منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، برزت حركة الحوثيين (أنصار الله) كواحد من أكثر الأعضاء نشاطاً وقدرة في ما يسمى "محور المقاومة" الإيراني - وهو تحالف تم بناؤه على مدى سنوات من الدعم الإيراني لمواجهة النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في الشرق الأوسط.
فخلال العام الماضي، كثفت الجماعة اليمنية تهديداتها للتجارة البحرية العالمية من خلال مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب، بينما تتحدى الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتحييد ترسانتها.
ورغم العلاقات المتنامية مع طهران والتحالف مع أعضاء آخرين في المحور، يظل الحوثيون هم الكيان الأكثر استقلالية في شبكة إيران، ولديهم طموحات إقليمية متميزة، وإقامة شراكات جديدة خارج منطقة الشرق الأوسط.
وفقاً لـ إلينورا أرديماني، زميلة أبحاث مشاركة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، فإن الهدف الأساسي للحوثيين هو تعزيز استقلاليتهم في صنع القرار ونفوذهم، سواء داخل المحور أو خارجه.
أضافت لـ"العربي الجديد": "إن الحوثيين يبنون شبكة مقاومة خاصة بهم"، مسلطةً الضوء على تحالفاتهم مع المليشيات الشيعية في العراق، وحركة الشباب الصومالية، وحتى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وفي حين أن هذه الروابط العابرة للمناطق مكملة للمحور، إلا أنها تعزز قدرة الحوثيين على الضغط على الشحن الدولي وزيادة النفوذ في مفاوضات وقف إطلاق النار مع المملكة العربية السعودية.
• مشاركة موسكو المدروسة
وبفضل التهديد الذي يشكلونه على طرق الملاحة البحرية، اجتذبت الأهمية المتزايدة للحوثيين جهات فاعلة دولية، بما في ذلك روسيا، التي تسعى إلى تحدي النظام السياسي والاقتصادي الذي يهيمن عليه الغرب.
وقد نمت علاقات موسكو مع الجماعة اليمنية إلى جانب شراكتها العسكرية مع إيران ومحورها.
وتضيف أرديماني أن "اتصالات الحوثيين المتزايدة مع روسيا تؤكد كيف تعمل الجماعة اليمنية على تنويع تحالفاتها، بما يتجاوز "المقاومة" التي تقودها إيران أيضاً، فمن وجهة نظر الحوثيين ان روسيا تندرج في هذا المخطط للحصول على شركاء جدد للأسلحة وطرق التهريب والتمويل".
وفي حين تحافظ موسكو رسمياً على موقف محايد في الصراع اليمني، فإن تفاعلاتها مع الحوثيين نمت بشكل ملحوظ، خاصة منذ اندلاع حرب غزة، في سياق العمليات الاستراتيجية لأنصار الله في البحر الأحمر.
وفي 2024، زارت وفود الحوثيين موسكو مرتين للقاء نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، مع اجتماعات إضافية في عمان في يوليو الماضي.
وفي الشهر نفسه، أفادت المخابرات الأمريكية بأن روسيا نشرت مستشارين عسكريين من المخابرات العسكرية الروسية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
ويُعتقد أن هؤلاء كانوا يعملون في البلاد "منذ أشهر"، حيث يقومون بالتدريب على الأسلحة، ويحددون الأهداف التجارية للعمليات المناهضة للغرب، وربما يوفرون أيضاً بيانات التتبع لتعزيز قدرة الحوثيين على مهاجمة السفن التجارية.
تقول الدكتورة إليزابيث كيندال، رئيسة كلية جيرتون بجامعة كامبريج: "بينما تسعى روسيا إلى الانتقام بعد سماح الولايات المتحدة لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضدها، فإن مساعدة الحوثيين في إبقاء الولايات المتحدة محاصرة عسكرياً ومالياً في البحر الأحمر قد تبدو خياراً جذاباً".
• تهديد متصاعد محتمل
تشير التقارير إلى أن موسكو قد فكرت في تزويد الحوثيين بأسلحة صغيرة مثل (AK-74) وصواريخ كروز المتقدمة المضادة للسفن (ASCM) P-800 Yakhont/Oniks.
إذا تم إدخال هذا النظام المتقدم، والذي يتجاوز بكثير ترسانة الحوثيين الحالية من الصواريخ التي توفرها إيران، فإنه سيعزز بشكل كبير تهديدهم للسفن التجارية والسفن البحرية الغربية العاملة في المنطقة، بما في ذلك عملية Prosperity Guardian وAspides وAtalanta.
إن هذه التطورات تسلط الضوء على التعاون الكبير بين روسيا والحوثيين، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات الإقليمية وتهديد التجارة البحرية الدولية.
وتحذر كيندال من أن "أي نقل روسي للأسلحة أو المعلومات الاستخبارية إلى الحوثيين سيكون بمثابة تصعيد كبير".
أضافت: "لن يتحدى ذلك الجهود الدولية لاحتواء تهديد الحوثيين فحسب، بل سيشير بشكل لا لبس فيه إلى نية روسيا العمل كمفسد لحرية الملاحة في البحر الأحمر، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية".
وحتى الآن، يبدو أن موسكو امتنعت عن إجراء مثل هذه التحويلات، وذلك على الأرجح بسبب ضغوط من المملكة العربية السعودية، لكنها مع ذلك تثير القلق في الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، ظهرت مزاعم بأن المجندين الحوثيين قد تم تهريبهم للقتال في أوكرانيا بموجب وعود كاذبة بوظائف مربحة والحصول على الجنسية الروسية في نهاية المطاف.
ومثل هذه الادعاءات تتماشى مع الجهود الأوسع التي تبذلها موسكو لتخفيف الخسائر الفادحة في حربها المستمرة مع كييڤ، من خلال تجنيد المهاجرين والمواطنين الأجانب (معظمهم من الكوريين الشماليين) مما يستدعي الحذر.
• أطماع الحوثيين تمر عبر موسكو
بالنسبة للحوثيين، فإن العلاقات الوثيقة مع موسكو ستجلب اعترافاً دولياً ومصادر جديدة للدعم العسكري والاستخباراتي تتجاوز قدرات إيران، مع تعزيز مكانتهم الإقليمية.
وتعكس هذه العلاقة المتنامية أيضاً تحولات داخل محور المقاومة نفسه.
ورغم أن الحوثيين بعيدون جغرافياً عن إسرائيل، فقد اضطلعوا بدور أكبر في المحور من خلال استهداف الشحن الدولي والضغط على إسرائيل خلال حرب غزة، ولكن أيضاً بسبب ترساناتهم وقدراتهم الهجومية المتزايدة.
وفي المقابل، ضعفت حماس وحزب الله وسط المواجهة المستمرة مع إسرائيل.
وتشير كيندال إلى أن "الحوثيين يطمحون إلى الاضطلاع بدور قيادي أكبر داخل محور المقاومة وخارجه، فبالنسبة لهم، يوفر العمل مع روسيا المكانة والاعتراف، وليس فقط الأسلحة والبيانات".
إن هذه الشراكة مع موسكو تكمل أهداف إيران، وتعزز المشاعر المشتركة المعادية للغرب، دون تقويض العلاقات بين الحوثيين وإيران.
تقول أرديماني: "من غير المرجح أن يؤدي تنويع تحالفات الحوثيين إلى خلق احتكاك مع إيران، لاسيما في ضوء تعزيز الشراكة الدفاعية بين إيران وروسيا".
•السعودية بين المطرقة والسندان
بعيداً عن البعد المناهض للغرب، فإن تورط موسكو في اليمن يمكن أن يكون أيضاً بمثابة جهد استراتيجي لكسب النفوذ على المملكة العربية السعودية.
ومع تفاوض الرياض على معاهدة دفاع محتملة مع الولايات المتحدة، قد تضع روسيا نفسها كمفسد، خاصة تحسباً لإدارة ترامب الثانية القادمة، حيث قد تتبنى المملكة موقفاً أكثر تأييداً لأمريكا بشأن أسعار النفط مقابل ضمانات أمنية.
ويمكن لواشنطن الضغط على السعودية لاستخدام نفوذها لدى موسكو لمنع نقل الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية إلى الحوثيين.
ومع ذلك، من المرجح أن يكون تركيز ترامب على الحد من علاقات الرياض المتنامية مع روسيا والصين.
في كل الأحوال، فإن إطالة أمد الصراع في البحر الأحمر يهدد بتقويض رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وردع الاستثمار الأجنبي، وتعطيل السياحة في المنطقة، وهي الركائز الأساسية لاستراتيجية التنمية في المملكة. وبالتالي، فإن الرياض تخاطر بخسارة أكبر قدر ممكن من أي تصعيد في المنطقة، مما يجعلها لاعباً حاسماً في موازنة التوترات حول الحوثيين وروسيا.
ومع تزايد طموحات الحوثيين الإقليمية، فإن فصل الصراع اليمني عن أزمات الشرق الأوسط سوف يصبح أكثر صعوبة.
وتحذر كيندال قائلةً: "رغم الرغبة الواضحة لدى الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية في تجزئة الصراعات عبر القارات، إلا أن هناك خطراً حقيقياً من إمكانية اندماجها وخروجها عن السيطرة".
إن تطوير الشبكة التي يقودها الحوثيون في منطقة البحر الأحمر يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الديناميكيات الجديدة المزعزعة للاستقرار في المشهد الجيوسياسي الهش بالفعل على المدى المتوسط إلى الطويل.
إن الارتباطات الدبلوماسية للحوثيين مع روسيا والصين تشير إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية -ولكن ليست موالية للغرب- في المستقبل.
وتنهي أرديماني الحوار بأنه "في الوقت الحالي، لا ينبغي المبالغة في تقدير العلاقات الناشئة بين الحوثيين وروسيا، لكنها تتطلب مراقبة دقيقة".
"على المدى المتوسط إلى الطويل، يمكن أن تخلق هذه العلاقات احتكاكاً بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وروسيا، بينما قد تؤدي إلى تجدد النشاط الأمريكي فيما يتعلق باليمن والبحر الأحمر".
لقراءة المقال من موقعه الأصلي:
https://www.newarab.com/analysis/yemens-houthis-and-russia-why-their-growing-ties-matter