تحليل: ما الذي يمكن للحكومة البريطانية الجديدة أن تفعله من أجل اليمن؟
يمن فيوتشر - مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية- هيلين لاكنر الجمعة, 23 أغسطس, 2024 - 09:14 مساءً
تحليل: ما الذي يمكن للحكومة البريطانية الجديدة أن تفعله من أجل اليمن؟

صاحب الفوز المتوقع لحزب العمال في الانتخابات البرلمانية البريطانية، في الرابع من يوليو/تموز، بعض المفاجآت، حيث مثّل هذا الفوز – حسب وصف العديد من المراقبين – سقوطًا لحزب المحافظين أكثر من كونه نجاحًا لحزب العمال الذي حصل على نحو نصف مليون صوت، وهو أقل مما حصل عليه في الهزيمة التاريخية التي مُني بها عام 2019. رُغم أن حزب العمال يحظى بأغلبية مطلقة في البرلمان البريطاني بواقع 172 مقعداً، وسيكون بوسع القيادة الجديدة أن تغض الطرف عن وجهات النظر المتباينة حتى بين نوابها، إلاّ أن الحزب خسر الآلاف من أصوات المسلمين بسبب موقف زعيمه كير ستارمر من حرب غزة، على حساب أربعة مقاعد على الأقل، مما خلق بعض الضغوط من أجل تصحيح المسار.
في حين توجد دلائل على أن خسارة هذه الأصوات قد تشجع الحكومة الجديدة على اتخاذ موقف أكثر توازنا فيما يتعلق بالحرب في غزة، مثل احتمال وقف المساعي الرامية إلى تأخير قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن استصدار أوامر اعتقال بحق نتانياهو ووزير دفاعه، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية، يُستبعد أن يمتد هذا الموقف إلى ملف الأزمة اليمنية. فمن بين الملايين المؤيدين لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، لا يُدرك سوى القليل منهم طبيعة الوضع في اليمن؛ ومن بين هذه الفئة الأخيرة، يوجد انطباع إيجابي لدى الكثيرين منهم إزاء عمليات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن والتي تنفذها الجماعة تحت لافتة الدفاع عن غزة.
في يناير/كانون الثاني الفائت، دعم ستارمر بشكل كامل تحالف حكومة رئيس الوزراء السابق المنتمي لحزب المحافظين، ريشي سوناك، مع الولايات المتحدة في شن غارات جوية ضد مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن. وكتب ستارمر في إحدى الصحف البريطانية أن: “هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر تهدد أحد أهم ممرات التجارة في العالم وتُعرض حياة المدنيين والعسكريين البريطانيين للخطر. يجب أن يتوقفوا، ومن الصواب أن تلعب بريطانيا دورها، إلى جانب حلفائنا، في ردع هذه الهجمات “. وفي فبراير/شباط، تلاعب ستارمر على نحو مثير للجدل في تصويت برلماني لتجنب الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
في الأيام الأولى له كرئيس للوزراء، ركز ستارمر على القضايا الداخلية، لكنه أكد أيضًا دعمه لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وأوكرانيا، وشارك في قمة الناتو المنعقدة في الولايات المتحدة من 9 إلى 11 يوليو/ تموز. لم يتطرق ستارمر إلى أي ملف في الشرق الاوسط خلال اجتماعه الأول بأعضاء حكومته، بينما تجمع أكثر من 100 ألف شخص في أحد الأماكن القريبة من مقر الاجتماع لدعم فلسطين، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار ووقف بيع الأسلحة البريطانية لإسرائيل.
من جهة أخرى، يتبنى ديفيد لامي – وزير الخارجية البريطاني الجديد – موقفًا قريبا للغاية من سياسات الولايات المتحدة، وذلك حسبما يتبين من مشاركته في اجتماعات رفيعة المستوى لمراكز الفكر البارزة في الأعوام الأخيرة، ويشير دعمه هو ورئيس الوزراء للسياسات الأمريكية – القائم على مفهوم “العلاقات الخاصة” بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة – إلى أنه من غير المرجح أن يتخذ أي منهما أي نَهج مُغاير يتحدى سياسات واشنطن أو يُحدث تغييرات كبيرة في سياسة الحكومة السابقة بشأن ملف اليمن.
بناء عليه، ستواصل بريطانيا مشاركتها في الضربات الجوية على الأراضي اليمنية متى ما طلب الأمريكيون ذلك. ومع غياب أي تطورات لافتة في الملف اليمني، من المستبعد أن يتصدر اليمن قائمة القضايا المدرجة في جدول أعمالهم.
مستوى تأثير بريطانيا اليوم كقوة عالمية لم يعد كما كان في السابق، إلا أنها تمتلك رصيدا سياسيا قد يمكنها من لعب دور أكثر فعالية في البحث عن حل للأزمة. فهي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – الهيئة التي اضطلعت بدور تفاعلي في مواجهة الهجمات البحرية الحوثية دون تناول القرار رقم 2216 لعام 2015 الذي ولّى زمنه، والذي طالب الحوثيين آنذاك بالانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
بريطانيا اليوم في موضع يُمكنها من استصدار قرار بديل تشتد الحاجة إليه؛ فمن ناحية، قد يؤدي ذلك إلى تكوين صورة أكثر إيجابية عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لدى قيادة جماعة الحوثيين، كما يمكن أن يشجع الحوثيين على النظر إلى المملكة المتحدة كوسيط محتمل وليست كذراع أيمن لواشنطن. وهكذا، ستكون بريطانيا قادرة على دعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرج في جهوده لإقناع الحوثيين بالانخراط في آلية تضع حداً للصراع.
بالإضافة إلى ذلك، عادة ما يشغل منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية شخصية بريطانية، ومن المقرر تعيين وكيل جديد بعد مغادرة مارتن جريفيث منصبه أواخر يونيو/ حزيران. وقد يمثل ذلك فرصة مناسبة للحكومة البريطانية الجديدة لاقتراح مرشح ذو كفاءة عالية وخبرة في الأزمات الإنسانية الدولية، ويفضل أن يكون مُلماً بالملف اليمني.
بشكل عام، تعطي بريطانيا أولوية لعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي واستقطاب الاستثمارات من تلك الدول إلى اقتصادها. وبالتالي، من غير المتوقع أن يتغير هذا الموقف في عهد ستارمر كمعظم مواقف السياسة الخارجية البريطانية الأخرى. إلاّ أن اتباع مقاربة محنّكة قد تنجح في التأثير على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتبني نهج مشترك أكثر فعالية تجاه الأزمة اليمنية، وبالتالي إنهاء التنافس والتناحر بين الأطراف في معسكر الحكومة المعترف بها دولياً، والذي ساهم في تمكين الحوثيين.
مع الأخذ في الاعتبار ملايين اليمنيين الذين يدفعون ثمن هذا الصراع يوميًا، ينبغي على الحكومة الجديدة إعادة برامج المساعدات وتعزيزها بصورة أكبر، وإعادة التركيز على الاحتياجات الأساسية للسكان في جميع أنحاء البلاد والمساهمة في خفض معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز ثقة الشعب اليمني في المجتمع الدولي وفي المملكة المتحدة على وجه الخصوص؛ حيث يعلق بعض اليمنيين آمالا عريضة على بريطانيا (لا سيما بسبب ماضيها الاستعماري في الجنوب)، إلاّ أن هذه التطلعات لم تتحقق.
فضلا عن ذلك، من شأن تعيين مبعوث بريطاني خاص جديد أن يزيد من تركيز الحكومة البريطانية على اليمن، حيث ظل هذا المنصب شاغرًا منذ عدة سنوات، وسيعكس التزامًا متجددًا وقد يلعب دوراً في تحسين العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن يساهم هذا المبعوث في تعزيز الدعم الدولي للجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية وكذلك للأنشطة الإغاثية والتنموية، في وقت تحظى فيه بلدان أخرى تعاني من أزمات باهتمام دولي.
خلاصة القول، ومن خلال التمعّن في النهج الذي تبنته قيادة حزب العمال في السنوات الأخيرة، يمكن استنتاج عدم حدوث تغيير في السياسة البريطانية فيما يتعلق باليمن، إلاّ أن المجال متاح لاتخاذ خطوات بسيطة من شأنها أن تحدث فارقًا ـ – وهذا قد يتحقق بالضغط على الحكومة الجديدة لاتخاذ إجراءات فعالة. وقد تتمكن أول نائبة برلمانية منتخبة حديثاً من أصل يمني من لعب دور في هذا الصدد وزيادة التركيز على القضية اليمنية.


التعليقات