تقرير: تمكين النساء في اليمن بين الحاجة الوطنية والأجندة الدولية
يمن فيوتشر - ساوث 24 - بلقيس العبدلي الجمعة, 29 نوفمبر, 2024 - 11:08 صباحاً
تقرير: تمكين النساء في اليمن بين الحاجة الوطنية والأجندة الدولية

تعيش أكثر من 90 في المائة من الإناث حول العالم في بلدان تتسم بقصور كبير فيما يخص تمكين المرأة، بحسب البنك الدولي. لذا فإنه يُلزم أن يكون الوضع العام لأي بلد مستقراً أصلاً، ليتبين انعكاس " تمكين المرأة " على مؤشرات التنمية.  

ففي اليمن تواجه أكثر من 6.36 مليون من النساء والفتيات مخاطر متزايدة لأشكال مختلفة من العنف وتنعدم خدمات الحماية بنسبة 90 بالمائة في المناطق الريفية وتحتاج 5.5 مليون من النساء للمساعدة في مجال الرعاية الصحية. وسجل اليمن تراجعاً في عدة مؤشرات عالمية خلال السنوات السابقة حيث تراجع مؤشر الفجوة بين الجنسين خلال العام 2021 إلى المرتبة 155، وتراجع المؤشر الفرعي "المشاركة والفرص الاقتصادية"، من المرتبة 114 إلى المرتبة 154، إضافة إلى التراجع في التمكين السياسي من المرتبة 113 إلى المرتبة 154 أيضاً. وبحسب منصة "نسوان" فإنّ نسبة الأمية بين الإناث تبلغ 40% منها 74.9% في الأرياف ، ويحتل اليمن المرتبة 175 من بين 177 دولة في مؤشر السلام والأمن العالمي للمرأة لعام 2023، وتبلغ الأصول المالية للنساء اليمنيات المساهمات في قطاع الأعمال 11 في المائة فقط .

ووفقاً لتقرير الصحة العالمية 2023، يمكن أن يشهد العالم زيادة بنسبة 20 في المئة في النّاتج المحلّي الإجمالي من خلال سدّ الفجوات في الأجور بين الجنسين، كما يمكن للاستثمار في تحويل أنظمة الرّعاية أن يعمل على خلق ما يقرب من 300 مليون وظيفة بحلول 2035. ووفقاً لمدونة البنك الدولي "فالنساء اللاتي يجنين المال قادرات على الاستثمار في رفاهة أسرهن، والمساعدة في تنمية الاقتصاد".


تباينات
"هناك لغط كبير حول مصطلح التمكين عالميًّا ناهيك عنه عربيًّا أو محليًّا"، فمنذ مطلع حراك النساء في اليمن خلال أربعينات القرن الماضي، ظهر تباين ملحوظ حول مصطلح التمكين، تبنت فيه مكونات تقودها النساء "تمكين النساء" كحاجة ملحّة، ووجهت نقداً لعدد من المفاهيم التقليدية كنظام الحماية التقليدي واعتبرنه "ستار يقيّد حركة المرأة وتنميتها". بل واعتبرن أن فشل آليات الحماية التقليدية جعل المدافعات عن حقوق الإنسان يشعرن بعدم الأمان، ويبحثن عن نُظم حماية أخرى مما دفعهن للجوء إلى نظام الظل بين الحين والآخر . وحسب دراسة للمركز اليمني عن نظم الحماية التقليدية والعنف الموجه تجاه النساء، برّرت ما يقرب من 50% من النساء المستهدفات بالدراسة قيام الزوج بضرب زوجته إذا لم تلب توقعاته". كما تتهم دراسات أخرى النسويات في اليمن بعملهن "وفق أدبيات خارجية وتقديمهن لتقارير ظل بهدف تمرير بنود تحفظت عليها اليمن كدولة عند التوقيع على الاتفاقيات الدولية. وتصف تلك الدراسات؛ الحركة النسوية اليمنية بالموظفة ضد التقاليد والدين، وترى أنّه من الواجب مواجهتها.

ووفقاً  لتحليلات أخرى، "فإنّ عدد من النسويات اليمنيات يقدن حملات تتعلق بالتخلّي عن العادات الثقافية للمجتمع مما يجعل النساء المستهدفات أنفسهن يقفن ضدهن، وتصف التحليلات تلك النسويات، بأنّهن أشبه بالجماعات الدينية المتطرفة لأن كليهما يصادر على النساء حق الاختيار". بينما ترى دراسات أخرى، أنّه من المهم التحسس للمعتقدات الثقافية من أجل تمكين أكثر جدوى "فالعديد من اليمنيين ينظرون للنسوية بأنها مشبوهة، تستخدمها المنظمات غير الحكومية الدولية لتوجيه تدخلاتها".  كما أنّ فهم السياقات المحلية يسد الفجوة بين المفاهيم الدولية والنظرة المحلية للتمكين، كمفهوم "المحرم" مثلاً، حيث يتجذَّر ذلك المفهوم من الرعاية والمسؤولية، لا من التشكيك في أخلاق المرأة. وفي حين أنه ليس ضروريًّا في بعض المناطق، إلا أنه يمثِّل قاعدة ثقافية ودينية في مناطق أخرى. وفي اتجاه آخر، ترى عدد من الدراسات، "أنّ النسوية في اليمن أسهمت في مساندة حقوق النساء والحماية من الانتهاكات"، كما تقر دراسات أخرى، بأنّ تمكين المرأة قضية وطنية ذات أهمية استراتيجية.

 

ما بين النظرية والواقع
وفقاً للأمم المتحدة، "يتعلّق مفهوم تمكين المرأة بقدرة النساء والفتيات في اكتساب السيطرة على حياتهن من أجل تغيير الهياكل والمؤسسات التي تعزز التمييز بين الجنسين، ويشمل التمكين بناء قدرات متساوية للنساء والرجال في الوصول إلى الموارد واتخاذ قرارات استراتيجية كالمشاركة السياسية والقرارات داخل المنزل". ويعدّ تمكين المرأة المصطلح الأكثر جدلية، حيث شاع استخدامه في العديد من المعاهدات الدولية بجهود مفكرات المدرسة النسوية، تحديداً النساء الراديكاليات منهن، لذا، ارتبط بالحركة النسوية العالمية التي ظهرت مطلع القرن الثامن عشر وتعددت تياراتها كالنسوية الماركسية، والليبرالية، والاشتراكية الراديكالية وصولاً  للتقاطعية النسوية والنسوية الالكترونية، وجميعها  تتشارك في المطالبة بحقوق النساء وتحقيق المساواة بين الجنسين، إلا أنّ هناك اختلافات بين تلك التيارات حد التصادم فيما يخص عدد من السرديات الفلسفية التي تقوم عليها.

وواجهت الراديكالية النسوية أشد ردود الفعل عنفاً على المستوى العالمي، نتيجة مطالبتها النساء بضرورة التخلي عن الأنوثة، والانتقال من المساواة القانونية التي تبنتها النسوية الليبرالية للمساواة الطبيعية التي تنكر وجود أي اختلافات بيولوجية بين الرجل والمرأة.هذا فضلاً عن وصف بعض مفكريها للأمومة بالعبودية، ودعوتهم للابتعاد عن النصوص الدينية بوصفها تحط من شأن المرأة في كافة الأديان.

وبالرغم من أنّ الكثير من المكوّنات التي تقودها النساء في اليمن لا تدّعي النسوية وتفتقر حتى إلى العمل المنظم، بل ويتداول عدد كبير منها المصطلح من منظور يمني، نتيجة انتشاره عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عمل منظمات المجتمع المدني، إلا أنّ الرأي العام يتعامل مع أي امرأة قيادية على أنها "نسوية"، مما جعل النساء القياديات في اليمن بالأخص المدافعات عن حقوق النساء يتحمّلن تبعات "مفهوم النسوية" بكل مثالبه، بغض النظر عن الفلسفات المختلفة لتياراته المتعددة.

في المجمل، لا تقف الدراسات التي تمّت مناقشتها في متن هذا المقال ضد تمكين النساء باختلاف التيارات الفكرية لمعديها، لكنّها تناقش صدى تمكين النساء في الشارع اليمني ودفاعه كمجتمع تقليدي عن خصوصيته الثقافية، ومواقف المدافعات عن حقوق الإنسان من العنف البنيوي المسلط ضدهن. وبالرغم من الارتفاع الملحوظ في عدد النساء الملتحقات بسوق العمل خلال مرحلة الحرب في اليمن، إلا أنّ العنف ضدهن تصاعد أيضاً لعدة أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية. فبحسب دراسة محلية، "تشكّل المرأة العاملة نسبة 7‎%‎ من النساء اليمنيات، وتضاعفت النسبة وطرأت عليها تحولات مع سنوات الحرب، وارتفعت بشكل ملحوظ، بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي أجبرت آلاف النساء على الخروج من منازلهن للعمل بهدف توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهن. ومع ذلك ما تزال جذور المشكلة قائمة بسبب العادات والتقاليد".  وبحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية، "فإن استجابة المجتمع المحلي كانت إيجابية للغاية تجاه فوز مكتب مقاولات تملكه امرأة بمحافظة لحج بمناقصة لإعادة تأهيل قناة للتحكم بمياه الأمطار وهو قطاع يهيمن عليه الذكور تقليدياً.

 

مسارات واضحة
تمس النسوية قضايا المجال الخاص كالأدوار الرعائية والزواج، والإنجاب والطلاق وغيرها من القضايا التي عادةً ما تبت فيها الأسرة في اليمن لا الدولة، إلا في حالات التقاضي. كما تلامس النسوية مفاهيم حساسة ثقافياً كالهوية البيولوجية  للأفراد وعلاقة المجتمعات بالدين والأعراف الثقافية. وكون "تمكين المرأة" أحد أبرز منتجاتها، تربط المجتمعات المحلية بينه وبين الجدل العالمي للنسوية. لذا من المهم أن تقدم المكونات التي تقودها النساء في اليمن نتاج فكري لمفهوم "النسوية اليمنية" يناقش تقاطعية الحقوق العالمية مع الخصوصية اليمنية ويبحث في إعادة النظر في الموروث الثقافي القابل للتغيير. وحتى ذلك الحين يتوجب على منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية العاملة في مجال النساء؛ العمل وفقاً للاتفاقيات المبرمة مع الوزارات المعنية وأولوياتها. فالمجتمعات المحلية تنظر لتمكين المرأة في اليمن على أنّها قضية ليست ذات أولوية بمعزل عن إنهاء الانقسام السياسي وإنعاش الاقتصاد الوطني وتمكين النساء والرجال على حد سواء من قيادة عجلة التنمية. كما أصبح من المهم على أطراف الصراع العمل على إعادة تفعيل نُظم الحماية التقليدية والقانونية على حدٍ سواء واحترام الأعراف والعادات الثقافية التي تنأى بالنساء عن تبعات وآثار الانقسام السياسي، بما يضمن حمايتهن ومحاسبة الجناة، لكي لا يصبح "تمكين المرأة" عدالة اجتماعية فحسب، بل استراتيجية وطنية طويلة المدى تحسّن من مستوى النمو والاستقرار وتعزز السلم المجتمعي وتفعّل المنظومة الثقافية، بالأخص إذا ما تم بناءً على اتفاق اجتماعي واضح المعالم تحسم فيه المعركة الثقافية المتعلقة بالمفاهيم والآثار.

الرابط ادناه لقراءة المقال من موقعه الأصلي:  https://south24.org/news/news.php?nid=4337


التعليقات