بفعل الحرب الاقتصادية المستعرة بين الحكومتين، يدفع الاقتصاد اليمني والبنوك ثمن هذه الحرب، وتنعكس آثاره على المواطن، الذي بات يعيش تحت خط الفقر والعوز.
في خطوة حاسمة، قرر البنك المركزي في عدن إيقاف التعامل مع مصارف وبنوك عدة، لتخلّفها عن نقل مراكزها الرئيسة إلى مدينةِ عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، بعد انتهاء المدة المعلنة منذ مطلع نيسان/ أبريل هذا العام.
ووجّه مركزي عدن البنوك والمصارف والجهات والأفراد كافة بإيقاف التعامل معها وإعلان سحب العملة اليمنية القديمة؛ بعدما طبع مركزي صنعاء عملة جديدة في آذار/ مارس 2024، وودع اليمنيون -في صنعاء- عملتهم الورقية من فئة 100 ريال بعد خمسين عاماً على تداولها، وهي الخطوة الأولى الذي يتخذها هاشم إسماعيل، محافظ البنك المركزي الخاضع للحوثيين. ووفقاً لحديثه الى “درج”، فإن إدارته قد تصدر فئات جديدة، قائلاً إن إدارته تلبي احتياجات السوق المصرفية، وإن العملة الجديدة طُبعت وفقاً لدراسات سابقة، وإنها تنفّذ توصيات الدراسات التي تقوم بها الإدارة المختصة.
لكن المحلّلين يقولون إن هذه الخطوات ستؤدي إلى تعقيدات اقتصادية ومالية متعددة؛ وتؤثر -سلباً- في النشاط المصرفي واستقرار العملة، إضافة إلى مزيد من تدهور قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأخرى وانقسام سياسي واقتصادي في البلد.
•اتساع الفجوة الاقتصاديّة
توالت التحذيرات من خبراء الاقتصاد، واعتبروا أن طباعة عملة جديدة من بنك صنعاء ستكون مسماراً أخيراً في نعش الاقتصاد الموحد، وهي خطوة صريحة لانقسام البلد، الأمر الذي استدركه محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي في عدن ليبدأ سلسلةً من القرارات في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد الوطني وتوحيد العملة كما جاء في مؤتمره الصحافي.
عدنان الصنوي، أكاديمي اقتصادي في جامعة صنعاء، قال إن انقسام العملة يؤثر بشكل رئيس على حركة تداول الأموال ونقلها وتحويلها بين المحافظات والمناطق اليمنية المجزأة بين صنعاء وعدن، فمن المعروف أن حكومة صنعاء تمنع تداول الطبعة الجديدة للفئات النقدية المختلفة التي اعتمدها البنك المركزي في عدن، وبالمثل يمنع تداول الفئة المعدنية التي أصدرها البنك المركزي في صنعاء في مناطق حكومة عدن، بالتالي تسببت هذه الإجراءات كلها بشح السيولة في مناطق حكومة صنعاء، والذي بدوره أدى إلى ركود اقتصادي كبير مع عجز المواطنين والتجار عن الإيفاء بالتزاماتهم.
وأضاف أن الطلب المتزايد على الفئات النقدية القديمة أدى الى تداول التالف منها، وهذا بدوره حافظ على سعر الصرف من الانهيار بعكس العملة في المحافظات الواقعة تحت الحكومة الشرعية، والتي وصل سعر الصرف فيها إلى 1706 ريالات للدولار الواحد.
واختتم الصنوي حديثه بأن الوضع الاقتصادي يشير -فعلياً- إلى وجود شطرين مع انفصال الإجراءات الاقتصادية بين حكومتي صنعاء وعدن.
اتسعت الفجوة الاقتصادية في اليمن شمالاً وجنوباً بعد حظر تداول العملة الصادرة عن مركزي عدن، وتجلتْ الفوارقُ السعرية لانقطاع الرواتب في صنعاء والعجز الشرائي في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
وبحسب دراسة للمنتدى الاقتصادي، فقد بدا جلياً حجم الفجوة بين صنعاء وعدن من حيث حجم مصدر الدخل وحجم الحاجة الشهرية للأسرة الواحدة، إذ تظهر عينة المسح متوسط الدخل الذي تحصل عليه الأسرة الواحدة المكونة من 5 أشخاص بفارق كبير لمصلحة عدن.
•فروق الصرف
أدى منع تداول العملة في صنعاء وطباعة عملة جديدة في عدن، إلى تضخّم في عدن وانكماش في صنعاء، وأدخلت طباعة العملة سعر الصرف في سباق ماراثوني. وبفعل الحرب الاقتصادية المستعرة بين الحكومتين، يدفع الاقتصاد اليمني والبنوك ثمن هذه الحرب، وتنعكس آثاره على المواطن، الذي بات يعيش تحت خط الفقر والعوز.
واشتعلت هذه الحرب بإعلان البنك المركزي في صنعاء سك عملة معدنية من فئة 100 ريال، والذي أدى إلى إصدار مركزي عدن قرارات متتالية بدأت بنقل المقرات الرئيسة للبنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر إلى عدن، وسحب جميع فئات العملة المطبوعة قبل 2016 تمهيداً لإلغائها، كردة فعل حكومية للحفاظ على الاقتصاد الوطني كما وصفها القرار.
•حرب البنوك وتداعياتها
خلال الشهرين الأخيرين، أصدر البنك المركزي -المعترف به دولياً- سلسلة قرارات لفرض سيطرة مالية ستؤدي في النهاية إلى تغير واضح في الواقع الاقتصادي والسياسي، لا سيما أن قراراته قوبلت بإجراءات مشابهة من مركزي صنعاء.
بدأ الصراع بين البنكين المركزيين منذ 18 أيلول/ سبتمبر 2016، بقرار جمهوري بنقل عمليات البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، لكن بلغه ذروته مع أول مسيرة حوثية أطلقت ضد موانئ وسفن التصدير النفطي في شبوة وحضرموت أواخر 2021، والتي جاءت بعد تسهيلات قدمتها الشرعية للحوثيين بفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
وبحسب الصحافي الاقتصادي محمد الجماعي، فإن قرارات مركزي عدن الأخيرة تأتي وفقاً لصلاحياته بتنظيم عمل البنوك، ومنها البنوك التي فقد التواصل معها بسبب سياسة التهديد والتضييق التي تمارسها حكومة صنعاء الانقلابية، والتي حوّلت صالات مصارف تلك البنوك إلى قاعات محاكم بينها وبين المودعين بسبب احتجاز الحوثي ودائعهم منذ العام 2016، فضلاً عن إصدار صنعاء “قوانين” لتغيير عمل تلك البنوك.
وأوضح مركزي عدن أن سرعة نقل تلك البنوك مقارها الرئيسية إلى العاصمة عدن، يجنّبها خطر التصنيف والعقوبات بتهمة التعامل مع جماعة مصنّفة إرهابية، بخاصة أنها تعاني منذ سنوات من صعوبة الوصول إلى بنوكها المراسلة لها في الخارج بذريعة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب.
ويرى الجماعي أن البنك المركزي في عدن -هذه المرة – بدا أشد صلابة وأقل اهتماماً بتبعات القرارات التي أصدرها، وآخرها قرار نقل البنوك، الذي جاء عقب جريمة طباعة عملة معدنية ارتكبها الحوثيون في صنعاء.
ويضيف، “في اعتقادي، أن البنوك سترضخ للانتقال مهما كانت كوارثه، لأن العقوبات التي هدّد بها مركزي عدن أشد كارثية على وجودها من الأساس، وأن اليمن سيواجه كارثة قد تقضي على نصف قطاعه المصرفي.
الصحافي الاقتصادي ماجد الداعري يقول لـ”درج”: بالفعل هناك مخاطر وتحديات تتعلق بالوضع الاقتصادي نتيجة قرار نقل مقار البنوك إلى عدن، لأن الحوثيين لن يسمحوا بذلك، واشترطوا أن يتم تسليم ودائع المواطنين، وهي تريليونا ريال يمني، وهذا مستحيل في ظل الأوضاع الحالية.
يتوقع الداعري عدم نقل المراكز إلى عدن، وأنه قد تكون هناك عقوبات مثل فصل السويفت، فيما ستحتّم حاجة البنوك إلى السويفت عليها عقوبات كبيرة، والمتضرر الأول والأخير هو القطاع المصرفي، مشيراً الى أنه بعد ستين يوماً من سحب العملة ستبدأ الحرب الحقيقة بين البنكين.