اليمن: تقاليد المجتمع ترفض الألعاب القتالية!
يمن فيوتشر - خيوط- فاطمة العنسي: السبت, 10 أغسطس, 2024 - 10:55 مساءً
اليمن: تقاليد المجتمع ترفض الألعاب القتالية!

كانت لدى ليندا العريقي (30 عامًا)، أحلام ومواهب رياضية عديدة، حيث أرادت التدريب على رياضة السباحة والقنص وغيرها، وأن تكون ضمن الفرق النسائية اليمنية الخاصة بهذه الألعاب؛ لكنها تأسف كثيرًا أنّها لم تستطع تحقيقها.
تعتقد ليندا أنّ النظرة الذكورية في المجتمع اليمني، هي نظرة سلبية تجاه المرأة، حيث يرى أنها فقط للبيت وتربية الأطفال، عدا ذلك عبارة عن عبث، إضافة -وفق حديثها لـ"خيوط"- إلى أنّ الرجل اليمني بشكل عام قلّما يتابع بطولات أولمبية، فضلًا عن أن تكون زوجته أو ابنته مهتمة بها.
بمشاركة لاعبة واحدة فقط، وهي لاعبة الرماية ياسمين الريمي، اختتمت البعثة اليمنية مشاركتها الأخيرة في أولمبياد باريس 2024، التي حصدت فيه الريمي المركز الـ40 من أصل 44 مشاركًا، كأقل حضور نسائي بين جميع البعثات المشارِكة، إضافة إلى أربعة لاعبين آخرين.
ويلاحظ عدم وجود اللاعبات اليمنيات في المشاركات الخارجية أو الألعاب الأولمبية، أو وجودهن بعدد ضئيل مقارنة باللاعبات العربيات؛ الأمر الذي يثير التساؤل عن سبب ابتعاد اليمنيات عن مثل هذه الرياضات والألعاب القتالية والأولمبية، حيث تبرز تقاليد وعادات المجتمع كأحد أبرز الحواجز أمام اهتمام المرأة بهذه الألعاب والرياضات.

يأتي ذلك بالرغم من وجود تغير نسبي في الوعي خلال الفترات الماضية، الذي يقترب من كسر النمط السائد في ذكورية مثل هذه الاهتمامات الرياضية، لكنه يظل وعيًا محدودًا للغاية، مع ضعف اهتمام الفتيات والنساء بممارسة الألعاب القتالية والأولمبية بشكل عام، أو بمتابعة البطولات الخاصة بالرياضات المتعددة، إضافة إلى عدم وجود اهتمام محليّ كافٍ من الجهات العامة والخاصة، التي قد تدفع وتشجّع المرأة اليمنية على الاهتمام بالألعاب الرياضية.

 

لاعبات مستبعدات بسبب التمييز 
في هذا الصدد، تقول سهام عامر، كابتن ألعاب قتالية، لـ"خيوط"، إنّ النساء في مجال الرياضة يعانين من إقصاء وتهميش شديد، وتعزو السبب إلى النظرة الذكورية القاصرة لقدراتهن، من قبل وزارة الشباب والرياضة واتحاد المرأة.
تتحدث سهام عن مشاركة ضعيفة، لا تكاد تذكر، في أولمبياد باريس بلاعبة واحدة، حيث كان بالإمكان المشاركة بأكثر من لاعبة، مضيفةً: "كان من المفترض مشاركتي أيضًا في هذه النسخة من الأولمبياد، ويعرف رئيس البعثة الأولمبية بقدراتي، إضافة إلى حصولي على عدة ميداليات سابقة، لكنني أجهل السبب".
ليست سهام فقط، وفقًا قولها، بل العديد من اللاعبات المحترفات كذلك، حيث كانت "العنصرية" -كما تصفها بهذا المصطلح - حاضرة بقوة، وأغلب المشارَكات الخارجية يتم منحها للذكور، ويتم التحجج بعدم وجود كادر نسائي.
تتذكر سهام بحزن، ما حدث لها في بطولة الأردن لعام 2019، بينما كانت تتأهب لدخول حلبة القتال ورفع اسم اليمن عاليًا؛ تم استبعادها قبل بدء المشاركة بدقائق قليلة، من قبل رئيس الاتحاد اليمني، قائلًا بالحرف: "فريقي ذكوري ولا مكان للفتيات فيه"، كانت تلك الكلمات مثل الصاعقة على نفسها، لكنها لم تستسلم ودخلت حلبة القتال وحصدت ميداليات فضية وبرونزية، ولكن ليس باسم اليمن الذي استبعدها، وإنما بمشاركة خاصة، وباسم فريق آخر (فريق الأقصى).
وتقول إنّ هناك قصورًا شديدًا من اللجنة الأولمبية، والوزارة والاتحادات الرياضية، حيث لا يوجد تنسيق مسبق أو مشاركة، مضيفةً: "نحن اللاعبات لا ندري لمن نلجأ، وفي المشاركات الخارجية لا حضور لنا، وعندما نتساءل نجد رمي كل التهم بين الاتحاد والوزارة، برغم أنّ الاتحاد الدولي الأولمبي يطلب مشاركة متساوية للذكور والإناث، إلى جانب وجود لاعبات مؤهلات حصدن مسبقًا ميداليات عدة، لكننا اليوم مركونات على جنب".
كما ترى أنّ بإمكان اللجنة الأولمبية أن تقيم خطة، بما أنّ الأولمبياد تقام كل أربع سنوات؛ لذا فإنّ الفترة كافية لتكوين فريق مؤهل يحوي ناشئات صغار، وأن يتم تدريبه باستمرار ويشمل عدة محافظات، ليكون فريقًا مؤهلًا لخوض غمار المشاركات الخارجية بمهارة عالية.
تتابع: "ما يحدث في المشاركات الدولية أنّه يتم اختيار اللاعبين وتدريبهم في معسكر مدة أسبوعين، وهي مدة لا تكفي للوصول إلى مستوى عالٍ والمشاركة باسم اليمن، وما حدث في أولمبياد باريس الحالية وخسارة اليمن أمام البعث الأخرى أكبر دليل".
حصدت سهام عامر أربع ميداليات؛ ثلاث فضية، وواحدة برونزية، في عدة أساليب قتالية لبطولة بيلاروسيا في عام 2017. وفي بطولة الأندية الدولية التي أقيمت في الأردن، حصدت ميداليتين ذهبيتين عام 2019، كما حصلت مؤخرًا بالتحديد عام 2023، على ميداليات ذهبية في مشاركتها ببطولة الأندية الدولية المقامة في الأردن لبطولة الواكو.

 

فرص التساوي بين الجنسين
في الوقت الذي لا تزال فيه سهير عبدالجبار تتذكر طفولتها عندما كانت تتابع باهتمام رياضة ركوب الخيل، وقوبلت برفض والدتها الشديد، التي رفضت حتى النقاش في الموضوع- لا تبدي أحلام المقالح، وهي مدربة وكاتبة أيَّ اهتمام بالألعاب الأولمبية، وتقتصر متابعتها على أنشطة الرياضة النسائية، حيث إنّ الاهتمام بالمشاركة في هذه الرياضات -حتى مع وجود القدرة على ممارسة بعض الألعاب الأولمبية، كالسباحة مثلًا، والجري (يُطلق عليها رياضة ألعاب القوى)- يتطلب إتاحة الفرصة والدعم والتشجيع من المجتمع؛ لذا فإنّ أحلامها ابتعدت عن هذا النوع من الاهتمامات، وتوجهت نحو تطوير مهارتها المعرفية.
تضيف سهير، بالقول لـ"خيوط": "كنت في صغري أتابع باهتمام الألعاب الأولمبية وأحلم أن أكون عدّاءة بسبب تميزي بين زميلاتي بالسرعة والركض"، قبل أن توجه اهتمامها صوب الفروسية، الذي اصطدم برفض أمها وامتناعها عن فتح أي نقاش في الموضوع، وسط مجتمع ينظر لهذا الأمر بشكل سلبي، بالرغم من وجود بنات فارسات في تلك الفترة.
في حين يبرز تأثير النظرة الذكورية في مشاركة المرأة في الرياضة، بحسب الكثير من النساء؛ إذ إنّ هناك تحيزًا واضحًا في هذا المجال منذ فترة طويلة، ونظرة دونية للنساء المهتمات بالرياضة، وما زال هذا التحيز موجودًا إلى حدّ ما.
لكن الأمور تتحسن تدريجيًّا مع تزايد الوعي المجتمعي، وتقبُّل مشاركة المرأة في مختلف الرياضات، مثل الشطرنج، إذ تعتقد المقالح في حديثها لـ"خيوط"، بضرورة أن تكون الفرص متساوية بين الجنسين في ممارسة الرياضة، وأن يتم دعم وتشجيع المرأة على المشاركة في الأنشطة الرياضية بشكل أكبر.
من جانبه، يؤكّد الماستر خالد الغيلاني، مدير الأكاديمية الدولية للألعاب القتالية في صنعاء، أنّ الفتيات يعانين من عدم تشجيع أو اهتمام من الاتحادات الرياضية وقطاع المرأة، أضف إلى ذلك أنّ العادات والتقاليد المجحفة بحق المرأة وتسليط الضوء عليها مؤخرًا، كلها أسباب لعزوف النساء وحضورهن المحدود في المشاركات الأولمبية والخارجية.
يضيف في تصريح لـ"خيوط": "إنّ الأكاديمية الدولية تحظى بإقبال جيد خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ نتيجة اهتمامنا بتدريب وتأهيل اللاعبات عن طريق بيئة مناسبة ومدربات متخصصات في مجال الألعاب المختلفة"، لافتًا إلى أنّ الترشيح للاعبات يتم حسب البطولات السابقة والحصول على ميداليات، مؤكدًا أنّ الاختيار يتم عن طريق الاتحادات واللجنة الأولمبية وقطاع المرأة في وزارة الشباب والرياضة.

 

الفعل السلبي والوضع السياسي
تؤكّد لاعبات ورياضيّات يمنيّات أنّ الهدف من المشارَكات الدولية التي يسعين لها بصفتهن لاعبات، هو رفع اسم اليمن عاليًا، في المحافل العربية والدولية، وتشريف اليمن في الأولمبياد. وأنهن يشعرن بالحزن كثيرًا في المشاركات الضعيفة التي تنتهي بالخسارة والفشل في حين تمتلك البلاد الكوادر الماهرة، ويتم استبعادها نتيجة النظرة القاصرة الذكورية؛ وفق حديث الكابتن سهام، التي تعمل في الأكاديمية الدولية للألعاب القتالية في صنعاء؛ وذلك بالرغم من أنّ فرص نجاح النساء تكون أعلى.

لكن في الوقت نفسه، ترى سهام أنّ نظرة المجتمع أصبحت أكثر وعيًا؛ نتيجة التزام اللاعبات بالعادات والتقاليد المجتمعية، إضافة إلى أن المجتمع أصبح مدركًا لأهمية أن تملك الفتاة القدرة على الدفاع عن نفسها، والحفاظ على صحتها واكتساب الثقة التي تكمن في الرياضة.
وشاركت اليمن في أولمبياد باريس بأربعة لاعبين، منهم لاعبة واحدة؛ ياسمين الريمي، لاعبة الرماية في تخصص مسدس هوائي 10 أمتار، التي يوضح الملحق الأولمبي للبعثة اليمنية في باريس، عبدالسلام السودي، أنها حسنت من أدائها من 551 إلى 559، بفارق ثماني نقاط.
ويبيّن السودي لـ"خيوط"، أنّ مشاركة ياسمين جاءت جزءًا من الجهود المبذولة لتعزيز دور المرأة في الرياضة اليمنية على الساحة العالمية، مضيفًا أنّ العادات والتقاليد ونظرة المجتمع في بعض المناطق التي ما زالت تنظر لممارسة النساء للرياضة نظرة سلبية، تكون حاجزًا كبيرًا حول انطلاق المرأة خارجيًّا.
في حين يُرجع أسباب محدودية مشاركة اللاعبات اليمنيات في المشارَكات الخارجية إلى الوضع السياسي والاقتصادي، والنزاعات المستمرة، ونقص الموارد المالية المخصصة لدعم قطاع الرياضة والمرأة، لا سيما في المحافظات الشمالية من اليمن.

 

العزوف عن الألعاب الرياضية
ويفيد السودي أنّ هناك قيودًا توضع أمام اللاعبات الرياضيات من خلال ارتداء الملابس، مضيفًا: "هناك ملابس خاصة في بعض الألعاب لا تتوافق مع التقاليد المتوارثة، أضف إلى ذلك عدم تشجيع الأُسر أو الجهات المسؤولة للفتيات، مما يتسبب في تقييدهن وعزوفهن عن المجال الرياضي".
وعلى الرغم من كل ما تعانيه الرياضة النسائية من تدهور للبنى التحتية، والدعم المادي شبه المعدوم، والإقصاء المتعمد من الجهات المعنية؛ كما يقول رياضيون، فإن هناك نساء حقّقن بطولات عالمية خارج اليمن، منهن: نورا الجروي- لاعبة تايكوندو، وفاطمة باوزير- لاعبة جودو على المستوى العربي والدولي، ونائلة نصر- بطلة العرب في كرة الطاولة، وسهام عامر- لاعبة ألعاب قتالية، وياسمين الريمي- لاعبة رماية، وغيرهن الكثيرات.
يُذكر أنّ الألعاب الأولمبية حدثٌ رياضيّ دوليّ، تقام كل أربع سنوات، وتشارك فيها عدة دول من جميع أنحاء العالم، للتنافس في ألعاب رياضية عدة.
وتعود أصول الألعاب الأولمبية إلى اليونان القديمة، وقد تم إحياؤها في العصر الحديث منذ عام 1896، وتقوم اللجنة الأولمبية الدولية باختيار المدن المضيفة، وتقام كل أربعة أعوام في مختلف دول العالم.


التعليقات