لم تكن سارة (اسم مستعار) تتوقع أن تطلب الطلاق بعد خمسة أشهر من زواجها، لكن افتقار حياتها الزوجية لمشاعر الحب والاهتمام دفعها لذلك. تقول سارة، وهي طبيبة صيدلانية: "تصورت الحياة الزوجية بصورة مختلفة عن التي عشتها. فقد سادها الفتور العاطفي، وقلة التقدير، لدرجة أن ثقتي بنفسي تزعزعت." لم يُتح لسارة التعرف على طليقها أثناء فترة الخطوبة، بسبب مشاغله.
تتابع سارة حديثها لخيوط: "عندما أفصحت عن رغبتي بالانفصال عن زوجي السابق نصحني الجميع بالصبر، وأنه سيتغير مع الأيام، لكني شعرت أني غير مضطرة للاستمرار في حياة بدايتها لا تبشر بخير."
•فقدان الأمان
لا يختلف ما تعيشه مريم (اسم مستعار) عما عاشته سارة، لكن الأولى لا تملك رفاهية الاختيار بين الاستمرار أو طلب الانفصال. فهي أم لثلاث بنات وحامل في شهرها الرابع. تصف مريم لخيوط حياتها في منزل أسرة زوجها بالقول: "كثيرا ما أتعرض للإهانة والسب من قبل أسرة زوجي، وأكثر ما يؤلمني هو أنه لا يدافع عني أو ينصفني عندما يقع علي ظلم، بل يعتقد أنه من العيب أن يدافع الرجل عن زوجته."
تحكي مريم صدمتها حيال ردة فعل زوجها عندما نشب خلاف بينها وبين أحد أفراد أسرة زوجها. حينها حاولت أن توضح الأمر له، لكنه صرخ في وجهها وأمرها أن تسكت. حينها شعرت بخذلان كبير وغادرت منزلهم غضبانة (حانقة) إلى منزل والدها.
بروفيسور علم النفس الاجتماعي نجاة صائم تقول في حديث لخيوط: "يقوم مفهوم الزواج في مجتمعنا اليمني على ركيزة أساسية، هي أن الزواج يتم بين عائلتين، وليس بين فردين. لذلك يعتبر سكن الأبناء وزوجاتهم مع الأهل ضرورة، بل وينظر إلى زوجة الابن على أنها يد عاملة تضاف إلى البيت، وأن عليها السمع والطاعة واتباع الأوامر التي تتلقاها من قبل من يمتلك السيطرة في البيت وله الكلمة."
وتضيف صائم: "في كثير من الحالات تحدث المشاكل داخل البيت وقد تجد الزوجة نفسها عاجزة عن حلها، خصوصا إذا كان الزوج غير قادر على اتخاذ موقف حازم تجاه هذه المشاكل، وحتى لا يظهر أنه مساند لزوجته أمام أهله."
تقول مريم أن ما ضاعف من شعورها بالحزن هو إدراك زوجها أنها لم تخطئ، وهو ما اعترف به أمام والدها حين جاء لمراضاتها، لكنه لم يستطع قول ذلك أمام عائلته.
تقول الدكتورة صائم إن ردة فعل الزوج حيال ما تعرضت له الزوجة من عنف وإهانة من المحتمل أن تشكل لها صدمة نفسية وعاطفية، تفقد معها الزوجة الشعور بالأمان، وتفقدها القدرة على اتخاذ القرارات. كما أن هذا الشرخ قد يتسبب باضطراب في العلاقة الحميمية بين الزوجين للحد الذي يفقد الزوجين الرغبة فيها."
•فتور المشاعر
الأخصائي النفسي، صخر الشدادي، يشير إلى بعد آخر لهذه الهيمنة الذكورية، وهو التسبب بما يسمى (الجفاف العاطفي) الذي بدوره يورث البعد بين الزوجين، وخلق عديد فجوات تتسرب خلالها الخلافات التي تنتهي بالانفصال الواقعي، أو الانفصال النفسي والشعوري عن الشريك.
يقول الشدادي: "طبيعة الحياة التي يعيشها الرجل اليمني تجعله يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره. في المقابل تتراكم لدى النساء بفعل المسلسلات، والفضاء المفتوح، انطباعات غير واقعية عما يفترض أن تكون عليه العلاقة الزوجية. هذه الهوة بين طبيعة التنشئة للرجل الذي يعتقد أن تلبية متطلبات العيش الأساسية للزوجة والبيت هو كل ما عليه تجاه شريكته، وبين الصورة الوردية- المنفصلة بشكل كلي عن الواقع اليمني- المتكونة لدى المرأة تبتلع كل فرص التوافق والاحترام بين الزوجين."
تحتفظ معظم الأسر بموروث مجتمعي يحتم على الرجل إظهار الحزم وعدم اللين في تعامله مع زوجته، ليكون هو السيد وصاحب الكلمة العليا في البيت، وحفاظا على حضوره الاجتماعي أمام أهله وأصدقائه ومعارفه الذين يرون ضرورة الهيمنة والاستفراد بالرأي والقرار مهما كانت صوابيته من خطئه.
•كن رجلا
اعتاد الذكور في اليمن على سماع عبارة (قع رجال،) أي كن رجلا، وهي عبارة تدفع الذكر منذ نعومة أظافره إلى إظهار القسوة وعدم إظهار أي مشاعر إنسانية مهما كان تأثير الموقف أو الظرف الذي يمر به، حتى إذا ما صار بالغا ومتزوجا فإنه يجد حرجا كبيرا في إظهار عواطفه، أو إبداء اللطف في معاملة زوجته أمام الناس، وهذا أمر يمكن ملامسته في أبسط تعاملاته مع زوجته، إذ غالبا ما يتحاشى الزوج الرد على زوجته أمام الناس، أو قد يلجأ للرد عليها بصيغة المذكر، حتى إن الإفصاح باسم الزوجة أمام الغير يعد أمرا معيبا. لذا يعمد الأزواج تدوين أسماء زوجاتهم في هواتفهم بكنية أو بأسماء مستعارة. وقد استطلعت خيوط بعض أسماء الزوجات في هواتف أزواجهن، فكان لقب (المدير) هو ما يدون به فؤاد الجبني اسم زوجته في جواله، أما أحمد المطري فيدون اسم زوجته (أم العيال،) ومحمد حسن مدون اسمها بـ (الحجة)، وصالح العجي يحفظ رقم زوجته باسم (العائلة،) فيما لجأ ناصر الشريف إلى حفظ اسم زوجته تحت رقم ( 123،) أما فواز الطيري فاختار لزوجته اسم ( الحاج حمود ) معللا ذلك بأن هذا الاسم لا يبعث الشك مطلقا في أن المتصل هي زوجته!!
•تعبئة خاطئة
هذا المفهوم الخاطئ للرجولة هو المسيطر على عقلية كثير من اليمنيين، وهو ذاته السبب الرئيس في خلق الشقاق والاختلالات الزوجية، بسبب تفرد الرجل بقرارات تخص شريكته فيحرمها من بعض أمور حياتها كالدراسة والخروج للعمل كما حدث مع عائشة (اسم مستعار) التي أُجبِرت على ترك وظيفتها بإصرار من زوجها. تستنكر عائشة موقف زوجها من عملها وتتحدث لخيوط قائلة: "كنت أعمل في إدارة الحسابات المالية لمدرسة خاصة بالبنات، لم أكن أختلط بالذكور، ولم أقصر في واجباتي تجاه بيتي وزوجي، لكنه أصر على ترك وظيفتي."
تحتفظ معظم الأسر بموروث مجتمعي يحتم على الرجل إظهار الحزم وعدم اللين في تعامله مع زوجته، ليكون هو السيد وصاحب الكلمة العليا في البيت، وحفاظا على حضوره الاجتماعي أمام أهله وأصدقائه ومعارفه الذين يرون أن الهيمنة والاستفراد بالرأي والقرار مهما كانت صوابيته من خطئه، ومهما كانت تداعياته وتبعاته، وعدم السماع للنساء سواء كانت زوجة أو أختا أو أما، يرون كل هذه أمورا تثبت رجولته.
•أدوار منمطة
يتذكر نور الدين (اسم مستعار) ما حدث معه بعد زواجه قبل 12 سنة، عندما اشترى لزوجته هدية وقالب حلوى للاحتفال بعيد ميلادها. حينها أصبح محطا للنكت والسخرية من قبل عائلته الذين استنكروا تصرفه هذا، واعتبروه مؤشرا على سيطرة زوجته عليه. يقول نور الدين لخيوط: "انهالت علي تعليقات أهلي الساخرة. استمر الأمر أكثر من أسبوعين بشكل مكثف، بل كانوا يتذكرونه بين الحين والآخر. حتى إن أحد أفراد عائلتي قال لي: ’قدك سكان يمين من ذلحين،‘ وهي عبارة تعني أنني صرت أداة طيعة بيد زوجتي. كل هذا بسبب هدية في أول عيد ميلاد لها في بيت الزوجية،" ينهي نور الدين حديثه باستغراب.
يتابع الشدادي: "يتم تربية الطفل على أن الرجل لا يستمع لكلام المرأة، وأنه المتحكم في البيت. لذا يرى الكثير من الرجال أن منع الزوجة من الدراسة أو العمل، والتضييق عليها أثناء دخولها وخروجها، هما من كمال الرجولة."
وعليه تستمر معاناة المرأة اليمنية في مجتمع تتحد فيه النزعة الذكورية للرجل مع معتقدات اجتماعية تعزز مع سلطته، و تجعل المرأة في مواجهة غير متكافئة مع ثنائية الرجل والمجتمع.
الشدادي ينهي حديثه لخيوط بالقول: "يردد المجتمع على مسامع البنت أنه ليس أمامها إلا زوجها أو قبرها، وهنا تضغط الأسر على فتياتها على تحمل أزواجهن على عيوبه، وأنه المستفرد، وهذا الأمر بدوره يجعل الزوجات يعشن بشكل ذليل، خانع، وينشئن بناتا يشبهنهن، ويدرن في ذات الحلقة المفرغة التي لا خلاص منها إلا بتربية سوية للأبناء والبنات على حد سواء."