأمريكية الآن لإيران بامتلاك سلاح نووي رغم وعودها المتكررة بمنع ذلك، فستزداد تساؤلات الدول المنافسة حول مصداقية التزامات واشنطن، مما يعرض أصدقاء الولايات المتحدة وحلفاءها لمخاطر جسيمة.
ورغم أن ضرب إيران ليس الخيار الوحيد (وربما ليس الأفضل) لتعزيز صورة القوة الأمريكية، فإنه قد يلعب دورًا في هذا السياق.
• ضرورة النجاح العسكري:
بالطبع، يفترض هذا السيناريو أن تكون الضربات الأمريكية كافية في النهاية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. و يمكن للولايات المتحدة بلا شك تدمير المنشآت النووية الإيرانية المعروفة، لكن ذلك لن يمنع وحده امتلاك إيران لأسلحة نووية. ولتحقيق ذلك، قد تكون هناك حاجة إلى أكثر من جولة واحدة من الضربات، إلى جانب وجود عسكري أمريكي طويل الأمد واستعداد لاستهداف ليس فقط المنشآت النووية بل أيضًا صناع القرار في إيران.
وبالتالي، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى شن ضربات تركز على أصول النظام أو قواته الأمنية، حتى لو أدى ذلك إلى زعزعة الاستقرار الداخلي. كما يجب على واشنطن التفكير الآن في كيفية تصميم هذه الضربات لتقليل الآثار السلبية لعدم الاستقرار الداخلي المحتمل.
و التحدث بشكل فضفاض عن "ضربات بسيطة" أو افتراض أن واشنطن يمكنها حل تحدٍ يمتد لعقود من خلال بضع غارات جوية قد يبدو جذابًا، لكنه لا يغني عن تقييم جاد وصريح ومستدام لأنواع الهجمات التي يمكن أن تنجح، ومدة استمرارها، وتكاليفها، وكيفية تجنب أسوأ العواقب.
• أزمة صامتة:
تبقى قدرة واشنطن على التأثير في حسابات طهران النووية محدودة في نهاية المطاف. فلا أحد في الولايات المتحدة يعرف كيف ينظر المسؤولون الإيرانيون حقًا إلى وضعهم الحالي. و قد تؤدي عودة عقوبات الضغط الأقصى إلى أن تصبح إيران دولة نووية، لكن الضربات التي تعرضت لها من قبل إسرائيل، إلى جانب اقتصادها المتعثر، قد تكون بالفعل كافية لدفعها إلى اتخاذ قرار التسلح النووي في الوقت الذي تختاره. و ينبغي لصناع القرار الأمريكيين أن يأخذوا في حساباتهم أن امتلاك إيران للأسلحة النووية قد يصبح حقيقة لا مفر منها، لكن هناك فرصة محدودة لتجنب هذا السيناريو.
لهذا، حان الوقت لواشنطن للنظر في خطوات استثنائية.
فعندما تفاوضت الولايات المتحدة على الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA)، قدرت أن الحفاظ على فترة اختراق نووي تبلغ عامًا واحدًا -وهي المدة التي تحتاجها إيران لإنتاج ما يكفي من المواد النووية لصنع قنبلة- و كان ضروريًا لإتاحة الفرصة للدبلوماسية أو، إذا لزم الأمر، لحشد العالم خلف استجابة عسكرية. لكن تلك الفترة الزمنية لم تعد قائمة؛ فقد بدأت إيران في تقليصها منذ أن بدأت إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 60% في عام 2021.
و الهدوء النسبي الذي يحيط بالأزمة النووية الحالية بين إيران والولايات المتحدة يعكس بشكل أكبر حدة الحروب في أماكن أخرى أكثر من كونه نتيجة لضبط النفس الإيراني أو فعالية الدبلوماسية الأمريكية. ولا يوجد أي ضمان بأن هذه الأزمة ستبقى هادئة لفترة أطول.
و حقيقة أن استخدام القوة العسكرية قد يصبح ضروريًا لمنع إيران من تحقيق اختراق نووي يجب أن يُنظر إليها على أنها فشل سياسي مشترك بين الحزبين. و العواقب السلبية لأي ضربة عسكرية ستكون جسيمة، وبالتالي يبقى المسار الأكثر أمانًا هو محاولة جديدة للتفاوض. ولكن إذا فشلت هذه المحاولة، يجب أن تكون واشنطن مستعدة للتحرك.
رابط المادة من وموقعها الاصلي: هنا