[ عاصم البوسي ]
استهدف الهجوم الإسرائيلي في الحديدة بُنىً تحتية مهمة تخدم الحوثيين: وهي مستودعات النفط والأسلحة ومخازن الذخيرة. في مارس 2022، أي قبل حوالي عامين، قصف التحالف السعودي المدينة الساحلية الاستراتيجية ردًا على هجوم شنه الأخيرون على مدينة جدة. استهدف هجوم الحوثيين حينها البنية التحتية النفطية وقلب الاقتصاد السعودي، لكن الرياض أدركت وقتها أنها لن تحقق هدفها الرئيسي المتمثل في الإطاحة بنظام الحوثيين الذي يسيطر على أجزاء من اليمن، حتى تتمكن القوى الأكثر اعتدالًا من استعادة السيطرة على أفقر دولة في العالم العربي.
ومنذ عام 2015 حتى نهاية 2022، حارب التحالف الذي تقوده السعودية المتمردين الذين كانوا على الأرجح أضعف بكثير منه. حينذاك، وجه العالم اتهامات للرياض وحلفائها بانتهاكات حقوق الإنسان، والتسبب في مجاعة جماعية عندما حاولوا إغلاق ميناء الحديدة، ووقف شحنات الأسلحة القادمة من طهران. ادعى السعوديون أنهم كانوا يقاتلون وأيديهم مغلولة، في حين انتقدهم البعض بأنهم انتهجوا استراتيجية فاشلة مع الافتقار إلى الحزم.
لم يبدِ معظم العالم اهتمامًا كبيرًا بهذه الحرب، ولم يعرفوا كثيرًا عن تفاصيلها. كما لم يُعرب معظم الإسرائيليين أيضًا عن اهتمام كبير بها حتى وقت قريب. لكن البعض في المنطقة أدرك الإمكانات التدميرية للجماعة المتطرفة المتمركزة عند مفترق طرق استراتيجي في البحر الأحمر؛ وبُذلت جهود لكبح جماح الحوثيين والإطاحة بنظامهم، ولكنها باءت بالفشل. هناك تشابه معين بين الوضع في اليمن والوضع في غزة والذي ظل يتدهور منذ أن استولت حماس على السلطة في القطاع عام 2007.
مع أن اليمن دولة ذات سيادة منذ عام 1962، وغزة هي جزء من الحكم الذاتي الفلسطيني وما تزال تناضل من أجل استقلالها؛ إلا أن القاسم المشترك بينهما هو سيطرة المنظمات الأصولية التي تدافع عن أجندة دينية متطرفة وتتلقى الدعم من دولة ترعى المنظمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، وهي إيران.
حاول العالم العربي على مدى 17 عامًا تحقيق المصالحة بين حماس وفتح، لكن دون جدوى. حاولت إسرائيل طيلة 17 عامًا التخلص من حماس (على الأقل رسميًا) بشتى الطرق -من الحصار إلى العمليات العسكرية. حاولت السعودية طوال 7 سنوات تفكيك نظام الحوثيين في اليمن (وتلقت مساعدات عربية وأمريكية)، لكنها لم تحقق نجاحًا. كما أن الأمم المتحدة لم تعزز أهدافها المتمثلة في تحقيق السلام ووقف مستدام لإطلاق النار في غزة أو اليمن.
يبدو أن العالم غير قادر على التعامل مع الجهات الفاعلة “المارقة” مثل حماس أو حزب الله أو الحوثيين، الذين يسيطرون على أجزاء من بلدان أو دول فاشلة. وبسبب الشلل العملي في الأمم المتحدة، لا توجد أي قدرة تقريبًا على اتخاذ قرارات جريئة ضرورية لاستعادة السيطرة على هذه المناطق من هذه الجهات “الخبيثة” -كما كان الحال، على سبيل المثال، في كمبوديا في أوائل التسعينيات.
إن اليمن مثال كلاسيكي للدولة الفاشلة. تشتعل فيها الحرب الأهلية منذ سنوات عديدة، تقريبًا منذ إعلان استقلالها. وحتى قبل اعتلاء الحوثيين السلطة، سيطر تنظيم القاعدة والمنظمات الجهادية الأخرى على أجزاء كبيرة منها. ولعب هذا أيضًا دورًا في دفع الحوثيين الشيعة إلى حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم من صعود الإسلام السني المتطرف.
لقد عانت إسرائيل من مضايقات الحوثيين منذ ما يقرب من عشرة أشهر، وقد أجادت إسرائيل في اتخاذها قرار الرد على إطلاق الطائرة المسيّرة نحو تل أبيب. لكن قدرات إسرائيل وحدها لا تكفي لهزيمة الحوثيين. إنه نظام إرهابي مدعوم من طهران، ويحكم مواطنين ضعفاء وجوعى يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية. لا يمتلك اليمن بنى تحتية كثيرة كالتي قُصفت يوم السبت، وحتى لو تدمر ميناء الحديدة بأكمله -ومن المؤكد أن المجتمع الدولي سيدلي بدلوه في هذا الشأن، كما فعل في مواجهة قصف التحالف السعودي -فمن المشكوك فيه أن تعطل هذه الخطوة أنشطة الحوثيين لفترة طويلة.
ولهزيمة جماعة الحوثيين “الإرهابية”، لا ينبغي لنا أن نهزمها عسكريًا فحسب، بل يتحتم علينا أيضًا أن نعزلها عن إيران ـمن خلال فرض حصار بحري مُحكم، وإنشاء حكومة بديلة. ولن يأتي ذلك بالضرورة من الساحة السياسية المفككة في اليمن، على غرار الوضع في كمبوديا قبل 30 عامًا. عندها فقط سوف يتوفر الأمن للمدن السعودية والإسرائيلية، وتأمين الممرات الملاحية الدولية في البحر الأحمر.
يتطلب تحقيق ذلك تحالفًا دوليًا واسعًا يشمل إسرائيل والدول العربية. ومن الواضح أن هذا لن يحدث طالما استمر القتال في غزة. الحل في قطاع غزة لن يكون بالضرورة محليًا، بل دوليًا وإقليميًا أيضًا.
على من يسعى إلى تحقيق “النصر المطلق” في كافة الساحات أن يركز على الاصطفاف مع اللاعبين الإقليميين والدوليين البارزين لبلورة بنية إقليمية جديدة ومستقرة. وبهذه الطريقة سيكون من الممكن التغلب على اللاعبين “المارقين” وعلى إيران راعيتهم الكبرى.
للاطلاع على المادة من موقعها الاصلي، يرجى زيارة الرابط التالي:
https://sanaacenter.org/ar/translations/23103