اليمن: روسيا تتخلى عن الدبلوماسية السياسية لدعم الحوثيين
يمن فيوتشر - ويلسن سنتر- آشير أوركابي- ترجمة غير رسمية: الخميس, 17 أكتوبر, 2024 - 07:36 مساءً
اليمن: روسيا تتخلى عن الدبلوماسية السياسية لدعم الحوثيين

يبدو أن فيكتور بوت، تاجر الأسلحة الروسي المعروف باسم " تاجر الموت "، والذي عاد إلى روسيا قبل عامين في صفقة تبادل أسرى مقابل نجمة كرة السلة الأميركية بريتني جرينر، قد استأنف تجارته القديمة. 
وهذه المرة، ورد أنه يرتب عمليات نقل أسلحة صغيرة إلى الجماعة المتمردة في اليمن، مما يثير المخاوف من أن روسيا قد تزود منطقة البحر الأحمر أيضاً  بصواريخ مضادة للسفن والطائرات، الأمر الذي يزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى حماية الشحن في البحر الأحمر . 
وإذا ثبتت صحة التقارير، فإن مبيعات الأسلحة هذه سوف تشكل تحولاً جذرياً في العلاقات السوفييتية والروسية مع اليمن على مدى السنوات الستين الماضية. فبدلاً من التركيز على تعزيز العلاقات طويلة الأجل مع المنظمات الوطنية في مختلف أنحاء العالم من خلال مشاريع البناء والتحديث والبرامج ذات التوجه السياسي، كما كان النهج السوفييتي، انحدرت السياسة الخارجية الروسية، على الأقل في اليمن، إلى مستوى السعي إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل من خلال بيع الأسلحة وتعزيز العنف الإقليمي. وحلت دبلوماسية الأسلحة الروسية محل دبلوماسية التنمية السوفييتية، وهو ما يشكل علامة على اليأس ودليلاً إضافياً على أن الاستراتيجية الروسية الكبرى في حالة يرثى لها تاريخياً. 

 

•المصالح الجيوستراتيجية لموسكو في اليمن
منذ السنوات الأولى للحرب الباردة، ركزت المصالح الجيوستراتيجية للاتحاد السوفييتي، ثم الاتحاد الروسي، على منطقة جنوب البحر الأحمر. وفي حين تغيرت أسباب هذا الاهتمام بمرور الوقت لتشمل دعم الحركات المناهضة للاستعمار، واستكشاف حقول النفط، وتأمين ممرات الشحن، والوصول إلى شرق أفريقيا، إلا أن اليمن كانت في قلب التدخل الروسي في المنطقة. 
بدأت العلاقات الروسية اليمنية بشكل جدي في عام 1956 عندما قاد ولي عهد اليمن الشمالي محمد البدر وفداً يمنياً رسمياً إلى موسكو، في أول زيارة يقوم بها زعيم عربي إلى الاتحاد السوفييتي. وما تلا ذلك كان سبع سنوات من الصداقة السوفييتية اليمنية، والتي برزت من خلال بناء ميناء حديث بقيادة السوفييت في مدينة الحديدة الساحلية الغربية وتصدير الآلات الميكانيكية الحديثة إلى بلد أشار إليه الدبلوماسيون السوفييت بأنه "إقطاعي" ومتخلف. 
وفي المقابل، حصل السوفييت على امتياز الوصول إلى ميناء الحديدة، الذي كان بمثابة نقطة شحن إلى أفريقيا. واحتفل رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروشوف وولي العهد البدر بالصداقة السوفييتية اليمنية، حيث روّج بحماس لرؤية التحديث السريع بقيادة السوفييت وتبني المبادئ الاشتراكية للشعب اليمني، الأمر الذي أكسب البدر لقب " الأمير الأحمر ".

 

•الحرب الأهلية في شمال اليمن: ثورة 26 سبتمبر
لقد سقطت استراتيجية الاتحاد السوفييتي تجاه اليمن في حالة من الاضطراب عندما أطاحت ثورة سبتمبر/أيلول 1962 بحليف الاتحاد السوفييتي الشيوعي السابق، والذي كان قد خلف والده مؤخراً كحاكم إمام ديني لليمن الشمالي. 
وبعد أن افترضنا أن البدر قد مات، لم يبق أمام المندوبين السوفييت خيار سوى إلقاء دعمهم خلف الجمهورية اليمنية الناشئة، خشية أن يخاطروا بفقدان الوصول إلى ميناء الحديدة. وعندما ظهر البدر على نحو غير متوقع بعد شهرين، كان الأوان قد فات بالنسبة للسوفييت للتراجع عن دعمهم المتردد للجمهورية اليمنية. وعلى مدى السنوات الخمس التالية، انزلق شمال اليمن إلى حرب أهلية دامية بين البدر وحلفائه الملكيين من القبائل الشمالية والجمهوريين اليمنيين المدعومين من مصر.
وبدلاً من الاعتماد على الوسطاء المصريين، شرعت وزارة الخارجية السوفييتية في حملة مباشرة لكسب قلوب وعقول اليمنيين المحليين من خلال استثمار الموارد في التعليم المحلي والبنية الأساسية والترفيه. وزار السائحون والمعلمون والصحافيون الروس اليمن بانتظام، وقدم الموسيقيون الروس أول حفل موسيقي على الطراز الأوروبي في صنعاء في أكتوبر/تشرين الأول 1964 أمام جمهور بلغ عدده الآلاف، بما في ذلك سياسيون يمنيون مؤثرون. 
وبهدف الاستثمار في علاقة طويلة الأمد، شرع المهندسون السوفييت في توسعة واسعة النطاق لميناء الحديدة لاستيعاب المزيد من السفن السوفييتية. وحصل اليمنيون على منح للدراسة في موسكو، بينما تطوع المعلمون والأطباء السوفييت في المدارس والمستشفيات اليمنية لمدة شهرين، وهو السلوك الذي  استمرت روسيا في ممارسته خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ووصلت العلاقات الروسية اليمنية إلى حد أن الزملاء كانوا يشيرون إلى بعضهم البعض بانتظام باسم " توفاريش"  أو "صادق" ، وهو ما يعادل "الرفيق" بالروسية والعربية.

 

•دولة شيوعية عربية في جنوب الجزيرة العربية
في البداية، كان انتصار العناصر الأكثر محافظة في الجمهورية اليمنية في أعقاب حصار صنعاء في عام 1968 ينذر بهزيمة استراتيجية للعلاقات السوفييتية في جنوب شبه الجزيرة العربية. ولكن التمرد المتزامن في جنوب اليمن قدم للاتحاد السوفييتي جائزة أكثر قيمة. ففي عام 1967، عندما أُرغِمت الإمبراطورية البريطانية على الانسحاب من مدينة عدن الساحلية اليمنية، مستعمرتها الرسمية الوحيدة في الشرق الأوسط، أعلنت الدولة اليمنية الناشئة نفسها بأنها الدولة الشيوعية العربية الأولى والوحيدة. 
وبعد ذلك أصبحت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حليفاً قوياً للاتحاد السوفييتي، الذي استثمر بكثافة في البنية الأساسية والتعليم في اليمن، وحصل في المقابل على حق الوصول الحصري إلى عدن، أحد أكثر الموانئ قيمة في المنطقة. وأصبح جنوب اليمن ملاذاً اشتراكياً لحقوق المرأة والتعليم العلماني، وهو ما لم يحظ به أي مكان آخر في شبه الجزيرة العربية. بل إن عدن كانت تضم مصنع الجعة الوحيد في شبه الجزيرة العربية، وهو مصنع بيرة صيرة.  
لقد أصبحت عدن نفسها ملاذاً للإرهابيين والمعارضين المناهضين للغرب، حيث كانت بمثابة مقر لجماعات مثل عصابة بادر ماينهوف، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والثائر الفنزويلي القاتل كارلوس الثعلب. وحتى توحيد شمال وجنوب اليمن في عام 1990، استمر الاتحاد السوفييتي في استخدام ميناء عدن كقاعدة بحرية قيمة ومنصة إطلاق لنشر الإيديولوجية الشيوعية في مختلف أنحاء القارة الأفريقية. 

 

العلاقات ما بعد السوفييتية (1991–2024) 
وحتى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، استمرت روسيا في الحفاظ على علاقاتها مع الحزب الاشتراكي اليمني النشط ومع السياسيين اليمنيين بشكل عام. ولكن حتى عام 2024، لم يكن الروس منخرطين بشكل كبير في الصراع اليمني. ويبدو أن الفرصة جاءت عندما سعى المسلحون الحوثيون إلى الحصول على الأسلحة والدعم الروسيين في مقابل ضمان السلامة الممنوح للشحن الروسي المار عبر مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر. 
وبدلاً من إرسال وفد من المهندسين الروس للقاء الحوثيين لمناقشة خطط إعادة الإعمار والتحديث في اليمن، أرسلت روسيا فيكتور بوت، الذي تقتصر جهوده في التحديث على تلك التي تتم عبر فوهة البندقية. وبسبب نقص العملة الأجنبية، دفعت حركة الحوثيين لتاجر الموت بعملة أرواح المدنيين اليمنيين. وقد ظهرت تقارير عديدة عن تجنيد الشباب اليمني قسراً للخدمة في الجيش الروسي في ساحة المعركة الأوكرانية.

 

•عصران وهدف واحد
خلال ستينيات القرن العشرين، ساعد الاتحاد السوفييتي الثوار اليمنيين في بناء مجتمع جديد، وإن كان مبنياً على المبادئ الماركسية والشيوعية. وفي عام 2024، تساعد روسيا الثوار اليمنيين مرة أخرى، وإن كان ذلك في تفكيك مجتمعهم في حين يواصل المسلحون الحوثيون توريط سكان البلاد في صراع إقليمي مع الولايات المتحدة وإسرائيل، معززين بالأسلحة والدعم السياسي الذي يتلقونه من مصادر إيرانية وروسية. ومع ذلك، فإن تحول روسيا من الدبلوماسية الإيديولوجية إلى دبلوماسية الأسلحة في اليمن يخبرنا بالكثير عن تراجع النفوذ الروسي العالمي أكثر مما يخبرنا عن تراجع المجتمع اليمني. ولعل "القلوب والعقول" المفقودة من عصر مضى هي قلوب وعقول الاستراتيجيين العظماء الروس وليس السكان المستهدفين في الخارج.


التعليقات