"تم قبولي في المنحة وكنت سعيدةً للغاية، رأيت فيها فرصةً لتحقيق طموحاتي، لكن فرحتي لم تدم، فأسرتي رفضت السماح لي بالسفر، مبررين ذلك بقولهم "أنتِ صغيرة ما ينفع تسافري وحدك، نحن نعرف مصلحتك ونخاف عليك".
كانت تلك كلمات سمر، اسم مستعار، واحدة من الفتيات اليمنيات اللاتي واجهنّ قيودًا مجتمعية حرمتها من تحقيق حلمها بالدراسة في الخارج.
ففي عامها الثاني بالثانوية العامة قدمت على منحة "YES"، وهي منحة تبادل ثقافي ممولة من وزارة الخارجية الأمريكية، تتيح للطلاب المتميزين فرصة دراسة الصف الثالث الثانوي في الولايات المتحدة لمدة عام. نالت سمر المنحة، لكنها سرعان ما شعرت بالصدمة والإحباط حين منعتها أسرتها من السفر. تقول سمر لمنصة هودج: "شعرت بالقهر، كان بإمكاني تحقيق أحلامي، لكن كل شيء تبدد".
تأثرت نفسيتها بشدة بعد هذا الرفض، ما انعكس سلبًا على مستواها الدراسي في السنة الأخيرة من الثانوية العامة، رغم طموحها بأن تكون من أوائل الجمهورية.
لا تزال العديد من الفتيات اليمنيات يواجهن تحديات كبيرة في تحقيق أحلامهن الأكاديمية. ورغم حصول بعضهن على منح دراسية خارج البلاد، إلا أن التقاليد والعادات ما زالت تعيق سفرهن بدون "محرم"، مما يحول دون تحقيق طموحاتهن.
اليمن، كغيره من الدول ذات البنية الاجتماعية التقليدية، يعيش تحديات ثقافية واجتماعية تقيّد حرية النساء، خاصة فيما يتعلق بالدراسة في الخارج. فبعض الأسر تفرض شروطًا صارمة على بناتها الراغبات في مواصلة تعليمهنّ بالخارج، كوجود محرم (ولي أمر أو قريب من الذكور) لمرافقة المرأة خلال سفرها، حتى وإن كان الغرض من هذا السفر هو التعليم.
•فرص مهدرة
بعد انتهاء الثانوية العامة، تقدمت "سمر" لعدد منح دراسية أخرى، وتم قبولها في اثنتين؛ الأولى للدراسة في ماليزيا، والأخرى في تركيا، وكلاهما لدراسة تخصص الكيمياء النووية، الذي كانت تطمح لدراسته. ورغم ذلك، قوبلت محاولاتها بالرفض مرة أخرى من قبل أسرتها.
أدى رفض الأسرة إلى تدهور حالة سمر النفسية، حيث دخلت في حالة اكتئاب حاد وانعزلت عن الآخرين ووصفت نفسها بأنها أصبحت "عصبية" نتيجة الإحباط المتكرر.
بحزن تقول سمر: "أمر مؤسف وصعب أن ترى أحلامك وطموحاتك تتلاشى أمامك بسبب عادات وتقاليد وثقافة مجتمعية خاطئة، كنت أعتبر تلك المنح فرصة لتغيير مستقبلي، لكن للأسف كل شيء ذهب هباءً".
التحقت سمر بكلية الطب بجامعة صنعاء، إلا أنها لم تستطع التأقلم مع هذا التخصص، وبعد فترة من الدراسة، قررت الانتقال إلى كلية الإعلام، حيث أكملت دراستها الجامعية.
•قيود ثقافية ومجتمعية
يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، ياسر الصلوي، أن المجتمع اليمني لا يزال يحافظ على عاداته وتقاليده التي تفرض قيودًا على سفر الفتيات للخارج.
وأوضح الصلوي لمنصة هودج أن الكثير من الأسر اليمنية تشترط وجود "محرم" لمرافقة الفتاة غير المتزوجة أثناء السفر، وهو ما يُعقد الأمور بشكل كبير.
وأضاف الصلوي أن هذه القيود الاجتماعية مازالت تنظر للمرأة على أنها "أقل قدرة" على مواجهة التحديات في بيئات خارجية تختلف عن المجتمع اليمني المحافظ، خاصة في الدول الغربية.
ويعتقد أن ذلك يحرم الفتيات من فرص تعليمية متقدمة في مجالات غير متاحة داخليًا؛ مما يعيق تطورهنّ الأكاديمي والمهني، ورغم توفر التعليم في مختلف المجالات باليمن، إلا أن فارق الإمكانيات والمستويات التعليمية بين اليمن والدول الخارجية يظل كبيرًا.
ويقارن الصلوي بين نظرة المجتمع المختلفة لسفر الشباب، كونهم قادرين على تحمل التحديات في الخارج، بينما يُنظر للفتيات على أنهنّ بحاجة إلى حماية دائمة.
•تغيير بطيء لكن ممكن
الصلوي اعتبر أن تغيير هذه النظرة لن يحدث بين ليلة وضحاها، فالزمن يلعب دورًا مهمًا في التغيير، مشيرًا إلى أنه قبل عقود لم يكن يُسمح للمرأة بالتعليم إطلاقًا، بينما نشهد الآن عديد نساء حصلنّ على التعليم وتبوأنّ مناصب قيادية.
لكن لا تزال العديد من الأسر ترفض فكرة سفر بناتها للخارج، بينما توجد بعض الأسر التي بدأت تسمح لهنّ بالسفر وتوفير الدعم اللازم.
وحول الحلول الممكنة، دعا الصلوي إلى تعزيز الوعي الثقافي والتعليمي للمجتمع، وتشجيع النساء على إثبات كفاءتهنّ وتفوقهنّ، وتقديم التسهيلات اللازمة للراغبات في الدراسة بالخارج، وحث الأسر على دعم بناتهنّ في تحقيق طموحاتهن الأكاديمية.
•فرص متساوية
في المقابل، يشير مصدر مسؤول بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بعدن، فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن الوزارة تعتمد مبدأ العدالة في توزيع المنح الدراسية بين الطلاب والطالبات.
وأوضح المصدر لمنصة هودج أن الوزارة لا تفرض أي شروط تتعلق بوجود محرم أو غيره على الطالبات الفائزات بالمنح، وأن عديد طالبات يدرسنّ في الخارج دون أي عراقيل.
وأضاف أن معايير اختيار المنح لا تُفرّق بين الذكور والإناث، مشيرًا إلى أن الأولوية تُعطى للطلاب الأوائل في امتحانات المفاضلة.
مشيرًا إلى أن التحديات المتعلقة بابتعاث الفتيات لا تأتي من الوزارة، بل من العادات والتقاليد الأسرية، حيث تفضل بعض الأسر عدم السماح لبناتها بالسفر بسبب القلق من التكاليف الإضافية المتعلقة بالمحرم، أو بسبب الأعراف الاجتماعية.
ورغم أن الوزارة لا تتدخل في قرارات الأسر، إلا أن المصدر أوضح أن نسبة الطالبات اللواتي يواجهنّ هذه العقبات ليست كبيرة، فهناك فتيات متفوقات يواصلنّ تعليمهنّ في الخارج بنجاح.
وفيما يتعلق بمستقبل ابتعاث الفتيات، اختتم المصدر حديثه بأن عدد الفتيات المبتعثات حاليًا يتجاوز أحيانًا عدد الذكور؛ ما يعكس توازنًا بين الجنسين في نظام الابتعاث، وبالتالي لا ترى الوزارة حاجةً ملحةً لزيادة هذا العدد مستقبلًا.
تم نشر هذه المادة في منصة هودج